للاستماع إلى الدرس

الدرس الأول من شرح الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب ( رفع الأستار شرح قصيدة مفتاح الأسرار في تنزُّل الأنوار ) للعلامة الحبيب عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه. رحمه الله. أثناء الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار، في الأردن، شهر جمادى الأولى 1444هـ 

 

نص الدرس:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة من كتاب رفع الأستار شرح القصيدة المسماة مفتاح الأسرار في تنزل الأنوار شرح سيدنا الإمام العلامة والحبر الفهامة علامة الدنيا الحبيب عبدالرحمن بن الله بن أحمد بلفقيه العلوي التريمي نفعنا الله بعلومه وعلومكم في الدارين امين

وقال رضي الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله على ما أنعم من مشارع الإسلام والإيمان ومطالع الإحسان والعرفان والصلاة والسلام على عبده الجامع لجميع الكمالات العبدية في كل شأن الفاتح القاسم المانح لأتباعه بفضل ربه بكل مايخص من إرشادٍ وبيان وآله وأصحابه وأتباعه في مدى الأزمان وبعد فقد ألح علي بعض الأخوان المواليين في الله عن الحق والإحسان أنْ أشرح قصيدتي المسماة مفتاح الأسرار في تنزل الأنوار وإجازة الأبرار فتعذرت إليه عن ذلك بأنها مشتملة عن أشياء من علوم الطريقة وأسرار الحقيقة التي تصان  عن عين أهلها السالكين بتلك المسالك ولا يحسن بذلها إلاَّ لعارف بتلك المدارك فلم يعذرني عن ذلك ورأيت القصيدة قد شاعت وربما يفهم السامع منها من غير شرح ماليس مراداً فيقع في المهالك فعلقت عليها هذه الحواشي واستمد التوفيق بعون القادر المالك وذلك في رمضان بعد خمس وخمسين بعد مائة وألف 

وسميته رفع الأستار عن مفتاح الأسرار

 

ما شاء الله لا قوة إلاَّ بالله 

الحمد لله رب العالمين 

مكرمنا وإياكم بالتوجه إليه ونسأله صدق الإقبال عليه وكمال قبوله لديه 

ونشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له رب كل شيء ومليكه منه المبتدأ وإليه المرجع والمآب 

هو رب الأرباب ومسبب الأسباب أمنا به وبما جاء وبما أرسل به عبده وحبيبه المصطفى محمدا 

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم 

فنشهد أنْ سيدنا محمداً عبده ورسوله المبلِّغ عن الله ما أمره بتبليغه لخلقه في كل ما يترتب عليه سعادتهم في الدارين.

اللهم أدم صلواتك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه وعلينا معهم وفيهم وعلى جميع آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى جميع ملائكتك المقربين وعلى جميع عبادك الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أما بعد..

فإننا في قراءة هذا الكتاب نتعرض لرحمة رب الأرباب 

ونتعرف على وجهات ومعاني مسالك أُولي الألباب 

من الذين حُظوا بالحظ الوافر من فهم الكتاب، 

وإدراك سر الخطاب وبلاغ عبد الله سيدنا محمد سيد الأحباب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فهو كما سمعتم في هذه المقدمة كتاب يشتمل على علوم في الطريقة، أي السير إلى الله تعالى والعمل على الشريعة المطهرة على وجه الإحسان هو المسمى بالطريقة، التنفيذ والتطبيق للشريع على وجه الإحسان، يسمى بالطريقة وأسرار الحقيقة وهي ماينقدح في القلوب من أنوار لاإله إلاَّ الله محمد رسول الله ومعانيها الواسعة بواسطة العمل بتلك الشريعة والتحقق بحقائقها .

   قال عليه الرضوان فيما سمعنا في هذا الكتاب أو في هذه المقدمة لهذا الكتاب أو الخطبة لهذا الكتاب ابتدأ بالبسملة وكل شيء قائم بإسمه جلَّ جلاله محوطٌ بعلمه، ويتبرك المتبركون في كل ما يقولون ويفعلون بإسمه تعالى بمصاحبته تبارك وتعالى تعرضاً للتمام وكمال الإنعام وبلوغ المرام والبركة فيما راموه من خير خاص وعام، وهو الموصوف سبحانه وتعالى عند ذكر اسمه بإسم الجلالة الجامع لجميع معاني الأسماء والصفات وموصوف بعده بالرحمن الرحيم فضلاً من العلي العظيم والإله الكريم جل جلاله وتعالى في علاه 

 

يقول:( بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين )

فلا قدرة لشيء من الكائنات على شيء من الشؤون كلها على الإطلاق إلاَّ بمعونته وبإقداره سبحانه وتعالى وبتوفيقه وبإرادته جل جلاله، فهو المخاطب في صلواتنا بما علمنا أنْ نخاطبه به؛ بإياك نعبد وإياك نستعين.

اللهم يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه ووفقنا للخير وأعنا عليه

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

وعقَّب البسملة (بالحمد لله) ويجب أنْ يكون الحمد لله حاضراً في قلب كل مؤمن في كل حال، ووصفت الأمة هذه بأنهم الحمادون، وأول من يدخل الجنة يوم القيامة الحمَّادون،كثيروا الحمد، أي الذين استوطن قلوبهم شهود منة المنان ونعمته العظيم وأنه صاحب الأيادي التي لا يتأتى أنْ تحصى فضلاً عن أنْ يقام بشكرها فله الحمد على كل حال

   (الحمد لله على ما أنعم من مشارع الإسلام والإيمان)

 

جمع مشرع وهو ما يجري من المياه في أخدوده ومواطنه

مشارع الإسلام والإيمان إشارة إلى ما في الإسلام والإيمان من أعمال ومعارف تقوم عليها الصلة بالحق سبحانه وتعالى واهب اللطائف، فشبهها بالمشارع التي يستقى منها وتجري فيها المياه التي تقوم بها الحياة وينتفع بها ومشارع الإسلام والإيمان (ومطالع الإحسان والعرفان) ما يحصل بالإحسان وما ينال من العرفان من أنوار الإقبال والقبول عند الله تعالى، عبَّر عنها بالمطالع كما نرى مطالع الشمس ومطالع القمر فمطالع الإحسان والعرفان أنوارها إذا أشرقت دامت واستمرت وزادت أبداً.

 اللهم زدنا نوراً وأجعل لنا نورا واجعلنا نورا برحمتك ياأرحم الراحمين.

أشار في هذه الكلمات إلى ما تحدث عنه في كتاب مستقل من الدوائر الأربع: دائرة الإسلام والإيمان ويصحبها العلم والبيان ودائرة الإحسان ودائرة المعرفة بالله تعالى وهي الدوائر التي تشمل هذا الدين ويتفرع منها كل معانيه وحقائقه.

 

(والصلاة والسلام على عبده الجامع لجميع الكمالات العبدية في كل شأن) صلى الله عليه وصحبه وسلم، فهو عبدالله المصطفى المختار القائم في مقام العبودية والعبدية والعبودة لله تبارك وتعالى بمراتب الصدق والكمال فهو جامع الكمالات الإنسانية وجامع الكمالات العبدية الخلقية وما من كمال يصح أنْ يسمى كمالاً على وجه الحقيقة في عالم الخلق إلاَّ وهو مجتمع في سيد الخلق وحبيب الله عبده الصادق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير الخلائق وتتفرع هذه الكمالات إلى الأنبياء والمرسلين وإلى الصديقين والمقربين. 

وأما الكمال المطلق من كل جانب فللحق الخالق جل جلاله وتعالى في علاه ولكن الكمالات الإنسانية والكمالات الخلقية مجتمعة في خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم جمعها الخالق سبحانه وتعالى والخلق كلهم بأهل الكمال فيهم وأهل النقائص مخلوقون سبق عليهم العدم وأوجدهم الرب الكريم الأحكم جلَّ جلاله المتفرد بالبقاء والدوام سبحانه وتعالى ولكنهم بعد ذلك لهم فيما خلقهم فيه مراتب كمال ومراتب نقص في المقصد والحكمة التي خلقهم من أجلها وكانت أجلَّ تلك الحكم ما خلق من أجله الإنسان والمكلفين على ظهر هذه الأرض

يقول (الفاتح)صلى الله عليه وصحبه وسلم الذي فتح الله به أبواب الخير للعباد وفتح الله به قلوباً غلفاً وأذاناً صماً وأعيناً عميا

الفاتح (القاسم) الذي قال إنما أنا قاسم والله يعطي المانح لأتباعه من فضل ربه بكل ما يخص من إرشاد وبيان وذلك أنه أمر بالبلاغ فبلغ وأحسن البلاغ وبين فأحسن البيان وأرشد فأحسن الإرشاد وكل نبي من الأنبياء بلغ قومه وبين لهم وأرشد؛ ولكن كان أوسعهم بياناً وأوضحهم إرشاداً وأعلاهم دلالةً وتوجيهاً خاتمهم سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فمنح أتباعه ورزقنا الله حسن اتباعه وجعلنا من خواص أتباعه من فضل ربه بكل ما يخص من إرشاد وبيان ونعم المرشد المبين بأمر الحق سبحانه وتعالى.

 

قال (وآله) عليه الصلاة والسلام وآله معهم وهم أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب (وأصحابه) من كل من آمن به فصحبه ومات على الإيمان.

(وأتباعه) أهل التصديق به والعمل بما بعث به عليه الصلاة والسلام مدى الأزمان وفي كل قرن من أمتي سابقون يقول سيد الأكوان، فعلى مدى الزمان يحصل في أتباع هذه الأمة أهل ارتقاء للمراتب العلية رقانا الله وإياكم في تلك المراتب وأجزل حظنا من المواهب كما تحصل نقائص وغفلات وانحرافات عند كثير من المنتمين لهذه الملة ولهذه الدين ويصون الله من يشاء ويحفظ من يشاء.

 

   اللهم اجعل علينا من حفظك المكين ما ترد به عين كيد إبليس اللعين، وكيد جميع المفسدين والغافلين برحمتك يا أرحم الراحمين.      

(وأتباعه مدى الازمان)

(وبعدُ) يعني أما بعد ما تقدّم من هذه البسملة والحمدله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه، يقول (فقد ألحّ  علي بعض الإخوان الموالين في الله على الحق والإيمان)

والولاء في الله على الحق والإيمان أساس في صلاح الإنسان وطهر الجنان ونيل الرضوان من الرحمن، فعلائق المحبة فيه والموالاة فيه ومن أجله ندخل في دائرة {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}

جعلنا الله وإياكم منهم 

الولاء في الله تعالى للمؤمنين عامة وخاصتهم خاصة يقوم عليه صدق الإقبال على الله، يقوم عليه صدق المودة لله، يقوم عليه التحقق بحقائق الإيمان وفي ذلك يقول: الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، ومن هنا كان صلاح الفرد والأمة في كل زمان بامتلاء قلبه بموالاة أهل الله من أنبيائه وملائكته الذين جُعِلَ الإيمان بهم من أركان الإيمان به سبحانه وتعالى وأتباعهم من المؤمنين الذين أمرنا الله بموالاتهم وكل ما ضَعُفَ هذا الإيمان استخرج من القلب وأودعَ في القلوب ظلمات الولاء لمظاهر الدنيا وزخارفها أو للقاطعين عن الله تبارك وتعالى، حصل بذلك الغش في البواطن والكدر والظلمات، وتنقطع عنها حقائق الإمدادات الربانية بزيادة الإيما، وتتكاثف عليها الأدران حتى يضيع ميزان التبعية والاقتداء والاهتداء يصير مؤمن يشهد أن لا إله إلا الله محمد  رسول الله وعلى قلبه تبعية فاسق أو مجرم أو بعيد عن الله  في لباس أو أكل أو شرب أو أخذ أو عطاء أو معاملة وربما انبهارٌ في القلب بأحد ممن هو ساقط من عين الله بالكلية، ممن غضب الله تبارك وتعالى عليهم وبذلك يختل الإيمان وحقائق الإيمان فهو مكرٌ من إبليس يمكر به على المؤمنين ليصرفهم عن حقائق الولاء لله ورسوله بتعظيم من ليس بعظيم عند الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه

 

وإن أدنى مؤمن وليس فيهم دني، أدنى مؤمن على ظهر الأرض خيرٌ من كافرٍ جمع فكراً وعتاداً وسلاحاً وأموالاً وملَكَ الأرض من أقصاها الى أقصاها، واللهِ لا يساوي ذلك الكافر عند هذا المؤمن ظفره الذي في إصبعه ولا تراباً تحت رجله عند الله يوم القيامة.

  الذي يقوم عليه إحساس المؤمن شعورالمؤمن لله إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

{وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}

 وللدنيا حكمها فليكن فيها عظيماً من حيث الدنيا المنقضية الفانية، لكن لا عظمة على الحقيقة، ولا عظمة على البقاء إلا لمن عظُمَ إيمانه، وعظمت صلته بالباقي الدايم الحي القيوم وحده جلَّ جلاله وتعالى في علاه

ذكّرنا هذا، وعن هذا الذي طلب منه شرح قصيدته هذه ووصفه له بأنه من الإخوان في الله على الحق والإيمان 

(أن أنشرح قصيدتي المسماة مفتاح الأسرار في تنزل الأنوار وإجازة الأبرار )

قال:( فتعذرتُ إليه) يعني اعتذرت وطلبت منه العذر عن ذلك بأنها.. عذري كان قايم على( أنها مشتملة على أشياء من علوم الطريقة ) وقلنا أن الطريقة هي العمل بالشريعة لا معنى لها في الاصطلاح صلحاء الامة وأخيار أهل الطريقة إلا العمل بالشريعة على وجه الإحسان وعلى وجه الإتقان، الإحسان في العمل بالشريعة وتنفيذه هو الطريقة، وهذا الذي يجمع جميع طرق الهدى وجميع طرق الصلاح والتزكية 

الإحسان في الشريعة قال( من علوم الطريقة وأسرار الحقيقة)

 والحقيقة: هي النور المقذوف في القلوب بواسط الشريعة والعمل بها،  بواسطة التحقق بالإسلام والإيمان والقيام بمهام ومسالك الإحسان، تشرق الأنوار التي تتبين بها حقائق الأشياء في ما يأذن الله للخلق والعباد وما خص به هذا النوع الإنساني من إدراكه ومعرفته من أسرار خلقه وإيجاده وأسرار وحدانيته سبحانه وتعالى وأحديته وأسرار ربوبيته وإلهيته سبحانه وتعالى  وأسرار حكمة التكوين والإنشاء والإيجاد للموجودات بِحكمٍ يعلمها، جُعِلَ عاقبتها ونهايتها استقرارٌ في الجنة أوالنار لهؤلاء بعد أن تتناهى مظاهر هذه الكائنات التي خلقت بميقات من الأرضين والسماوات إلى حدها المحدود، هذه الحقيقة والحديث عنها يكون دقيقاً 

ويكون عميقاً ويكون صعباً وتكون الأقوال والألفاظ ضيقةً عن أن تحيط به

فلذلك  صين الكلام فيها عمن لم يعي ولم يفهم حتى لا يزلَّ به القدم عن المسلك الأقوم (التي تصان عن غير أهلها السالكين بتلك المسالك) مسلك التصفية للقلوب عن الأدران وتزيينها بالحضور مع الرحمن لا بمجرد الصلاة والذكر والقرآن ولكن في كل شأن يمتد منهم الحضور من الصلوات والذكر والأعمال الصالحة إلى أن يكونوا حاضرين مع الله حتى في طعامهم وشرابهم بل ولقلوبهم حضور حتى عند منامهم أو في منامهم وذلك من ديمومية الصلاة التي أشير إليها بقول الله {الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ فيدوم فيهم سر ما يلقى في قلوبهم وهم في الصلاة في ركوعهم وسجودهم من عظمة الله سبحانه وتعالى

 

 

واستحضارها والخضوع لجلال قدس الرحمن سبحانه وتعالى.

 يقول: (فلم يعذرني عن ذلك)ومع عدم عذر هذا الطالب .. والناس يتسببون في خير أو في شر، وكل من تسبب في شيء فله نتيجة ما تسبب فيه، ما تسبب فيه من الخيور له أجره وأجر من انتفع بذلك الخير إلى أن تقوم الساعة 

وما تسبب فيه من شر فعليه وزره ووزر من تضرر بذلك وعمل به إلى أن تقوم الساعة، فاحذر أن تكون سبباً لسوء واحذر أن تكون سبباً لفتنة ، إحذر أن تكون سبباً لشر، إحذر أن تكون سببا لمعصية.

 هذا تسبب في طلبهِ من هذا الشيخ في إخراج هذا الكتاب، ومرَّ على أن أنهى الشرح القصيدة هذا الكتاب فوق الثلاثمائة سنة والثمانين والآن ننتفع بهذا الكتاب، وعلى مدى القرون ينتفعون بهذا الكتاب 

فلذلك الذي طلب منه الكتاب أجر، ولذلك للذي طلب منه الكتاب ثواب، ولذلك الذي طلب منه الكتاب إمداد من حضرة الله تعالى لأنه تسبب في الخير، فكن من أسباب الخير والله يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

يقول: ومع ذلك أيضاً سبب آخر دفعني لأن أقوم بهذا الشرح( قال رأيت القصيدة قد شاعت) وانتشرت بين الناس (فربما يفهم السامع منها من غير شرح ما ليس مراداً فيقع في المهالك) إما في اعتقاد السوء الذي ينحطُّ به عند الله، وإما في سوء الظن بالمتكلم بها، وإما فِي نسبة معانٍ باطلة وفاسدة إلى الكلمات التي حملت معاني صحيحة ومعاني قويمة فيقع في المهالك بأنواع من تلك المهالك فيحتاج التعليق( فعلقتُ عليه هذه الحواشي واستمد التوفيق بعون القادر المالك)

يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه وفقنا للخير وأعنا عليه، قال: وذلك أول شهر رمضان سنة  او عام خمس وخمسين بعد مئةٍ وألفٍ وقال وأسميته:

( رفع الأستار عن مفتاح الأسرار)

 

( يقول رضي الله عنه :

[سبحان رب العزة المتعالي *عن كل ما يصفون من أقوال]

[جلَّ العظيم عن الحروف ووضعها* وعن الحدود وعن قيود البال]

[فلقد تعالى في سماء سموه*عن وسمه بسمات رسم بالي]

(أي تنزه الله تعالى في ذاته وصفاته وآياته وكلماته وأفعاله وتجلياته تنزيهاً يليق بعظيم جلاله في كليّات الأمر وجزئياته، فهو مالك العزة كلها وإليه يرجع الأمر كله، وله الكمال المطلق الذي لا يشوبه تقييد، المحيط بكل كمال بلا تخصيص ولا تحديد، فهو المتعالي عن كل ما يصفون -أي العباد- من أقوال تصدر عنهم، لأنها مقيدة بقدر قدرتهم في الألفاظ والمعاني والإفراد والتركيب في المباني، فلذا قال صلى الله عليه وآله وسلم:"سبحانك لا نحصي ثناءًاعليك أنت كما أثنيتَ على نفسك".)

[جلَّ العظيم عن الحروف ووضعها***وعن الحدود وعن قيود البال]

(أي تعالى العظيم، المطلق في كُلِّ تعظيم، عَنِ الحروف أي حروف الهجاء التي هي المباني، والكلمات التي هي ظروف المعاني، ووضعها لمبنى منصوص، أو معنىً مخصوص، وعن الحدود التي في مبانيها، 

وكذا معانيها، وعنْ قيود فهم الذهن وتقييد البال، في كل علم ومقال

[فلقد تعالى في سماء سموه ***عن وسمه بسمات رسم بالي]

أي: تعالى الله 

(أي تعالى الله في سماء تنزيهه وسموه، وعظيم جلاله المطلوبِ وعُلُوِّه، عن وسْمهِ في شيء من قديم شأنه بسمات المحدثات أو رسم أسمائه برسم بال أي محدث؛ لأن المحدَث لا وجود له حقيقة، وإنما وجوده بالحق عند أهل الحقيقة، فلا يقوم الباقي الذي لا حدّ له بالمحدود الفاني بأي طريقة.)

 

 صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد

ابتدأ القصيدة المباركة في علوم سنيَّةٍ من علوم التوحيد الخالص.

 يقول: (سبحان) قَدْ تنزَّهَ وتقدَّسَ رب العزة جل جلاله وتعالى في علاه مالكها، ولله العزة ملكاً على الحقيقة بكل معنى، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ووهب العزة في العالم الخلقي لرسوله وللمؤمنين، كما قال في كتابه المبين: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } في نفي الأوهام التي تُنازل أذهان الكفار والمنافقين، {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ }ۚ .

أرادواالعز لأنفسهم والذلة لنبي الله وأتباعه صَلَّى الله عليه وصحبه وسلم من الفقراء المهاجرين الذين جاؤوا، فردَّ الله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}

المنافقون لا يعلمون هذه الحقيقة، وما هي حقيقة العزة ولمن العزة؟ ومن هو العزيز؟ أعزنا الله وإياكم بالإيمان والطاعة

كان يقول بعض العارفين: ما أعزت العباد أنفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت انفسها بمثل معصية الله، ونعم العزة بالله وطاعته.

يقول: [سبحان رب العزة المتعالي]المترفع المتقدس [عن كل ما يصفون] أي: العباد والخلق من اهَلِ السماء والأرض[من أقوال] كما أشار إليه سبحانه وتعالى في خاتمة سورة الصافات بقوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 جل جلاله وتعالى في علاه، 

كأن نطقنا ونطق أهلِ اللغات بمختلفها ونطق الملائكة الكرام بأي لغة كانت من اللغات، خلق الله الخلق سبحانه وتعالى { أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}  

ثم هذه العلوم ووسائلها من هذه الألفاظ والكلمات، ينطقهم هذه اللغات العربية وسواها من جميع اللغات، كلها حوادث ، حادثات وعبارة عن حروف معدودات

 

 

تخرج من ما بين شفته الى آخر الحلق بتركيب مخارج لها هو رتبها جلَّ جلاله في هذا الانسان لينطق بها ويخرج كل حرف من محله ليكون آية على عظمته، فما ينطق مخلوق بحرف إلا ونطْقه آية من آيات عظمة الله جلَّ جلاله وحسن تدبيره ولكنهم يغفلون،ولكنهم ينسون، ولكنهم يتعامون وما ألفوه كلهم وكأنهم هم الذين اخترعوه وليس لهم الملك ولا اخترعوه بل هو آية من الآيات ويأتي الإلف في الآيات فيفقد الغافلين، حسن التأمل والتدبر وادراك من الدلالات والعلامات 

وهكذا قال هم واقوالهم محصورون مخلوقون حادثون، يريدون أن يصفوا من ؟

يصفوا الذي لا ابتداء لأوليته ولا إنتهاء لآخريته 

جل جلاله وتعالى في علاه، فما للمحدود يصف غير المحدود، وما للفاني يصف الباقي، ما للحادث يصف الأول الذي لا ابتداء لأوليته.

لكن هذا غاية مافي وسعهم وطاقتهم لا يقدرون أنْ يتجاوزوا ذلك .

قال: الملائكة في الأفق الأعلى سبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم

بهذه القدرات التي أعطاهم أذن لهم أنْ يذكروه وأذن لهم أنْ يصفوه بما يقتضي التنزيه والتعظيم والتقديس له بلغاتهم التي يعرفونها والتي عرَّفهم إياها. وإلاَّ  كيف يصفونه؟! وكيف يتحدثون عنه؟!

ولكن رحمهم وأكرمهم وتعرف إليهم، وأين لهم أن يصفوه سبحانه وتعالى بمقتضى التنزيه والتعظيم وبما وصف به نفسه فيما أنزل على أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم. وإلاَّ فلغات الخلايق محصورة ومحدودة كيف تصف مالاحد له؟! كيف تصف ما لا حصر له؟!

حادثة!!!

كيف تصف الأول القديم؟

فانية كيف تصف الباقي الدائم؟!

ليس في قدرتهم ما هو أولي ولا ما هو دائم وباقي بل هو الأول الدائم الباقي.

ولكن هم حادثون وبأقوالهم الحادثة أذن لهم أنْ يصفوه بما وصف به نفسه وبما يتمسكون به بأذيال التقديس والتنزيه والتسبيح له سبحانه وتعالى والتعظيم والإجلال والإكبار وبذلك يفيض عليهم معاني لائقة بجوده ويرفعهم فيها مراتب وهم درجات عند الله .

يقول:

(أقوال تصدر عنه قدراتهم في الألفاظ والأفراد والتركيب في المباني)

قال سيدهم صلى الله عليه وسلم وكل ليلة كان يقول: سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أي مهما حمدتك ومهما سبحتك  ومهما كبرتك ومهما هللتك ومهما وصفتك بأوصاف العظمة فأنا قاصر عن أنْ أدرك حقيقة عظمتك التي لا يحيط بها إلاَّ أنت سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على على نفسك.

فالله يرزقنا نصيبا من حقيقة التوحيد ويزيدنا من ذلك من فضله 

قال:(جل العظيم المطلق في كل تعظيم عن الحروف) أي حروف الهجاء التي هي المباني والكلمات التي هي ظروف المعاني ووضعها لمبنى منصوص أو معنى مخصوص وعن الحدود التي في معانيها جاءت هذه الحدود كلها وعن [قيود البال] يعني قيود فهم الذهن البال الذهن للإنسان وتقييد البال في كل علم ومقال 

يقول:

[ فلقد تعالى] تقدس وارتفع في سماء تنزيهه وسموه في سماء سموه وعظيم جلاله.

عن [وسمه] أي وصفه في شيء من قديم شأنه بسمات المحدثات أو (رسم أسمائهم بال محدث) وهو القديم جل جلاله لأن المحدث أصله عدم .

كل حادث أصله عدم ومن فيهن وما فيهن وما بينهن إنساً وجناً وملائكة وجمادات وحيوانات ونباتات محدثون مخلوقون لم يكن شيء من كل ذلك 

قال نبينا صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام البخاري {كان الله ولم يكن شيء معه

فأحدث هذا الوجود فأصلها إذاً عدم؛ أرض، سماء، عرش، كرسي، جنة، نار، إنسان، جن، أصلهم عدم، خلقهم الخالق وكونهم المكون لحكمة ورتب على ذلك شئون وأحوال ووظائف وظف فيها كل مخلوق فيما هو بصدده جل جلاله{فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}

 "وفي كل شيء له آية تدل على إنه الواحد"

 فالمحدثات لا وجود لها حقيقة بل إيجاد من الحق والموجد جل جلاله وجود حقيقة.

{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}

فلا يقوم بمحدود فاني بأي طريقة من الطرق لا يمكن أنْ يحاط بإسم من أسماء ووصف من أوصافه لمخلوق بألفاظ مخلوقة ولكن حسبنا بما تكرم به علينا أنه رضي بما أقدر منحنا الإجلال والتعظيم والإكبار بغاية ما نستطيع، هذا مقبول سبحانه وتعالى وسبب لأن يفتح لنا أبواباً من المعارف واللطائف نحظى بها ونرقى في الدرجات العلا { يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}

[ولقد تنزل جوده بوجوده*** في الكائنات بكل معنى عالي]

(أي مع أنه سبحانه رفيع الدرجات في سماء علوِّهِ 

وآيات سموِّهِ أحب أن يعرف بصفاته وتظهر آثاره فتتنزل بفضل جوده في نوره ووجوده، فأخرج الكائنات من حندس الظلمات ومن عدم العدم فاظهرها بأنواره وميزها بأسراره بتعين كل منها بمعنى من معانيه القدسية وتبين لكل خلقه ما يستحقه في ذاته وصفاته ومبانيه في النوعية والجنسية ومع ذلك لا يشبهها ولا تشبهه في كل حال فهي به قائمة في كل المحال بلا إتصال ولا تقييم بكونها ذات حدود وذوات أشكال)

نعم..

ولقد تنزل سبحانه وتعالى بالتفضل منه  تنزل جوده في الموجودات  [بكل معنى عالي] أوجد الكائنات من العدم وجعلها علاماته، بواسطة التأمل فيها يُنال زيادة الإيمان ويُنال الأدب مع هذا الإله الرحمن الذي خلقنا سبحانه وتعالى [تنزل جوده بوجوده في الكائنات بكل معنى عالي]

 أي بالمعنى الرفيع اللائق بجوده بمعنى أنه سبحانه وتعالى لايحل في شيء ولا يحل فيه شيء ومع ذلك فكل شيء من كائناته موجود فيه آثار قدرته وإرادته وعظمته وحكمته وإيجاده وإنعامه لا يخلو شيء عن ذلك

كل ذرة من ذرات الكائنات الموجودات تحمل معاني إنعامه معاني إيجاده معاني حكمته معاني عظمته معاني قدرته جميع الكائنات .

إذن فالكائنات دلائل على الحق جلَّ جلاله، والكائنات متفضل عليها من قبل الخالق بجعل مظاهر أسمائه وصفاته فيها جلَّ جلاله من دون أنْ تحلَّ فيه ولا أنْ يحلَّ فيها ومن دون أنْ تكون هناك غضاضة في الدلالات التي فيها  والمدارك التي تدركها فإن نهاية هذه المدارك الإعتراف بالعجز عن الإحاطة بالإله المالك كما قال سيدنا أبو بكر الصديق: لا يعرف الله إلَاَّ الله

فمعرفة الإحاطة لا يمكن أنْ تكون لغير الله تبارك وتعالى ولكن شرف المعرفة العظيم الجليل الذي خص الله بأصفاه وأعلى أنبيائه صلوات الله وسلامه ثم كل مؤمن له مرتبة في المعرفة الخاصة بالله سبحانه وتعالى إذا أرتقى عن المعرفة العامة بشهادة أنْ لا إله إلاَّالله وأنَّ محمداً رسول الله، تنتجه بعد الإيمان وهذه الشهادة وعمل بالطاعات، تنتج له معاني ينال بها معرفة خاصة على رتبة من الرتب وأشرف ما يوجد على ظهر الأرض للمكلفين المعرفة بالله جل جلاله ومعرفة الله هي الذخر والفخر والشرف للإنسان والباقي نورها وخيرها على الأبد لا يؤثر فيه غرغرة ولا خروج روح من جسد ولا إنتقال من دنيا إلى برزخ ولا إنتقال من برزخ إلى قيامة وكل ذلك ما يؤثر شيئا ولا ينقص شيئا من نور المعرفة بالله سبحانه وتعالى بل هو السبب للقرب وللنعيم في البرزخ وفي القيامة سبب النجاة وسبب الأمن من أهوالها وسبب النعيم في الجنة أيضا هذه المعرفة بالله سبحانه وتعالى .

وفَّرَ الله حظنا وإياكم منها يا أكرم الأكرمين 

إنما اجتمعنا نطلب منك التعرف بما تعرفت به إلى خاصة عبادك المؤمنين فترزقنا نصيباً من معرفتك الخاصة ياأرحم الراحمين فاخصصنا منك بفضل يا من يختص برحمته من يشاء واقبلنا في جمعنا وإتياننا 

قال..

[ سبحان من سبحات وجه جلاله*** أعمت عيون قوابل الإقبال]

قال:( تنزه الله تعالى تنزيها يليق بعظيم جلاله وعلي كماله عن أنْ يكيفه وهمٌ أو يحققه علم، فإن سبحات وجهه العظيم أي أنوار ذاته التي دونها سبعون ألف حجاب أو تجلى بها على خلقه لأحرقتهم وتلاشى وجودهم عندها

{فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا

فقد أعمت هذه الأنوار قوابل الفهوم المقبلة عليها بالعقول وبالعلوم وطلب الوصول فكل من أقبل بقوته رجع كسيرا وكل من توصل عاد طرفه كليلاً حسيرا 

إذا علمت ذلك علمت أنَّ الله تفضل على عباده 

فأذن لهم أنْ يذكروه بألفاظهم المخلوقة القاصرة عن معاني الجلالة العظيمة الباهرة 

فيتلون بها كتابه العظيم ويذكرون بها صفاته العلية عن الفهم والتفهم 

وقد جاء في الحديث: الحمد لله الذي أذن لي بذكره.

 والله أعلم)

[سبحان من سبحات وجه جلاله*** أعمت عيون قوابل الإقبال]

حقيقة عظمته سبحانه وتعالى سبحة أنوار سبحاته عن وجه جلاله أعمت عيون قوابل الإقبال 

المقبلون على التعرف إليه ينتهون إلى العجز بالإحاطة بشيء من أسمائه وصفاته ولكن يعلمون منها معاني واسعات ودلالات عظيمات طويلات عريضات يتنعمون فيها بمطالعة هذا الجمال والبهاء وهذا النور القدسي ويدركون بها لذائذ في الإتصال بالحق جل جلاله وتعالى في علاه.

وكلها بعيدة عن أنْ تحيط بإسم من أسمائه فضلاً عن جميع أسمائه أو بصفة من صفاته فضلاً عن جميع صفاته فضلاً عن ذاته سبحانه وتعالى

وتكرَّم علينا سبحانه وتعالى بأن نذكره بهذه الألفاظ المخلوقة القاصرة ونتلو بها كتابه العظيم ونذكر بها صفاته العلية فضلاً منه وذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم كلما استيقظ من نومه:

" الحمدلله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره"

وأذن لي بذكره، وفقني لذكره وسمح لي أنا أذكره بألفاظ قاصرة محدودة بلغة بحروف ولكن أذن لي بذلك وجعل هذا ذكراً له يوجب أنْ يذكرني هو المنزه المقدس، يذكرني برحمته ويذكرني بفضله فاذكروني أذكركم فهذه من نعم الله علينا.

وجاءنا القرآن الكريم فنتلوه باللسان العربي المبين لسان محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم ويجعل الله لنا بكل حرف عشر حسنات، لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف، فإذا كان على الطهارة كان كل حرف بخمس وعشرين حسنة، فإذا كان في الصلاة النافلة من قعود فبكل حرف خمسون حسنة، فإذا كان في صلاة من قيام فرضاً أو نفلاً فله بكل حرف مائة حسنة، 

فضلاً من الله كذلك بقية الأذكار التي هي منشور الولاية، كثرة الذكر منشور الولاية

فإن من أحبه الله تبارك وتعالى علق قلبه به أكثر ذكر ربه سبحانه وتعالى{ والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما}{ ويا أيها الذين أذكروا الله ذكراً كثيرا }

الحمد لله، جينا لصلاة الفجر واجتمعنا على الذكر قبل الصلاة وبعد الصلاة وجينا من أذكار الصباح والمساء بخلاصة مما ورد في السنة 

هذا الذي جمعها الإمام الحداد عليه الرضوان وهو شيخ مؤلف هذا الكتاب وقد قرأ عليه هذا المؤلف واتصل به  الإمام عبد الرحمن بن عبدالله بلفقيه وكان شيخه الإمام الحداد لما رأى اتساعه في العلوم وعظمة فتح الله عليه يسميه علَّامة الدنيا عليه الرضوان وهو أيضا في مقتبل عمره حج ولقيه علماء الحرمين وطلبوا منه الإجازة واعتذر متواضعاً تذلالا فعاودوه بالطلب بعد رجوعه إلى بلده 

فوجه إليهم منظومة أخرى سماها رشفات أهل الكمال ونسمات أهل الوصال مطلعها:

إخواننا بالمسجد الحرامِ

منا إليكم أكمل السلامِ

وحمد رب عم بالأنعام

ومن بالتفضيل والإفضالِ

شيخه الإمام الحداد جمع هذه الأذكار من السنة الشريفة 

وفيها نجد الثواب العظيم والحماية والحراسة لنا من الله 

أذن لنا بذكره ووفقنا لذكره مع إننا حادثون وذكرنا حادث ولغاتنا حادثة ومحصورة ولكن أذن لنا بكل ذلك وقال بهذا الحال الذي أنتم فيه ومقدوركم أنا أقبلكم وأنا أثيبكم وأنا أجزيكم وأنا أتكرم عليكم.

 اللهم لك الحمد شكراً ولك المن فضلا، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واقبلنا وأحبابنا هؤلاء واجعلنا من المقبلين بالكلية عليك .

والذين يحسنون مطالعة جمالك في صفحات وجودك وما أبديت في السماوات والأرضين وأمرتنا بالنظر إليه يقول {انظروا ماذا في السماوات والأرض}{ أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء} فاجعل نظرنا نظر الإعتبار ونظر الإدكار وأعذنا من الإنحراف فينظر المنحرفون النظر القاصر نظر النسيان الموجد للخالق نظر الإنبهاري بالمخلوق ونسيان الصانع له النظر القاصر الذي وقع فيه من وقع فاتضع مع من اتضع.

 اللهم إرفع أقدارنا بتقويم أنظارنا على موجب الرفعة عندك والمعرفة بك والصدق معك يا أكرم الأكرمين وياأرحم الراحمين.

تاريخ النشر الهجري

10 جمادى الأول 1444

تاريخ النشر الميلادي

03 ديسمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام