(229)
(536)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب ما جاء فيما يُعتدُّ به مِن السَّخْلِ في الصدقة، وباب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعتا.
فجر الأربعاء 21 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ
715 - حَدَّثَنِي يَحْيَى ،عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنِ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِي، عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَدِّقاً، فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلاَ تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئاً. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلاَ تَأْخُذُهَا، وَلاَ تَأْخُذُ الأَكُولَةَ، وَلاَ الرُّبَّى, وَلاَ الْمَاخِضَ، وَلاَ فَحْلَ الْغَنَمِ، وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالسَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ حِينَ تُنْتَجُ. وَالرُّبَّى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ فَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا، وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ، وَالأَكُولَةُ هِيَ شَاةُ اللَّحْمِ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُؤْكَلَ.
716 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ لاَ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَتَوَالَدُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْمُصَدِّقُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَتَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِوِلاَدَتِهَا. قَالَ مَالِكٌ: إِذَا بَلَغَتِ الْغَنَمُ بِأَوْلاَدِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَعَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ وِلاَدَةَ الْغَنَمِ مِنْهَا، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أُفِيدَ مِنْهَا بِاشْتِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَرْضُ لاَ يَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَيَبْلُغُ بِرِبْحِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَيُصَدِّقُ رِبْحَهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً أَوْ مِيرَاثاً لَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهُ أَوْ وَرِثَه.
قَالَ مَالِكٌ: فَغِذَاءُ الْغَنَمِ مِنْهَا، كَمَا رِبْحُ الْمَالِ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهِ مَالاً، تَرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَفَادَ، فَلَمْ يُزَكِّهِ مَعَ مَالِهِ الأَوَّلِ حِينَ يُزَكِّيهِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ غَنَمٌ، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ إِبِلٌ، تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيراً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ شَاةً، صَدَّقَهَا مَعَ صِنْفِ مَا أَفَادَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ يُصَدِّقُهُ، إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَفَادَ نِصَابُ مَاشِيَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.
باب الْعَمَلِ فِي صَدَقَةِ عَامَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَتا
717 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَإِبِلُهُ مِئَةُ بَعِيرٍ، فَلاَ يَأْتِيهِ السَّاعِي حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أُخْرَى، فَيَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ وَقَدْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ إِلاَّ خَمْسَ ذَوْدٍ. قَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنَ الْخَمْسِ ذَوْدٍ، الصَّدَقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَبَتَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، شَاتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ شَاةٌ، لأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ، فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ نَمَتْ، فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُصَدِّقُ زَكَاةَ مَا يَجِدُ يَوْمَ يُصَدِّقُ، وَإِنْ تَظَاهَرَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَدَقَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ إِلاَّ مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ عِنْدَهُ، فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَاتٌ، فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا، أَوْ صَارَتْ إِلَى مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُ لاَ صَدَقَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ ضَمَانَ فِيمَا هَلَكَ، أَوْ مَضَى مِنَ السِّنِينَ.
الحمدُ لله مُكرمنا بشريعتهِ وأحكامهِ، ومُبيّنها على لسان عبدهِ المخصوصِ بِأعلى مَنِّهِ وإكرامه، سيدنا مُحمّدٍ صلَّى الله وباركَ وكرَّم عليهِ في كُلِ لمحةٍ، ونَفس، بأزكى صلاتهِ وسلامهِ، وعلى آلهِ الأطهار، وأصحابهِ الأخيار، ومن والآهم في الله، فشُرِّفَ بالإقتداءِ به وائتمامه، وعلى آبائهِ وإخوانهِ مِنَ الأنبياءِ والمرسلين، ساداتِ أهل إفضال اللهِ وإنعامه وجوده وإكرامه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عبادِ الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
يواصل الشيخ سيدنا الإمام مَالِكْ -عليه رضوان الله- ذكرَ الأحاديث المتعلقة بالزَّكاة، وقال: "باب مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ"
فذكرَ في هذا البابِ ما يدلُ على أنَّ:
فإذا قَصُرت الماشية عن النِصاب وأكملت نصابًا بالناتج منها يقول: يستأنف مِنْ حين كملت نصاب حولًا جديدًا.
وهكذا نعرفُ في حَولِ النِتاج، حَول الأصل إن كان نصابًا، وإن لم يكن الأصل نصابًا، فحَول الجميع مِن حينِ كَمالِ النِصاب؛
وهكذا فإذا أجتمعت الصِّغار والكِبار وكانَ واحدٌ منها كبيرًا، فإن الصِّغار تُعد، ويجبْ فيها ما يجبْ في الكُبار، وجاءَ في الحديث أن تُعد صغارها وكبارها.
وذكر لنا الإمام مَالِكْ هذا الأثر الذي نقرأه الآن عن سيدنا عُمر رضي الله تعالى عنه، فإذا كانت جميع الإبل صادفَ أنها فُصلان يعني صِغار، فِصال؛ قُعدان، أو بقرٌ كلها عجول، عجاجيل صغار، أو غنمه وكلها سِخْال، بأن ماتت أُمهاتها في أثناء الحَول، وهيَ بالغة النِصاب، فالحَنفية يقولون: ليس في الفُصلان والعَجاجيل والحِملان صَدقة.
وهكذا كانَ الآخِر مِنْ أقوال أبي حَنيفة، وقال بهِ محمّد بِن الحَسن، وقد رُويَّ قبل ذلك عن أبي حَنيفة أنه يقول: يجبْ فيها ما يجبْ في الكبار، الجذع والثنية، فعليهِ أن يشتري جَذعة وثَنية ويتصدقْ بها، وهذا مذهب الإمام مالك كما يشير إليه عندنا في المُوَطأ.
وقالَ الإمام الشَّافعي وكذلك الرواية المشهورة عن الإمام أحمد بِن حَنبَل: ما دام كُلها صارت فِصالًا، أو كُلها صارت سِخْالًا، أو كُلها صارت عجاجيل، فيأخذ واحد منها، يأخذ متوسط منها.
فهذهِ المسائل متعلقة بحديث الباب فيُخبرنا: "عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ" أرسله، "مُصَدِّقاً" جابيًا للصَدقة وجامعًا للزَّكاة، "فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ"؛ يعني: يحسب "بِالسَّخْلِ فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ" تعدها تحسبها بالعدد؛ أين "وَلاَ تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئاً" نعطيك سَخْلة لا تقبل، لا يقبل السَخْلة ولا يقبل كبيرة هَرِمة، يَأخذ متوسط، قال: "فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ" قال: قالوا إنكم تعدوا علينا السَّخْل ولا تقبلونها، "فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ تَعُدُ" يعني نحسبْ في العدد السِّخْال الصغيرة، "يَحْمِلُهَا الرَّاعِي"، ولا تقدر على المشي لصغرها، ما زالت صغيرة يحمِلها على أيامَ ولادتها، وإنْ كانَ كذلكَ أنْ نعُدها "وَلاَ تَأْخُذُهَا" في الزّكاة، "وَلاَ تَأْخُذُ الأَكُولَةَ، وَلاَ الرُّبَّى، وَلاَ الْمَاخِضَ" يعني الحامل، "وَلاَ فَحْلَ الْغَنَمِ" الذّي يلقحُ بهِ الغنم، "وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ"؛ أي: ما كانَ شابًا فتيًا فيقالُ لهُ جذعَ،
يقولُ أيضًا جاءَ عندَ المَالِكية: في أربعينَ شاة جَذع، أو جذعة ذو سنة، ولو كانَ معزًا، يعني قد أكملَ سنة تامة، ويُؤخذُ "الثَّنِيَّةَ" أيضًا في الزّكاة، وفي روايةٍ عن الحَنفية: لا يُؤخذُ الجذعْ من الضَأنِ إلاّ في روايةِ الحَسن عنْ أبي حَنيفة. وفي الخبرِ إنّما حقُنا؛ أي في الزّكاةِ، الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّ، وهو التي تصحُ بهِ الأُضحية، فإذًا عندَ الحَنَفِية و المَالِكية: لا يصحُ في الزّكاةِ أصغر من سنَة.
قال: "وَذَلِكَ" يعني أخذَ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّ وعدم أخذَ السَّخْلِ "عَدْلٌ" أي وسطٌ "بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ"؛ يعني: الرّديء من الغنمِ "وَخِيَارِهِ" يعني الرّديء والجيد. وكما جاءَ أيضًا عنهُ سيدنا عُمر قال: كنا كما نحسِبُ الجيد، ولا نأخذه، ما نأخذ الأجود عليهم، نأخذُ المتوسط، وكذلكَ نحسبُ السَّخْلة، الصّغار، ولا نأخذه، لا نقبله، كما أنّنا نحسب في العدد الأجودُ منها والجيد ولا نأخذهُ، ونأخذُ من الوسط.
"قَالَ مَالِكٌ: وَالسَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ حِينَ تُنْتَجُ"؛ يعني: ساعةُ تُولد، فهذا العرب يُسمونهُ سَخْلَةُ، إذا وضعتها أُمها من ضأن ومعز يقال له: سَخْلَةُ، "وَالرُّبَّى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ" الرُّبَّى، الشّاة إذا ولدت فهي تُربي وتُرضعُ ابنها، فيقالُ لها: رُّبَّى، وكذلكَ يُطلقُ على حديثةِ النّتاجِ إذا قد مضى لها مِن ولادتها شهر أو شهران يُقالُ لها: رُّبَّى، "وَالرُّبَّى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ فَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا" والتي تُربَّى من الغنمِ لأجلِ اللبنِ، فهي تُربي ولدها. "وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ" الْمَاخِضُ مِنْ النِّساء، والإبل، والشّاة المُقرب، الْمَاخِضُ التي قد حانَ قرُبَ ولادتها، "وَالأَكُولَةُ"؛ يعني: المُسَمَنة للأكل، ومُعدّينها مِنْ أجل أن يذبحوها؛ فلا نأخذها عليهم، "شَاةُ اللَّحْمِ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُؤْكَلَ"؛ هذهِ الأَكُولَةُ، الشّاة تُسَمَن وتُعزل لِتستريح؛ وليست بِسائِمة، فهذهِ مِنْ كرائمِ أموالهم، وقالوا: إيَّاكَ وكرائم أموالهم؛ فلا يُؤخذ.
جاء عن بشر بن عاصم، عن أبيه، عن جده، قال: استعملني عمر -رضي الله عنه- على صدقات قومي، فاعتددت عليهم بالبهم، فاشتكوا ذلك وقالوا: إن كنت تعدّها من الغنم فخذ منها صدقتك! قال: فاعتددنا عليهم بها، ثم لقيت عمر فقلت: إن قومي استنكروا على أن أعتد عليهم بالبهم" يعني: الصغار "وقالوا: إن كنت تراها من الغنم فخذ منها صدقتك. فقال عمر -رضي الله عنه-: اعتدّ على قومك يا سفيان بالبهم وإن جاء بها الراعي يحملها في يده"؛ ما زالت صغيرة وُلدت ما تقدر تمشي، جاء يحملها للمرعى "وقل لقومك إنا ندع لهم الماخض والربى وشاة اللحم وفحل الغنم، ونأخذ الجذع والثنى، وذلك وسط بيننا وبينكم في المال".
و "قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ" بمقدارٍ "لاَ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ" قال لم تبلغ نصاب، "فَتَوَالَدُ" أي: تتوالدُ أثناءَ الحولِ، "قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْمُصَدِّقُ" أي: السّاعي للصّدقة من قبلِ الإمام الحاكم، "بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَتَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِوِلاَدَتِهَا. قَالَ مَالِكٌ: إِذَا بَلَغَتِ الْغَنَمُ بِأَوْلاَدِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ" وصلتْ أربعين فأكثر "فَعَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ, وَذَلِكَ أَنَّ وِلاَدَةَ الْغَنَمِ مِنْهَا"؛ يعني: يُحسبُ معها، وهو مذهبُ الإمام مَالِكْ: أنّ حولها حولَ أُمهاتها وإن كنّ دونَ نِصاب، إذًا يُكملُ النِّصابُ بالنِّتاج هذا مذهب الإمام مَالِكْ.
وجاءَ عندَ المَالِكيَة: أنّ وصول السّاعي شرطُ وجوبُ الزّكاة، إن كان ثَمَّ ساعٍ ووصل، فإذًا ماتَ شيءٌ مِنَ المواشي بعدَ الَحولِ قبلَ مجيئهِ فلا يُحسبْ؛ ويُزَّكى الباقي، وكذلكَ ما يحصُل بعدَ الحَول قبلَ مجيئهِ، الزّكاةُ تجبُ بحلولِ الحَول، وهو المعتمد عنَد الشَّافعية وهو أيضًا قولُ الإمام أبي حَنِيفة، والإمام أحمدْ.
وشرطُ الوجوب للزّكاةِ:
وهكذا يقولُ الإمام مَالِكْ: لو أُتلفَ الماشية بعدَ الحَول قبلَ إمكان الأداء لا زكاةَ عليهِ؛ إذا لم يقصد الفرار من الزّكاة.
