شرح الحِكَم العطائيَّة لباراس -110- من قوله: (ربَّما رُزقَ الكرامة .. مَن لم تكمُل له الاستِقامة)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب شرح الحِكم العطائية للشيخ علي بن عبدالله باراس رحمه الله تعالى، ضمن فعاليات الدورة التعليمية الثلاثين بدار المصطفى بتريم، عصر يوم الإثنين: 25 ذو الحجة 1445هـ، من قوله: 

( ربَّما رُزقَ الكرامة .. مَن لم تكمُل له الاستِقامة )

 

نص الدرس مكتوب:

"والتحقق بهذه الصفات لا يكون إلا لعبدٍ مخطوب وحظيٍٍّ موهوب يكون متحليًا باطنًا بالإيمان وظاهره بالإتيان بالعمل على وفق الأمر"؛  لذلك قال المؤلف رضي الله عنه: 

 179: رُبَّمَا رُزِقَ الْكَرَامَةَ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ لَهُ الاسْتِقَامَةُ.

"وهذا نادرٌ فالكرامة غالبًا لا تُنال ولا تكون إلا نتيجة حسن الاستقامة، وكل كرامة ظهرت مع الاعوجاج عن سَنَنِ الاستقامة .. فهي من باب المكر والاستدراج، أعاذنا الله منها.

فالكرامة: هي ما يظهر من سرِّ القدر على خلاف العادة المعتادة؛ فالنفوس لها متشوفة، ولشأنها معظمة، وهي حقيقةٌ بذلك، لكن الشأن كل الشأن فيما يكرم الله به عباده من مزيد الإيمان، ويبادي به قلوبهم من أنوار الإيقان، ويتحف به أسرارهم من الشهود والعيان، فلا يلتفتون إلى غير ذلك المطلب، ولا يُعَرِّجون على غير ذلك المأرب. 

والاستقامة: هي القيام بالأمر ظاهرًا، والفناء عن الأغيار باطنًا، لا يعطل نور إيمانه شرائع أعماله، ولا تغطي دقائق طرائق أعماله أنوار عرفانه، قائمًا لله ظاهرًا، لا يتجاوزه أمر وإن دق فانيًا عن سائر أوصافه وأفعاله، وإن جلَّ لا إحساس له بنفسه؛ لاستغراقه في حضرة قدسه، وتوالي شهود أنسه، ولا غيبة له عن أمر خالقه.

 فالاستقامة: أعز مقامٍ عند ذوي التحقيق، وأقصى مُرامٍ عند أولي التوفيق، لا يطلبون دونها حالًا، ولا يشتغلون عنها بظهور آية؛ فالكرامة كل الكرامة ما يكون به عند الله كريمًا، والإهانة كل الإهانة ما تصير به عنده مَهينًا.

وكان من أخلاق السلف الصالح عدم الالتفات إلى ظهور الآيات، وإن ظهرت على أيديهم، فمن باب الاتفاق، لا يرون أن ذلك كل المطلوب.

والكرامة تكون شاهدةً بحسن الاستقامة؛ لأنها ثمرتها، وإن حصلت عنهم أو برزت منهم، فيكون فرحهم من حيث صحة استقامتهم، لا من حيث بروز كرامتهم، ولهم في ذلك كلامٌ ورونقٌ فيه تشويق إلى النفوذ إلى التحقيق، يزعجون به المريدين عن السكون إليها، والاعتماد عليها.

والاستقامة ظاهرًا: موافقة الأوامر الشرعية أمرًا ونهيًا، وجوبًا وحضرًا، كراهةً وندبًا، وتخلقًا وتكرمًا، وتنزهًا وتحفظًا بجميع الجوارح باطناً وظاهرًا، قلبًا ولسانًا، وعينًا وسمعًا، ويدًا ورجلًا، وبطنًا وفرجًا، وكلية"

لا إله إلا الله، أكرمنا اللهم بحقائق الاستقامة إنك أكرم الأكرمين.

الحمد لله مُنوِّر القلوب بما يُفيض من فائضات جوده المسكوب، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له علام الغيوب، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المطهر عن الدنس والعيوب صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله ساداتُ أهل حضرة اقترابه وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعد،،،

فإن خرق العادات، أي: ما يجري في مظاهر الوجود على خلاف المعتاد والسنة التي جعلها الله في الكون: 

  • قد يأتي منه الإرهاص للأنبياء.
  •  والمعجزة للأنبياء. 
  • ويأتي منه الكرامة للأولياء.
  • والمعونة لعموم المؤمنين. 
  • وقد يأتي استدراجًا 
  • وقد يأتي إهانةً. 
  • وقد يأتي بسحرٕ وشعوذة. 

فبهذا يحصل في واقع الناس شيء من خلاف المعتاد، من خلاف ما هو في سنة الله في الكون. 

  • فأما الأنبياء فتحصل لهم إرهاصات قبل نزول الوحي عليهم وعلامات عظيمة: 
    • ومنها ما قصَّ الله تعالى علينا في القرآن من أخبار عيسى بن مريم وولادته وكلامه في المهد إلى غير ذلك. 
    • ومنها ما حصل لسيدنا موسى عليه السلام ومن وضعه في التابوت وفي اليم وإرضاعه إلى غير ذلك. 
    • ثم بعد ذلك عظمت الإرهاصات لنبينا خاتم النبيين ﷺ، من بداية حمله ووقت وضعه وأيام رضاعه وعموم نشأته ﷺ كانت تتكرر الإرهاصات، "وقد تقدمت له قبل النبوة إرهاصات؛ هي على نبوته ورسالته من أقوى العلامات" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

   شهدها القريب والبعيد، ثم المعجزة ما تكون للنبي بعد إرساله متحديًا بها، مثبتًا صدقه عن الله -تبارك وتعالى-، وقد قصَّ الله علينا من معجزات الأنبياء في كتابه وذكر من معجزات سيد الأنبياء هذا القرآن:

  • وقال في القرآن عن بعض معجزات نبينا: (ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ) [القمر:1]، 
  • وقال: (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) [التوبة:40]. 

وحوت معجزاته أصناف ما للأنبياء من معجزات صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. 

  • وأما ما يحصل لأتباع الأنبياء من المستقيمين على منهاجهم من الأولياء، فكذلك وقد قصَّ الله علينا أيضًا في القرآن من هذا النوع ما قص: 
    • من أخبار أهل الكهف، ومكثهم في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين بلا طعام ولاشراب وفي نوم مستمر؛ كلها خوارق للعادات ليست من مقتضى الطبيعة أصلاً ولا مقتضى سنة الكون.
    •  وبعد ذلك أخبرنا -سبحانه وتعالى- عن سيدتنا مريم وما لها من كرامات: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ) [ آل عمران:37].
    • وأخبرنا القرآن أيضًا عن كرامة وقعت لعالِم  من علماء سيدنا النبي سليمان، من أمة النبي سليمان: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا ءاتِيكَ) -يعني: عرش، عرش بلقيس من مأرب إلى فلسطين- (أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل:40] -بس يشوف هذه الكرامة! -. 

(أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل:40]؛ فما أبعد عقول من استنكر كرامة ولي من الأولياء، ما أبعد عقله عن وعي قدرة الله! وعن وعي عظمته! هذا الحق يقول لنا: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ) [النمل:39]، أنت تقوم في وقت الظهر أنا بجيبه قبل وقت الظهر، (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ) -آصف بن برخيا ولي من أولياء الله- (أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل:40]، قبل أن تقول بعينك كذا يجيء يجيء العرش ، - لا إله إلا أنت يا حيّ يا قيّوم!- قال له: اٌِئتِ به؛ سقط العرش: (فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل:40]، فما أضعف إيمان من إذا حُدث عن ولي يأتي بحجم محل بعيد ، وإلا يذهب إلى مكان بعيد في لحظة، يقول: كيف كيف كيف كيف؟!! يا ناسي قدرة الله، يا ناسٍ قدرة الله، يا ناسيًا آيات الله المذكورة في كتاب الله: (أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل:40].  

 (فَلَمَّا رَءاهُ…)، فلماذا تستغرب على الله بعد ذلك أن يفعل..؟! أو تقيس قدرته بقدرتك أنت! عندك أنت قدرة؟! أنت أصلك عدم وعجز، وأعطاك صورة قدرة على أشياء محدودة، ما عندك قدرة؛ القدرة قدرته -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.

 ثم ما يحصل لهؤلاء الأولياء فالحال كما يشرح لنا الشيخ لا يعولون عليه، ولا يقصدونه ويريدون الكريم لا الكرامة، يريدون وجه الله وإنما هي تكون علامة؛ لرضاه عنهم ولصحة استقامتهم فإذا فرحوا فمن حيث العلامة على صحة استقامتهم عليهم- رضوان الله -تبارك وتعالى-.

 وقد مشى قوم باليقين على الماء *** ومات أعظم منهم يقينًا من الظمأ

إذًا فالشأن في حقائق الفضل والقرب لا بظهور المعجزات ولا الكرامات. معجزات بعض الأنبياء كبيرة أكبر من معجزات بعض الأنبياء الذين هم أفضل منهم . ومنها معجزات سيدنا سليمان ما شي مع الخليل كماها، ما نشوف ظهرت معجزات سيدنا خليل الرّحمن كماها، ولا لموسى الكليم ما ظهرت كماها، لا تحكموا في الريح ولا تحكموا على مملكة الجن وسلاطينهم، وقد سليمان (فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّیحَ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ) [ص:36]، وموسى وإبراهيم أفضل من سليمان بيقين، أفضل من سيدنا سليمان ، وهذا الكلام غريب فتحصل المعجزات الغريبة والكرامات الغريبة، ليست هي الدلالة على الأفضلية؛ والدلالة على الفضل حقائق القرب من الله والمعرفة به والرضا منه وعنه والمحبة منه وله ها.. هناك التفاضل، الفضل كله هنا -لا إله إلا الله! - فالله يكرمنا من فضله العظيم بفضله العظيم. 

يقول: "تأتي أحيانًا  معونة لعموم المؤمنين -أمر خارق للعادة يجري على واحد غير معروف بالانتهاج والاستقامة- وتأتي أحيانًا استدراجًا كما يقع للدجال في آخر الزمان"

وكما وقع لبعض الفجار والكفار، ومنه ما يستعمل بعض الكفار من استخدام طاقات الروح، بتقليل الطعام وتقليل المنام، واستخدام طاقات الروح؛ حتى ربما طار منهم من يطير في الهواء ومشى وما إلى ذلك؛ وهم كفار فجار.. فقط باستخدام سلطان الروح بطرق معينة مدروسة معروفة؛ فهذه تكون استدراج.. استدراج .

فكان منهم بعض الكفار في بعض مناطق الهند ويتحدى لبعض المؤمنين ويطير فوق قدام الناس، وجمع جماعة من جماعته، وجماعة من المسلمين ويتحداهم، وأحضر الله واحد من الصالحين الأولياء قالوا: شوف هذا قاعد يتحدى المسلمين، ماذا؟ قال: بينما هم في المجلس، قال له: شوف هذا بديني هذا أنا أطير، بدأ يطير في الهواء، فأخرج الرجل الصالح نعليه فطارتا دقتا رأسه و أسقطته، فكبر المسلمون، ما يستحق نطير، نعل تكفيك، يا قليل الحياء.. قليل الأدب متجرىء على الله- تبارك وتعالى-، ورده وانتهى أمره، إنما يغتر بها من يغتر. 

والدجال يأتي  بأمثالها: 

  • يقول للسحاب أمطر.. يُمطر يُمطر.. يقول: قف يقف، -أعوذ بالله- فتنة، وتلبيس على الناس واستدراج له، ويا ويل من صدقه، ويجيء لعند الأرض يقول لها: ازرعي .. ازرعي .. طلع .. طلع .. طلع.. طلع.. طلع.. طلع الثمر طلع، يطلع الثمر مع يده -أعوذ بالله-.
  •  وأما إحياء الموتى فما يحيي من الموتى إلا واحد، يحييه الله على يده، أيضًا آخر آخر.. آخر استدراج له، وهو الذي يخرج له عند المدينة المنورة ويقتله، ثم يلصق بين شَقَّيه ويقوم بإذن الله تعالى. 
  • وأما البقية جن يتصورون بصور الموتى ويقول: أنه أَحْيا الموتى -كذب-، ويجيء إلى عند المقبرة ويقول للناس: بتصدقون أني ربكم.. سَأُحْيي لكم مَنْ في القبور، هؤلاء، ألا تعرفون أهلكم..؟ قالوا: نعم؛ ولكون صورهم معروفة عند جماعته: الجن، يتشكلون الجن بصور الموتى ويظهرون أمام الناس فيصرخون: أوووه! فيسألهم: تعرف هذا؟ .. هذا أبوي، هذا جدي، هذا عمي،.. فيقول: إذن تعال..هيا كلمهم وقل له: من الرب ؟ يقول: هذا ربكم؛ فتنة كبيرة، يفتتن به من يفتتن، وهم جن ولا أحد يخرج من الموتى ولا شيء، جن يأتون بصور الموتى، .. هذا يظنه  خاله و يظنه  عمُه، وهو لا خالُه ولا جدُه ولاعمُه، جنيّ متصور بالصورة هذا، لاحول ولاقوة إلا بالله . 

وهذا واحد الذي يحييه بإذن الله- تعالى- وهو من أعظم الشهداء، أثنى عليه النبي ﷺ، من أفضل الشهداء عند الله: "يخرج من المدينة المنورة وترجف المدينة المنورة بها ثلاث رجفات، ويخرج كل منافق، ويخرج هذا الرجل الصالح مع بعض المؤمنين، فإذا أراد أن يقتله، قال لهم: اٌثبتوا فإنه لن يُسَلَطَ على أحدٍ من بعدي، وعندما يشقه نصفين ويسير بين شِقَّيه، ثم يقول: تريدون أرده لكم وتعلمون أني ربكم؟ فيجمع بين شقيه، فيقول له: قم، فيقوم بإذن الله تعالى يحييه الله، ويقول له : هاااا أرأيتَ كيفَ أَمَتُكَ وأَحْييتُكَ، أَعرفتَ أني ربك؟ فيَردُ الرجل الصالح: أنت الأعور الخبيث الدجال الكذاب الذي حدثنا عنك رسول الله، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، في طي الكلام..، أنا موصول بمحمد، مرتبط به، وما حدثنا، أنا متمسك به؛ فبهذا عصمت -عُصِمَ من الدجال- "أنت الأعور الذي حدثنا عنك رسول الله"، فيريد الدجال أن يقتله ما يُسلط عليه، وَيَعْلَم أنه انتهت مدته؛ فيهرب الدجال نحو الشام، فيخرج سيدنا عيسى بن مريم ويقتله- يقتل الدجال-؛ وهذا الاستدراج، 

وهناك الإهانة بالعكس، أن يجري خارقة للعادة على عكس ما يريد الكفار، وهذا حاصل كثير في مختلف الأزمان، وإن كان ما ينشر ويذكر حتى في مثل هذه الأيام يحصل لهم كثير، يريدون كذا يقع عليهم كذا، بخلاف العادة ولكن يذلهم الله تعالى بذلك، وإن كان ما ينتشر. وهكذا ومنه: ما وقع لمسيلمة الكذاب 

  • قالوا له: أن محمد رد عين قتادة ورجعت بعدما خرجت، وهذا أعور عندنا على عين واحدة نريدك تقرأ عليه؛ لكي تفتح عينه، قال: طيب هاتوه، فجاء يقرأ عليه؛ عميت عينه الصحيحة، لا عاد هذه، ولا عاد هذه،  والقراءة ما تعمي العين؛ ولكن هذا خارقة العادة إهانة له
  • قالوا له: أن محمد تفل في بئر ففاض ماؤها حتى شرب منها أصحابه، عندنا بئر فيها ماء قليل نريدك تتفل فيها؛ لكي يكثر ماؤها، وذاك جاء يتفل غار الماء؛ خلاص نشفت - ما عاد بقي شي- لايوجد بها ماء-؛ هذا إذًا خارقة العادة ولكن ضد مراده إهانة. 

والقسم السابع: ما يكون عن شعوذة وسحر؛ قال تعالى: (فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ ) [البقره:102] فهذه أنواع خارقة العادات.

قال: ومن هنا الأولياء لا تعويل لهم عليها، ويظهر الله على أيديهم ما شاء، ولا يكون لهم التفات إليها؛ غير أنهم قد يسمحون بها في حالين: 

  • في حال إرادة تقوية مريد متشكك ضعيف فينقذونه. 
  • أو في حال وجود مناكر ينكر خصوصية الله في أولياؤه يقيمون الحجة فقط.

 و يقول: فربما تظهر بعض خوارق العادات مع نقص في الاستقامة؛ وهذا إذا نادر -ومنه يكون الحذر- قال: "فالكرامة غالباً لا تنال ولا تكون؛ إلا نتيجة حسن الاستقامة، وكل كرامة ظهرت مع الاعوجاج عن سنن الاستقامة .. فهي من باب المكر والاستدراج"، (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الاعراف:182-183]، ومنه مُواتَات الأسباب للكفار في كثير من شوؤن الدنيا، مُواتَات الأسباب من دون طمأنينة وسكينة - ما يحصلونها إلا تتأتى لهم الأسباب وتتوفر لهم الماديات والظواهر- 

  • قال تعالى: (أَیَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالࣲ وَبَنِینَ * نُسَارِعُ لَهُمۡ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِۚ بَل لَّا یَشۡعُرُونَ) [المؤمنون:55-56]، 
  • (فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰ⁠لُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ) [التوبة:55]؛ 

إذًا فقد تكون أيضا من جملة الاستدراج الذي يكون: (سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَیۡثُ لَا یَعۡلَمُونَ) [الأعراف:182].

يقول: إذًا الكرامة، "ما يظهر من سر القدر على خلاف العادة المعتادة؛ 

  • النفوس تتشوف إليها، وتعظمها لكن الشأن كل الشأن ما أكرم الله بعبادهم من مزيد الإيمان هذا سماها الإمام الحداد وغيره من العارفين الكرامة الحقيقية.
  •  الكرامة الصورية: ماشي في هواء، ماشي على ماء، قلب على الأعيان تحويلها؛ هذا كرامة صورية. قد تكون كرامة؛ وقد تكون استدراج؛ وقد تكون إهانة؛ وقد تكون ما تكون.

 لكن الكرامات الحقيقية: 

  • زيادة الإيمان واليقين، 
  • المعرفة بالرحمن،
  • كمال الصبر،
  • كمال الشكر، 
  • كمال الخوف من الله، كمال الرجاء؛

هذه كرامات حقيقية كلها خير كلها. ما فيها أي خوف على صاحبها، وكل ما زاد ارتقائه و قدره عند الله -تعالى- يكرمه بالزهد؛ يكرمه بالمحبة، هذه كرامات عجيبة. 

هذه الكرامات الحقيقية، تَطَلَّبُوها في مثل لياليكم هذا، وإيامكم هذا، وخاتمة عامكم وقدوم العام الجديد، فإنها أسواقها تفتحُ من الفتاح لمن سبقت له السابقة، وهذا ما توجد في أسواق شرق ولا غرب، مافي إلا في أماكن وراثة النبوة فقط، في أماكن وراثة الأنبياء ويعطيها الله من يشاء فتعرضوا لها. الله يكرمنا وإياكم بالنصيب الوافي من هذا العطاء العظيم الضافي.

والاستقامة: هي القيام بالأمر ظاهرًا، والفناء عن الأغيار باطنًا، لا يعطل نور إيمانه شرائع أعماله، ولا تغطي دقائق طرائق أعماله أنوار عرفانه، قائمًا لله ظاهرًا، لا يتجاوزه أمر وإن دق فانيًا عن سائر أوصافه وأفعاله، وإن جل لا إحساس له بنفسه؛ لاستغراقه في حضرة قدسه، وتوالي شهود أنسه، ولا غيبة له عن أمر خالقه.

 

 يقول: "الاستقامة: هي القيام بالأمر ظاهرًا، والفناء عن الأغيار باطنًا، -الأغيار: الظلمات وغير الحق سبحانه وتعالى-،  لا يعطل نور إيمانه شرائع أعماله، ولا تغطي دقائق طرائق أعماله أنوار عرفانه، قائمًا لله ظاهرًا، لا يتجاوزه أمر وإن دق فانيًا عن سائر أوصافه وأفعاله، وإن جل"، هذا شأن المستقيم،  فالاستقامة أعز مقام عند ذوي التحقيق. اللهم أكرمنا بالاستقامة. بهذا قالوا: "استقامة لله مع الله في ركعة؛ خير من سبعين خارقٍ من خوارق العادات الحسية "، استقامة مع الله في ركعة أعظم من هذا، لا إله إلا الله.

 لذا لما قالوا للإمام أبي بكر بن عبد الله العطاس: إن فلانة تتأخر عن تكبيرة الحرام مع الإمام. قال: لماذا؟ قالوا: إنها تنتظر حتى تشاهد بصيرتها وروحها الكعبة المشرفة ثم تحرم! قال: لكن إدراكها ثواب تكبيرة الحرام مع الإمام أفضل من رؤيتها إلى الكعبة؛ لأن هذا ثواب ثابت بالسنة النبوية مشهود لصاحبه، وأما هذه الرؤية لها هي تخصها وأين الثواب عليها؟! الثواب مرتب على هذه السنة فلو أدركت السنة أفضل من أن ترى الكعبة. اللهم ارزقنا الاستقامة على سنة حبيبك، لا إله إلا الله.

 قال: وكان من أخلاق السلف الصالح عدم الالتفات إلى الكرامات الصورية، وإن ظهرت عليهم؛ من باب الاتفاق لا يرون أن ذلك المطلوب، وإنما تكون شواهد بحسن الاستقامة كالرؤية الصالحة يراها الرجل أو تُرى له، ولهم في ذلك الكلام، لا يركن المريد لما يظهر له من هذه الخوارق، بل ولا من الكشوفات لشيء من العوالق، ويستقيم على إرادة وجه الله، فيوافق الأوامر الشرعية أمرا. نهياً ووجوباً وحظراً كراهةً وندباً وتخلقاً وتكرماً وتنزهاً وتحفظاً بجميع الجوارح باطناً وظاهراً، قلباً ولساناً وعيناً وسمعاً ويداً وبطناً وفرجاً، وكليةً، بكليته يستقيم على منهج خالقه المحيط به القيوم عليه المطلع على سرائره -سبحانه وتعالى- الذي مرجعه إليه، فيكون مستقيم مع الله؛ هذه الجنة المعجلة في الدنيا، من ذاق حلاوته عرف أنه لا يساويها المطاعم والمشارب، ولا المناكح ولا المراكب ولا السلطات في الدنيا ما تشابه؛ هي أعلى وأحلى وألذ من كل ذلك.  الله لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا .

 

"فكل ما حوت هذه الجمل هو شقي الاستقامة، والنظر في الطرف الآخر إيماناً ويقيناً، وشهوداً وعياناً، وحفظاً وتأدباً، سراً وروحاً، وعقلاً وقلباً وكشفاً؛ وكمالها: القيام بمقتضى الإسلام ظاهراً وبمقتضى الإيمان؛ وهو الاستسلام باطنًا، ومن أعطي ذلك وجعل يتشوَّفُ إلى غيره .. فهو ناقص الفهم، أعمى البصيرة. 

فالاستقامة: حق الحق منك، والكرامة حظ النفس، وبها تقضي وطرها من انتشار خبرها، وظهور أثرها، حتى إن بعض العارفين يقول: من لم يكن ظهور الكرامة منه كظهور المعصية .. فليس من الصدق في شيء، أو كما قال، ولحَالةٌ تكون فيها بحق الله أولى من حالة تكون فيها بحظ نفسك، كما تقدم معنى ذلك أول الكتاب. و كمال الاستقامة بِاستقامة العبد بكلا شقيها وجمع طرفيها، ومن كان كذلك كان من أخص المقربين وكمل العارفين، وأفراد الموحدين، ومن قام بطرف الظاهر دون إحكام توحيد اليقين.. فهو يُعَدُّ من زمرة أصحاب اليمين، ومن طمع في نيل باطنها دون إحكام ظاهرها.. وقع في ورطة المعطِّلين، و الجهال المغرورين، ومن تحقق بباطنها وأحكم ظاهرها.. فهو من العلماء الربانيين و الهداة المهتدين، والهداة المهتدين،  جعلنا الله منهم، ونهج بنا نهجهم،  ولي في ذلك:

فالاستقامة أقصى ما يراد ومن *** لم يسلك السبل لم يستفتح السفر

 إن الكرامة وإن جلت مَراتبهــــا *** علامة في سلوك السادة الغــُـــــرر

 والإستقامة بذرٌ هي نَتائجهــــا *** كما نتج من فنون الشجرة الثمر"

نعم هكذا يقول عليه رحمة الله -تبارك وتعالى- الاستقامة لها شقان:

  •  استقامة في الظاهر: بموافقة الشرع بجميع الجوارح وبالظاهر القلب كذلك.
  • ثم الاستقامة الباطنة: وهي الاستقامة على حقيقة التوحيد على شهود الحق -جل جلاله- في جميع الشؤون ومطالعة جماله وجلاله وكماله سبحانه وتعالى.

من لا يحيد عن ذلك هذا الاستقامة الباطنة فلها ايضًا شقان، ولكن لا وصول إلى بطنها إلا بعد إحكام ظاهرها، 

  • ومن لم يحكم الاستقامة في أقواله وأفعاله ونظره والعمل بجوارحه، وظاهر قلبه؛ فلن يصل إلى حقائق التوحيد. 
  • ولكن من أتقن هذا ثم أُكْرِم ورسخ قدمه في الاستقامة الباطنة، هذا المقرب، 
  • ومن أُكرم بالاستقامة في الظاهر، ولم يفضي بعد إلى استقامة الباطن في حقيقة التوحيد ودوام الشهود؛ فهذا من أهل اليمين ماهو من المقربين وإذا ارتقى إلى هذا المقام دخل في دائرة المقربين. 

وآل اليمين يشربون في القيامة: (..مِن رَّحِیقࣲ مَّخۡتُومٍ * خِتَـٰمُهُۥ مِسۡكࣱۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكَ فَلۡیَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَـٰفِسُونَ * وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ) [المطففين:25-27]، مزاج الشراب حق أهل اليمين؛ لكن المقربين فوق (وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ * عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ) [المطففين:27-28]، التسنيم مباشرة، وباقي أهل الجنة يمزجون قليل مزاج يمزجون شرابهم من التسنيم، هذا الذي هو شراب المقربين، ألحقنا يا رب بهم وأذقنا صدق محبتهم.

وهؤلاء المقربون لهم درجات؛ أعلاهم الذين بعد مقام النبوة الأنبياء أعلى المقربين -صلوات الله وسلامه عليهم- وهم أعظم أهل الوجود استقامة، أنبياء الله أعظم أهل الوجود استقامة؛ ولكن أكملهم فيها وأرسخهم فيها قدم  محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو القاسم أبو الزهراء البتول أبي إبراهيم أبي زينب ورقية وأم كلثوم وأبو عبدالله الطيب الطاهرﷺ، هذا أعظم أهل الوجود معرفة بالموجود وأعظمهم استقامة ظاهرًا وباطنًا -صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم-، يا رب صلِّ عليه واجمعنا به وارزقنا حقيقة حُبِه، وارزق أهل جَمْعُنا ومن يسمعنا حقيقة من محبته، حتى تيسر لنا الوصول إلى قربه، وكلهم من النبيين ومن دونهم المقربين حوله وفيهما وتحت ظلاله وتحت لوائه يجتمعون، سبحان من خصصه. 

الله يرزقكم قوة التعلق بهذا الجناب، والاتصال بسيد الأحباب من أنزل عليها الكتاب، ومنها حضور تقسم في مثل هذه المجامع وهذه الأيام والليالي والمحروم من حُرِمَها، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك لشر ما عندنا. (..فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُ..) [المائدة:54]، كلما ذكروا جاء من وجود ارتدادات على ظهر الأرض ووجود انحرافات ذكرنا قوله: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَن یَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُ..) [المائدة:54]؛ لابد أن يأتوا يحبوه، كلما حصلت ردة يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فهل تكون منهم؟ هل تندرج في إعدادهم؟ هل تدخل في دوائرهم؟ هذا الحظ العظيم لمن شاء الله، (..أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ یُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤىِٕمࣲ..) [المائدة:54].

قال: "من لم يكن ظهور الكرامة منه مثل ظهور المعصية"، يعني يفزع منها ويحب سترها فليس من الصدق في شيء، ليس من الصادقين، أولياء الله يخافون من ظهور الكرامة منه، ويقلق منها، ولا يحب؛ ولهذا إذا ظهرت وعنده أحد يقول: له: لا تخبر بها أحد، ولا تحدث بها ما دمت حي، لا تقول لأحد؛ فَيخفونها كما أخفوا طاعتهم وعِبَاداتِهم، صار يخفون كراماتهم كما يخفي الغافلون والفاسقون معاصيهم وذنوبهم، ولكن بتِظْهر ذا في الآخرة، بعدين تظهر ذا وتظهر -لا إله إلا الله- فَيُظْهِر الله إكرام هؤلاء وإهانة هؤلاء -لا إله إلا الله- فما معهم إلا يغالطون أنفسهم في الدنيا قليلًا؛ بعدين كل شيء يتبين الحقيقة (یَوۡمَىِٕذࣲ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِیَةࣱ) [الحاقة:18].

يقول: "ومن أعطي ذلك وجعل يتشوف إلى غيره فهو ناقص الفهم أعمى البصيرة"؛ فلا شيء أعظم من الاستقامة اللهم أكرمنا بها، ومع ذلك كان سيد المستقيمين كان أشد ما تلقى من خطاب الله له وهو في هذا العالم (فَٱسۡتَقِمۡ..)، يقولُ له الله سُبْحَانه و تعالى: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ..) [هود:112]، حتى لما رأى بعض الصالحين الحبيب الأعظم ﷺ رآه يقولُ له: أهلاً ومرحباً، يقول له: قُلتَ يا رسول الله "شَيَّبتْني هودٌ وأخَواتُها" فشيبك منها ذكر هلاك الأمم؟ قال: لا، فما شيبك منها؟ قال قوله تعالى: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡا۟ۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ * وَلَا تَرۡكَنُوۤا۟ إِلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [هود:112-113]. 

(فَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ..) [هود:112]، هو سيد المستقيمين وكيف عظم عنده خطاب الحق؟ لما أُؤْتِي خاف من أن يُقْصِر عن حقيقة الاستقامة اللائقة بمقامه عند الله -صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم-؛ فشاب شعره لما خاطبه ربه: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ..) [هود:112]، والشيب كله ما بين الرأس والشارب وقليل عنفقة، واللحية سبعة عشر سبعة عشر شعره، كلها ما بين الرأس وقليل منها عُنْفُقَتُه وفي لحيته الشريفة، وفي رأسه منها شعرات، يستطيع العاد أن يعدها؛ لقلتها نحو سبعة عشر ما بين الرأس واللحية والعَنْفَقَة قليل في العادة فهذا الذي شيبه قال:"شَيَّبتْني هودٌ" -سورة هود- "وأخَواتُها" -صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم-، فالاستقامة أعظم كرامة، اللهم أكرمنا بها.

" وللاستقامة المرادة المرضية علاماتٌ وأمارات؛ ليكون العبد فيها قائماً، فكل عملٍ تنشأ صورته عن العبد .. فلا اعتبار به دون الله تعالى، وكل ما أقيم فيه من الله .. فهو الكثير وإن قل صورة؛ فلذلك قال المؤلف رضي الله عنه ": 

  180: مِنْ عَلاَمَة إِقَامَةِ الْحَقِّ لَكَ فِى الشَّىْءِ: إِدامَتُهُ إِيَّاكَ فِيهِ مَعَ حُصُولِ النَّتَائِجِ.

فمن علامة إقامة الله للعبد في الشئ الملابس له، والحالة الراهنة عنده ليميز عن مقام الإنسان في الشيء بنفسه الذي لا اعتدادَ به عند ذوي البصائر، الناظرين بغير التحقيق في طرائق التدقيق، من إقامة الحق إياك في الشئ الذي هو عين ما يحصل به الأدب مع الله حالًا وفعلًا، وإن تناءت عنه أفهام المحجوبين بالنظر إلى ظواهر الصور بكثيف طبع البشر، دون النظر إلى الأسرار الغيبية والمعاني الملكوتية، ولذلك علامات وظواهر أمارات، فَأوضحها وأثبتها ما ذكره المؤلف رحمه الله من إقامة الحق لك فيه، وإقامة الحق لا يصحبها ما يخالف أمره ويتعدى حدَّهُ؛ لئلا يظن ذو جهلٍ أنه قائمٌ في المعاصى بالله أمرا ورضًا، ولكن قهرًا واقتدارًا، وليس المراد هنا إلا الإقامة المرضية الموافقة لأمره، المحبوبة لديه فبها عَنىَ ولها أراد فى عبارته.

وعلامات قبولها، فمن أُقيم فيها وأنها عنده مرضية حصول النتائج القربية؛ لأن ثواب الطاعات في الدنيا: بتيسير الحسنات، وفعل القربات، وتوالي أفعال الخيرات، وفي الآخرة: رفع الدرجات في الجنات، وتوالي المثوبات؛ فإن أشكل على السالك حاله .. فليعرض هذه الحكمة عليه، فإن وجد ذلك .. فليحمد الله، وليَتخذ الجِدَّ له مساقًا، وليُداوم عمله، ولا يطلب الخروج عنه؛ حتى يكون الحق هو الذي يتولى إخراجه، وينصب معراجه، إلى ما هو أرفع وأقرب عنده، ولايزال كذلك أبدًا، وليجعل من دعائه: (وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِی مُدۡخَلَ صِدۡقࣲ وَأَخۡرِجۡنِی مُخۡرَجَ صِدۡقࣲ وَٱجۡعَل لِّی مِن لَّدُنكَ سُلۡطَـٰنࣰا نَّصِیرࣰا) [الإسراء:80]، ومتى كان العبد على غير ذلك؛ إمَّا بِأن يقوم في غير مطلوبٍ منه شرعًا ويقول: إِنّي قائم بالله فيه، أو يقوم في الشئ بنفسه ويرى حوله وقوته، ويغيب الله فيما منه وعنه.. فقد أخطأ حد الأدب، وتعرضَّ لمواقع العطب، ولم ينل عن منه ما طلب، ولي في ذلك: 

فمن علامات أن الحق قائد *** من في فعله كُلما يأتيه محبوب

 إدامةٌ منه تيسيرٌ لـــذاك وإن *** يصحبه إنتاج ما هو منه مطلوب"

 

 يقولُ: "من علامة إقامة الحق لك في الشَئْ"،  أي شئ كان، هم كثير ما يمثلونه بالتجرد عن الأسباب أو التسبب؛ لكن المسألة ليست محصورة في ذلك جميع الأحوال والشئون ما أقامك الله فيه؛ فهو الخير لك. 

لكن ما معنى ما أقامك الله فيه؟ 

يعني: ما جعله لك وجعلك له، سخره لك وهيئك له من مرضاته مما يرضيه؛ هذا إقامة الله لك في ذلك الحال أو ذلك الأمر سواءً اكتساب أو توكل، سواءً المهنة الفلانية الحلال، أو المهنة الأخرى الفلانية الحلال، أو المهنة الثالثة الحلال، ما دامت حلال، فكلها ممكن يقيمك في هذه وفي هذه، ما يكون منه إقامتك فيه علامته! أنك تزداد فيه أدباً معه، وتقوم بحقه فيه وينبسط لك فيه بساط القرب منه، هذا هو أقامك. 

وأما ما تفعله أنت باختياراتك، وتقول: الله أقامني؟ هذا لعب وتَجَرِي على الحق سبحانه وتعالى، وإنما بالمعنى الأول قال: "والحق أن تَمْكُثَ حيث أنزلك؛ حتى يكون الله عنه نقلك"، يجعل لك -سبحانه وتعالى- ستر وخمول، هذا محلك .. لا تحاول تظهر ولا تشتهر. يجعل لك ظهور وشُهْرَه؛ خلاص عليك إقامته..لأنه ابتلاك به.. ؛ لو ما تريده ما تقدر عليه؛ لذلك قم بِحَقُه فيها؛ أما أنت تطلب الشهرة وتقيم أسبابها وتقول: الله أقامني، أنت مرائي، وأنت ملتفت للخلق، كذاب ما أقامك الله؛ أقامتك نفسك وشيطانك في معاندة وقل أدب مع الله تبارك وتعالى؛ ولكن الذي أقامه الله تعالى يكون مع انكساره وافتقاره واضطراره وأدبه مع الحق تبارك وتعالى، وزيادة قربه منه أقامه الله في هذا المقام، وكل من أقام الله في مقامه يعينه عليه، فالله ياخذ بأيدينا.

 قال المؤلف رضي الله عنه: " وللإِستقامة المراد بها المرضية علامات وأمارات ليكون العبد فيها قائما، فكل عمل تنشأ صورته عن العبد فلا اعتبار به دون الله تعالى"، وما أقيم فيهم من الله فهو الخير، و" فهو الكثير وإن قل صورة"، من علامة إقامة الحق لك فيه الشيء: إدامته إياك فيه بتيسير وحسن تدبير، وحصول نتيجة: نجاح مع قرب منه ومع أدب معه؛ هذا أقامك في هذا المقام، أقامك في مقام تعليم، أقامك في مقام التذكير، أقامك في مقام تنظيف، أقامك في أي مقام من المقامات وحالك فيه معه طيب، فهو الذي أقامك ولا تنتقل عنه إلا لما ينقلك هو؛ بالعلامات هذه ينقل بها العبد من المقام إلى مقام جل جلاله وتعالى في علاه.

 قال: "هو عين ما يحصل به الأدب مع الله حالًا وفعلًا وإن تناءت عنه أفهام المحجوبين"؛ ولذا تجد مثلًا: كما تقدم معنا.. أقام فيه شيء من الأمراض… يفرح، يتأدب مع الله فيه، لا إله إلا الله..،  ولا يحب أن يُنْقَل عنه؛ حتى ينقله الله جل جلاله وتعالى في علاه، وهكذا وقد يكون بصورة شيء من الحرف فيها، بعض كبار العارفين: هذا مكنس، وهذا جندي في مع جيش، وهذا يرقع الجلد في السوق؛ وهم على مراتب عندهم وأَقامهم بهذا ساترًا لهم ورحمة لعباده، ولغير ذلك من الحكم، فما يحبونَ التحول؛ حتى يرضى له التحول فَيحولهم كما يريد سبحانه وتعالى.

 ولهذا يقولُ: "وإقامة الحق لا يصحبها ما يخالف أمره ويَتعدى طوره"؛ حتى لا يظن ذو جهل، أنَّه خربطته ومجالسته للعصاة وغيرهم.. أقامه الله فيه، نهاك عنه، فكيف أقامك فيه؟! انتبه لنفسك "فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".

وهكذا قال: " حصول النتائج القربية؛ لأن ثواب الطاعات في الدنيا: بتيسير الحسنات، وفعل القربات، وتوالي أفعال الخيرات، وفي الآخرة: رفع الدرجات في الجنات، وتوالي المثوبات؛ فإن أشكل على السالك حاله .. فليعرض هذه الحكمة عليه، فإن وجد ذلك .. فليحمد الله، وليَتخذ الجِدَّ له مساقًا، وليُداوم عمله، ولا يطلب الخروج عنه؛ حتى يكون الحق هو الذي يتولى إخراجه، وينصب معراجه، إلى ما هو أرفع وأقرب عنده، ولايزال كذلك أبدًا، وليجعل من دعائه: (وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِی مُدۡخَلَ صِدۡقࣲ وَأَخۡرِجۡنِی مُخۡرَجَ صِدۡقࣲ وَٱجۡعَل لِّی مِن لَّدُنكَ سُلۡطَـٰنࣰا نَّصِیرࣰا) [الإسراء:80] ، ومتى كان العبد على غير ذلك؛ إمَّا بِأن يقوم في غير مطلوبٍ منه شرعًا ويقول: إِنّي قائم بالله فيه، أو يقوم في الشئ بنفسه ويرى حوله وقوته، ويغيب الله فيما منه وعنه.. فقد أخطأ حد الأدب، وتعرضَّ لمواقع العطب، ولم ينل عن منه ما طلب،"، هي الهلاك والعياذ بالله تعالى رزقنا الله حسن الأدب، ورفعنا عَلِيَّ الرتب وكان لنا في الدنيا وفي المنقلب، إنه أكرم الأكرمين.

الترحيب بحضور الحبيب أحمد بن سالم الحبشي

ومن طوالع اليمن والسعادة لنا ولكم، مجئ القائم في مقام منصب الحبيب أحمد بن زين الحبشي، ابنه الحبيب أحمد بن سالم إلى حضور مجلسكم هذا، والروحة هذه، زادكم الله نظر واتصال بالعارفين، هذا جدهم الإمام أحمد بن زين من أخص خواص تلاميذ سيدنا الإمام عبد الله بن علوي الحداد وخليفته العظيم -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-. 

الإمام الحداد قطب الدعوة والإرشاد، من أكابر الصديقين المقربين من العترة الطاهرة، المجددين لدين الله تبارك وتعالى في قلوب الخلق -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- وهو صاحب الأسانيد إلى زين الوجود ﷺ، الحمد لله على مجيئه بارك الله لنا ولكم في ذلك، وفيمن حضر عندنا من حبيبنا عطاس وبقيت شيباننا؛ الله يبارك لنا في حضورهم ويبارك لنا في نظرهم، إلينا ونظرنا إليهم كما نظروا إلى وجوه من قبلهم من السلسلة المتصلة بوجوه إلى وجوه إلى أوجه وجه عند الحي القيوم وهو وجه محمد -صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، فنسأل منه ينظر إلينا وإليكم، ويتوجه إلى الله في شأننا وشأنكم، ويتحفنا وإياكم بالإجازة وخصوصًا في كتب الحبيب أحمد بن زين وفي عموم العلم والعمل بالعلم والدعوة إلى الله عز وجل.

 

إجازة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلَّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أجزناكم في كتب الحبيب أحمد بن زين رسالة للجامعة، و حزب الأسبوع وفي كتب الإمام الحبيب عبد الله بن علوي الحداد، أجزناكم جميعاً في ذلك؛ قبلنا الإجازة في طلب العلم والعمل، بارك الله فيكم؛ قبلنا الإجازة جزاكم الله خير.

 الفاتحة إلى روح سيدنا محمد رسول الله، وعلى أصحابه، وذريته وآل بيته، وساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة والعباس، والحسن والحسين، وفاطمة الزهراء، وخديجة الكبرى، وعائشة، وسائر أزواجه و أصحاب رسول الله، وأنصار بدر، وأحد  وبيعة الرضوان، والتابعين، وتابع التابعين، وعلى آله وصحبه الكرام، وسيدنا علي زين العابدين، وسيدنا محمد الباقر، وسيدنا جعفر الصادق، وسيدنا علي العريضي، وسيدنا أحمد بن عيسى المهاجر إلى الله وسيدنا علي بن علوي خالع القسم وأولاده وأخوانه، وسيدنا الفقيه محمد بن علي وأصولهم وفروعهم .. سيدنا عبد الله بن علوي الحداد، والحبيب أحمد بن زين الحبشي وأصوله وفروعه، وجميع أمواتنا، وأمواتكم، وأموات هذه البلدة خاصة، وأموات المسلمين عامة، وأن يشفي مرضانا، ويفتح علينا وعلى أولادنا، ويكفينا وإياكم شر البليات والأذيات، ويبارك لنا في أيامنا، والعام القادم، ويَجعله عام خير، ونصر للإسلام والمسلمين، ويكفينا شر اليهود والنصارى، ومن عاونهم،  بنا اجعل بأسهم بينهم، وأخرجنا من بينهم سالمين، واكفنا شر البليات و الأذيات والفتن، ويطول العمر في طاعته، في الدارين وصلاح الشأن في الظاهر والباطن في خير ولطف وعافية، يا أرحم الرحمين. 

وإلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

26 ذو الحِجّة 1445

تاريخ النشر الميلادي

01 يوليو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام