(228)
(536)
(574)
(311)
يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1436هـ.
﷽
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11))
الحمدلله مولانا العلي العظيم، الملك الإلٰه الكريم، بيده أمرُ التّأخير والتّقديم، وهو الجامعُ للأولينَ والآخرينَ، في يوم الهولِ العظيم، يوم الجحيم والعذابِ الأليم، ويوم النعيم ودارُ التكريم، لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، بَعَثَ بالحقِ والهدى عبده المصطفى المجتبى الكريم، ومحمدٌ رسولُ الله وصفوتُه من البرية، بوأَهُ أعلى مراتب القُربية وجَعَله سيداً على جميع من عَداه من جميع البرية، فصلِّ اللهم وسلم وبارك على خير الورى سجيّة عبدك المصطفى سيدنا محمد ذو الرتبةِ السنية والمنزلة العَلية، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأهل محبته واقتِفاء الآثار وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الأنوار، وآلهم وصحبهم ومن على منهجهم سار، إلى يوم الوقوفِ بين يديك يا كريمُ يا غفار.
ولازلنا نتلقى نعيم التّفَهم لكلام الرب العظيم -جل جلاله- والتّأمل لما ألقى من حَضرته العَليّة على أطهرِ قلب وأوسعِ قلب وأرفعِ قلب وأنورِ قلب وأشرفِ قلب،؛ قلبُ النبي محمد: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) [الشعراء:193-195]، وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) [مريم:97]، وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [الدخان:58] وقد وَصَلنا إلى سورة اللّيل بعد سورة الضُحى، وكل هذه السور مكيّة نَزلت قبل الهجرة.
يقول تبارك وتعالى حالفاً باللّيل والنهار فقال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)) أي: والخلقُ البديع الذي جَعلهُ الخالقُ للذكر والأنثى أو وما خَلَق من خَلَق الذكر والأنثى وهو الله الخالقُ لا خالِق سِواه؛ فعرفنا تَعَدّد القَسَمِ بالليل والنهار، وذلك أنهما الظرفان لما يجري من مختلف الأطوار والأحوال والشؤون في الظهورِ والبُطون، وهما ظَرْفا المكاسب التي تُهيئ لدخول الجنة أو لدخول النار، وهما ظَرفا أعمار النّاس على ظهر الأرض:
وَما هِيَ إِلّا لَيلَةٌ ثُمَّ يَومُهـا *** وَحَولُ إِلى حَولٍ وَشَهرٌ إِلى شَهرِ
مَطايا يُقَرِّبنَ الجَديدَ إِلى البِلى *** وَيُدنينَ أَشلاءَ الكَريمِ إِلى القَبرِ
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً) [الفرقان:62] يَخلف هذا هذا، وهذا هذا، يأتي هذا بعد هذا وهذا بعد هذا (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62]، فَهُما فرصتا التذَكُر والشكر، بل الفُرصة لارتقاء كل مَرتَبة شَريفة، هذا الليل الذي أمامك وهذا النهار الذي أمامك، ما تَصنعُ فيهما؟ ما تعمل بِهما؟ ظرفانِ للزمان هما غَنيمَتُكَ أيها الإنسان، تُرضي بما تصنعُ فيهما الرحمن أو تقع في السخط وترضي عدوك الشيطان؛ الليل والنهار.
يقول تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)) يَغشى بِظلامِه الأشياء فَيُغَطيها، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)) كما عَرَفنا بعض المعاني في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ) [الضحى:2]، غَطّى بظلامه الأشياء فكذلك يَغشى، يَغشى الكائنات فَيُغَطيها بِظَلامه، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)) يَغشى النهار بانقطاعهِ فيبقى واضحاً شأنه بعد غروب الشمس.
(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) [الأعراف:54]؛ لأن هذه الدورةَ الكُرَوية لا تتوقف أبداً وهي في اللٍحظة الواحدة تقطعُ آلف الأميال (يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) -سريعاً- (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) [الأعراف:54] فبعضُ أجزاء الأرض ليل والآخر نهار، وتمشي على طول تَغرب الشمس هنا، وتَطلع من هنا، إلى جانب مَناطق جَعل الله فيها الشمسَ يمتدُ أيامها في أيام الصيف ويَقصُر في أيام الشتاء، وثم مناطقَ في الأرض أخرى تغربُ عنها الشّمس أيام وليالي وأسابيع، ثم تَطلع، ومناطق في الأرض يَرون الشمس ستة أشهر وتَغرُب عنهم ستة أشهر -سبحان الخالق، سبحان المُقَدِر-، وعامة الكرة الأرضية يتكون منها في خلال الأربع وعشرين ساعة ليل ونهار.
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2)) اتضحَ وبانَ بنوره وأشرق بضيائه (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2)) قال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً) [الإسراء: 12]، قال سيدنا الأمام الحداد:
قَد آنَ صُبحُ العَدلِ يَنشَقُّ فَجرُهُ *** وَقَد آن لَيلُ الشك يَنزاحُ حالِكُه
بِطَلعَةِ اِبنِ المُصطَفى عَلَّمَ الهُدى *** حَليفَ التُقى خَيرَ الأَنامِ وَناسِكُه
كَأَنّي بِهِ بَينَ المَقامِ وَرُكِنها *** يُبايِعُهُ مِن كُلِّ حِزبٍ مُبارِكُه
بَهِ يَنعَشُ الرَحمَنُ مِلَّـةَ جَدِّهِ *** وَيَحيى بِهِ دينِ الهُدى وَمَناسِكُه
قَد آنَ صُبحُ العَدلِ يَنشَقُّ فَجرُهُ *** وَقَد حانَ لَيلُ الجورِ يَنزاحُ حالِكُه
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً) [الفرقان:62]، آيتين محا آية الليل وجعل آية النهار مُبصِرة وأهلُ الجَهالات وأربابُ الضلالات في ليلٍ حالك من الظلمات، (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) [البقرة: 257]، (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ منها) [الأنعام:122] فمن لم يُشرِق عليه نهارُ المعرفة فقد ارتَطَمَ في بلاءِ لَيلِ الجهل المُظلم المُهلك:
وَفي الجَهلِ قَبلَ المَوتِ مَوتٌ لِأَهلِهِ *** وَأَجسادُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2))، فكلّما تَغَشّانا ليلٌ أو وتَجلى نهارٌ، تَذَكّرنا الرب وتَذَكّرنا الحبيب، لأن الله أقسم بالضُحى والليل إذا سجى وما ودعه ولا قلى، فإذا جاء الليل ذكرنا أنه لم يُودعه ولم يقلُه، وإذا جاء النهار ذكرنا أنه لم يُودعه ولم يقلُه، ولا يزال الليل والنهار مُذَكران لنا بالحق وحبيبه، هذا لمن عرفَ مُهمة الليل والنهار وحِكمَة الليل والنهار، وهل مُهمة الكائنات إلا التّذكير بِمُكَونها! حتى أنت بنفسك، نفسك تُذَكِرَك بالله ولكنك تؤثر الفانيات وتؤثر الشهوات وتَنقطع وتُحجَب بالحُجب:
أنت نفسك عينك تُذَكِرُك به، وأنفك يُذَكِر به، وأُذنك تُذَكر به، ولِسانُك يُذَكِر به، شَفَتك تُذَكِر به، وأنت تَنسى تَنسى تَنسى، يقول لك: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) [البلد:8]، هل هناك أحد آخر صنع وخلق لك العينين ركبها لك! قل لي من هو؟من هذا الذي دخل وسط بطن أمك وركب لك عيون من هو؟!
(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) [البلد:8]، وعَينين من نُطفة ولا من عَلَقة؟ ولا من مُضغة؟ كيف عين تأتي من هذا؟! (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) [البلد:8]، والعينان تُذَكِرانك به أبداً وأنت تَعصيه بهما! تنساه -جل جلاله-! (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) [البلد:8-9]؛ فكلها تُذَكِرُك بالله، فَمالك لا تتذكر؟!
اللهم أكرمنا بِسُلطانِ ذِكرِكَ على قُلوبِنا، وإذا استحكم سُلطان الذكر على القلب صارَ الذاكِرُ مَذكوراً للرب، فَيَتَنَحى عَنهُ عَدُوه: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر:42]
واحد من الإثنين ما يَجتَمِع الإثنان (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) [المجادلة:19]، ولو عندهم ذِكر الله لايستطيع الشيطان عليهم، ما يستحوذ، ليس له سُلطان (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل:99-100]، عَسى سُلطان الذكر يَستَحكِم على قُلوبنا، ويقول قائلهم في من يُحبه: وإني لتعروني لذكراك هَـزةٌ.
قال الله فيمن يُحبونه: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ) [الرعد:28]، وقال الله سبحانه وتعالى فيمن يَعرِفونه ويَخشونه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال:2] -لا إلٰه إلا الله-.
الليلُ والنهار يُذَكِران بالواحد القهار، وكما رَتَبَ الله الكرة الأرضية على هذا، فهل يمكن بأي قوى عند تَقَدُّم الإنسان وتَطوره أن يزيد في الليل مقدار يسير وينقص في النهار مقدار يسير)؟ ممكن؟ أنت في عَصر التكنولوجيا كيف! اِجعله يزيد قليل؟! يزيد كم ساعات في الليل، ينقص كم ساعات في النهار، هل ممكن؟!
العَجزُ مَظهَرُهم وعِنوانُهم وحَقيقَتهم مهما تَقَدموا، لكن يَغتَرون ويَفتَرون، عاجِزون لا يقدرون، قل: تعال هذه بقعة في الأرض، بَدِّل ليلها نهاراً، وإلا نَزِّل من هذه لهذه، هل ممكن؟ أنت مُتَقَدِم مُتَطَور، عندك التكنولوجيا الحديثة، هيا قَدِّم، قَدِّم وأَخِّر، هو مَحَكوم هو مَقهور، الله تعالى جَعَلَ الليلَ والنَّهار.
ثم وَعَدنا بيوم سَمَّاه يوم آخِر، أي يوم آخِر هذا؟! ليس هناك ليل أونهار بعده، كَملَت أيامكم، انتهت، لماذ يوم آخر؟! آخِر، يوم آخر لا شيء بعده، وأين الشمس؟(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ*وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) [التكوير:1-2] -الله- ذهبت..
سبحانه هو الذي يُقيمها وهو الذي يبطلها والجن والإنس عاجزون، لا يُقَدِمون ولا يُؤَخِرون، إنما ما فَسَح لَهُم فيه المَجال ومَد لهم من بِساطٍ ومائدة قال اعملوا فيها واشتغلوا وتَناولوا بحسب ما أُلهِمكُم بِسُنَتي لا بِسُنَتِكُم، بِسُنَتي لا بِسُنَتِكُم، ليس لكم لكم سُنّة، أنتم ما تَخلقون شيء إلا أنا أُرتب هذا كذا وهذا كذا، وأنتم خُذوا هذه السنة وامشوا فيها، تمام، هل عِندَ تَقَدم الإنسان يَتَحَول النار إلى شَراب ؟ والماء إلى نار ممكن؟! لا هذا ما يُمكن، الماء ماء والنار نار كما خَلقها ، النار تَحرِق، هل ممكن مع التَّطور تصنع نار ما تَحرق؟ لايوجد، فقط خالقها يقول: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء:69] ما تحرق، لكن مَخلوق مثلها لايستطيع يصنع شيء فيها، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96] -جلَّ جلاله- قل: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ) [فاطر:3]، (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ) [الواقعة:71-74] -تُذكِر بِنار الآخرة- (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ) [الواقعة:74] المسافرين،(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة:96]، سبحان ربي العظيم وبحمده.
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3))؛ من مظاهر ذلك آدم وحواء (اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1] ثم كل ذكرٍ و أنثى من (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات:49] فالخالقُ له حِكمة في أن يخلق الزوجين ذكر وأنثى، مثل ما خلق الليل والنهار، جنس كل واحد، هذا مثلاً كله آدمي؛ ذكر وأنثى، هذا كله زمن؛ الليل والنهار، لماذا خلقهم هكذا ؟!
حِكَم كثيرة منها أنه لكل صنفٍ أو كل جنسٍ من الزمان مهام يقوم بها، من يَقول الزمن واحد !صح، لا يوجد فرق! يقول ولا شيء، عجيب! الليل مثل النهار؟ والنهار مثل الليل؟ !يعني نُبَطِل الحِكَم التي جَعَلها في الليل والحِكَم التي جَعلها الله في النهار؟ عجيب! مَزارِعنا تُنكر عليك، أشجارَنا تُنكر عليك، حيواناتنا تُنكر عليك، الله ما جزّأها جُزئيين إلا لكل واحد مهمة، وكذلك الذكر والأنثى لكل واحد مهمة ودور وواجب يقوم به ولهذا جزَّأهم وأَصلُهم شيء واحد؛ (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1]، وكذلك من كل شيء جعلنا(زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد:3].
ولما أراد أن يُعَمِّمَ الماء على الكُرة الأرضية فَيَموتُ كُلُ حَيوانٍ يَحتاجُ إلى التنفس غير حيوانات البِحار قال الله لسيدنا نوح خُذ (مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود:40] كل حيوان أدخله عندك في السفينة؛ لأجل يَبقى النّوع هذا؛ (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود:40] ودَخَلت، حتى السباع وحتى الحَيات وحتى العقارب، ولذا يذكُر أهل العلم أنه أخذ ميثاقاً على من عِنده في السفينة من هذه الحيوانات اللاّسعة مثل الحَيات والعقارب، أن لا تَلسع من يَذكُر اسمه، فلذا من دَخَل مكان يَخاف فيه وجود حَيات أو عَقارب يقول: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:79-80]، (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) [الصافات:79] ما تَمسه.
(قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) [هود:40]، ومنهم زوجَدته بسبب مَيلِ قَلبها إلى الكُفار، فَراحَت معهم -والعياذ بالله-، فكانت تَخونُ بِإنباء الكفار عن وجود الضّيوف إذا جاءوا عِنده- تعطيهم خَبَر-، فكانت تشعل النار في السطح تُخبِرهم أنه يوجد ضيوف عند لوط، تعالوا، إلى أن جَاءَ الملائكة في القصة التي قصَّها لنا الله في القرآن (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) [هود:78]، (قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ) [الحجر:68-69] -حتى- (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود:80]، قال النبي: "لقد أوى الى ركنٍ شديد وهو الله".
(قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) [هود:81] (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [الحجر:65] قال وَحَمَل هذا عنوان السير في الطريق إلى الله (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [الحجر:65] ما قال: وامضوا حيث تَهوَون، حيث تُؤمَر ليس حيث تَهوى ، دين مع هوى لا يصلُح!، الدين يُهذِّب الهوى (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [ص:26] فَمُهمة الدين يُهَذِب هواك، يؤدبه "حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" يقول النبي ﷺ.
(وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3))؛ على ماذا تُقسِم يارب؟! ليل ونهار! (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4))، أقسَمَ الله أن مَساعينا وأعمالنا على ظَهرِ الأرض مُختَلِفة مُتَباعِدة مُتَباينة مُتَنوعة، أنواع، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)) فيقول: أنتم في ضِمن الليل والنهارهذا، وفي ضِمنِ هَيمَنة وجَلال من خَلَق الذكر والأُنثى تَحشون الليل والنهار بأعمال كثيرة الاختلاف؛ هذا تَرفعه وهذا تَضعه وهذا تُسعِده وهذا تُشقيه وهذا تُنوره وهذا تَظلُمه، وهذا بها يفوز وهذا بها يهلك، وهذا بها يدخل الجنة وهذا بها يدخل النار: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ).
إذاً فانتبهوا من الميزان الصحيح لمساعيكم على الحياة، فإن لكم دواعي ودوافع تدفعكم إلى المسعى من قريب ومن بعيد من أنفسكم ومن ما يُزَيِّن لكم من حولكم من الإنس والجن -أخيارهم وأشرارهم- فانتبه، اجعل لك مَسعى صَحيح، بميزان صحيح رجيح وإلا هَلكت، لأن المساعي شتى ليست متفقة أبداً؛
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)) فآمالكم في الحياة واتجاهاتكم ومعاملاتكم وأخلاقكم متباينة متضاربة متنوعة متقلِّبة شتى، والصراط المستقيم واحد والسُبل المتفرقة كثيرة (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].
"وخَطَّ النبي خط، وخطَّ في الجانب هذا خطوط، وفي الجانب هذا خطوط، وقال: هذا الصراط المستقيم، وهذه السبل المُتَفَرقة، على كُل سَبيل منها شَيطان يَدعو إليه، فمن التفت إليه خَرَج"، فيا رب ثبتنا على الصراط المستقيم؛
ويارب ثبتنا على الحق والهدى*** ويارب اقبضنا على خير ملة
ويُمَثِلُ هذا الصراط المستقيم، الصراط والجسر الذي يوضَع على مَتنِ النارِ يوم القيامة، طويل، أدق من الشعرة، أحدُّ من السيف، وحواليه كلاليب تخطف الناس، هذا يمثِّل السُبل فإن مسك بِك كلَّاب هنا مسك بِك كُلَّاب هناك، والكلَّاب مثل شوك السعدان في الهيئة، لا يعلم قدر عِظمه إلا الله، يروى: "أنه يخطف في الخطفة الواحدة أربعين ألف، يهوي بهم إلى النار"، اللهم أجرنا من النار ثبتنا على الصراط المستقيم.
ومن حَسُن مروره هنا، حَسُن مروره هناك، ومن ثَبَتت معيته هنا لأقوامٍ بصدق المحبة كان معهم هناك عند المرور على الصراط، لأن الناس يُساقون إلى الجنة زمر زمر، جماعات جماعات، على حسب الروابط (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) [الزمر:73]، على حَسبِ الروابِط والعَلائق بينهم، وأصحاب المَساعي الأخرى الفاسدة في الأرض وهم أحزاب وهَيئات وجَماعات وكذلك هم: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) [الزمر:71] إلا أن هذه الزمر تُساق إلى الجنة كلها تتداخل في بعضها البعض وتتصل ببعضها البعض إلى الرأس محمد ﷺ، والزُمر الثانية تتداخل وتترابط روابط إلى الرأس إبليس لكنها روابط كلها بعد ذلك تتحول الى لعنات بينهم البين، وسب وشتم وانتهى (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) [الأعراف:38]، (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) [البقرة:166] (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) [إبراهيم:22] انتهى، هذا هو خلاصة الكلام.
في وعد حقّ من الله جاء به الأنبياء قالوا لكم: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]، قالوا لكم: (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ) [النساء:123]، قالولكم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء :48] تركتم وعودي؟! ، (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم) [ابراهيم:22]، بماذا تَحتَجون علي عند الجبار؟بماذا؟! (دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) لوموا انفسكم، من قال لكم تستجيبوا لي؟، ابن عباس قال: ضَحك عليكم في الدينا وضَحك عليهم في الآخرة، يضحك على أصحابه وأتباعه في الدنيا وفي الآخرة: (فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ).
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)) نعم والله المساعي مختلفة (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية:21]، لا المَحيا سواء ولا الممات سواء، هل المعاصي مثل الطاعات؟ لا، الذنوب مثل الحسنات ؟ لا، (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت:34] يقول سبحانه وتعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) [السجدة:18].
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)) ففي أي المَساعي أنت؟ أنت مَسعاك فِكراً ونِيةً وقَصداً، أين؟ على أي أساس؟ إلى أين تسير أنت؟ من قِبَل النفس وحدها؟ وإلا في عندك نور من الوحي؟ وإلا أفكار الشباب الذين معك ؟أين مسعاك؟ وضعْتَ رجلك أين؟ مسعاك أين هو؟ تمشي خلف من ؟على أي أساس؟ (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)).
ثم أخذ الحق تبارك وتعالى يُبَين لنا مظاهر تَشَتت المساعي هذه، ومَرجِعها بعد التشتت إلى كثير إلى صراط مستقيم وسُبل مُتَفَرقة؛ إلى خير وشر، إلى إيمان وكفر، إلى هُدى وضلال، كلها ترجع إلى ذلك، فأصحاب الصراط المستقيم لَوّنَ لهم الطاعات لِيَتَغَلبوا على طبيعة السآمة والملل، وأصحاب الكفر والفسق والضلال نوَّع لهم الفساد ليزدادوا بُعداً ويَغرقوا في الباطل إغراقاً، وفئات مُتناحِرة .
(وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) [البقرة:145]؛ ولذا نَجِدُهم في نَواحي كَثيرة، كثيري الاختلاف، وإذا رَجعوا إلى كُليات من أمور الحياة وشيء من شؤونها -أقل شيء- مُعَسكَرين؛ معسكر شرقي ومعسكر غربي -عجيب- (وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) [البقرة:145]، حِكمة من حَكيم، وهؤلاء طوائف وهؤلاء طوائف، وكلٍ منهم يدّعي الثقافة ويدّعي العلم والعلم شيء واحد لكنه موزع كذا، مالهُ هذا يضادّ هذا؟ ماذا أنت عندك؟! قال حقائق علمية، وأنت ماذا عندك قال حقائق علمية، الله، حقائق علمية! وكل واحد ضد الثاني! هذه لا تستقيم في العقل ، لو كان علم سيَجمع الكل، ولكن متناحرين مُتخالفين، وكل واحد يقولك عندي العلم:
وكلٌ يدعي وصلًا بليلى*** وليلى لا تُقر لهم بذاك
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقر ة:216]، يذكر الحق المَظاهِر فيقول: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11))، هذا خُلاصة مَساعي بني آدم، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ… (5)) يعني عَرفَ فأحبَ فبَذل، (أَعْطَىٰ):
أعطى لله، (أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5)):
(أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5)):
(أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6))، (بِالْحُسْنَىٰ (6))؛ الخصلةُ الحُسنى وهي الملة الإيمان، الحسنى وهي الكلمة الحُسنى: لا إلٰه إلا الله، (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6)) كلمة لا إلٰه إلا الله.
(أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6)) -القُرآن- (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6)) رِسالة مُحمد ﷺ، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6)) بالإيمان بالعاقبة الحُسنى: الجنة، بالكلمة الحسنى: لا إله إلا الله، (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6)).
(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7))، سنيسره لليُسرى، نُمِده بالتوفيق، فيعمل ما يوجِبُ الراحةَ والنعيمَ والطمأنينةَ والسعادة،؛ من قُربنا ومن رِضانا ومن الجَّنة ومن النّجاة من النار من إعطاء الكتاب باليمين ومن حُسن الخاتمة، من أن يَجعل قبره روضة من رياض الجنة؛ يُسرى، هذه يُسرى، نُرَجح ميزانه، يُحسن عرضه علينا، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)) كلُ ما شأنه السرور والأنس والحبور ويؤدي إلى النعيم فهو اليسرى، اليُسرى تقابلها العُسرى.
يعني أصحاب الإيمان الذين يُعطونَ من أجلِنا ويتقونَ غَضبنا وسَخطنا فينتهون عن معاصينا، نتولاهم ولايةً نُيَسِّر لهم فيها الوصول إلى اليسرى وأسباب السعادة في الدنيا والأخرى حتى نجعل مآلهم جَنَتنا، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7))، اللهم اجعلنا ممن أعطى واتقى وصدّق بالحُسنى، يا أرحم الراحمين.
ومُقابِلُهُ (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8)) بَخِلَ عن الإنفاق إيثاراً للإدِخار وللاستعداد للنفس ولقَضاء رغباتِها وشهواتِها، استغنى بنفسهِ عن ربه (رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ) [العلق:7]، استغنى؛ كان قادراً على الإنفاق ومع ذلك بَخِل، (بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8)) .
(وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9)) بالإيمان، بالملّة: ملّة الإسلام، بالجنة ما يُصَدق بالجنة؛ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)) يُصلِّح ويَعمل يُرتب ويُخطط ويمشي يمنى ويسرى وكلها تُؤدي الى تعب، مشقة، هلاك، خُسران، عذاب، موت على حالة سيئة، اسوداد وجه في القيامة استلام كتاب باليسار سُقوط في النار خلود في النار الله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ) (10).
فَخذ الغنيمة، واصدق مع ربك وابذل من أجله، يُيسرك لليسرى، اللهم يسرنا لليسرى واجعلنا من الذين تأخُذ بأيديهم إليك وتأخذ بنواصيهم إليك أخذ أهل الفضل والكرم عليك، قَوِمنا إذا اعوججنا، أعنّا إذا استقمنا، خُذ بأيدينا إذا عثرنا، لا تكلنا إلى أنفسنا أو إلى أحد من خلقك طرفة عين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد ﷺ
اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
كلام واضح من ربنا الكريم، الله يجعل له مجال إلى سرائرنا وإلى بواطن قلوبنا يَحل نوره فيها ويحشُرنا الله مع أهل القرآن إنه أكرم الاكرمين وأرحم الراحمين، والحمدلله رب العالمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد ﷺ.
14 رَمضان 1436