قالَ ﷺ: "لا زكاةَ في مالٍ، حتى يحولُ عليهِ الحَول" إذًا، فالوجوبُ في تمامِ الحَول، فلا تسقطُ بتلفِ المالِ فرَّطَ أو لمْ يُفرّط؛ هكذا قالَ الإمام الشَّافعي والإمام أحمدْ. ويقول به مَالِكْ في الأموالِ غيرِ الماشية، الماشية عندهُ إذا قدْ حالَ الحَول عليها فلا بُدَّ أن يتمكن مِنْ ذلك بأن يجئ المُصّدِق، فإذا تلفتْ قبلَ أن يجئ المُصدق فلا شيء، إذا كانَ المُصدق مُنتظم يأتي في كُل عام.
"وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أُفِيدَ مِنْهَا بِاشْتِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ"؛ يعني: حُكمُ النِّتاج يتبعْ الأُمهات في حَوله بخلافِ ما أُشتري، أو حصلَ هبةٍ، أو أرثًا، من أبيهِ، أو أخيهِ، فإنِّ إستفادَ مالًا بأرثٍ أو هبة، فلا زكاةَ حتى يحُولَ عليه الحول؛ إلاّ نِتاج السّائمة.
قال: "وَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَرْضُ"؛ يعني: عروضُ التِّجارة، "لاَ يَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَيَبْلُغُ بِرِبْحِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَيُصَدِّقُ" فيُؤدي صدقتهُ، "رِبْحَهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً أَوْ مِيرَاثاً لَمْ تَجِبْ فِيهِ"؛ أي: في النَّماء، أي: شيءٌ إشتراه، هذا معنى فائدة أو ميراث فـ "تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهُ أَوْ وَرِثَهُ" فكما يُضمُ رُبحُ العينِ إلى العينِ، لأنه يحصلُ عنهُ، فيُضمُ نِتاجُ الماشية إلى الماشية لأنّهُ يحصلُ منها.
"قَالَ مَالِكٌ: فَغِذَاءُ الْغَنَمِ"؛ يعني: صِغارها، سِخْالها "مِنْهَا"، أي: مِنَ الغنم، "كَمَا رِبْحُ الْمَالِ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهِ مَالاً" حصلَ على مالٍ آخر عن طريقِ الفائدة، "تَرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَفَادَ، فَلَمْ يُزَكِّهِ مَعَ مَالِهِ الأَوَّلِ حِينَ يُزَكِّيهِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ غَنَمٌ، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ إِبِلٌ، تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَفَادَ إِلَيْهَا بَعِيراً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ شَاةً، صَدَّقَهَا"؛ أي: أدَّى زكاةَ الفائدة "مَعَ صِنْفِ مَا أَفَادَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ يُصَدِّقُهُ، إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَفَادَ نِصَابُ مَاشِيَةٍ".
"قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ".
ثُم تحدّثَ عن صَدَقَةِ العَامَيْنِ فقالَ: "باب الْعَمَلِ فِي صَدَقَةِ عَامَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَتا".
"قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا" يعني في المدينةِ، "فِي الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ" يعني: الزكاة، بأن وجِدتْ شُروطها، "وَإِبِلُهُ مِئَةُ بَعِيرٍ، فَلاَ يَأْتِيهِ السَّاعِي حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أُخْرَى" يعني: مضت سنة ما جاء "فَيَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ وَقَدْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ إِلاَّ خَمْسَ ذَوْدٍ. قَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنَ الْخَمْسِ ذَوْدٍ، الصَّدَقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَبَتَا عَلَى رَبِّ الْمَال" لسنتين، يعني: يأخذ شاتين "شَاتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ شَاةٌ، لأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ" وهذهِ قد هلكت، بقيَ مِنَ المئة خمس، فالخمس خُذ منها صدقةُ السّنة هذهِ، والسّنة الماضية التي لم يُخرِجها، فَشاتين، وإن هلكت قبلُ أن تجيء ليس عليك شيء، ولكن قالَ غيره التي هلكت بعد الحولِ عليهِ زكاتها باقي المئة. قالَ:"لأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ" يعني: يوم يأتيهِ السّاعي، هذا في مذهب الإمام مَالِكْ عليهِ الرِّضوان.
إذًا الاعتبار على وجوبِ الصّدقة في الأموالِ الظّاهرة عندَ المَالِكْية في يوم مجئ السّاعي، فإن كان يوم وجوبها بحضورهِ ومجئ السّاعي فيعتبرُ المال الحاصل عندئذٍ. وهكذا يقولُ أبنْ القاسم، قُلنا لِمَالِكْ: لو أنّ إمامًا شُغِلَ فلم يَبعث المُصدّق سنين قالَ يُزكي إذا جاءَ؟ قالَ: يُزَّكي السّنين الماضية، كُلّ شئٍ وجدهُ في أيديهم من الماشية لما مضى مِنَ السّنين على مع ما وجدَ في أيديهم؛ أمّا ما مات لا شيء عليه. قلتُ: أرأيت إن كان خمسًا مِنَ الإبل، فمضى لها خمس سنين لم يأتِ فيها السّاعي، فأتاه بعد خمس سنين؟ قال: عليهِ خمسُ شياه، وهذا أيضًا متفقٌ مع غيرهِ فيهِ لإنّه لم يهلك شيء.
وهكذا يقولُ المَالِكْية: من تأخرَ عنهُ السّاعي وتلفت ماشيتهُ لا يضمنُ ماشيته، لأنّ إن كانَ الأداءَ إلى الإمام مِنْ شرائطِ الوجوب في الأموال الظّاهرة، ولا يتمّ إلاّ بحضورِ السّاعي ومجيئهِ لأخذِ الصّدقة؛ بخلاف إذا تلفت قبل حولها فعندَ مَالِكْ وعندَ غيرهُ مِنَْ الأئمة: ليسَ عليها زكاة، أما إذا حالَ عليها الحول وإن لم يأتِ السّاعي وإن لم يأتِ المُصدّق فهو واجبٌ عليهِ يخرِج زكاتهُ.
"فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ نَمَتْ، فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُصَدِّقُ زَكَاةَ مَا يَجِدُ يَوْمَ يُصَدِّقُ" هكذا مذهبْ الإمام مَالِكْ "وَإِنْ تظاهرت عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَدَقَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ إِلاَّ مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ عِنْدَهُ"؛ يعني: عندَ ربَّ المال هذا مذهبْ مَالِكْ، "فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُه" أي قبلَ أن يأتي هذا السّاعي للصّدقة "أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَاتٌ"؛ يعني: أتى السّاعي كُلَّ عام "فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا، أَوْ صَارَتْ إِلَى مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُ لاَ صَدَقَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ ضَمَانَ فِيمَا هَلَكَ، أَوْ مَضَى مِنَ السِّنِينَ."
فيظهرُ الفرقُ في الخِلافِ إذا كانتْ في الذّمة، فحالَ على مالهِ حَولان، لم يؤدِ الزّكاة وجبَ عليهِ أداءها لما مضى، ولا تنقص عنه الزكاة في الحَول الثّاني، فلو كانَ عندهُ أربعون شاة، مضى عليهِ ثلاث أحوال وجبَ عليه ثلاثَ شياه، أما إذا قُلنا تتعلقُ بالعينِ، فحالت عليها أحوال تعلقت الزَّكاة في الحَول الأولِ من النِّصاب بقدرها، إنْ كان نِصابًا لا زيادةً عليهِ، فلا زكاة فيما بعدَ الحَول الأولِ، لماذا؟ لأنّها نقصت واحدة، لديهِ أربعين ولم يُزكِّ ثلاث سنوات، والواجب عليهِ عندَ الجمهور أن يُخرجُ ثلاث شياه لِلثلاث سنين.
وقالَ المَالِكْية: هذه السّنة الأولى وجبتْ عليهِ واحدة من الشّياه فصارت عنده تسعة وثلاثين، فحال الحَول ليس عليهِ شيء، لأنّ واحدة قدْ خرجت من ملكه لأنَّ الزّكاة مُتعلقة بالعينِ لا بالذِّمة. قال الجمهور: بل متعلقة بالذَّمة؛ بدليل أنه يجوز لهُ أن يأتي بالصَّدقة من غيرها، من غيرِ هذهِ الأغنام، واللهُ أعلم.
اللّٰهُ يكرمنا بالصّدق والإقبال عليهِ، وكمالَ القبول لديهِ، والتّوفيق لمّا يرضى بهِ عنّا، وأصلح كل حسٍّ ومعنى بسرِّ الفاتحة إلى حضرةِ النَّبي ﷺ.
24 جمادى الآخر 1442