تفسير سورة الفجر - 2- من قوله تعالى: (هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ )

تفسير جزء عمَّ - 56 - مواصلة تفسير سورة الفجر
للاستماع إلى الدرس

يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1436هـ.

نص الدرس مكتوب:

 (هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10))

الحمد لله وما أسرع توالي الأيام، وفيها جودٌ وإنعام، لأهل الاغتنام، والله يوفّر حظّنا مِن مَنِّه والإكرام، الذي يخصُّ به خيار الأنام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحي القيوم  الواحد الأحد الملك العلّام، ونشهد أنّ سيدنا ونبيّنا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله أصل البداية ومسك الختام، أدِم الصلاة على عبدك الذي أصطفيته من بين البرية، ورفعتَه أعلى المراتب السنيّة، وجعلته المُقدّم في كل مُهمة وفي كل شرف وفي كل نِسبة إلى معاني الرُتب السنية، وصلِّ معه على آله وعلى أصحابه وعلى أهل حضرة اقترابه من أحبابه، خصوصًا على أبائه وأخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

يا من أطلعتَ فجر حبيبك المصطفى فأشرقَ فلا ينقُص ولا يُطفأ أبدَ الآبدين ودهر الداهرين، صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، واجعلنا ممّن استضاء بنور هذا السراج المُنير، فاستنار وسعى إليك سعيا مباركا بالجسم والضمير، تُحبّه منه وترضى به عنه فيحِلُّ في مقام الأُنس الكبير، وعطاء الود والحب الوفير، بما لا يُستطاع فيه عن تعبير، ولا أن تُدرَك حقائقه ومعانيه بما يبدُر في الذهن، فكيف بما يكون من تعبير اللسان بأيّ التقارير والتحارير

وبعد،،

فإنّا لا نزال ونحن نودّع الشهر ونُحِسُّ بأنه ينسحب علينا ويكاد أن يرحلَ حتى لا يتبقّي لنا منه يوما ولا ليلة. لا زلنا في نعمة التأمّل والتعقُّل لكلام الحقّ على لسانِ الذي ختم به الرسل، وذلك هو العصمة للعقول والقلوب والأرواح من أن تزِلَّ أو أن تضِلّ بكل ما يصِلها من أفكار وتصوّرات وتخيُّلات وتفسيرات للأشياء، فكلها محلّ الضّلال ومحلُّ الانحراف ومحلُّ الوهم إلا ماجاء عن الله على ألسُن رسله، فهو الحق الصحيح الصريح الواضح الخالص (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35]  الله ينّور قلوبنا وعقولنا بِنُور القرآن.

سمعنا ربنا أقسم بالفجر، وذكرنا له المعاني، وأقسم بالليالي العشر، وذكرنا الأقوال فيها، أشهرها وأصحها: 

  • أنها عشر ذي الحجة، وقد وردت فيها أحاديث كثيرة في فضلها، 
  • ثم أنها العشر الأواخر من رمضان التي نحن فيها،
  • ثم إنها العشر الأُوَل من المحرم،
  • ويذكر أنها العشر الأول من رمضان.

(وَالْفَجْرِ(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3)) أقسم سبحانه وتعالى بالشفع والوتر في الأعداد وفي الكائنات؛ شفعها ووترها وهو رب الجميع -جل جلاله- وأشرنا إلى بعض ما يقول أهل التفسير أن كل الكائنات شفع (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) [الذاريات:49] إثنين، و لهذا باعتبار.

إنما الوتر المطلق هو الله !!-جل جلاله وتعالى في علاه-، والوَتر والوِتر لغتان في العربية، وهما قراءتان من  القراءات السبع (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3))، (وَالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ)، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ(4)) أي يمضي من الليل، فإن في سريان الليل تسري أرواح، إلى مراتب القرب من الفتاح ، فلذلك ذكر سُرى الليل وذكرنا الإسراء لنبينا صلى الله عليه وآله وصحبة وسلم و المعراج، وذكرنا أن الله أقسم بالليل، وهو يسري، يمضي ويمضي فيه ويسري فيه من يسري بالأجسام أو بالأرواح ولأهل السُّرى بالروح شأن عظيم، وعند الصباح يحمَدُ القوم السُّرى.

 وقال في بعض مسرى الروح في الليالي الإمام أبوبكر العدني بن عبدالله العيدروس:

 يا ذا  الـذي  ناداني *** وقت السُّحير أشجاني

 نداه لي اسقاني *** من قرقفاه الهاني

سكِرت به ..

 -يعني غبت عما سواه، غبت عن الكائنات-

سكِرت به وأفناني *** عن  كل  ضد  فاني

من قاص أو دان *** في العالم الجِسمأني

 فما الذي حصل في عالم الروح؟ قال: 

آنست أنس الأنس *** في مهرجان القدس

تعرف مهرجان القدس؟ أنت تعرف المهرجانات حق هؤلاء التي يذكرونها؟ مهرجان القدس بعد الفناء عن النفس والكائنات، في مهرجان القدس، الطُّهر التام مع الملأ الأعلى، في مهرجان القدس

 أنست  أنس  الأنس *** في مهرجان القدس

وأفنيت هيكل نفسي *** و قــالبـــــي وحســـي

 وزال  وَهـــمُ  اللَّبـــسِ *** وحندسات الحَدس

 بالبارق النَّــــوراني *** والوارد  الربـاني  

ويشير إلى ذلك في قصيدة أخرى: 

نُصبت لأهل المناجاة *** في حندس الليل أعلام

ماتريد  ترى هذه الأعلام؟؟ ماتريد تذوق حتى في هذه  الليالي العِظام؟ حتى متى ؟ مُنتظر إلى متى؟ عمرك كم؟ بعد الحِمام يكون قد انغلقت الأبواب، ما معك فرصة إلا ما دمت في هذه الحياة تنظر هذه الأعلام نُصبت لأهل المناجاة، نصبت في حندس الليل أعلام !! استعذبوا السُّهدَ !- تركوا النوم- وامسوا قيام إذ نام من نام!! فماذا حصل؟ 

واستعذبوا الشهد وأمسوا *** قيـامــــاً  إذ نـــام  من نــــام

استقبلتهــم  لطائـــف *** بهجاتُ فضلٍ وأكرام

من  لـــذةٍ  لا  تُـكيَّــف *** ولا تُصوّر في الأوهام

قد  ذاقها  من  عناهــا ***  وهام فيها الذي هام

طابـوا،  واستوحش  الخلـق *** واضحوا  في  الفيافي والآكام

كم طابوا وفاز المُخِفّون *** ونحن  أربــاب  الآثـــام 

نبني  و نهـدم  بنانـــا *** ومنتهى أمرنا إهدام

ياذا الكسل كم تُؤخِّر توبتك من عام إلى عام!! 

ننـدم  علـى  ما فعلنــا *** توبتك من عام إلى عام

ولست  تدري  بعــامٍ *** يأتيك هو ناقص أو تام

أوهـل تحقّقتَ دنيــا *** دامت لأحد أو لها دام

العمرُ فانٍ وإن طال *** لا بد  من  كَـرَّةِ  السام

والغيد تمسي أرامل *** مِنّــا  وأطفــالٌ  أيتــام

نندم على مافعلنا *** ولا  يفيــد  التنــدام

إلى أن قال :

يا كاشف الضرّ يامن  ***  قضى  بقدره  و إحكــام

احفـظ  علينــا  جـميـعــا *** عند انقضاء العمر الإسلام

حاشاك بعد التفضّل ***  تذيقنا  هول  الإضرام

قد جُدتَ فضلا بالإسلام ***  و أفضل  الجـود  الإتمــام

فالله يتم نعمته علينا يثبتنا على الإسلام والإيمان حتى نلقاه ...

 أقسم الله -تبارك وتعالى- بالليالي العشر والليل إذا يسر، ثم عظّم هذا القسم وقال: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْر(5)) هل هذا يمين كافي؟ هل هذا قسم وحَلف تام؟ عند العُقلاء الحِجر: العقل -النُّهية تُجمع على نُهى- عقل وعقول نُهية ونُهى.

حِجر سُميَ حِجر؛ لأنه يحجر، نُهية لأنه ينهى، عقل لأنه يعقل ينهي يعقل يحجر؛ عن القبائح هذا هو العقل، أن تتخلى عن القبائح.. صفات.. كلمات.. أفعال للقلوب أو للجوارح تتخلّى عن القبائح هذا هو العقل، ولذا قالوا: " إنما دين المرء على قدر عقله" ولكن أكثر الناس لا يعقلون؛ فيتلطّخون بالقبائح بل يستحسنونها؛ (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) [فاطر:8].

 وهذه الأفكار المختلفة على ظهر الأرض، منهم من يستحسن القبيح الفلاني.. ومنهم من يستحسن القبيح الفلاني، ومنهم من يستحسن القبيح الفلاني، ثم يتمادَون بالتظاهر به والتجاهُر بل ومحاولة الإحتجاج له والاعتداد به في باطل إلى باطل، حتى يصلُ السّخَف بالعقول البشرية بأن يُسمّوا أقبح القبائح كمِثل: الأمر الذي يُخرَج فيه عن الفِطرة من أصلها ويُبتَغى لها ما سمّاه الله عُدوانًا يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فمن ابتغاء وراء ذلك فاولئك هم العادون) [المؤمنون:5-6]. هذا الإعتداء وهذا العدوان سُمِّي في وقتكم وقت التقدّم أو التهدّم:!! ماذا؟ ليس حرّيّة فقط! بل تخرج فيها قوانين دوليّة!! إذا قد الدول صارت سُفَل بهذه الصورة؛ خرجوا عن الإنسانية  كلها وعن الفطرة كلها، فعلى الدنيا العفا، ولكن إذا دنا هلاكها تفعل كذلك.

فيقول بعض من يتزعّم في عالم الخبَل وعالم الباطل ويُعَدّ الزعيم الكبير؛ إذا استُفتِيَ الفسقة فعَلتْ أصواتهم أصوات العُقلاء من كفار، كلهم كفار غير مسلمين لا هؤلاء ولا هؤلاء لكن عَلَت أصوات الفسقة الساقطين، أصوات العقلاء منهم أو أهل الفِطرة  فيهم، يقول زعيمهم : انتصرت الحرية! هذه يعني نهاية السُّفل والسقاطة سمّاها: حرية.  

إنما بعث بالحرية إلينا الأنبياء؛ لنتحرر من أمثال سقطتك الخبيثة ومن أمثال نزولك إلى هذه الدناءة؛ نتحرر من هذه الحرية، ليست الحرية التسفُّل الذي لمّا رُفعت القضية في عهد سيدنا عمر بن الخطاب إن هذا الإنسان صار رجلا بمثابة المرأة؛ فهالَ الصحابة الأمر، فتشاوروا فيه، قال سيدنا علي -كرم الله وجهه-: "لو لم يرِد به القرآن ما كنت أصدق أن يحدث هذا في البشر"، وعلمتم أن ما ذكره الله عن أمَّة، علمتم مافعل الله بها: (جَعَلْنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍۢ مَّنضُودٍۢ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:82-83] فأجمعوا على قتله!.

وهكذا، فصار منطقهم منطق هؤلاء الفسقة من قوم سيدنا لوط الذين قالوا: (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) -ما المشكلة عندهم؟- (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون) [النمل:56] أنتم لا تحبون الطهارة يعني؟! أنتم تتوسّخون!! هم يحبون الوسخ! فصار الطهر عندهم عيب! -لاحول ولاقوة إلا بالله- إبعدْ هذا يتطهر هذا، أبعده من عندنا، أي أتركنا في الوحل والوسخ والدناءة -أعوذ بالله من غضب الله- 

فهذا منطقهم الآن يسري في عصرك هذا -عصر التقدم- وهل ترمي بنفسك إلى أن تتّبع شيء مما يأتيك من عندهم! اصغِ إلى كلام الله، اعرف قدر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحرّر من هذه السقطات وهذا الهبوط الخبيث، الذي يصيب البشر ويعقبه ويتلوه مباشرة عجائب وعِبر، وهذه سُنّة الله في هذا الوجود يغترّون ويصفّقون وراء بعض الكلام الساقط الهابط فترة؛ ويصبحون عبرة لمن اعتبر، قلّوا أكثروا، صغروا أو كبُروا.

فقد قيل: إن مدائن قوم سيدنا لوط  كانت تسع مدائن، أقل مدينة فيها مائة ألف وحُمِلت على طرف ريشة من جناح سيدنا جبريل حتى رفعهم إلى الفضاء فوق، وفوق مستوى القمر والمريخ والكواكب، حتى يقال: أن ملائكة السماء الدنيا سمعوا صراخ دِيَكَتهم و نهيق حميرهم، ثم أمر الله أن يردها إلى الأرض ويقلبها رأسا على عقب فردها فسوّى، قال: (إنَّ مَوْعِدهمْ الصُّبْح أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍۢ مَّنضُودٍۢ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:81-83]  قال: ليس ببعيدة منكم أو أي أحد منكم يظلم و يعمل مثل عملهم، نفعل به كذا!! (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أعاذنا الله من كل سوء في الدارين.

ومن بقيت فيه نورانية الفطرة وحقيقة الإنسانية ينأى بنفسه ثم إذ لو سقط في أي شي يُخالف هذا الأساس والاصل؛ ندِم ولامَ نفسه ورجع، أما أن يتحوّل إلى تبجّحات وإلى أوصاف بالحريات فهذا نهاية خراب الإنسان، نهاية الانسان، وفساده -والعياذ بالله تبارك وتعالى- حتى ما يمكن نقيسُه بالحيوانات، أمثال هذه السقطة ما تحصل في الحيوانات، تعيش عندنا الحيوانات حتى من جنس واحد، أغنام ضأن مع ماعز فما نجد شيء ينزو على شيء، طول عمرهم ضابطين شهواتهم حيث رُتِّب لهم، لا يتحولون عن الفطرة ضأن مع ضأن وماعز مع ماعز لا احد يعدو على الثاني، لكن البشر زادوا على هؤلاء!! (أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُُّ) [الأعراف: 179]   أضل: أسفل، هذا ما يرتضيها بحكم فطرته التي فطره الله عليها، مع ذلك لم يؤتَ من العقل ما أوتوا، ولم يؤتى من الفهم ما أوتوا، ولم يؤتَ من الإدراك ما أوتوا؛ ومع ذلك مُلتزم بفطرته، وهذا آدمي وسمع وبصر وعقل ويتخسّس وينزل الى أسفل حد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

وهكذا يَشكرُ من صرف النعمة في محلِّها وحيث يرقى بها، ويكفر ويجحد من حوّل النعمة إلى معصية والى مخالفة الذي اعطاه النعمة وأنعم عليه بها -جل جلاله- يقول: 

  • (حِجْر): يحجُر صاحبه عن القبائح.
  • عقل: يعقِل.
  • نُهيَة: تنهاه، تزجر صاحبها عن ارتكاب القبيح.

ومن القبائح ما هو قبيح بأصل الفطرة وأجمعت عليه الشرائع من أيام آدم فلا يتأتّى أن يتحوّل قط إلى مليح ولا اعتبار فيه للأعراف ولا للعادات ولا أختلاف الأوقات ولا الأماكن ولا البلدان أصلاً أصلاً أصلاً، ما كان بهذا الاعتبار من الله جعله في العالم الخلقي قبيح فهو قبيح، من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة لجميع الطوائف، لجميع الأجناس، لجميع البلدان لجميع الأعراف، لا يمكن أن يتحوّل شيء من هذه القبائح -التي جعلها الله قبائح- إلى شيء طيب أبداً؛ الخبيث خبيث، كمثل هذه القبائح التي أجمعت الشرائع على تحريمها من أيام نزول أبينا آدم إلى الأرض وتوالي الأنبياء نبي بعد نبي من نبينا آدم حتى جاء ختْم النبوة والرسالة على يد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

(هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْر (5)) يا أرباب العقول أقسمتُ لكم -سبحانك وأنت أصدق القائلين ومِن دون أن تقسم يا رب- ما هذا الأمر؟ الأمر قال: الهلاك وشدة العذاب وسوء المصير على من خالف نبينا، كما رأيتم كيف فعلنا بالأمم السابقة حين خالفوا أنبيائهم لما أرسلنا إليهم. 

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)) يقول: أما قد علمتَ يا نبينا وصفوَتنا وخير خلقنا، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) اليقين الذي عندك في هذه الرؤية التي هي مشهورة بين الناس فيما فعلنا بذلك يكفيهم اعتبار لو اعتبروا، وأنهم من جملة خلقي بل هم أقل من أولئك إمدادا منّي بالقوة والجسد والإمكانية والآلات فقد أعطيت أولئك ما لم أعطي هؤلاء .

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7))، عاد: اسم جدُّهم نُسِبوا إليه فصاروا عاد، فسُميت القبيلة كلها عاد، وهذا عاد تكرر اسم عاد بعد ذلك في الأحفاد منهم، لكن هذا عاد الأول الذي يرجع إلى إرَم بن سام بن نوح فيقال:عاد بن عوس بن إرم بن سام بن نوح، فهو قريب من عصر سيدنا نوح، وهذه ال عاد التي يقال لها عاد الأولى، أواخرهم يقال لهم: عاد الثانية، وهذه عاد الأولى.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)): (إرَم) يعنى عاد الأولى، (إرَم): عاد بن إرم بن عَوس بن سام بن نوح، هذا أول من سُمي عاد ولد إرم؛ فلهذا عيّن عاد الأولى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) ما الذي حصل لعاد؟! (أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود:60].

(إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)) الذين هم ذواتهم طوال؛ لأنهم قريباً من عهد آدم وعهد سيدنا نوح لم يزل الطول، فيُقال: أن طولهم إثنا عشر ذراع، ويقال غير ذلك، إثنا عشر ذراع، مثل كم منكم؟ الواحد منهم بإصبع سيمسك واحد منكم بين اصبعين! 

  • (ذَاتِ الْعِمَادِ) الطول في أجسامهم. 
  • (ذَاتِ الْعِمَادِ) كانت لهم خيام كثيرة لها أعمد طويلة ينصبونها على قدر طولهم. 
  • (ذَاتِ الْعِمَادِ) ولربما بعضهم لهم أبنية وأيضاً لها أعمدة طويلة فقال: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)).

ثم كل ما يُتناقل عن بعض بني إسرائيل من أخبار، أنها مدينة وأرض، وأنها تحت عدن وأنها مدينة تتنقل؛ كلام ماله مُستند من جهة النصوص، ولا جاء شيء عن النبي وعن الصحابة لا يدرون، وهي من ضمن الإسرائيليات التي حُشِيَت بها بعض كتب التفسير عند المسلمين. 

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)) نفس القبيلة وعاد الأولى مُبيّنة (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) ذات طول وقوة في أجسادهم لهم أعمدة في خيامهم، وأن منهم بادية كثير؛ ينصبون الخيام ولها أعمدة طويلة، ولهم أعمدة كذلك لمبانيهم بالنسبة للمتحضرين منهم (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)) أي في الأرض لم يكن في عصرهم مثلهم، هم أقوى مَن يكون من جِهة القُوى المادية على ظهر الأرض في ذلك الزمان.

(..لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)) ولهذا هم قالوا كما قال عنهم في الاية الأخرى: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15] وهذا هو منطق كل من رأى نفسه قوي بالقوة المادية في أي زمان يقولون هكذا، في السابق كانت تأتيهم الأنبياء ويخاطبونهم، في هذه الأمة؛ علماء الأمة وصلحائها  يخاطبون هؤلاء ما خاطب به  الرسل، وقالوا لهم: اعرفوا قدر أنفسكم، واعرفوا أصلكم، واعرفوا نهايتكم، ودعوا الغرور الذي أنتم عليه؛ (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؛ الحق قال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ  لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ) [فصلت:15-16]   اللهم أجرنا من ذلك. 

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)) سبع ليال وثمانية أيام، حتى قال بعضهم: في معنى الشفع والوتر حق أيام عاد هذه شفع ووتر سبع ليال وثمانية أيام، قال سبحانه وتعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ) [الحاقة:7]  متتابعة (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ) الذين ادّعوا القوة (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَة) [الحاقة:7-8] هل لازال لهم صوت اليوم؟ هل ينازعون على شي! هل لهم قوة؟ لهم خبر؟ (فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَة)! لا إله إلا الله   

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)) أقبلت عليهم السُّحب فيها الريح التي تدمّرهم وأنذرهم النبي هود قال لهم: ارجعوا الى الله وتوبوا، فالعذاب دنا منكم، قد قَرُب منكم، قالوا: ما العذاب -رأوها السحب طوداً متراكما- (قَالُواْ هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)، فلما رأوه مُستقبل أوديتهم قالوا هذه عوارض السحاب التي تُنزل المطر، بماذا تخوفنا؟ بماذا؟؟ كذبوه  قال: ( بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم  به رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [الأحقاف:24-25]

الله خاطب الأمة قال: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ) [الأحقاف:26] يعني فيما لم نمكنكم فيه  أعطيناهم مُكنة وقوة ماهي عندكم، الله اكبر!!  (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) [الاحقاف: 26]، لا إله إلا الله القوي.

 اللهم اجعل اعتمادنا عليك، واستنادنا اليك وصِدقنا معك واحفظنا أن نَغْتر بقوة في فردٍ منا أو في جماعة منا أو في أحدٍ ممن على ظهر الأرض؛ جماعات وطوائف ودول وشعوب، واشهدنا حقيقتهم أنهم تحت حكمك ضعفاء وأن القوة لك، وهي الحقيقة التي تُجلى أمام جميع العيون المكافئين لكن في الآخرة (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العذاب) [البقرة: 165].

سبحان القوي، ياقوي أمِدّنا بقوة الإيمان واليقين والصدق الذي نشهد بها ضعفنا وضعف الكائنات معا، حتى ضعف السموات والأرض أمام عظمة القوي الذي خلقهما ودبّرهما وهو يمسكهما؛ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) [غافر: 24]؛ لا يقدر أحد من أهل الأرض ولا بالكواكب التي بين الأرض والسماء ولا أحد من أهل السماء من سادتنا الملائكة وغيرهم يمسك السماء أو الأرض إذا قال الله: زولي زالت، انتهى؛ (وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ)؛ فالقوة له، سبحانه القوي. 

الله يرزقنا كمال الإيمان واليقين، وهذه مِنن تُقَسّم في رمضان بعض الناس ما كان عنده هذا النور في معرفة قوة الله لكن يخرج من رمضان ومعه هذا النور! يكون القوي يُمِده من قوته -سبحانه وتعالى- بما يليق بفضله فيقوّي إيمانه ويقينه ويحرسه بعين عنايته، اليوم على ظهر الأرض كم من الضعفاء؟! كم من العُزّل -من السلاح وغيره-؟! كم من البسطاء؟ ربما تحدّث بقتلهم عشرات من مُختلف الاتجاهات والأحزاب، ثم تمرُّ السنوات ولايُمَكّنوا منهم وهم تحت مظلة: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوٓاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ) [المائدة:11].

في الأزمنة كلها وفي زماننا هذا ايضاً موجود، كثير من أصحاب الاتجاهات يودّون أن يقتلوا فلان ويضربوا فلان، وبعضهم قد يُخطط ويقول: بعد سنة، وبعض يقول: سنتين، وبعض يقول: بعد كم أشهر،  وتمر السنة والسنتين والعشر والعشرين سنة وماحصل شي!! وهو يذهب ذاك، وهذا في محلّه، لأن القوة لواحد اسمه الله هو القوي (إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [آل عمران:160].

ولما جعل الله الأسباب ورتّبها قال: لا تغترّوا بالاسباب فهي بترتيبي أنا، وتحت قهري واذا رأيتموني أُمِدُّكم بالملائكة ويحضرون معكم مواقع، لا تظنّوا أن النصر من عندهم، أنتم والملائكة نصركم من عندي (ومَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ) [ال عمران:126] -جل جلاله- اللهم انصرنا بما نصرت به الرسل واحفظنا بما حفظت به الذكر، ياحي ياقيوم يا ارحم الراحمين. 

يقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)) هذا خبر، أمة كبيرة، أقوياء أشداء لهم عماد انتهوا وما بقي أحد منهم،  هلكوا في خلال سبع ليال وثمانية أيام وماعاش منهم إلا سيدنا النبي هود والذين آمنوا معه، وما هذه الريح التي تفرق بين هؤلاء وهؤلاء؟! كانت الريح ليلة بدر تمّر عند المسلمين خفيفة وعند المشركين قوية، كانت المطر في يوم بدر في أرض المسلمين تثبّتها -تصلّب- وهناك تُزلِّقها وتتعب! الله!  (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال:11] تصلّحت هنا وتلفتت هنا، في أرض وفي أرض هؤلاء المطر واحدة!.

في الخندق كانت تهب الريح، تمر على النبي والصحابة خفيفة لطيفة وتصل عند المشركين بف!!. بقوة تقلع خيامهم تقلب القدور وهي نفس الريح، -سبحان مرسلها!- (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) [الحجر:22]، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر:21] فكانت تمر على جيش النبي ﷺ في الخندق خفيفة لطيفة ولما تصل إلى هناك تزعزعهم، حتى لما وصل عندهم سيدنا حذيفة -من الصحابة- رأى خيامهم مُقلّعة والقدور مقلّبة، صاحبَ أبو سفيان وتأكّد كل واحد من صاحبه، قال أنا بادرت بالسؤال: قل من أنت؟ قال أنا فلان بن فلان، قال له: تمام  طيب، ماأرادهم أن يعرفوه وهو وسط المعسكر.

دخل بأمر النبي ﷺ: من يأتيني بخبر القوم؟ والناس في شِدة وبرد، سكتوا، مرّ على سيدنا حذيفة قال: أنت يا حذيفة قم، قام وهو ماعنده شي يتدفّئ به من البرد ومعه مُرط زوجته أخرجه يتدفأ به، ثم قام، قال: إذهب إلى القوم وانظر لي خبرهم ولاتحدث فيهم شئ حتى ترجع إلي، واكّد عليه، لما أخذ يمشي قال: حذيفة، لا تحدث فيهم شئ حتى تعود إلي، قال: مرحبا.  تسلل في الظلام، مشى ودخل عند القوم، قال لمّا مشيت، قال ﷺ: "اللهم إنه في خدمة رسولك، فقِهِ البرد حتى يعود إلى"، يقول سيدنا حذيفة: فشعرت وكأني دخلت في حمّام دافئ، اختفى البرد كله ومشيت ماعدت أحس بالبرد.

 تسلل ودخل عند القوم، قال: ووجدت أبا سفيان أشعل نار يتدفئ بها من البرد، قال: وتمكنت منه وأخرجت قوسي لأضربه إلا ذكرت قول النبي: لا تحدث شئ، فرددت قوسي قال: وإذا به اشتد الحال عليهم يقول: يامعشر قريش والقبائل التي مع اصحاب الخندق -اسمعوا- الآن خاننا اليهود وماعندنا طريق والريح تكافتت علينا وأنا ذاهب، من يريد أن يذهب يذهب ومن أراد أن يبقى  يبقى، -قائدهم قرر الرجعة، والريح عندهم شديدة- قال قبل لايتكلم: ليتمكن كل واحد من جليسه من، ما يكون بيننا أحد، فهذا الصحابي -سيدنا حذيفة- قال: أنا أمسكت بسرعة بيد الذي بجانبي، وقلت: أنت من أنت فقال: أنا فلان ثم قال: أنت من قال: فلان فقال: تمام تمام، وتكلم بهذا الكلام وأخذ أمتعته وسرى، ورجع سيدنا حذيفة وجد القوم كلّهم ساريين.

قال: فرجعت، وجدت النبي قائم يصلي فماهو إلا أن عدت إليه، فعاد إلي البرد -رجعت ارتجف-، كان طول المهمة هذه وأنا ماعندي برد، الآن لمّا رجعت عاد لي البرد، فلاحظني ﷺ، أشار لي أقرُب، فغطاني بشملة كانت عليه، وأكمل صلاته وسلّم: خبر القوم؟ قال: يارسول الله القوم تعبوا وهربوا..وسمعت و سمعت، وقلت وقلت وفعلت، لا إله إلا الله.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ)، من بعدهم جاء: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ ..(9))

  • (جَابُوا الصَّخْرَ) قطعوا الصخور،
  • (جَابُوا الصَّخْرَ) خرقوا الجبال وصاروا يصلحون ولهم بيوت وغرف في الجبال داخل.

 ينحتون ويخرقون الجبال ويدخلون وسطها؛ ويصلّحون ديار وسط الجبل، بيوت وغرفة هنا وغرفة.. مخزن هنا ومخزن هنا ومكان وسط الجبلين الداخل، كانوا يقطعون من الجبال. 

(وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ(9)) الوادِ وادي القُرى هذا الذي بين المدينة وتبوك من جهة الشام، وهم  كانوا هناك ساكنين، هم أصحاب الحجر هؤلاء، قالوا: بعد هلاكهم انتقل سيدنا صالح إلى حضرموت،

  • (جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) وادي القرى فهم في هذا الوادي، وهو كل ماكان بين الجبلين، فهم جابوا الصخور للجبال، (وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا) [الحجر:82] غرفاً، ينحتونها وسط الجبال.
  • (جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) ماذا حصل لهم؟ صيحة واحدة صاح بهم جبريل فهلكوا: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة:5]  طغت عليهم صيحة فانتهوا -أعاذنا الله-.

هؤلاء عاد وثمود والثالث ضرب مثل: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَاد (10))، فيذكر لنا التفسير ما المراد بالأوتاد، ولمَ سماهم الله ذو الأوتاد: 

  • أهم الجيش الذين كانوا ينصرونه ويقومون معه. 
  • أم هي الأوتاد التي يعذّب بها الخلق. 
  • أم هي منابر كانت ترفع له ويعذب عليها العباد 
  • أو كان وتد لليد ووتد للرجل.
  • أو وتد لكل يدين وتد لهذه ووتد لهذه.
  • أو الأوتاد التي عذّب بها آسية بنت مزاحم، خصّها بالذكر.

 كل هذه المعاني تأتي معنا ونهايته المعروفة معكم، وجسده محنّط موجود عندكم في القاهرة، وساعة يأخذونه وساعة يرجعونه، عبرة لمن اعتبر! يا فراعنة زماننا، لِم لا تنظرون إليه؟! انظروا من فضلكم بعقولكم إذا كان لكم عقول واتركوا الفراعنة، انظروا لهذا الفرعون الذي قال :أنا ربكم الأعلى، انظروا لجسده: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [يونس:92].

وقلَّ المعتبرون، أما السوّاح كثير يزورونه، لكن لايعتبرون، يمكن يزور فرعون ويخرج وهو متفرعن، والآية أمامه بعينه راها، قده من مئات مئات السنين قد ذهب قبله وهلك، وآخر لحظة أراد يؤمن ماعاد قبل إيمانه ورفعه البحر، أخرج جثته من بين باقي الجثث، وظهرت ليكون عبرة؛ (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:90-92].

فياليت فراعنة زماننا يعتبرون بالجسد، نفسه موجود اذهبوا إليه، اعتبروا وانظروا، وما وصلتم ماوصل إليه، وهذه عاقبته (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)  [الحشر:2].

وسائر فهْم القرآن الكريم صفاء القلب وجودة الذهن والفطرة مع العكوف على باب الرب وحسن النظر فيما قال الصحابة والتابعون وتابعو التابعين بإحسان من معاني القرآن؛ فهذه أسباب الفهم في كتاب الله تبارك وتعالى. 

ويقول: (وَمَا هِىَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٍۢ) [هود:83] نعم، وقوم لوط أيضاً جلسوا؟ وماجلسوا سنة أو سنتين ولا ثلاث ولا أربع وأهلكوا..وليست من الظالمين ببعيد. وإن كانت تحصل أنواع من التعذيبات للأفراد في بعض الجماعات في الأمة تكون من أسباب تلك المصائب، ثم إن الله عصم هذه الأمة بحرمة نبيها عن أن يستأصلهم بعذاب، كما حصل مع الأمم السابقة، رحمة الله تعالى إياهم ببركة نبيه ومكانته عنده صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم، ولكن لايسلمون من أنواع تحصل فيهم وفيها عبَر كبيرة لمن اعتبر وادكر، وقد تتأخر شهر وشهرين وسنة وسنتين وأقل وأكثر من ذلك ولكن العبرة.. العبرة، ومن تداركه الله حسُنت توبته ورجع إلى ربه وسلِم من عذابه في الدنيا والآخرة، يقول سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٍۢ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:68-70].

الله يرفع عنا جميع الخبث، ويكون لنا في كل حادثة وكل شأن من الشؤون بما كان به  لمحبوبيه، ويتولانا فيما تولى به الطيبين ويطيب لنا نياتنا مقاصدنا ووجهاتنا وخواطرنا وأعمالنا ويلحقنا بالطيبين (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل:32] اللهم ثبتنا على ماتُحب واجعلنا فيمن تحب. 

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي محمد

اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

واجعلنا وإياهم من أهل مودتك، ومن جندك الذين تنصرهم، وتنصر بهم  دينك وشريعتك، وتزيح بهم الباطل، برحمتك يا أرحم الراحمين.

تاريخ النشر الهجري

26 رَمضان 1436

تاريخ النشر الميلادي

12 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام