تفسير سورة الملك -6- من قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ ..(20))

تفسير سورة الملك، من قوله تعالى:{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ .. }، الآية: 20
للاستماع إلى الدرس

تفسير الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الملك، من قوله تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)).

نص الدرس مكتوب:

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23))

الحمدُلله، مُكرِمنا بالقُرآن العَظيم، والذِّكرِ الحَكيم، وبَيانِ رسولهِ المُصطفى محمد الهادي إلى الصراط المستقيم، اللهم صل وسَلم وبارك وكَرم على مَن جَمَعتَ فيه مَكارمَ الأخلاق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين طاب لهم العَيشُ في محبتك ومحبته ونُصرَتك ونُصرته وراك، وعلى من تَبِعَهم بإحسانٍ وصِدقٍ على مَمَرالأزمان إلى يوم وضع الميزان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسَلين، مَن خصصتهم بعظيم الإحسان، وعلى آله وصحبه والملائكة المُقَرَبين وجميع عبادك الصالحين ذوي العِرفان، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا رحيم يا رحمٰن.

أما بعد،،،

 فإننا في تَأمُّلِ كلام إلٰهِنا وبارِئنا وخالِقنا، رَبِّنا الحَق المَوجود المَلِك المَعبود سُبحانه وتَعالى، مررنا على آياتٍ في سورة المُلك حتى وَصَلنا إلى قوله جَلَّ جَلاله: (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20))، بَعدَ أن ذَكَّرنا بمَن مضى قَبلَنا على ظَهرِ الأرضِ من الأُمَم، (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)) كيف كان إنكاري عليهم بالعذاب الذي أنزلته عليهم وإنهائِهم؟!

(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ)، كما لا يُمسكُ السماوات إلا هو، ولا يُمسك الأرضَ إلا هو -جَلَّ جَلاله-، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ)، عليمٌ مُطّلع، (بَصِيرٌ (19))، يُبصر كل شيء.

 (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ..(20)) يَمنعُ عَنكم عَذابَهُ، يَمنع عَنْكُمْ عِقَابَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعاقبكم ويُعذبكم؛ لَوْلَا رَحْمَتُهُ لَعَجّل لكم العذاب ولهذا عَبّرَ بالرحمن، ما قال جند لكم  ينصركم من دون الجبار، من دون شَديد العِقاب، من دون شَديد البَطش، من دون المُتعال، قال لك: "الرحمٰن"، (مِّن دُونِ الرَّحْمَٰن) يعني لولا رحمة الرحمٰن ما بَقيتُم لَحظة.

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ) آلُ الأرضِ في غُرورِهم، يقول بَعضُهم لِبَعض: لو ما أنا، لن تجلس يومين .. ثلاثة أيام .. ولن تجلس سنة، سنتين ولن تجلس شهر شهرين؛ يقول بعضهم لبعض، وهو لا بهذا ولا بهذا، ما أحد منهم يَقوم بالثاني، القيوم الله، كُلهم قائِمين بالله.

 (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ) -جَلَّ جَلاله-: 

  • (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) [النحل:61] بِرحمانِيَتِه -سُبحانه وتعالى- حتى يَتَسَنى لِمَن يُراجِع نَفسَه ويُحاسِب نَفسَه ويَنظُر في شأنه أن يَتَراجع. 
  • قال تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة:21].
  • وقال: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:25]، (لَوْ تَزَيَّلُوا)، أي تَمَيزوا وبَعِدوا من بينهم فكانوا أحدهم، (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)؛ فَبِرَحمانِيته يُؤَخِرُ العَذابَ عَنهم ويذيقهم (مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة:21] -سبحان الرحمن-. 
  • (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد:11] صغير .. كبير، مؤمن .. كافر، فرد .. جماعة؛ إذا أراد بهم أي سوء في أجسامِهِم، في عُقولِهم، في أراضيهم، في مَساكِنِهم، في أموالهم، لا يقدر أحد أن يَرُدّه، ولا يُمكِن لأحد أن يَدفَعه أصلاً. 

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ..(20)) -جَلَّ جَلاله وتعالى في عُلاه- مُكَونكُم ومُكَوْن كل ما حَواليكُم، وقَيومٌ عَليه، مُدَبر لَه -سبحانه وتعالى-، (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ) تَستَنِدون إلى مَن؟ تَتَقَوّون بمَن؟ كل مَن اعتَمَدَ على غَيره؛ فَي عَقلِه خَبَل، المُعتَمِد على غَيرالله مُخبل العقل -لا إله إلا الله-؛ وكُلّ مَن اعتَمَد على غير الله واستند إلى غير الله -هات عَقلك، هَات سَمعَك، هَات بَصَرك، فَكِّر- تَراه أمام عَينك، انقَلَب عليه، كان هَلاكُه على يَدَيه، انقَلَبَت المَوازين بينه وبينه، صار عَدو له،اذهب وتَأَمل؛ أفراد وجماعات كُل مُستَنِد إلى غير الله، لا يمر الوقت إلا وكان هذا الذي اعتمد عليه أصبح عَدوّه أو انقلب عليه أو سَبَبَ هَلاكُه أو.. أو..، تراه بِعينك -الله-.

الحق يذكر لنا، سيدنا نوح في اعتِمادهِ على الله قال له: اصنع لك سفينة، اركب فيها، يأتي وَلَدُه يقول: ما هذه السفينة التي عندك؟!  يقول: أنا سآوي إلى الجبل؛ اعتمد على غير الله. 

سيدنا نوح بنى السفينة مُعتَمِدا على الله وركب السفينة معتمدا على الله، ليس على السفينة، ولكن ولد نوح: (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) فَذَكَر لَهُ الحَقيقة سيدنا نوح، قال له: اترك الغرور، (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ)  -فقط ولا أنا ولا السفينة- (إِلَّا مَن رَّحِمَ) الله، تعالى الله، نُريدك أن تَدخل في رَحمَته وتَتَعَرض لِرَحمَته فقط، يُنَجيك الله، (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ) -وذَهَب واعتصم بالجبل- (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود:42-43]. 

ولمّا أصرّ على الإستِناد لِغَير الله والتَكذيب بالنبي أبيه، فَصَلَهُ الله كُل الفَصلِ في مَعناهُ وَروحِهِ، عن نوحٍ وعن نُبوّته وعن رِسالَته وعن قَدرِه عِندَ الله، فأخرَجَهُ فَلَم يَكُن من أهله قط، لا بِروحٍ ولا بِقَلبٍ ولا بِمَعنى ولا بِحَقيقةٍ، (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود:45] -وعَدْتَنِي أَنْ تُنَجّي أَهْلِي- (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) [هود:40]، هذا سبق عليه القول (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [هود:46]؛ فَيَخرُج عَن رَكب الأنبياء مَن كَفَر وكابر واستند إلى غير الله تعالى؛ الاستنادُ إلى غير الله تعالى خَبَلٌ من عَقل الإنسان؛ اعتَمَِد عليه، واستَنِد إليه، وَثِق به.

ثِق بِمَولاك في جَميع الأمور*** واحسب الناس كلهم في القبور.

إذا هو، اليوم ليس في القَبر، غدا في القَبر -يقين- فاعتمد على الذي أنشأهم، وأحياهم، ثم يُميتُهم ويقبرهم، (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ) [عبس:20-22] جَلَّ جَلاله.

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ(20))، الكافرين مُغترين؛ عندي قوة كذا، وعندي نوع سلاح كذا، وقوته كذا، ونصل إلى كذا، ومُعتَمِدين على هذا؛ كفار. 

لكن المسلم يأتي مثلهم؟! اليوم نَشكو غُرور المسلمين، يا مؤمن! يامسلم! فِتَن يَفتِن الله بها العِباد ومظاهر، (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت:15] وَبِأَيِّ قُوَّةًٍ مَادِّيَةٍ؟ حَسِيَّةٍ؟ زَوَّدَ اللَّهُ هُودٌ وَقَوْمه لِيوَاجِهواالْقُوْمُ؟! ما هذا؟ ما معه شيء، إنّ القوة  المادية التي تُكافىء، تماثل، تقارب قوة القوم الكفار الذين عانَدوه، ولا شيء، ماذا مع هود؟! 

ولكن مع ذلك، لمّا قالوا: (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) [هود:45]، تقولون هكذا؟ (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا) [هود:54-55] أين القوة التي عند هود؟ يقول: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ) [هود:55] وَلَا تُأْخرُونَي لَحْظة! هيا! لماذا يا هود؟ تعتمد على ماذا؟ قال: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا) -برحمة منا، ماهي بقوة مادية أعطيناهم إياها!- (بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) [هود:56-58] اوَقَعْنَاه بِأَهْل القُوى، مساكين أهل القُوى، وقع عليهم عذاب غليظ شديد فظيع، وقع عليهم، ات أحد  ينجيهم منه.

  • (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ)، وفرعون غَرق في الماء و(قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) [يونس:90].
  • (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ)، والبعوضة نَخَرَت في رأس النمرود وصار يصيح. 

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ) -من؟ من؟- (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20))  فما أعظم غرور الكافرين؛ لكن نحن الآن نَشكو من غرور المسلمين، مسلمين ويغترون بنفس غرور الكفار! هل آمنت بالإلٰه الذي خَلَق (بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [يس:83] آمنت  به؟ إذا آمنت صِدقا، فما هذا الذي في قلبك؟!  ما هذا الذي في قلبك ! أنت مُتَذَبذِب؟! تقول له أشهد أنك قوي وفي باطنك تقول عِبادك؟!  ما معك؟! أين الإيمان؟!- الله لا إله إلا الله-.

يا عَلاء بن الحَضرمي؛ وَقَعت خَديعة من الكُفار، أفشلوا مسارنا كله، في الليل غاروا على السُفن وحَرقوها، بينه وبينهم هذا البحر.

لايوجد فشل، كيف يكون فشل ومعي الإلٰه عز وجل؟! قام يُصَلي رَكعَتين -سيدنا العلاء-  يقول: "يا علي يا عظيم، يا عليم يا حكيم، سَخِّر لنا البَحرَ كَما سَخّرتَهُ لموسى، فإنَّا من أصحاب نَبيك خَرَجنا نُجاهِد في سَبيلك"، وقال نَمشي فَوق البَحر، لا يوجد خوف، ولا أحد من الجيش تَذَبذَب، قال: كيف؟ ستغرقني الآن في الماء، أو نصنع باخرة في الماء؟! ولكنهم قالوا: وراءك، مَشى ودَخَل بِفَرَسِه، فَضَرَبَت رِجلُ الفَرَس في البَحرِ كأنها صَخرَةٌ صَماء! ومَشى الثاني والثالث وراءه، الجَيش كُلهم ثلاثة آلاف.

سيدنا أبوهريرة كان معهم يقول: "لمّا وصلوا إلى الشق الثاني وخرجوا، لا يوجد بَلَل في خِفاف الجِمال ولا في حَوافِر الإبل ولا حَوافِر الخيل"، خيلنا وإبلنا أرجُلهم يابسة، خَرَجَت من فوق البَحر والأرجل يابسة، ما ابتَلّ لنا خُفّ ولا حافِر، -والله ما ابتَلّ لَنا خُفّ ولا حافِر-. أما أهل الجهة الثانية مُعتَمِدين على القُوة والحيلة، لما رَأوا هؤلاء يَمشون على الماء ارتَعَبَت قلوبهم يقولون: نحن نُقاتل إنس أو جن أو ملائكة، مَن هم هؤلاء؟! دَخَل الرُّعب في قُلوبهم، سَلّموا لهم المفاتيح، أقاموا شرع الله وَحَكَموا ورجعوا -الله،لا إلٰه إلا الله-.

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ..(20)) أنت الآن بنفسك، ترى بنفسك، قد طَرَق بِك في كَثير من الأحيان أن أُذُنك طَنّت أو عينك وجعتك، أو وَقَعتَ في مَحلك وذهبتْ قُوّتك، والتراتيب التي كانت معك والمواعيد ألغيتها، وما قدرتَ على شيء؛ وجع في بطنك، مغص وقعدت في محلّك، والفصاحة كَملت والقوة ذهبت والإدارة تخربطت، ماعاد هناك شيء، حاجة بسيطة، أنت تعيش بهذه الحالة وتَغتَر؟!. 

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ)، (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا) [الأنبياء:43]  مَن الذي  يحُول بيننا وبين خَلقِنا؟! -لا إلٰه إلا الله-.

  • (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)) يَظُنّون أنٌ آلِهَتهُم من دون الله تَنفَعهُم، يَظُنّون أنّ شَيء سَيَمنَعهُم عن عِقاب الله وعَذابه، 
  • (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)، (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [ الأنعام:47].

(فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28))؟ فمَن؟ (فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) يقول الله في بَيان هذه الحَقائق كُلَها: (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ (21))  إذا أمسك الرحمن رِزقه، لم يأذن لأرض أن تُنبت، لم يأذن لسماء أن تُمطر، لم يأذن لشجرةٍ أن تُثمِر، بعد ذلك هاتوا رزق، اصنعوا لكم رِزق، يَكفيكم رزق الهواء وتَرتيب الدورة الدموية عندكم ورزق بقية الجمادات الموجودة، هو فقط، لو مَنَع رِزقه الذي تتغذون به، أنتم اصنعوا من هذه الأحجار التي عندكم أو التراب أو الحديد اصنعوا لكم غِذاء، اصنعوا لكم غِذاء، اصنعوا لكم غِذاء!! غذاء! من أين نُحضِره؟!، (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) -خسرنا- (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [الواقعة:63-67]، 

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ورزق الأكسجين الذي ترككم مضطرين إليه وهو منشور لكم، لو رفعه؟!! سَتقولون للحكومات تأتي لكم بهواء بدله، ممكن؟! ممكن ماذا؟! -سبحانه عز وجل-.

(أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ(21)): 

  • (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [النحل:71]، 
  • (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود:6].

(بَل لَّجُّوا) -استَمرّوا- (فِي عُتُوٍّ) -تَمادٍ في الباطل والضلال- (وَنُفُورٍ (21)) -ابتعاد عن الحَق والهُدى-. (بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)): 

  • عُتُوٍّ تمادي على الباطل والضلال، 
  • وَنُفُورٍ ابتعاد عن الحق والهدى، ينفرون من الحق ويتمادون في الضلال. 

(عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)، (بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ) أَوغَلوا في العُتو والنفور في التمسك بالباطل والتمادي فيه، 

  • (عُتُوٍّ) والبُعد عن الحق والهُدى والإلتِفات إليه، 
  • (وَنُفُورٍ) نَفَروا من الحَق وتَمادوا في الباطل.

 (بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) الدلائل أمامهم واضحة؛ الكونية والخَلقية، وما يُتلى عَليهم، والأنبياء والمُرسَلين من عند الله وخطابهم، فالأمور واضحة، ومع وضوحها يتعامون يَتَصامَمون ولا يُرِيدون، قالوا مِثل أبي جَهل وهو يَعلم أن محمد صادق، ولكن عتوّ ونفور، مُتمادي في ذلك.

وسيدنا عمّار بن ياسر وعى الحق وأدركه، الله أكبر! يقول الحق تعالى: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ ..(22))، الدلائل أَمامه والحُجَج والبَراهين كُلها وما حَواليه يَكون يُشير إلى صِدق الله وصِدق رُسُلِه، وهو يَتَعامى، يَتَصامَم، يَتَباعَد مثل الإنسان يمشي، وجهه الذي فيه البصر يُبصِر به الطريق، مُكبّا، خافضا وجهه، لا يرى ما أمامه ولا ما عن يمينه ولا ما عن شماله، يمشي مُكِبّا، يعني يَتَعامى عن الشيء؛ أمامه، وواحد مستقيم مفتّحة عيونه، يمشي؟ مَن الذي يمشي سواء؟! 

(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22)) هل سيدنا عمار بن ياسر -سيدنا ياسر-؛ (يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِه) مِثل أبو جهل، أمامه الدلائل واضحة

ولهذا إذا جاءَت القِيامة يُحشَرون على وُجوهِهم، يُكَبّون، ثم يُحشَرون على وُجوهِهم إلى جهنم، "وسألوا النبي ﷺ قالوا: كيف يمشون على وجوههم؟ كما روى الإمام أحمد في مُسنده، قال: أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم"؛ أما تراه يُرَتّب مَشْينا، رتّب مشي الإنسان على رجلين، رتّب مشي حيوانات؛ بعضها على رجلين، بعضها على أربع، رتّب مشي حيوانات على البطن، المُكَوّن مَن هو؟ وبعد ذلك؟ هنا أراد أن يُغيّر، يُغيّر، قد ابتدأ، وإذا أراد أن يُغَيّر، يُغيّر، الذي  يمشي على رجل يريد أن يُمشيه على بطنه ممكن، مَن يمشي على بطنه يخلق له رجل، في قدرته ممكن. 

"أليس الذي أمشاهم على أرجُلهم قادر على أن يُمَشيهم على وجوههم" يقول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لمّا تَلا عليهم قوله سبحانه وتعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) [الإسراء:97] هذا يُمَثِل ما كانت عُقولُهُم وأرواحهم تتعامل به مع ما خاطبهم به الرسل يتعامون، يتصاممون، فيُحشرون هكذا على وجوههم: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22))، إذا استعملوا العقل تماماً، واستعملوا السمع والبصر والفؤاد تماماً على وجهه الصحيح، وعَرَف أنه مَخلوق له خالق ومرجعه إليه وانتهت المسألة وصدق المرسلون.

 وهذا الذي يمشي مُكِبًّا على وجهه، إذا جاء في القيامة يقول: (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) [يس:52] تقول لهم الملائكة (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52] الذين كذّبتموهم قالوا الكلام هذا، الصدق  هذا هو، هذا الذي حدّثوكم به، (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)) -لا إلٰه إلا الله-.

 يقول: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ ..(22)) مُتعامياً مُتَصامِماً، مُوَلّياً عن الحَق وهو يعرف، (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [النمل:14]، (بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) ) ظُلما وعُلوا -لا إلٰه إلا الله-.

 بعض الدلائل تَتَضِح لِكَثير من الموجودين من الكُفار في كَثير من شُؤون تَكوين الإلٰه في الوجود، ويجدونها دلائل على صدق النبي محمد ﷺ، والكثير منهم إذا ظَهَرَت يَتَعَمّدون كَتمها (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ) [النمل:14]، ويقولون إذا ظَهَرَت ما عاد يبقى في الأرض إلا مسلم، سيُسلم الناس كلهم، وبعد ذلك، ما هذا! اتركوا الناس يُسلِمون.

 عِندَنا مصالح وشهوات ودنيا، وجميعه سيفوت عَلينا؛ نفس تفكير الذين يُكَذِّبون بالرُسل، فَيَكتمون آيات الله -تبارك وتعالى- كما كان يعمل اليهود والنصارى، عندهم أوصاف النبي محمد يَكتمونه، واضحة مذكور عندهم في الآيات؛ اسمه ووَسمه ووَصفه وبَلده ومهجره وعمله وخَلقه وخُلقه موجود: (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف:157].

كما سَمِعتُم في قِصة سيدتنا صفية بعد ما ملأ الله قلبها بالإيمان ومحبة الحق ورسوله، قالت: "يا رسول الله، في أول مجيئك إلى المدينة جاء عندك ليلة أبي وعمي، قالت: فَسَمِعتهم -لمّا رجعوا الى البيت، رجعوا من عندك- يقول أبي لعمي: كيف وَجَدت الرجل؟ كيف رَأيت الرجل؟ قال: هو الذي بَشّر به موسى، قال له: نَفسه بالضبط، الأوصاف واضحة عندهم، قال: فما قَرَرّت نحوه؟ قال: مُعانَدَتُه، مُضادتُه، مُقاتَلَتُه حتى نَموت"، أنتم تَدّعون الإيمان بِموسى أنه نبي، هو بَشّرَكُم به، وأنتم عَلِمتُم أنه هو الذي بشّر به في التوراة، قال: قررنا نُعانِده، نُقاتِلهُ حتى نموت -أعوذ بالله-. يقول: إذا اتبعناه يذهب جاهنا وثروتنا وأموالنا، -يا أبله- لو اتبعته لَازْددت جاهاً وقدرا ولَجاءتك الدنيا والآخرة، ولكن بَلِيّة الاعتماد على غير الله والاستناد إلى العقول وغيرها.

قال تعالى: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22)) فهذا المَثَل المَضروب لمَن يَتبع الحق ومَن يَتعامى عنه ويتصامم ويبعد، انظر الى الطريق أمامك! ولكنه يُغمض عينيه ويُكِبّ على وجهه، سيصل إلى أين هذا؟! وماذا سيعمل؟ 

قال قل لهم: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ) هل هناك قوة عندكم أنشَأَتكُم؟ هل الآباء؟ هل الأمهات؟ .. هل الأُسر؟ .. هل القبائل؟ .. هل الدول في العالم تُنشئكم؟ (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ) أخرجكم من عَدَم ورَباكم؛ نُطَف، عُلَق، مضغ، عِظام، لَحِم، روح أخرجكم، (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ..(23))، أنتم أحضرتموها من أي مصنع؟! وأعطاكم إياها أي مُخترع وأي مُبتكر وأي صاحب نظرة في الحياة ومنهاج في الحياة، وأي صاحب قانون هو الذي خَلَق أسماعكم وأبصاركم؟! من أين جئتم به؟!.

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ..(23)) القوى التامة التي تهتدون بها تماماً إلى الخير وتُدرِكون بها الحق وهي همزتكم الإنسانية الآدمية؛ سمع وأبصار وأفئدة، بها يتكامل وعي الإنسان لحقيقة الأمر ويَتَصرّف تَصَرّف اللائق به، هذا بواسِطة هذه القوى الموهوبة: أسماع، وأبصار، وأفئدة؛ (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) هذه القوى المُهمة في الإنسان التي بها يهتدي ويُقيم الأشياء والخطة في الحياة كلها ، قل هو من عنده أعطاكم هذا، فأحسنوا استعمالها، أحسنوا استعمالها، كما وصف لكم مُنشئها، مُوجدها، وهّابها، الذي وهبكم إياها. 

(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23)) أعطاكم إياها فعصيتم، بالأسماع وعصيتم بالأبصار، وعصيتم بالأفئدة، وما صدقتم معه ولا قمتم بحقه، (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23) ) (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13] -اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك- قال سيدنا: "أفلا أكون عبدا شكورا". 

ياأيام العشر من رمضان، وأيام السبع الأخيرة من رمضان، يا أيام الست والخمس الأخيرة من رمضان، في أيامه ﷺ كيف رأيتموه؟ كيف كان فيكم؟

  •  كان شكور. 
  • كان يُحيي ليله ويوقظ أهله ويشد مئزره.
  • كان يبكي، كان يخشع كان يخضع.
  • كان يتصدق كثير. 

والله وما شهدت الأيام مثله، وإن كان لِرمضان من ورثته أهلين في كل زمان، ما دام القرآن موجود يحنّ إليهم ويحنّون إليه ويحبهم ويحبونه، ولكن مثل ذاك الأصل ما يجد لا قبله ولا بعده، وإنما يُرَوِّح رمضان نفسه بريح الإرث، ولولا الورثة لكان رمضان على ظهر الأرض لا مِيزةَ فيه في قرب ولا دُنوّ، ولكن عُتوّ ونفور. 

على ظهر الأرض ماعاد يستفيد الناس من بركات رمضان وحقائق رمضان لولا وجود هؤلاء بين الناس. لِرمضان أهل، إذا فُقدوا أهله، صار الناس كما قال: "ولا يمرّ بالمنافقين شهر شر له منه"، "لا يمرّ على المؤمنين شهر خيرٌ لهم منه بمحلوف رسول الله". 

وما دام هؤلاء المؤمنين موجودين وخواصهم، فالرحمة لرمضان، فيه كم مَن مغفرة وكم مَن نظرة إذا فُقِدوا فيأتي رمضان والناس متمادين في الغيّ، وبُعد فوق البُعد، و طَرد فوق الطرد؛ انتهت الخُصوصية كما يرتفع القرآن بنفسه؛ يغار الله على كتابه لَمّا يفقد القرآن أهله الورثةَ بين الناس على ظهر الأرض، لما يفقدهم، يغار الله على كتابه، ما عاد بَقِيت قلوب تعلم سرّ القرآن وتَعرف قدره فيرفعه من السطور ومن الصدور، تقلع الحروف تقلع تصبح بيضاء لا يوجد فيها شيء، والصدور كذلك يريد يقرأ آية لا يعرف، من أول أو من آخر السورة ولا يعلم بشيء، لا شيء -لا إلٰه إلا الله-.

 فالحمد لله على وجود القرآن ووجود رمضان الله يجعلنا من الشاكرين (قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23))، (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]، وَيَا فُوزَ الشَّاكِرِينَ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [ابراهيم:7]. 

اللهم زِدْنَا مِنْ كُلِّ فَضْلٍ، وَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْقُرْبِ وَالْوَصِلِ، وَعَامِلْنَا بِمَا أَنْتَ لَهُ أَهِلٌ، يَا كَرِيمٌ، وَأَيْقظ قُلُوبَ الْأُمَّةِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ. 

يا رب هُم أمة نبيك محمد فلا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم رُدّنا إليك مرداً جميلاً وارحم قلوباً في الشرق والغرب واهدها إلى سواء السبيل، واهدها إلى الإيمان والحق واليقين، يارب العالمين ياأكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين. 

وبارك لنا فيما تشهد مواطننا من قلوب تُقبل، ووجهة معك تَصدُق، بارك لنا في ذلك بركة واسعة واجعل ذلك قرة عين وسرور قلبٍ لحبيبك المصطفى ﷺ في خير ولطف وعافية ويقين و تمكين مكين.

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

27 رَمضان 1440

تاريخ النشر الميلادي

01 يونيو 2019

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام