(536)
(239)
(576)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة مريم:
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) كَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
مساء الإثنين 23 جمادى الأولى 1446هـ
الحمدُ لله مُكرِمِنا بِوَحيه المُنزَلِ على قَلبِ نَبِيه، والمُبَيَّن بلسانه بِخَير بَيان، والمُرَقِّي لِلمُستَمِعِ إليه، والمُنصِتِ له إلى أعلى مكان، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريك له، بيده مَلكوتُ كُل شَيءٍ وإليه يَرجِعُ جَميعُ المَلائِكة والإنس والجان، ونشهدُ أن سيدنا ونَبينا محمدًا عبدهُ ورَسوله، المُصطفى من عَدنان، صلى الله وسلم وبارك وكَرَّم في كُلِّ حينٍ وآن، عليه وعلى آله المُطَهَّرينَ من الأدران، وصحبه الغُرِّ الأعيان، وعلى من وآلاهم واتّبَعَ سبيلهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسَلين؛ الذين رَفَعَ الله لَهُم القَدر والمَكانة والشان، وعلى آلهم وصَحبِهم وتابِعيهم، وملائكة الله المُقَرَّبين وجَميع عِباد الله الصالحين، وعلينا مَعَهُم وفيهم إنه أكرمُ الأكرمين وأرحم الراحمين.
أما بعدُ،،،
فإننا في تأمّل معاني كلام ربنا -جل جلاله وتعالى في عُلاه-، انتهينا إلى أواخِرِ سورة مريم، ومَرَرْنا على قوله -جل جلاله وتعالى في علاه-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83))؛ وبَيَّنَ لنا في هذا بَيانًا فيما هو حاصلٌ في واقِعِ الناس على ظَهرِ الأرض، وأنّ طوائِفَ من الشياطين مُهِمَّتُهُم أن يَبعَثوا أولياءهم على الذنوبِ والخَطايا والآثام، فَيَحمِلونَهُم على ذلك حَملًا ويُزعِجونَهم إزعاجًا، ويُئطِّرونهم لذلك، ويُوَظِّفونَهُم في ذلك، ويُهَيِّجونَهُم تَهييجا؛ فيُرى أثرُ ذلك في أوليائِهم من الإنس فيما يَصنَعون، وفيما يُوالون ويَستَرسِلون فيه من الكَبائِر والمُنكَراتِ والفَظائعِ والسيِّئات؛
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) وَسُلْطَتُهُمْ عَلَى الْكَافِرِ أَكْبَر، وَتَسْرِي السِّرَايةُ لِكُلِّ مَنْ غَفَلَ عَنِ اللَّهِ الْعَلِيِّ الْأَكْبَر: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) [الزخرف:36].
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) تَحمِلَهُم عليها حَملاً، وتُنهِضهُم إنهاضاً، وتُهَيِّجهُم تَهييجاً، لِمواصَلَة المُنكرات والفَظائع والأسواء والشُرور بأصنافِها، فيما يَتَعَلّق بِذواتِهم وأفكارِهم، وفيما يَتَعَلَّق بِأُسَرهم ومُجتَمعاتِهم، وفيما يَتَعَلق بِمَن عَداهُم ممن يَضُرون ويؤذون أو يَنتَهِكون من الحُرُمات.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83))؛ اختبارًا من الله تبارك وتعالى، خُذِلَ به هؤلاء الذين بَلَغتهُم دعوةَ الله فلم يَستَجيبوا، وأصَرُّوا أن يكونوا مع أهوائِهم وشَهواتِهم - فتبًّا لهم-! وهؤلاء يَعيشونَ على ظَهرِ الأرض كُفرًا ونِفاقًا وسوءاً وإيذاءً وانتهاكًا للحُرُمات، وتعديًّا للحدود؛ وذلك لأنه أُعِدَّ لهم جزاء ذلك عذابًا فظيعًا، أليمًا مُهينًا، كبيرًا شديدًا، لا يُطاق! فلا بُدَّ أن يَقومَ بموجِب الوصولِ إلى هذا العذاب أناسٌ من المُكلَّفين على ظَهر الأرض، وكلٌّ منهم لا يَتعَدى الحَد الذي حُدَّ له من العُمر ولا من الوقتِ، ولا من الإمكانيات ولا من الطاقة، ثم ينتهي!
والكُلُّ يَؤولونَ إلى حسابِ حكيمٍ قويٍّ قديرٍ متينٍ، لا يَفلُتُ عليه أحدٌ من خَلقِه، ولا يستطيع أن يَهرُبَ منه شيءٌ من كائناته؛ بل مَرجعُ الكُل إليه وحسابُ الكُل عليه: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) [الغاشية:25-26]. فما أمامَنا على ظَهر الأرض؛
سواءً من الخيرات المُبارَكات على أيدي الأنبياء وأتباعهم، وجُهدهُم وجِدُّهم واجتِهادهم ومواصلَتهُم للخَيرات،
وما في المُقابِل من تَحتِ إمارة إبليس وشياطين الجنِ ومعهم شياطين الإنسِ، وما يُحدِثونَ في هذا العالَم، وما يُبرِزونَهُ من الفَظائِع.
كُلُّ ذلك ليس عبثًا ولا هُزوًا ولا لعبًا، كلُّ ذلك متناسبٌ مع حِكمة الحَكيم في إيجاد الوُجود، كل ذلك متناسبٌ مع ما أُعِدَّ في الدار الآخرة وعالَم الخُلود لهؤلاءِ ولهؤلاء: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7]، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) [الأنعام:112-113].
فَليحمدِ الله المُؤمن الذي آمن بالله ورُسُلِه والدار الآخرة؛ فإنه يُحَصَّنُ بذلك من كُلِّ تلك الأوهام والخَبالِ والظُّنون، وكلُ تلك الأفكار المَقلوبَةِ الخاطِئَةِ المُعاكِسَةِ للحَقيقة، والتي يَقَع فيها أكثر الخَليقة -والعياذُ بالله- (وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الأنعام:113] فحمداً لله على نِعمة الإسلام والإيمان، فيا رَبِّ ثَبِتنا وزِدنا إيمانًا وزِدنا يقينًا في كُلِّ حين وفي كُلِّ شأن، ولا تَجعَل للشيطان علينا سُلطانًا، ولا لأحد من أتباعه إنسًا ولا جانَّا، يا قوي يا متين.
يقول الله لحبيبه: (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ..(84)) إنما يَجرونَ لِيَزدادوا إثمًا، ولِيَصِلوا إلى الحُدود التي أُعِدَّ أن يُعَذَّبوا بِمُقابِلها، ويَصِلوا إلى الحَد الذي يَتَناسَب مع ما أُعدَّ لهم من الأمر الشَّديد الفَظيع الغَليظ القَوي المُؤلم المُهين - والعياذ بالله تعالى-.
وعِزَة الله الذي خَلَقَنا، ما أهانَ أحدٌ من المُكَلَفينَ في الأوَلين والآخِرين نَفسه بِمِثل مَعصِيَة الله؛ والله إنها الهون، والله إنها الهَلاك، والله إنها الظُّلمة؛ مَعصِيَة جَبّار السماوات والأرض من قِبَل مَخلوقٍ من نُطفة، جُعِلَت عَلَقة ثم مُضغَة ثم حُوِّلت عِظامًا ثم كُسِيَت لَحمًا، ما باله يَعصي الجَبار الأعلى؟! وكيف يُقابِلُ هذا الخَلاق الذي مِن عدمٍ أنشأه وجَعَلَهُ في أحسَنِ تَقويم، ومَنَّ عليه بِنِعَم لا تُعَد ولا تُحصى؟! إنه الجُحود، إنه الطُغيان، إنه الكُفران؛ (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات:6]، (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17]، والحمدُ لله على نعمة الإسلام.
(فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84))؛ (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود:56]، ولا يستطيع أحد الفَلَتَ ولا الهَرَبَ ولا السَّبق: (وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ) [الزمر:51]، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا) [العنكبوت:4]، يعني يَفوتونا (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)! تَفوت مَن؟ تَخرُج عن قُدرِة مَن؟! هذا الذي كَوَّنَك وبِيَدِه مَلَكوت كُل شَيء؛ كيف تَخرُج عن يَده؟ كيف تَخرُج عن أَمرِه؟
قال: (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)) وسَيأتي الأمر العَظيم والمُستَقبَل الكَبير الذي جاءنا الأنبياء لِنَنتَبِهَ له، ولِنُعِدَّ العُدَّةَ له، لِنَسعَدَ فيه سعادةَ الأبد، المُستَقبَلُ الكَبير، المُستَقبَلُ الخَطير، مُستَقبَل القِيامة، مُستَقبَل الحَشر، مُستَقبل الجَمع في ساحة حُكمِ من لا مُعَقِّب لِحُكمِه، هذا هو المُستَقبَل الكَبير.
شَغَلوا عِباد الله بالمُستَقبَل، -المُستَقبَل، المُستَقبَل-، يَعنونَ بِه سَنواتٍ قَصيراتٍ في هذه الحَياة الدُّنيا مُنتَهياتٍ زائِلات، أي مُستَقبَلٍ هذا؟! هذا هو المُستَقبَل؟! والله أَنّ المُستَقبَل وراءَ ذلك، أرسل الله الرُّسُل يَقولون: هذا المُستَقبَل الأكبر الأخطر، استَعِدّوا له، وأَعِدوا العُدّةَ، وقوموا بالضَمان الذي هو العَهد الذي يَأتي معنا في الآيات: (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(87))، فويلٌ لِمَن لا إيمان له.
يقول: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا (85)) يا فَوزَهُم! ياسَعادَتَهُم! يا ما أَجمَل أحوالَهُم! يا ما أَحسن مُستَقبَلهُم! (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ) انظر الى جَمال الكَلِمَات! وسَيُدخِلهُم الجَّنة لكن قال:
(إِلَى الرَّحْمَٰنِ)؛ لأنهم في كَرامَتِه وفي ضِيافَتِهِ وفي رِضوانه وإحسانه، فلم يقُل إلى الجَّنة، بالنسبة للآخرين قال: (إِلَىٰ جَهَنَّمَ) لكن هؤلاء قال: (إِلَى الرَّحْمَٰنِ) ما هذا الجَمال! ما هذا الشَّرف! ما هذه العِزَة!
(نَحْشُرُ) الله قال: أنا سأحشُر (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ) إلى كَرامَتِهِ، إلى رِضوانه، إلى قُربه، إلى نَعيمِهِ الأكبر.
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا (85)) مُكرَّمين مُجَلّين، وعِندنا في الأحاديث: أنه مِن عِند الخُروج مِنَ القُبور، وقد سُئِلَ ﷺ عن هذه الآية فقال: "يُؤتى لأَحَدِهِم عِندَ خُروجِهِ مِن قَبرِهِ بِناقَةٍ من الجَنة خِطامُها من الزَبَرجَد، ولَهُم من الحَريرِ ومِن السندس ما يَركَبونَ عَليه"، فوقَ تِلكَ النوق تَسوقُهم وتَمشي بِهِم إلى مَنازل الكَرامة.
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)) يا ما أسوأ مُستَقبَلَهُم، وإن كانوا يُسَمونه رَئيس، إن كانوا يُسَمونه قائِد، إن كانوا يُسَمونه مُثَقَّف، يا ما أَخَسّ حالُه، وياما أَسوأ مُستَقبَلُه، ضَيَّع كُل شَيء.
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا) معنى:
(وِرْدًا) حُفاةً، عُراه، مُشاة،
(وِرْدًا) ظِماء، عِطاش، فيهم عَطَش ما أَحد يَقدِر يَسقيهِم؛
(إِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف:29]، (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد:15] ولا يُبرِد الظَّمأ، ولا يُخَفِّف العَطَش، ويَحرِق الأمعاء ويُقَطِعُها -نعوذ بالله من غضب الله- (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا).
قال تعالى -عن أحوالِ مَوقِفِ ذاك اليوم المُقبِلِ عَلينا ومُستَقبلُنا الكَبير-: (لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا (87))،
يقول الحَق: الأمرُ أَمرُنا والحُكمُ حُكمُنا في ذلك اليوم، فلا أحد يُمَنِّي نَفسهُ بأماني: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء:124-123]،
فالحُكمُ حُكمُهُ، و ليسَ بِتَشَهِّي أَحَد ولا بِخَيال أَحَد ولا بِفِكر أَحَد ولا بِأماني أَحد، لا مُلحِدين ولا نَصارى ولا يَهود ولا بوذِيين ولا غَيرُهم مِمَّن على ظَهر الأرض؛ الأمرُ أَمرُ الله والحُكمُ حُكمُ الله، ولا يَنجو يوم القيامة إلا من رَضِيَه.
(لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا (87)) ليسَ أحد من أهل المَوقِف والمَجموعين يَملِك الشفاعة لِنَفسه أو أن يَشفَعَ لأحد، أو أن يَشفَع أو يَملِك أن يَشفَع أحدٌ له، ما يَملِك!
قال الله إنما يَجري في ذاك اليَوم سِرُّ مَحَبَّتي لِمَن آمن بي وأَطاعَني على ظَهرِ الأرض في أيام زَمَن التَكليف، فَلَهُم عِندي عَهد ألا أُخَيِّبَهُم وألا أسوءَهم في ذلك اليوم.
(إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا) وأول العهدِ الإيمانُ به واليقين، والتَبَرِّي مِنَ الحول والقوة إلى حوْلهِ وقوَّته؛ فهذا أولُ العَهد، ولكنَ هذا العَهد له مراتِب، فأوَّله:
شهادة أن لا إله إلا الله،
والإيمان بالله،
وملائكته،
وكتبه،
ورسله،
واليوم الآخر.
من ليس عنده هذا الإيمان فلا عَهدَ له، بل من لم يُحافِظ على الصَّلوات الخَمسِ لَم يَكُن لَهُ عَهد، فالعَهدُ بـ"لا إلٰه إلا الله" أقلُ دَرجاتِهِ؛
أن يُقيمَ صاحبها الفَرائض،
شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله،
ووراء ذلك عُهودهُ تعالى لأهلِ الشهادةِ في سَبيله مِن كُل من قَدَّمَ روحَه ونَفسَهُ، وفاءً بعهدِ الله ونُصرَةً لله ولِتَكونَ كَلِمَة الله هي العُليا، فلهُم عند الله عَهد.
بل هذا الشهيدُ إذا صَدَقَ وقَبِلَ اللهُ شَهادَتَه يُشَفَّعُ على الأقل في سَبعينَ مِن قَبيلَتِهِ كُلُهُم قَد وَجَبَت لَهُ النّار، فَيُشَفَّعُ فيهم.
(إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(87)):
وفوقَ ذلك عَهدُ الله تعالى، للِصِّدِّيقين والعُلماء العامِلين، وَلَيَوَدَنَّ رجالٌ قُتلوا في سبيل الله شُهداء أن يَبعَثَهُم اللهُ عُلَماء لِما يَرَونَ من مَنزِلَتِهِم عِندَ الله؛ لا عُلماء اللِسان، ولا عُلماء السُّلطان ولا عُلماء الدينار والدرهم؛ ولكن عُلماء الخَشية من الله، عُلماء الصدق مع الله، علماء الإرث للنبوة، هؤلاء الذين لهم هذه المنازل.
وفوق ذلك عهد الله لأنبيائه، عهد الله لرسله صلوات الله وسلامه عليهم أن يُشفِّعهم في المؤمنين من أُمَمِهم.
(إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(87)) وفوق كل ذلك عهدُ أكمل الخلق إيماناً وأعظمهم تحققاً بـ "لا إله إلا الله"، وأعرفهم بالله؛
صاحب عهد (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79]،
صاحب عهد (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) [التحريم:8].
فهذا عهد الله الأكبر تلقّاهُ هذا العبد الأطهرﷺ، ولذلك فجميع ما يأذن الله فيه من الشفاعة دون شفاعته، ولا يَملِك أهل الشفاعة -فضلاً عن من سواهم - الشفاعة في جميع أهل الموقف إلا هو، بالمقام المحمود ﷺ، وبذلك يُعلَم المكانة لهذا المصطفى ثم للأنبياء والمرسلين وأتباعهم على قدر اتّبَاعهم.
(إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(87)) قال هؤلاء أصفيائي وأنبيائي، ليس كل من ركّز له واحد وقدّم له واحد ويقول هو شفيعي، هل هي لعبة؟! هل هي مسخرة؟! ملك المملكة فوق مملكته، لا يكون إلا ما أراد:
(وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ) [الأنبياء:28]،
(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[البقرة:255]،
يتخذون أصناماً يقولون هؤلاء شفعاؤنا! (أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)[يونس:18] -لا إله إلا هو- (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ) [الزمر:3] من شرع عليكم عبادته؟ ومن قال لكم أنها تُقرِّبكم إلينا؟ والله يُحذِّركم ويرسل رسوله ينهاكم عن ذلك!
إنما يشْفع الأنبياء، يشفع يقول ﷺ كما جاء في الحديث بالسند الحسن: "يشفع يوم القيامة ثلاث: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء" أما واحد مُخترع أو واحد اكتشف كمبيوتر، جاء بذكاء اصطناعي، هذا مُمكن يشفع؟ هي لعبة، هي مسخرة؟!
مَلِك قوي عظيم يحكم، لا يفوز إلا من آمن به وخضع لجلاله وأطاعه -سبحانه وتعالى- (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(87))؛
فأول العهود وأعظمها عهد من يُؤذَن له في الشفاعة لجميع أهل الموقف من أولهم إلى آخرهم، (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79] يحمده فيه الأولون والآخرون ﷺ،
في وقت كبار الشفعاء يقولون: "نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري"، وهذا يقول: "أنا لها" يوم (يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النبأ:38]، ولا يؤذن لأحدٍ قبل نبينا،
تأتي بعده: شفاعة النبيين، شفاعة الملائكة، شفاعة الصديقين والعلماء، وشفاعة الشهداء؛ على قدرِ منازلهم عند الله الحاكم المُريد الفعّال لما يريد، القادر القوي القهار -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.
(لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا(87))، ومن أعظم العهود لعموم المؤمنين:
الصلوات الخمس، يقول ﷺ: "فمن أداهُنَّ لمواقيتهن وحافظ عليهنّ كُنّ له نوراً ونجاةً وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يُحافظ عليهن لم يكن له نورٌ ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة".
ثم جاءنا في أحاديث كلمات ترجع إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله والبراءة من الحول والقوة، أنها عهد يُقابل به المؤمن يوم القيامة،
مِن ذلك ما جاء في بعض الأخبار: عن قراءة: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:18]، فيقول: "وأنا أشهد بما شهد الله به، وأُشهد الله على ذلك، وأستودِع الله هذه الشهادة، وأسأله حفظها حتى يتوفاني عليها"، فإنها تُحفظ له عهداً يُسلَّم له يوم القيامة.
كذلك جاءنا في رواية ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يقول: إن الله يقول يوم القيامة: "من كان له عندي عهد فليقُم"، قال: فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا، ما هو؟ قال ابن مسعود قولوا "اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى نفسي تُقربني من الشر وتُبعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعلهُ لي عندك عهداً تُؤديه إليّ يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد".
وجاء في رواية أخرى عند الحكيم الترمذي يرويها عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، يرفعه إلى النبي محمد ﷺ يقول: قال رسول الله ﷺ: "من قال دُبر كل صلاة بعدما سلَّم هؤلاء الكلمات كتبه ملك في رَق فَخُتِم بخاتم ثم دفعها إليه يوم القيامة، فإذا بعث الله العبد من قبره جاءه الملك ومعه الكتاب يُنادي: أين أهل العهود؟ حتى تُدفع إليهم"، قال والكلمات "اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، إني أعهدُ إليك في هذه الحياة الدنيا، بأنّك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تُقرِّبني من الشر وتبعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل رحمتك لي عندك عهداً تؤدِّيه إليّ يوم القيامة، إنك لا تُخلف الميعاد"، سمع طاووس اليماني - عليه رحمة الله - الدعوات الواردة عن أبي بكر عن رسول الله ﷺ، فكان يلْهج بها بعد كل صلاة، ثم أمر بها أن تُكتب فتُجعل في كفنه - عليه رضوان الله.
ونقول الكلمات ونتوجه إلى رب الأرض والسماوات، وقولوا جميعاً: "اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر و تباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل رحمتك لي عهدا تؤدِّيه إليّ يوم القيامة، إنك لا تُخلف الميعاد".
(لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(87)) ذاكم اليوم يوم محمد ويوم النبيين والصديقين ويوم الشهداء والصالحين وحدهم ليس لغيرهم، (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء:103] -الله أكبر-!
قال جلَّ جلاله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)) -عظيماً فظيعاً، شنيعاً كبيراً مُنْكَراً- (لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ (90)) والمعنى: في بعض أقوالكم يا بني آدم أمر شنيع، -من شناعته- لو أُذِنّا للسماوات في تفاعلها معه لتفطّرت، وأنتم تقولون: أنا أمسك السماء من فوقكم، فانظروا في أقوالكم؛ منها شنيع، منها فظيع، منها خبيث -لا إله إلا الله-!
كما رأينا فيمن (تَؤُزُّهُمْ) الشياطين (أَزًّا(83))، وجاءوا بكلمات وبدأوا ببعض كلمات وكأنهم يعرفون القرآن وكأنهم يُفسِّرون القرآن، وشيئاً فشيئاً يُحرِّفون حتى انتهوا إلى أن يحلّوا ما أجمع على تحريمه جميع الشرائع الله، من يوم أنزل الله آدم إلى أن بَعث محمد، وأحلوا الخمور وأحلوا الفجور والزنا -والعياذ بالله-، ويدّعون أنهم من أهل القرآن (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)) إلى أنواع شرور
يقول تعالى: في أقوال من عندكم (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ (90)) لِمَ السماوات تنفطر والأرض تنشق؟
لأن الانفطار: تشقُّق شيء أعلى على ما هو تحته،
أما الانشقاق: فيشمل هذا وهذا، سواء كان أعلى أو أسفل، انشقاق
لكن انفطار، ما يكون انفطار إلا من شيء أعلى على ما هو تحته، فذكر الانفطار للسماوات والانشقاق للأرض.
الانشقاق يشمل الأسفل والأعلى؛
ولكن الانفطار مخصوص بالأعلى لما يتفتّق وينشق عما تحته.
(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)) مُنهدمةً غضباً لله تعالى من الكلام الخبيث الذي يتكلم به بنو آدم والجان، شياطين الإنس والجن، كأن ينسبوا إلى الرحمن ولداً، وهم يرون أنه خلقَ هذا الخلْق وتكوين الوالد والولد بأمور حقيرة وتافهة بعيدة عن معاني الألوهية والربوبية. كيف ينسبون الولد؟! ما لهم؟! (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88))؛ قال تعالى: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)) كيف؟! وهو الذي ليس كمثله شيء، وأنتم وأفكاركم مخلوقة له مكوَّنة بتكوينه، كيف تنسبونه إلى النقائص؟! وإلى مُشابهة المخلوقات والكائنات؟! والأمر أعظم وأجل.
(إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93)) كلهم في مُلكه وقبضته، فما معنى له ولد؟ (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:4-3] وأكمل السورة بهذه المعاني الكبيرة.
انتهى علينا الوقت، رزقنا الله حسن الإنصات والاستماع، والبشارة بقوله: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر:18-17].
جعلنا الله وإياكم من أهل ذلك، وسلك بنا أشرف المسالك، بالقرآن ارفعنا، فإنك ترفع بهذا الكتاب أقواماً وتضع آخرين، فارفعنا بالقرآن، اجعلنا ممن ترفعهم بالقرآن، تصلح لهم كل شأن، واجعله شفيعاً لنا وحُجّة لنا يوم لقائك، ووقاية لنا من نارك وغضبك ومن كل سوء أحاط به علمك.
يا منزل القرآن، صلِّ على من أنزلت عليه القرآن، وافتح علينا في القرآن، واجعلنا عندك من أهل القرآن، واحفظنا بما حفِظت به القرآن، وانصرنا بنصرك العزيز المؤزَّر، وعجّل بتفريج كروب أمة نبيك محمد في الشرق والغرب، واكشف عنا وعنهم كل كرب، وحوِّل الأحوال إلى أحسنها، ورُدّ كيد الفجار الكفار في نحورهم، ولا تُبلِّغهم مراداً فينا ولا في أحد من المسلمين، يا حي يا قيوم، يا قوي يا متين.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد
اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
29 جمادى الأول 1446