(229)
(536)
(574)
(311)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب الزكاة في المَعَادِن.
فجر الأحد 11 جمادى الآخرة 1442هـ.
باب الزَّكَاةِ فِي الْمَعَادِنِ
671- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطَعَ لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى الْيَوْمِ إِلاَّ الزَّكَاةُ.
672- قَالَ مَالِكٌ: أَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنَ الْمَعَادِن، مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ، حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَاراً عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِحِسَابِ ذَلِكَ، مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ، فَهُوَ مِثْلُ الأَوَّلِ يُبْتَدَأُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَمَا ابْتُدِئَتْ فِي الأَوَّلِ.
673- قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ، يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ، يُؤْخَذُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَلاَ يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ الْعُشْرُ، وَلاَ يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
الحمد لله مُكْرِمِنا بدينه القويم ومنهجه المُستقيم، مُبيّنه لنا على لسان عبده المُجتبى المُصطفى الكريم سيِّدنا مُحمَّد بن عبد الله، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرّم عليه أفضل الصَّلاة والتَّسليم، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومَن والاه في الله وتابعه بقلبٍ سليم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين أهل المكانة العَليا والقدر الفخيم، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وعلى جميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
ويواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ذكر الأحاديث المُتعلقة بالزكاة ويقول: "باب الزَّكَاةِ فِي الْمَعَادِنِ"؛ جمع مَعدنٍ.
○ وأصل الشيء ومُستقره يُقال له معدنه.
○ ومُستقر الذّهب والفِضة من الأرض أيضًا مَعدِن.
○ ثم سُمي ما يُخرج كذلك باسم المَعدِن.
والمُراد هُنا بالمعادن؛ ما تعلّق بالذّهب والفِضة استخراجًا له من محلّ تكوين الله إياه في الأرض. فإن الله -تبارك وتعالى- جعل في هذه الأرض التي نحن عليها جميع ما يحتاج بنو آدم في شؤونهم الظّاهرة والباطنة، وفي شؤون تغذيتهم ومعايشهم ومصالحهم. قال تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) [الحجر: 19-21]، فجعل -جلَّ جلاله- في جوف هذه الأرض الذَّهب والفِضة؛ الّذَيّن جعلهما الله وسيلة قضاء الحاجات والقيمة التي ترجع إليها أثمان الأشياء.
○ وتُستخرج بعلاجٍ.
○ وقد يُعثر على مدفون فيها يُسمى الرِّكاز.
وقد يُستخرج منها شيءٌ من الذَّهب بعلاجٍ ومُحاولة يُسمى المَعدِن. فصار أصل المَعدِن؛ المكان الذي يستقر فيه الأمر ويتركب ويكون أصل له، وأُنتِقل من اللفظ إلى ما يخرُج من محلّ المُستقر والمَعدِن.
قال: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطَعَ"، وفي بعض الروايات: "أقطع"، فالإقطاع: ما يجعله الحاكم والإمام لبعض الأجناد والمُرتزقة من قطعة أرضٍ لينتفع بريعها؛ فيكون الإقطاع تمليكًا وغيره. وإذا أعطاه ليعمل فيها أو يستخرج الذَّهب والفِضة لنفسه؛ فيكون مَلّكَه ما يخرج منها دونه أو ملّكَه إياها. فيجوز إذًا إقطاع المعادن كما يأتي وهي أمر باطنة.
فأمّا الأرض الظاهرة يُقال فيها: أقطعتُ أرضًا؛ جعلتُها له قطعة أو قطيعة، والمُراد: ما يخصّ فيها الحاكم والإمام بعض الرَّعية من الأرض المَوَات، فيختصّ به ويصير أولى بإحيائه ممَن لم يسبق إلى إحيائه. وهكذا يختص الإقطاع في الأرض بالمَوَات؛ أيّ: ما لم يسبق له إحياء ولم يملكه أحدٌ في الإسلام.
والمَعَادن؛ البِقاع التي أودعها الله -عزّ وجلّ- فيها شيء من الجواهر المطلوبة.
ويكون إقطاع الإمام، تسويغه وإجازته من مال الله -تبارك وتعالى- لمَن يراه أهلًا لذلك. وأكثر ما يُستعمل الإقطاع في الأرض، وأن يُخرج منها شيئًا يحوزه
إذًا للإمام بحسب ما يرى أن يقطع مَن رآه أهلًا للإقطاع أو شيء من ذلك، فيما لا غنى لمال المُسلمين عنه. أمّا ما لا غنى للمُسلمين عنه -مما يحتاجه العامّة-، فلا يجوز إقطاعه أحد كالمِلح ونحوه ممّا تعمّ الحاجة إليه ولا يختصّ به أحد، ولو إقطعه أحد لكان كحكم ما لم يُقطع.
إذًا، فللإمام والحاكم أن يُعطي من بيت المال على وجه التّمليك، كما يُعطي المال حيث رأى المصلحة؛ إذ لا فرق بين الأرض والمال في الدّفع للمُستحق. وإن كان المُشتهر في الإقطاع التّمليك للأراضي، أو لمَا يصدُر منها من خراجها من معدن وغيرها مع بقاء أصلها. فإذًا الإقطاع: تمليك مُجرّد، يملكه من أقطِعه من قبل السُّلطان، ويجوز له بيعه وهبته ويورث عنه وبما يتعلق بالمُلك من الأحْكام.
فجاء في الحديث الذي رواه الإمام مالك: إقطاعه ﷺ "لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ" -رضي الله تبارك وتعالى عنه- كان صاحب لواء مُزينة يوم الفتح، كان يسكن وراء المدينة ثمّ تحوّل إلى البصرة، وتوفي سنة إحدى وستين من هجرة النَّبي ﷺ وهو ابن ثمانين سنة. قَدِم على النَّبي ﷺ في العام الخامس من الهجرة مع وفد مُزينة، وهو الذي صحّ عنه الحديث أنه بعد وفاته ﷺ لمّا أصاب النَّاس القحط وأبطئ عليهم المطر جاء إلى المدينة المُنوَّرة، ودخل المسجد الشَّريف ثم جاء إلى قبر رسول الله ﷺ، وأكبّ على القبر وقال: يا رسول الله استسقِ لأُمتك فإنهم قد هلكوا! فرأى النَّبي ﷺ في منامه وذلك في خلافة سيِّدنا عُمَر، فقال: ءاتِ عُمَر وقلْ له يستسقي بالناس، وأخبره أنهم يُسقون وقلْ له الكَيْس الكَيْس، فجاء سيِّدنا بلال هذا إلى سيِّدنا عُمَر وأخبره بالرؤيا، وكان عمله على ما رأى من الصَّحابة استشفاعه بالنبي ﷺ وطلبه الاستسقاء لأُمته. ولمَّا أُخبر سيِّدنا عُمَر، بكى سيِّدنا عُمَر وقال: اللهم لا آلُ جهدًا، ثم خرج يستسقي بالناس؛ فسُقًوا.
"بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ" -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- أقطعه، هذه قطعة عليه الصَّلاة والسَّلام "مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ"، نسبة إلى قَبَل موضع عندهم في النَّاحية التي فيها يسكُن، من ناحية البحر. "الْقَبَلِيَّةِ"؛ نسبة إلى قَبَل. فكتب له ﷺ:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى مُحمَّد -رسول الله- بلال بن الحارث. أعطاه مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، جلسِيَّها وغوريَّها، غشيةً وذات النُّصب، وحيث صلُح الزّرع من قَدَسٍ كان صادقًا، وكتب مُعاوية بإملاء النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام. وقال: وهي من ناحية الفُرع -المنطقة مشهورة- قريبة من المدينة المُنوَّرة، بينها وبين المدينة قُرابة خمسة أيام. وادي الفُرع هذا به قُرى كثيرة وهي من ناحية الفُرع. فلم تكُن هذه الْقَبَلِيَّة خطة لأحد كانت فلاة، فجعل له الانتفاع بها. ويميل المالكية إلى: أن الإقطاع من الإمام إنما هو تمليكٌ للمنافع لا لعين الأرض. ففي المعدن للإمام ونائبه أن يُقطعه لمَن شاء أو يجعله للمُسلمين ولو بأرض مُسلمٍ أو كافر. الأرض المملوكة للمصالح فهي للمصالح، ليس هذا من مُلك الإمام معلوم.
ومما جاء في الاختلاف في المعادن هل هي تابعة للأرض التي فيها أم لا؟
○ جاء أن ليست تِبعًا للأرض التي بها مملوكة كانت أو غير مملوكة، وأن الأمر فيها إلى الإمام يقطعها لمَن يعمل فيها، حياة المقطعة أو مُدة ما من الزّمان من غير أن يملك أصلها؛ هكذا عند المالكية.
○ والثانية أنها تبعٌ الأرض هذا مذهب سُحنُون من المالكية. فالمعادن التي لا يتوصل إلى نيلها ونفعها إلا بكدوح واعتمال واستخراج لما في بطونها، يقول: مَن أُقطِع منها شيئًا كان له ما دام يعمل فيها. فإذا قطع العمل عاد إلى أصله. فكان للإمام أن يقطعه إلى غيره.
○ فإن وجد في دار الإسلام في أرض غير مملوكة؛ فالموجود مما يذوب بالإذابة وينطبع بالحُلية يجب فيه الخُمُس. فالمعادن عندهم مثل الرِّكاز في وجوب الخُمُس.
وليس ذلك عند الأئمة الثلاثة، بل قالوا فيها: رُبُع العشر إذا كانت نصابًا. وإنما الخُمُس في خصوص الرِّكاز الذي يوجد من غير عمل له ولا استخراج، ولكن يوجد دفين؛ وهو عند الشَّافعية دفين الجاهلية؛ ما وجد من الذَّهب والفِضة مدفون من قبل الإسلام.
فأما إذا وجده في أرض مملوكة؛ فأربعة أخماسه للمالك؛ -مالك الأرض-، وهكذا عند الشَّافعية كذلك يجعلون المُلك لمالك الأرض. مَن ملك الأرض أول؛ فهو مالكه حتى الرِّكاز. أول مالك لأرضه في الإسلام يملك ذلك الرِّكاز وإن لم يشعر به.
وأما ما لا غنى للمُسلمين عنه -كما تقدَّم معنا- من المَعادن الظّاهرة كمثل الملح والكُحل والآبار التي يستقي منها النَّاس؛ فليس له أن يقطعها أحدًا، ولا حُكم في قطعها ولو أقطعها لكانت مُباحة لعموم المُسلمين.
قال: "فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى الْيَوْمِ إِلاَّ الزَّكَاةُ"؛ يعني التي يقطعها ﷺ لسيِّدنا بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ بقيت تحت نظره ورعايته، ما أحد منها يأخذ منها شيء ولا يأخذ منها الإمام إلا الزَّكاة وذلك فيما يُستخرج منها -سواء كان من زرعٍ أو من معدن-. وهكذا المعدن والرِّكاز لاحول فيه بل عندما يستخرج يُخرِج زكاته.
"قَالَ مَالِكٌ -رضي الله عنه-: أَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنَ الْمَعَادِن، مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ، حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَاراً" وهو النِّصاب "عَيْناً، أَوْ مِئَتَىْ دِرْهَمٍ" من الفِضة وهو النِّصاب "فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ"، الزَّكاة أي رُبع العُشر كما هو مذهب الشَّافعية، فوقت وجوبه حُصول النَّيل بيده. وجاء عند الحنابلة لا يجوز إخراج الزَّكاة إلا بعد سبكه وتصفيته كمثل عُشر الحَبْ. "وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ"؛ يعني: مقدار الزَّكاة منه "أُخِذَ بِحِسَابِ ذَلِكَ"؛ أي: رُبع العُشر "مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ"، ما زاد على عشرين دينار، كُلّ شيء فيه رُبع العُشر زاد قليلًا أو كثيرًا، فلا وقص في المعادن كما هو عند جُمهور العُلماء.
قال: "مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ"؛ مادام يمكن استخراج شيء منه، "فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ"؛ ما بقي شيء، "ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ، فَهُوَ مِثْلُ الأَوَّلِ؛ تجب فِيهِ الزَّكَاةُ" كما توجب في الأول؛ يعني بنصاب جديد يلزم الزَّكاة فيما يخرج من تلك الأرض. فهو مثل الأول "يُبْتَدَأُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَمَا ابْتُدِئَتْ فِي الأَوَّلِ". إن كان مقدار النِّصاب؛ أُخرجت رُبع العُشر كما هو عند الجمهور. وقال الحنفية: المعدن أيضًا ركاز؛ فيُخرج منه الخُمُس كما يُخرج من الرِّكاز.
"قَالَ: وَالْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ"، فإن الله ينبته في الأرض كما ينبت الزرع "يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ"، ليس مثله في القدر فهنا رُبع العُشر وهناك رُبع عشر أو نصف عشر في الزَّرع. ولكن القصد المماثلة في أنه:
"يُؤْخَذُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَلاَ يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ الْعُشْرُ"، أو نصف العُشر "وَلاَ يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ". إذًا فتجب الزَّكاة في المعادن من ذهبٍ وفِضة، وفيها فيما استُخرج بالعلاج في الحال رُبع العُشر وعند الحنفية الخُمس. وتختلف أنواع المعادن:
○ فمنها ما يذوب بالنَّار كالذهب والفِضة، ولا ينطبع كالجص وغيره.
○ وما يوجد في الجبال كالياقوت وغيره.
○ وما يكون مائعًا كالقار وغيره.
إذًا فعند المالكية كالشّافعية: إنّما يُزكّى معدن عين ذهب أو فِضة لا غيرهما من معادن كالنحاس أو حديد وغيره. فمَن استخرج ذهب أو فِضة من معدن لزمه رُبع عُشره، بخلاف غير الذَّهب الفِضة. وهُنا عند الشَّافعية كما ذكر الزّبيدي في شرح (الإحياء): أنه قولٌ شاذٌ أنه كالحنابلة، يجب الزَّكاة في أيّ شيء يُستخرج من الأرض .
فلو أعطت الدول والشركات زكاة ما يستخرجونه من النّفط والبترول والديزل وغيره؛ لاغتنى عباد الله في الأرض! ولكن النُّفوس جُبلت على الاستحواذ والاستبداد؛ فبقي الخلق في النكد، حتى الذي يستبد ما تستريح نفسه ولا يطمئن؛ لأن الله يحدث له من الكدورات ما وهو أشدّ مما عند الفقراء والمساكين. ولا يُطلب حقائق الاستقرار النّفسي والطُّمأنينة القلبية إلا من رضى الرَّب، بالعمل بما أحب؛ هناك وحده يوجد حقيقة الاستقرار والطُّمأنينة. ومن دون ذلك، إن كنت فقيرًا، وإن كنت غنيًا، وإن ملكت الأرض كلّها، وإن كنت في جوع لا فرق على قدر بُعدك من الله.. كدر وهم وغم. ولا حقائق الطُّمأنينة إلا برضوانه والقُرب منه والعمل بطاعته. وفقنا الله لمرضاته.
وهكذا جاء عند الحنابلة، المعدن الذي يتعالج يجب فيه؛ كُلّ ما يخرج من الأرض مما يُخلق فيها من غير ما له قيمة -مذهب الورق والزّئبق والرّصاص والحديد والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والكُحل-؛ كُلّه فيها زكاة عند الحنابلة.
إذًا فالمَعدن عند الحنفية:
فيجب الخُمس عندهم فيما كان مُنطبعًا من الذَّهب والفِضة والحديد والنحاس ونحوه عندهم فيه الزَّكاة كما تقدمت الإشارة.
وهكذا يقولون: ما لا يذوب بالإذابة فلا خُمس فيه، ويكون كُلّه الواجد، ومثاله مثال الجصّ والنَّورة، فكُلّها الواجدة لمن يعاملها. وهكذا جاء عند الحنفية: أنّه يجب فيما يوجد قلّ أو كثُر؛ فلا يُشترط النِّصاب. لكن عند الأئمة الثلاثة، يُشترط أن يكون الموجود نصابًا؛
فما كان مقدار ذلك؛ تلزم فيه الزَّكاة، وأمّا نقص فلا. وقال الحنفية: قلّ أو أكثر؛ كُلّ ما وُجد أخرج زكاته. وهكذا جاء قولٌ ضعيف عند الشَّافعية: أنّه يجب إخراج الزَّكاة سواءً بلغت النِّصاب أو لم تبلُغْ النِّصاب في المَعدن. وينتقل إلى زكاة الرِّكاز.
رزقنا الله الاستقامة على ما يُحبه منّا، ويرضى به عنا، وأعاذنا من الآفات في الحِسّ والمعنى، ورفعنا أعلى مراتب قُربه والدنوّ إليه في لطفٍ وعافيةٍ بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
11 جمادى الآخر 1442