شرح الموطأ -141 - كتاب الزكاة: باب صدقة الخُلَطاء

شرح الموطأ -141 - كتاب الزكاة، باب صدقة الخُلَطاء، من قوله: (قال مالكٌ: في الخليطين إذا كان الراعي واحداً..)
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب صدقة الخُلَطاء.

 فجر الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1442هـ.

باب صَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ

712 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الْخَلِيطَيْنِ: إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِداً، وَالْفَحْلُ وَاحِداً، وَالْمُرَاحُ وَاحِداً، وَالدَّلْوُ وَاحِداً، فَالرَّجُلاَنِ خَلِيطَانِ، وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ.

قَالَ: وَالَّذِي لاَ يَعْرِفُ مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِخَلِيطٍ، إِنَّمَا هُوَ شَرِيكٌ.

قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً فَصَاعِداً، وَلِلآخَرِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، كَانَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الأَرْبَعُونَ شَاةً، وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الَّذِي لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ.

فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، جُمِعَا فِي الصَّدَقَةِ، وَوَجَبَتِ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً، فَإِنْ كَانَ لأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلِلآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ، فَهُمَا خَلِيطَانِ، يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ أَمْوَالِهِمَا، عَلَى الأَلْفِ بِحِصَّتِهَا، وَعَلَى الأَرْبَعِينَ بِحِصَّتِهَا.

713 - قَالَ مَالِكٌ: الْخَلِيطَانِ فِي الإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ يَجْتَمِعَانِ فِي الصَّدَقَةِ جَمِيعاً إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ". وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ.

وَقَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَىَّ فِي ذَلِكَ.

714 - قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي.

قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ. أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً، قَدْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ, فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوهَا لِئَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.

وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا, فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته ومِلّته، ومبيّنها على لسان خير بريته، سيدنا مُحمَّد عبده وحبيبه وصفوته، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الرحمن وخيرته، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

وبعدُ، 

يواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالزكاة، يقول: "باب صَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ"، وهم الذين اختلط مالهم، فصار لما عندهم من المواشي -إن كانت مواشي- مبيتٌ واحدًا، ومراحٌ واحدًا، ومُراع واحدًا، ورعيٌ واحدًا، ومشربٌ واحدًا، فحينئذٍ يجتمع الكل ويُعَدُّ عددًا واحدًا.

فهذه الخلطة التي تحصل ما بين: خلطة اشتراك، وخلطة جوار، وخلطة الأعيان، وخلطة الشيوع؛ فيقال على:

  • وخلطة الاشتراك أنها خلطة الشيوع؛ وذلك بأن يرث عددًا؛ إبلًا أو بقرًا، أو غنمًا، عن مورثهم الميت، فيصير مُشاع بينهم، كل منهم لهم حظ بقدر إرثه في تلك الأغنام، أو الأبقار، أو الجِمال؛ هذه خلطة الشيوع، والمسماة بخلطة الاشتراك. 
  • خلطة الجوار أنها خلطة الأعيان

وهو أن يكون لكلٍّ منهم عدد معين ومعلوم ومميّز من الإبل أو الغنم، ولكن يخلطه بإبل الآخر أو غنمه، أو ماشيته، بحيث تبيت في مكان واحد، ويرعاها الرعاة نفسهم ، وترد مورد  ماء وشرب واحد، وتروح معًا، وهكذا. 

  • فعند ذلك لم يرَ الحنفية تأثيراً لهذه الخلطة، وعُدَّ كل واحد كم ملكه، وماذا في ملكه، وعليه زكاة ملكه، ولا تأثير لها لا في بلوغ النصاب، ولا فيما بعد النصاب. 
  • وقال المالكية: إنها إن بلغ لكل منهما نصاباً، فتؤثر بعد ذلك في الخلطة في العَدِّ وما إلى ذلك، وقبل أن يبلغ النصاب فلا أثر لها.
    •  فإذا خالطوا في مواشيهم، واحد معه عشرين من الغنم وواحد معه عشرين، لا زكاة عندهم. 
    • فإذا كان لأحدهما أربعين، وللأخر عشرين، فلا أثر أيضًا عندهم، فعندهم الشاة على صاحب الأربعين، وليس على صاحب العشرين شيء.
    •  فإذا كان كل واحد منهما له نصاب، فتعَد عداً واحداً، وتؤثر حينئذ الخلطة. 
  • وقال الشافعية والحنابلة بأثر هذه الخلطة في النصاب، وفيما بعد النصاب، فإذا كان لكل واحد منهما خمسة عشر بقرة، فمجموعها الثلاثون ففيها زكاة، لأنها اختلطت الثلاثين مع بعض، وذهبت وجاءت. 

وعلى ذلك جاء النهي عن جمع المتفرق، وتفريق المجتمع، إما فرارًا من الزكاة، أو لتوفير الزكاة.

 وذلك بأن إذا وجد المصدّق الذي يأخذ الصدقة، هذا معه ثلاثين، وهذا معه ثلاثين متفرقة من الغنم -مثلاً- لا زكاة عليهم، ولا يجوز له أن يقول أنت ثلاثين، وأنت كذلك والمجموع ستين فيقول عليكم شاة كلكم! هل خلطوها؟ فإن لم يخلطوها، فلا حق لك أن تجمعها، كما لا حق لهما إذا خلطوا الاثنين الثلاثين والثلاثين وصارت ستين، إذا جاء المصدق يقول: عندي ثلاثين، وهذا يقول عندي ثلاثين، حتى لا تخرج زكاة، لا على ذا، ولا على ذا، لا يجوز، بل يجب أن يعد الجميع، فلا يُفرّق بين مجتمع، ولا يُجمع بين متفرق كذلك. 

وهكذا، إذا كان لهذا خمسون -مثلاً- ولهذا خمسون من الغنم، وهي منفصلة، متفرقة، فجاء المصدّق، قالوا: عندنا مئة رأس، ما يوجد مئة رأس، أنت عندك خمسين، أنت عليك شاة، وهذا عليه شاة، يريدون يقولون: لا لا نحن مخلوطين!! من أجل يأخذ شاة واحدة على المئة، فيُقال: لا ولكن لا نفرق بين مجتمع، ولا نجمع بين متفرق كذلك لينقص مقدار الصدقة أو يزيد، ولكن:

  • المتفرّق ينظر لكل واحد بحاله
  •  والمجتمع ينظر له بعددٍ واحد

 فهذا هو المعنى الذي فسروا به النهي عن الجمع بين متفرق، والتفريق بين مجتمِع، وقالوا بهذا الأثر.

إذًا علمنا الخلطة، وقسمَيها، وأن كلاهما مؤثر عند الإمام الشافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وكذلك عند الإمام أحمد. 

علمنا أن الإمام مالك يقول: إنما تؤثر الخلطة إذا قد ملك كل منهم -من الشركاء-، أو منهما -الشريكين- نصابًا، فعندئذٍ تؤثر الخلطة. فأما إذا لم يملك كل منهما نصابًا، فلا تأثير، فإن ملك أحدهما نصاباً والآخر لم يملك نصاب، فتعد مواشي مالك النصاب مستقلة،  ولا تأثير على الآخر، ولا زكاة على الآخر، لكونه لم يبلغ نصابًا. 

إذًا، فأكثر الفقهاء أن للخلطة أثرًا في الزكاة، فهل لها تأثير في قدر النصاب؟ 

  • علمنا في مذهب أبي حنيفة لا يقول بشيءٍ من التأثير، لا في قدر النصاب، ولا في العدد بعد ذلك. 
  • وعلمنا قول الإمام مالك بالتأثير بعد أن يملك كل منهم نصابًا إذا خلطوه. 
  • وعلمنا قول الإمامين الشافعي وأحمد بن حنبل، أنه يؤثر في اعتبار النصاب، ويؤثر في العدد بعد ذلك، سواءً قلّت الصدقة بسبب ذلك أو كَثُرت. 

وكيف تكون الخلطة بما يشير إليه عندنا، وتتم به الخلطة، ويُعدّ كل منهما مختلطٌ بالآخر، فتعد زكاة واحدة؟ 

قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الْخَلِيطَيْنِ: 

  1. "إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِداً"، هذا واحد من الشروط. 
  2. "وَالْفَحْلُ وَاحِداً" 
  3. "وَالْمُرَاحُ وَاحِداً،" 

 

  • المُراح المبيت. 
  • والمَراح المَسرح، أو المحل الذي يكون فيه اجتماعهم، ثم يؤخذون منه؛ مَراح

 المحل الذي يروحون إليه، ثم يؤخذون منه إما للمسرح، وإما للمبيت. المَراح وأما المُراح، فنفس المبيت. 

  1. "وَالدَّلْوُ وَاحِداً،" يريد السقي. 

 "فَالرَّجُلاَنِ خَلِيطَانِ، وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ."، ولكنها خِلطة مؤثرة، ما دام كل منهما ملك نصابًا عند مالك، وإن لم يملك أحدهما نصابًا عند الشافعي والإمام أحمد. 

إذًا، فيُعتبر في شأن الخلطة: 

  • اتحاد الراعي. 
  • واتّحاد الفحل: وهو أنّ تلقيحها يكون غير مميَّز. 
  • وكذلك المَراح والمُراح. 
  • والسقي. 
  • والمبيت. 

فاشترط الشافعية باجتماع ذلك كله. 

وقال المالكية: لابد من ستة أشياء: 

  1. نية الاختلاط 
  2. والحرية 
  3. والإسلام 
  4. وأن يكون كل من الخلطاء مالك للنصاب عند المالكية. 
  5. وأن يكن ملك النصاب مجاور للحول، إن لم يكن مجاور للخلطة. 

فإن ملك الماشية -مثلا- ستة أشهر، ثم خالط ومضى ستة أشهر أخرى من الخلطة، تؤثر؛ لأن الحول مصاحب للملك، مالم تقرب المخالطة جدًا كشهر واحد. 

  1. والسادس باجتماع الماشيتين عند المالكية، إما في ثلاث أشياء، وقيل: في خمسة. وهي:
  •  المَراح: المحل التي تقيل فيه -تجتمع ثم تؤخذ منه إما إلى المسرح وإما إلى المبيت.
  •  والمُراح -بالضم- محل المبيت والماء. 
  • والماء؛ أي يردن إلى ماء واحد يشربن؛ لا أن تكون ماشية أحدهم تشرب من بئر والآخر من مكان آخر، بذلك تكون افترقت.
  • والراعي؛ إذا ماشية كل منهم عند راعي مختلف فقد افترقوا.
  • وكذلك اتحاد الفحل. 

وهكذا، ذكر الشافعية اشتراط: 

  • أن يكون المُراح واحدًا؛ يعني: محل مبيت الماشية. 
  • وأن يكون المَسرح واحدًا؛ الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق منه إلى المرعى. 
  • وأن يكون المرعى واحدًا. 
  • وأن يتحد الفحل بحيث لا تختص ماشية أحدهما.

وإن كان هم عدد فهو لا مشكلة أصلًا، ولكن ما يختص أن هذا ماشيته ما تلقح إلا من هذا، وهذا ما تلقح إلا من هذا، فإذا ما هناك تمييز، فلا فرق بين أن يكون واحد أو عدد من الفحول، ولكن لا تمييز بين غنم هذا، وغنم هذا، أو بقر هذا، وبقر هذا. 

وهكذا:

  • وكذلك اتحاد المشرب؛ محل شربهم. 
  • واتحاد الراعي، وإن كانوا عدد من الرعاة، ولكن ما يتميز منهم أحدهم أو بعضهم بهذا حق فلان، بل كلهم يرعون الجميع، وإن كانوا عدد ما يضر ولكن من دون تمييز. 
  • وكذلك اتحاد موضع الحَلْب. 
  • ومضيّ الحول من وقت الخلطة. 

وفهمت أن المالكية قالوا: إذا كان من قبل، ولم يقرب جدًا من الحول، فيُعتبر واحد وقت مجيء الحول. 

مثاله: إذا كانوا لكل منهما أربعين -مثلاً-، فمضت عليهم من الأربعين من الغنم أربعة أشهر، خمسة أشهر، ثم خلطوهم، فجاء الحول لكل واحد منهم، وجب عليهم أن يخرجوا شاتين، هذا شاة، وهذا شاة؛ لأنه لم تمضِ على الخلطة سنة، لم يمضِ على الخلطة حول، في السنة الي بعدها فإذًا كلٌّ يُخرجون على الثمانين شاة واحدة. 

وهكذا، يقول الإمام إذا لم يقرب من الحول بشهر، فأقل فزكاة واحدة، إذًا فعليهما شاة واحدة. فعنده إذا قد ملك كل منهما نصاب ثم خلطها فلا يشترط أن يمر على الخلطة حول، إلا أن: 

  • تقرب الخلطة من الحول. 
  • وأن يكون الخليطان من أهل الزكاة. 

فلو واحد مسلم -مثلاً- خالط مواشيه بواحد ذمّي، لا فرق أبدًا، وكأنه لم يكن، لأن هذا ليس من أهل الزكاة، فلا تؤثر، وجودها وعدمها سواء، فنحسب حق المسلم وحده. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ،" هذا في مذهب الإمام مالك فلا يُجمع لأجل بلوغ النصاب، وهي مجموعةٌ عند غيرهم فيُعتبر نصابُا عند الشافعية والحنابلة.

وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً فَصَاعِداً، وَلِلآخَرِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، كَانَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الأَرْبَعُونَ شَاةً"، الثاني قال ما عليه زكاة لأنه ما بلغ نصاب أصلًا "وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الَّذِي لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ".

 

فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، جُمِعَا فِي الصَّدَقَةِ، وَوَجَبَتِ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً، فَإِنْ كَانَ لأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلِلآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ، فَهُمَا خَلِيطَانِ، يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ أَمْوَالِهِمَا"، فإذا فرضنا أن هذا معه 250 شاة، والآخر معه 40 شاة، فلو كانا متفرّقين لكان:

  •  على صاحب المئتين والخمسين كم؟ ثلاث شياه
  •  وعلى صاحب الأربعين شاة. 
  • فلما اختلطوا صارت ثلاث شياه على الكل؛ لأن مجموعهم صارت 290 فيها كم؟ ثلاث شياه محلها. 

إذًا فالثلاثة تكون عند الجميع. 

قال: فَإِنْ كَانَ لأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلِلآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ، فَهُمَا خَلِيطَانِ، يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ أَمْوَالِهِمَا"، إذا كان لأحدهما ألف، والآخر أربعون، فإذا أخذ الساعي من الألف والأربعين: 10 شياه، كان على صاحب الألف منها تسعة، وليس الأمر كذلك، بل تُفضّ قيمة العشر شياه على 1040، فما يساوي الألف يكون على صاحب الألف، وما يساوي الأربعين على صاحب الأربعين؛ يعني يوزع قيمة العشر الشياه المأخوذة على ألف وأربعين؛

  •  فما يخص الأربعين من ذلك فهو نصيب صاحب الأربعين. 
  • وما يخص الألف فهو نصيب صاحب الألف. 

فلو لم يكونا خليطين، فإن صاحب الألف عليه عشر، وصاحب الأربعين عليه شاة، فتصير إحدى عشر شاة، لكن لما اختلطوا صارت عشر فقط.

 "قَالَ مَالِكٌ: الْخَلِيطَانِ فِي الإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ" سواءً "يَجْتَمِعَانِ فِي الصَّدَقَةِ جَمِيعاً إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ" في مذهب مالك "وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ". وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ".

 "وَقَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَىَّ فِي ذَلِكَ". فخالف الشافعية والحنابلة في ذلك، بأنه لا يكمل النصاب لكل من الخليطين، إلا أن يكون كل قد ملك نصابًا، ووافقهم فيما بعد ذلك. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي."؛ يعني المُلاك. 

قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ. أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً، قَدْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ"، فصار هذا عليه شاة وهذا عليه شاة… ثلاث شياه؛  لما اجتمعن، صارت كم؟ 120، كم فيها؟ شاة واحدة؛ صارت شاة واحدة بدل ثلاث شياه! "فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوهَا لِئَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ".

إذا كانت متفرقة، ما يمكن أن تجمعونها! كل واحد بأربعينه يخرج شاة، فأما إذا قد اختلطوا من قبل، فليس للمصدّق أيضًا يفرقها، يقول: أنت معك أربعين هات شاة، أنت معك أربعين هات شاة،… فلا يمكن لا لزيادة الصدقة، ولا لِقلّة الصدقة، أن تُجمع أو تُفرّق، إن كانت مجتمعة لا تُفرّق، وإن كانت متفرّقة لا تُجمع. 

وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ"، صار مئتين وشاتين، هذا معه مئة وشاة، وهذا معه مئة وشاة، صارت مئتين وشاتين "فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ"، فإذا بقيا، فمحسوبة ثلاث شياه؛ لأنها مئتين واثنتين فيها ثلاث شياه، فلا يجوز لهم أن يفرّقوا بين المجتمع، فيقول كلّ واحدٍ منهما للمصدّق أنه يملك 101 شاة، فيأخذ من الأول شاة، ومن الثاني شاة، مادام كانتا مختلطتين، لا يجوز لهما ذلك، بل يقولون: معنا مئتان وشاتان، فيأخذ عليهم ثلاث شياه، لأن في المئتين والواحدة ثلاث شياه. قال: "فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ". فالنهي يشمل:

  • المصدّق
  •  ويشمل أرباب المواشي

 لا أحد منهم يخلط المفترق، ولا يفرّق المجتمع. وقد علمنا قول الإمام أبي حنيفة أنه: لا أثر للخلطة.

 فإذا كان للرجل ثمانون شاة، وجاء المصدّق، قال: بيني وبين إخوتي لكل واحد عشرون، أو يكون له أربعون، ويكون لأخوته أربعون، فيقول: كلها لي، فشاةٌ واحدة. الخلاصة: لا يجوز لا لأرباب المواشي، ولا للمصدّقين، أن يفرّقوا بين مجتمعين، ولا أن يجمعوا بين مفترقين، فالعبرة بما مضى. 

وسمعت ما اشترط الشافعية: أن يكون مضى على الخلطة عام، فإن كان أقل من عام، فيزكّي كلٌّ، ثم في العام الذي بعده تكون زكاةُ واحدة. والله أعلم.

 رزقنا الله التوفيق والاستقامة، والإنابة والخشية، وأداء الزكاة وإقام الصلاة، وحسن الطاعة له سبحانه، وخشيته في الغيب والشهادة، وأن ندعوه رغبًا ورهبًا، وأن نكون له خاشعين، وأن يثبتنا في ديوان الصادقين الموفّقين، مع اللطف والعافية، ولا يفتنّا بما زواه عنّا، ولا بما آتانا، ويتولّانا بما هو أهله في الحِسّ والمعنى، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

23 جمادى الآخر 1442

تاريخ النشر الميلادي

05 فبراير 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام