تفسير سورة القلم -7- من قوله تعالى: (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ..(44))

تفسير سورة القلم، من قوله تعالى: {سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ }، الآية: 40
للاستماع إلى الدرس

تفسير الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة القلم، من قوله تعالى: {سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ }، الآية: 40

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (46) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52))

الحمدلله مُكرِمنا بالآيات والتنزيل، والخير الجزيل والعطاء الجليل، والهداية إلى سواء السبيل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الأمر كلّه وإليه يرجُع الأمر كلّه، وله الحُكم ولا معقِّب لحُكمه، وهو الحكيم في يوم الهَول المُهيل، ونشهد أن سيدنا ونبينا وقرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، الهادِي الأكرم والدليل، اللهم أدم صلواتِك على عبدك المُجتبى محمد الذي وهبته من عندك التفْضيل والتكْميل، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن سار في سبيلهم خير سبيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل القدر والمقام العظيم الجليل، وعلى آلهم وصحبهم وملائكتك المقرّبين وعبادك الصالحين محلِّ التّكريم والتبْجيل، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا وليّ يا كفيل. 

وبعد،، 

فإننا في تتابُع نِعم الحق علينا، أن نُصبح ونَغدو في تأمل آيات ربّنا في أيام الشهر الكريم المُبارك، انتهينا في تأمل آيات سورة القلم -سورة نون- إلى قول ربنا -جلّ جلاله وتعالى في علاه-: (سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖوَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)  وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)).

وعَلِمنا أنه لا يملُك أحد منهم إثبات أنّ حاكم يوم القيامة أعطى هؤلاء صلاحيّة في أن يتحكّموا ويبدّلوا ويُغيّروا من حُكمه شيء، فدَعواهم أنّهم يؤتَون مثل ما يؤتَى المؤمنون باطِل لا أصل لها من عقل ولا من صحّة ولا مرجِع ولا أساس.. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم:35-36] فالحمد لله على نعمة الإسلام. 

من بين نعمة الإسلام ذكّرنا ربّ الأنام بأمر جليل، وسط هذه النعمة، هو أصل وأساس يمْتد إلى كل معاني هذه النعمة وهو السُجود لله:

  • السُجود الذي فيه إعلان الخضوع والتّذلل.
  • فيه إعلان الانكِسار والتّبتّل.
  • فيه إعلان الخُضوع للجبّار الأعلى بوضع الجَبهة:
    • أعزّ أعضاء الإنسان على الأرض -ممر الأقدام-. 
    • مُعلنا أنّي خاضِع لك مُستسلِم مُتذلِل فقير مُستجير. 
    • "أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ". 

وحدّثنا القرآن الكريم أنه لا ينجو من العذاب الأليم إلا من كان صادقا في سُجوده للربّ العظيم. وأنّه كما جاءنا في الحديث: 

  • بعد أن يُؤمر كل من عبدَ إلهًا؛ أن يتبع إلهه، فيذهب عَبَدة غير الله -تبارك وتعالى- إلى النار، يتبعون الشمس، يتبعون القمر، يتبعون الأصنام، يتبعون كل أنواع المَعبودات من دون الله.
  • ويَبقى بعض اليهود وبعض النصارى، يقولون ما لكم؟ ما كنتم تعبدون؟! يقول جماعة من اليهود:
    •  عُزير ابن الله، يقول: كذبتم.. تعالى الله عن الشُّركاء، ما لله من ولد ولا من شريك. 
    • ماذا تريدون؟ فيقولون: عُطاش، نريد أن نشرب. 
    • فتُصوّر لهم النار سرابًا من دركات بعضها فوق بعض. 
    • فيُقال: اذهبوا، فأوردوا فيتساقطون في النار..
  • فيبقى المؤمنون ومعهم من كان يسجد كذِبًا -من المُنافقين- بعد أن يذهب النصارى الذين يُقال لهم ما كنتم تعبدون؟ 
    • قالوا: أن كل واحد ذهب مع الإله الذي يعبده، ما كنتم تعبدون؟ قالوا: نعبدُ عيسى ابن الله.
    • قالوا: كذبتم ما لله من ابن! وما كان الله ليتخذ من ولد ولا شريك، ماذا تريدون؟ 
    • يقولون: عُطاش نريد أن نشرب، فتُصوّر لهم النّار كالسّراب وكأنّهم يقولون أوردوا.. فيسقطون في النار.
  • وإذا بقي هؤلاء المؤمنون ومعهم المنافقون؛ تجلّى الحقّ لهم فسجد المؤمنون، وذهب ليسجد الكفار الذين كانوا يسجدون نفاقًا، فيعودُ ظهر أحدهم عظماً واحداً لا يستطيعُ أن يسجد، إذا أراد أن يسجد سقط على الوراء، فيأمُرهم الله بالرّفع من السجود فيرتفع المؤمنون ووجُوههم أبيض من الثّلج. 

وهؤلاء الذين ما استطاعوا أن يسجدوا ورأوا المؤمنين يسجدون اشتدّت حسرتُهم، ظَهَر نِفاقِهم، ظهر كذِبهم، ووجوههم كما ذَكر الله: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) يُكشف عن الهول العظيم الذي يكون في ذاك اليوم؛ (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ). 

بعكس وجوه المؤمنين: 

  • (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43))) تعالوا، صلّوا فرض .. نفل.. حتى قال كعب الأحبار -عليه رحمة الله-: أن هؤلاء المُتخلِّفون عن الجماعة، الذين يدعون الى الجماعات في الصلاة ولا يرضون.
  •  (يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) هم من المنافقين، كما قال -ولقد رأيتنا- ابن مسعود: "وما يتخلّف عنها إلا مُنافِق معلوم النِفاق"؛ فلا يستطيعون السجود. 

(وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)) ممكّنين في الأرض، الحق سبحانه وتعالى في الأرض، ما جمّد ظهر أحد ولا جعله عظم واحد، يقدر يسجد بكل سُهولة؛ لكنّهم أبوا، ولم يسجدوا صادقين، (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)؛ ما بهم من بأس. 

يقول الجبار -جلّ جلاله وتعالى في علاه-: (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ..(44)) ياحبيبي المُبلّغ أمري في هذه البرية، في هذه الشؤون التي خلقتها، في هذا الخلق على ظهر الأرض، لا عليك ممن كذّب، لا عليك ممن كابر، لا عليك ممن عاند، لا عليك ممن ناكَر، لا عليك ممن تكبّر، ما عليك ممن تجبّر، بأصنافِهم؛ صِغار، كِبار، أفراد، آحاد، رجال، نساء.. 

  • (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ)، الحديث: القرآن الذي أنزَلت عليك. هذا الحديث، الاخبار التي أحدثك عن مرجعي إليه، كل من كذّب بها اتركه.. اتركه لأكفِيك ايّاه، وكّل أمره إليّ.. أنا أكفيك إياهم..
  • كما قال تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) [البقرة:137]، (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95]، (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) -الله أكبر!!- (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) جلّ جلاله. 

وهكذا كل مؤمن صادق، ولو لم يكن على ظهر الأرض إلا واحد مؤمن صادق فليكنْ على هذه الثقة بالله، وعلى هذه القوة في الاعتماد على الله تعالى، ولا يأبه بمن على ظهر الأرض. 

(فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ) يقول الله: ذرني، كِلْ أمره إليّ؛ أنا أكفيك إيّاه، ياالله!! وإذا قال صاحب القُوّة: اتركني وفلان -خلّني على فلان- ماذا سيكون حال صاحب البطش الشديد القوي العظيم؟! قال: (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)): 

  • (سَنَسْتَدْرِجُهُم)؛ نأخُذهم درجة درجة، نُقرِّبهم للعَذاب من حيث لا يشعُرون؛ وإلا لاحتَرزوا وانتبهوا ورجعوا.. -اتركهم-، 
    • إمّا بأن يعطيهم مظاهر في الدنيا وشيء من مراداتهم ومُشتهياتهم إلى حد لا يوجد فيه شيء مطلق، في الدنيا لا يوجد فيها أمر مطلق. 
    • فيغترّون بذلك ويقولون: إنّ ربنا ما أعطانا ولا انعم علينا إلّا لأننا على الحق، ونحن أفضل، ونحن أصحاب المنزلة عنْده؛ فيتمَادون في غيّهم، ثم يأخذهم، لا إله إلا الله. 
  • (سَنَسْتَدْرِجُهُم)؛ نُسلّط عليهم شهواتِهم فلا يُبالون باقتِحام ما يعلمون أن مغبّته خطيرة، وأن عاقِبته شديدة، فلا يبالي؛ مُستدرج مسكين.
  • (سَنَسْتَدْرِجُهُم)؛ الاستِدْراج من جبّار السماوات والأرض، آل الكيد والمكر من في الدنيا يصِلون إلى حُدود؛ (وإن كان مكرِهم لتزول منه الجبال).. إلى هذا الحدّ؛ لكن ما يُساوي هذا؛ مكر الله ليس فوقه مكر؟! (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
  • (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)) وكم يضعون من خُطط ويُرتِّبون من تراتيب، ثم يوشك أن يرجعوا من حيث بدأوا مرة بعد أخرى. 

الآن في تاريخ الأمة القريب من خلال مئتين سنة، الموقِع الواحد من مواقِع المسلمين، تداول عليه من أرباب الكفر والفساد؛ لتحويله، لنيله، لإبعاد الدين الذي فيه، لأخذ جميع ثرواته المادية إلى غير ذلك؛ أول خطة، وثاني خطة، وثالث خطة، ورابع خطة، وخامس خطة، وكلها بعد كل خطة كانوا يرجعون من جديد؛ يُفكِّرون من جديد، يُصلِّحون محاولات.

ولماذا لم يتمكّنوا مع وصولهم إلى أجزاء من الأهداف؟!  

  • لكن الهدف الذي يرسمونه في الخطة الأولى لم يصلوا إليه، وفي الخطة الثانية لم يصلوا إليه، وفي الخطة الثالثة لم يصلوا إليه. 
  • وتخطيط بعد تخطيط، وتخبيط بعد تخبيط كذلك، وبأنواع متعددة، مرة بدعوى التطور، مرة بدعوى التقدم، مرة بدعوى الحرب الصريح، ومرة بالحرب الصريح. 

ولكن الإسلام هو الإسلام، وهو قائم وموجود، ولا أنتهى الإسلام، ولا أنتهي الأذان، ولا أنتهي المساجد، ولا أنتهى القرآن. 

ثم لا يزال السطو الكلّي على ثرواته فيه تعثُّرات وتعقُّبات، عجيب! ما الحاصل؟ ولماذا مائة سنة لم تنجحوا، مائتي سنة لم تنجحوا؟ ولازلتم تعيدون الكرّة، وكرّة بعد كرّة، وكل مُستوى نجاح الفئة هؤلاء من الكُفّار ليس كل الكفار.. الكفار أصناف وفيهم أرباب إنسانية، وفيهم أرباب قُرب إلى الفطرة، وفيهم .. وفيهم ولكن هذا الصنف الذي يُبتلى بإرادة السوء والضُّر والاستحواذ على كلِّ شيء، يُكررون المحاولة مرّة بعد الثانية ومرة ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة، ويُفاجَئون؛ أنه يحصل في الواقع والعالم شيء ليس في بالهم أبداً، ما كان قبل خمسين سنة الذي في بالهم في الخطة مثلاً عن حضرموت، عن عموم اليمن وعن الشام وعن مصر أنه كما هو الآن أبداً، ما كان في بالهم أن يكون هكذا أبداً، كان في بالهم بحسب الخطة أنه سيكون الوضع شيء آخر. 

فيأتي مُدبِّر الأمور، ومُحوّل الأحوال، ومُقدِّر الأقدار يُبرز لهم غير ما توقّعوا وغير ما ظنوا، و لازالوا يحاولون، إلى متى؟! إلى أن يموت الواحد منهم بعد الثاني والثالث إلى النار واحد بعد الثاني، وغيّ وطغيان فقط.. وفيهم من يُشبِه فرعون عند الموت -يقول: آمنت- ولا ينفعه الإيمان، وفيهم وفيهم..وجماعات منهم كما ذكر الله فيما قرأنا اليوم في سورة غافِر في أواخرها، يقول عن هؤلاء؛ جماعات منهم طوائف، يقول الحق -جلّ جلاله وتعالى في علاه؛ فيمن كان من قبلنا على ظهر هذه الأرض  اغتّروا بِقواهم؛

  • يقول -جلّ جلاله وتعالى في علاه-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ). 
  • ثم ما النتيجة؟ هذا كثرة وقوّة وآثار في الأرض، والنتيجة؟ (فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [غافر:82].
  • ما الذي حصل بالضبط؟ يقول: لمّا جاءتهم الرسل هم فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ، اغترّوا بهذا الذي توصّلوا إليه من العِلم -الذي يُسمّونه علم- (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ)؛ غرورًا، وكذّبوا الرسل: (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [غافر:83].
  • الذي كانوا يستخفِّونه ويستهزئون به ولا يرونه شيء؛ هو الذي التوى عليهم وضُرِبوا بسببه، الله أكبر!! (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم) [القصص:5-6]. 
  • هؤلاء المُستضعفين الذين يُقتِّلونهم ويستحيون نِساءهم، يُقتِّلون أبناءهم، ويستخِفون بهم ويسخّرونهم للخِدمة عندهم، قال -منهم هؤلاء-: سنريكم (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:6]، (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ). 
  • سمعت!! (فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ)، (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي) [الزخرف:51]، (فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَ حَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [غافر:83].
  • (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) -جاءت الشدة وجاء العذاب- (قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)؛ كلّ الكلام الذي نقوله كذب، كل التصوّر باطِل، لا يوجد إلا إله واحد، إلا الله وحده فقط.. (آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) [غافر:84].
  • قال الله: (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)، بعد رؤية البأس لا ينفع الإيمان يا ناس، كان وقت الإيمان ينفع، الآن انتهى، مُتم على الكفر، فما لكم إلا العذاب، (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا). 
  • قال الله: هكذا الخلق؛ (سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) - من الذي سيخسر؟- (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) [غافر:85]، ويا سعد المؤمنين، حققنا اللهم بحقائق الإيمان ومكّننا في السجود تمكينا. 

قال: (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)  وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)) في فترة من الفترات كان انبساط قوى مادية وعسكرية لدولة من الدول في الغرب؛ دولة بريطانيا، وكان قبل أن تظهر أمريكا وروسيا -يسمونها الدولة العظمى-، وكان وكان.

ولمّا وصل من وصل منهم إلى حضرموت، فكان بعض أرباب الخير والنور والعلم هنا يقول: "جاءوا بأطمَاعهم ومُراداتهم وما يتمنّون من الشّر؛ لكن نحن سنصل إلى بلدانهم ونوصل أولادنا إلى بُلدانهم بالنور والهدى والإسلام، طبعا لم يكُن في بال أحد منهم في ذاك الوقت أصلاً أن الإسلام سينتشر في بريطانيا، ولا أنه سيأتي أناس من حضرموت ومن غيرها إلى بريطانيا وسينشرون الدعوة، ما في البال هذا أصلا، لا يخطر على بال أحد، فقط هذه الفاظ، العالِم يقول هكذا، ومرت الأيام وخَلّفت بريطانيا روسيا في حضرموت، ومرت روسيا ببعض ظروف وأحوال تضعضعت فيها بعض الشئوون، ثم عادت إلى قوّتها المادية، لكن ليكُن هذا وهذا وهذا، ما القوّة في المنهج هذا؟ ما القوّة في المبدأ هذا؟ لا دولة، لا أحزاب، لا خِطط مادية وعسكرية. 

ما القوّة التي في المنهج هذا؟  وممتد، ليس مائة سنة، مائتين سنة.. ثلاثمائة سنة.. أربع مائة سنة .. أكثر، خمسمائة سنة ..أكثر، ستمائة سنة ..أكثر، سبعمائة سنة ..أكثر، ألف سنة ..أكثر؛ عجيب والله!

 عندما تصل عند مصدر القوة: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) -هو هنا مصدر القوة- (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9]: 

  • (وَلَوْ كَرِهَ) اتركهم يكرهون، لايريدون ملكه أن يقوم! تريد أو لا تريد، الملِك يحكُم ليس أنت -جلّ الله- مُلكك الصوري له حُدود محدودة ثم ينقطع: 
    • وأي مُلك يموت صاحبه يُسمى مُلكاً؟! هذا مُلك يموت صاحبه! هل هذا مُلك؟! 
    • هل يُسمى مُلك وصاحِبه يمرض، صاحبه يموت، صاحبه يُنقلب عليه، صاحبه يتعب، صاحبه ينصب، صاحبه يتغيّر مِزاجه، صَاحِبه تأذيه بطنُه. 
    • هل هذا مُلك! ما هذا المُلك؟! فقط هذا سمّوه مُلك صورة.. حقائق المُلك ليست هذه.
  • ولكن الذين اسْتجابوا للمَلِك الأعلى لهم حياة؛ لا همّ فيها، لا غمّ فيها، لا كدر فيها، لا مرض فيها، لا موت فيها، (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) [الإنسان:20]، فالمُلك عند هؤلاء. 

كلّ من يُسمّى مَلِك غيرهم ما سلك هذا السبيل فهو صورة، كلام مجازي فارغ -ألفاظ-، يُسمّونه مَلِك وأشياء تجري على غير ما يُريد، مرة رجله، ومرة بطنه، ومرة عينه، ومرة في مستشفى في دولة فُلانية، ومرة انتقل للمحل الفلاني، ومرة استدعى فريق طبِّي من المحل الفُلاني وأتوا به إليه، ومرة القلاقل في طرف بلاده، ثم في الحدود مشاكل -ياخير مُلك!- بعد ذلك موت.. كم المُلُك، اسمه صورة مُلك، أين المُلك؟

  • إن كان تقيّاً صالِحاً عادِلاً خاضِعاً خاشِعاً مُتواضِعاً مُقتدياً بمحمد فنِعِم. 
  • أمّا المُلك الصوري يمشي مجراه وينسبوه من أهل الملك.
  • أما إن كان من أجل -ذاك المُلك- ضيّع اتّصاله بمحمد وبسنّته وآدابه وغيره؛ تعب ومشاكل وصورة مُلك في الدنيا وعذاب في الآخرة، فإن أفقر واحد في رعيّته مُتّقي صالح هو مَلِك. 

ذاك صاحِب مُلك، والله، هو صاحِب مُلك حقيقي، هذا الذي عاش من رعيّته فقير لكن مُتّقي ومُتّصل بالله؛ يرجع إلى نعيمٍ مُخلّد ومُلكٍ مؤبّد؛ هذا هو المَلِك. 

  • هذه الحقائق الذي يغُش فيها إبليس وجُندِه يقولون له؛ إنما الملك هذا فقط -الصغير هذا-.. واحد يخطط أمامه ليكون والي، والوالي الذي قبله قتلوه، والثاني قتلوه، يقول: أنا أتمنى أن أكون والي، يقولون له؛ أما ترى هؤلاء قبلك؟! قال: حتى يوم واحد أملُك هكذا فقط، مسكين! قال: أريد حتى يوم واحد، أما ترى قبلك هؤلاء الذين تولوا، أمامك قَتلوا الأول وقَتلوا الثاني، قال: لا يهم، حتى يوم واحد أنا أريد مُلك -رغبة في أمر حقير-، سبحان الله! 
  • والمُلك الحقيقي هو هذا، لا غيره، أن يحسن حالك مع مَلِك المُلوك؛ هذا مُلك.. هذا مُلك ومصيرك إلى أن يُقال لك: "إن لك أن تنعم فلا تبْأس أبدا، وأن تشبّ فلا تهرم أبدا، وأن تحيا فلا تموت أبدا، وأن تنعم فلا تبأس أبدا، وأن تصِح فلا تمرض أبدا"؛ هذا هو المُلك. 

والآخرون قال عنهم (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)) من حيث لا ينتهي علمهم، لاإله إلا الله.. وهكذا (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ) هذا الإملاء أمر خطير، ليتمادى في غيّه، يتمادى في ظلاله من أجل أن يشتدّ أخْذته، ويشتَد العذاب عليه، "إن الله ليُملي للظالم حتى يأخذه فإذا أخذه لم يفلته"، (وَأُمْلِي لَهُمْ)؛ يقول الله: (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45))، من يقوى على إرادة الجبّار الأعلى؟! وعلى مُحاربة الخلّاق؟! -جلّ جلاله- (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45))، ويا قوي يا متين أكفِ شر الظالمين، واجعلنا في الهداة المُهتدين.  

يقول الله؛ ما لهم بعد هذه البيانات لا يستجيبون لك ولا يهتدون للحق الذي جئت به؟! (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا) هل أنت تطلب منهم شيء؟! متاع من الدنيا تقول اعطونا؟! ومتاعك صعب عليهم لا يقدرون أن يحصّلونه؟! مساكين!!

  • (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ) -من كُلفة طلبتها منهم تأخذها- (مُّثْقَلُونَ (46))؟! 
    • شاق الأمر عليهم، ألا يستطيعون أن يجمعوا لك هذه المبالغ التي طلبتها منهم؟ أنت قلت لهم: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الشعراء:145]. 
    • ما طلبت منهم شيء مُقابِل هذه الهداية، عجّزتهم عن الاستجابة لك ونفّرتهم بأنّك تريد منهم، تقول: جمِّعوا لي كذا، وهاتوا لي كذا؟! أبداً. 
  • (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (46))، فما لهم؟! ما الذي يمنعهم من الإيمان؟ كله اغتِرار بزُخرفهم هذا الذي هم فيه!
  • (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ) -يعني من مطالب صعبة عليهم- (مُّثْقَلُونَ)؟ لا يستطيعون أن يؤدوها لك. 

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ (46) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ ..(47))؟ يأخذون من اللوح المحفوظ من قضائنا المبرم ويُدبرون أمورهم به؟! هم ما لهم صِلة بهذا الإله: 

  • (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ) [الأنبياء:43]. 
  • يقول: (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف:51]. 

(أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)) يأتونك بالأدلة من اللوح المحفوظ ومن وحينا شيء؟! ما أوحينا إلى أحد منهم، ما أطلعنا أحد منهم على الغيب عندنا.. لا إله إلا الله!! (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ) [النجم:35-37].

(أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)؛ هذه مُهمّتك في العبودية، وأنت أكرم عبد علينا، ولكن الطريق الصّبر، وأنت القُدوة لكل من قصد وجهنا إلى أن تقوم الساعة، (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ): 

  • سيدنا النبي يونس -عليه السلام- استعجل الأمر وفرّ مِن عند قومه، ثم (إِذْ نَادَىٰ) -ربّه- (وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)) وتاب عليه واجتباه وجعله من الصالحين ورفع قدره. 
  • يقول؛ لا تمر بمثل هذه التجربة، وهو سيد الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم-. 

ومع ذلك فكلّهم خيار عباد الله، وهم أعلى من كل من سِواهم -صلوات الله وسلامه عليهم-، حتى لا يفهم أحد من الآيات أن لسّيدنا يونس عليه السلام نَقص أو ضَعف، لا يفهم أحد أن الآيات تُثبِت له نقصاً أو ضعفاً، ولكن تُثبِت له مسلكًا في الكمال، أمرَ الأكْمل أن يسلُك الأكْمل منه، أن يسلُك مسلكاً أكْمل مِنه، ولهذا يقول: "لا تُفَضِّلوني على يونُسَ بن متَّى"، يقول ﷺ: "لا تُفَضِّلوني.." تفضيل نَقص! أو احتقار! أو تظن أن سيدنا يونس عليه السلام كان في قِصور أو في ضعف، لا، كان شريف في كلّ، إنما بالنسبة للإله -سبحانه وتعالى- يؤاخذ من شاء بما شاء، ويؤدب ما شاء بما شاء -سبحانه وتعالى- هذه حُقوق الألوهية، ولا تظن منها نقصاً في رُتبة النبوّة؛ ولهذا قال: "لا تُفَضِّلوني على يونُسَ بن متَّى" الله أكبر!.. 

  • وكان لسيدنا المُصطفى مِعراج وخطاب للربّ من فوق العرش. 
  • وكان لسيدنا يونس بن متى نداء للربّ وخطاب في بطن الحوت. 

وقال:"لا تُفَضِّلوني على يونُسَ بن متَّى"، ولا تقولون هذا نادى من وسط الحوت ليحمي الله مكانة أنبيائه -صلوات الله وسلامه عليهم-، ويأتي معنا كمال معاني الآيات إن شاء الله.. 

ثبّتنا الله وإيّاكم على الاستقامة، واتحفنا بالمِنن والمواهب والمزايا والكرامة، اللهم انفعنا بما علّمتنا، وعلِّمنا ما ينفعُنا، واجعلنا من الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه،

 وأمْنن بكمال اللطف من عندك والعافية والشفاء، اشفنا وعافِنا وتولّنا بألطَافك في سِرّنا وإجْهارنا وجميع عمرنا وجميع شأننا وحالنا، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، نجّنا من كل غم وتولّنا بمحض الجود والكرم، وكن لنا بما أنت أهله في الدنيا والبرزخ وثم، وعامِلنا يا مولانا بالجود، وتولّنا في الغيب والشهود، وقِنا جميع الآفات، وأصلح لنا وللمؤمنين جميع الأحوال والحالات.

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي محمد

اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

22 رَمضان 1440

تاريخ النشر الميلادي

26 مايو 2019

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام