تفسير سورة الزلزلة -2- متابعة تفسير سورة الزلزلة

تفسير الفاتحة وقصار السور - 29 - مواصلة تفسير سورة الزلزلة
للاستماع إلى الدرس

تفسير الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لسورة الفاتحة وقصار السور بدار المصطفى ضمن دروس الدورة الصيفية العشرين في شهر رمضان المبارك من العام 1435هـ.

نص الدرس مكتوب:

(إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5)) 

 

الحمد الله العلي الكبير منه المبتدأ إليه المرجع والمصير، فهو الأول الآخر الباطن الظاهر، أرسل إلينا خيرَالخلائق وأغلى الجواهر، عبده المنيب السيد الطاهر، محمد بن عبد الله جامع المفاخر، الشفيع الأعظم في اليوم الآخر، شّرفنا بقرآنٍ أنزله عليه، يسّر لنا بلسانه تلاوته إلى يوم القيامة، ووعدنا على تلاوته وتأمّل معانيه والعمل بما فيه الشرف والنعيم والكرامة.

 لك الحمد يا منُزل الكتاب، لك الحمد يا باعث سيد الأحباب، لك الحمدُ يا من إليه المرجع والمآب، لك الحمد يا رب الأرباب، صلِّ وسلم على من جاءنا منك بالعلم النافع الأبدي، وأرشدنا إلى طريق الهدى فبه نهتدي، وجعلت الكرامة لكل من له يتبع وبه يقتدي، صلِّ وسلم عليه في كل حين أبدًا وعلى آله وصحبة السُّعداء، ومن بهديه اهتدى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أُولي الفضل والندى، وعلى آلهم وتابعيهم إلى يوم البعث غدَا وعلينا معهم وفيهم يا من استوى عنده ما خفي وما بدا.

أما بعد، 

فإنا في نعيم التأمّل لكلام الإله العظيم، الرؤوف الرحيم، العزيز الجّبار المنتقم -جل جلاله وتعالى في علاه- مررنا على هذه السور التي تُقَرَّر للأمة، فيها عظيم النفع لمن تدبَّر، وفي معانيها تفكر وفي حقائقها تبصر، و بِسُلَّمِها وجسرها إلى يَفَاع أرض الإنابة والخشية والإدكار والذكرى عبر.

 

الاستعداد للمستقبل الكبير 

وانتهينا إلى سورة الزلزلة التي تعدل قراءتها نصف القرآن، من قرأها في ليلة فكانما قرأ نصف القران، وفيها ذكرُ أخبار المصير الكبير والمستقبل الخطير، وإنا نوقِن أن كل من يفكر في المستقبل ويُعَدُّ للمستقبل ويرتب ضمان المستقبل، وينسى هذا المستقبل، إنه أحمق، تعرف معنى أحمق؟ وهذا قليل عليه، أحمق بل إلى الجنون، وأن يُسمى بالمجنون أحق، واذا انكشف الغطاء (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:10].

أرأيت مستقبل العشرين سنة؟ والثلاثين والأربعين؟ وبعضهم يكون محتوى مستقبله سنة واحدة، وبعضهم يكون أقل من ذلك، والطويل منهم أربعين، خمسين سنة وانتهى، هل هذا مستقبل؟!! انتهى.

 ثم ينسى مستقبل أوله مقدار خمسين ألف سنة، ثم لا نهاية له.. أي عقل هذا؟ أي فهمِ هذا؟ أي وعي هذا؟ مستقبل ايش هذا؟ ايش هو هذا؟ هذا الحماقة هذه الغباوة.. إن العاقل من استعد للمستقبل الكبير والأمر الخطير، إنه مستقبل الدوام، أول أيامه كخمسين ألف سنة، اللهم ارزقنا الاستعداد لذلك المَعَاد، والتزوَّد بأشرف زاد.

 

المراحل الأخيرة التي تمرُّ بالأرض

وسمعنا الحق سبحانه وتعالى يحدثنا أنه يأتي على الناس وقتٌ تُزلزل فيه الأرض، والزلزلة المذكورة تشير إلى المراحل الأخيرة التي تمر بالأرض قبل البعث عليها، هذه الكرة الأرضية قبل أن يُبعث الخلق عليها، تدنو الساعة فإذا دنت الساعة واقترب وقْتها هابت الأرض ربها، فبدأت بالتزلزل فتحصل لها زلزلات.

ومن علامات الساعة كثرة الزلازل، وتكثر الزلازل في آخر الزمان، ولكن هناك زلازل كبيرة، وأكبرها عند النفخ في الصور، يسبقها انواعٌ من الزلزلات.

 عند قراءة الأحاديث نرى الخبر عن الناطق بالحق وبالصدق حبيب الخلق ﷺ، عن مراحل تَمُرُ بها هذه الأرض من الزلزلة، فالمراحل الأولى ما نسمعه اليوم زلزلة في المحل الفلاني، زلزلة في المحل الفلاني، زلزلة في المحل الفلاني؛ هذه المراحل الأولى تكثر الزلازل قبل ميعاد الساعة، قبل العلامات الكبرى، قبل العلامات العشر الكبرى، هذه مرحلة حاضرة في زماننا ومشهودة تتحدث عنها وسائل الإعلام المختلفة في الأرض، فلا يكاد يمضي يوم فضلًا عن أسبوع، إلا وأخبار الزلزلة موجود هنا وهناك.

هذا واحد، بعد هذا هناك زلازل أكبر من هذه مقبلة على الأمة. فإن حقيقة الأرض والسماء وما بينهما مصنوعة بصنع الصانع القدير العليم الخبير حركتها وتقديرها بيده وحده لا شريك له، حجمها وجِرمُها وحركتها وترتيبها منه وبه؛ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا) [فاطر:41]، وما يحصل لها من أنواع الاضطراب والحركة فبتدبيره.

 

جمادات تخشع لعظمة الإله، وأنت يابن آدم ماحالك؟

 وإذا تجّلى بهيبته على شيء تزلزل: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ..) [الاعراف:143] 

قال تعالى في الحجارة: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [البقرة:47]، تسمع الحجارة!، (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)؛ يعني بل أشد  قسوة، (..وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ..) [البقرة:47]، من خشية الله .. من خشية الله!! أحجار تهبط من خشية الله .. أحجار في راس الجبل واقفة هنا أو هناك، في الجانب منه -تنهار- تجلّي حصل (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ..) [الحشر:21]. 

عجباً ! جمادات تفْقه من عظمة هذا الإله، ما يوجب خشيتها وأنت يا ابن آدم؛ ياصاحب السمع والبصر ياصاحب النطق واللسان، ياصاحب الوعي، ياصاحب العقل، ايه.. !!؟ أما تعرف عظمة هذا الرب؟! أما تهابهُ؟ أما تهابهُ؟ أما تخشاه (جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ..) [الحشر:21]، (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [البقرة:47]، ربك الذي خشيتْهُ الجبال كيف لا تخشاه أيها الغافل؟ المسترسل شر الاسترسال في الغفلة، أيليق بك هذا الإغفال؟ (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [البقرة:47]،

فيحصل عند قرب السّاعة أمور منها: 

  • كنوز تخرج من الأرض في أيام الدّجَال 
  • وكنوز تخرج بعد ذلك في أيام سيدنا عيسى ابن مريم
  • ثم يكون أيضا للشعور بقرب الساعة ارتجاج في الأرض
  • ولقد حدثنا الرسول ﷺ  أن يوم قيام الساعة يوم جمعة: "أن في كل جمعة تُصغي البهائم بآذانها"، 

تتخوّف من توقيت الصيحة أنه تأتي يوم النفخ في الصور، تشفق من يوم القيامة -البهائم في يوم الجمعة- وقد وصف لنا حقيقة تعرف بها الموازين التي عندنا في ضعفها مثلاً الآن ألف وأربعمائة سنة على نبينا، هذا الوقت يُعَدُّ قصير جداً بالنسبة لما مضى، هو وما بعده الى وقت النفخ في الصور فانه أُمِرَ بالاستعداد سيدنا اسرافيل للنفخ في الصور من حين البِعثة، "بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةَ كَهاتَيْنِ وقَرَنَ بيْنَ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى" يقول بإصبعيه؛ كم فرق بين ذي وذي؟ قليل "بُعِثْتُ أنا والسَّاعَة كَهاتَيْنِ"، (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1].

 فسيدنا إسرافيل الْتقمَ الصور، استعداداً للنفخ خلال ألف وأربعمائة سنة هذه ما تساوي شي بالدول اللي فيها والاجيال اللي فيها والأعداد التي فيها، كله يسير قد مرَّ عمر الأرض والدنيا، انتهى باقي القليل ألف وأربعمائة - ألف وخمسمائة ما تساوي شيء الا فقط وقت استعداد، استعدَّ إسرافيل للنفخ، ما أقصره.. الله! .. فعندما يقترب الأجل، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) [الانبياء: 96-97]، (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ).

 

علامات الساعة الكُبرى 

عندئذ تبدأ آيات كبرى، أكبر آيات القيامة وأكبر علاماتها تكون هنا ومن ذلك أن تقذف الأرض وتقيء كما جاء في اللفظ النبوي ما في وسطها من كنوز، ومن ذهب وفضة، كما تقدّم معنا أنه في صحيح مسلم يقول: "كالإسطوان"؛ يعني مثل الأعمدة الكبيرة قطع ذهب وفضة تخرج، وأنهم يمرون عليها، في تلك الساعة .. في ذلك الوقت، وقت الإيقان باقتراب الساعة انتشر عند الكل، لا  أحد يشك؛ فلهذا يزهدون، لا يتنازعون، فيمرون عليه؛ 

  • فيقول القاتل: في هذا أنا قَتلت! بسبب هذا أنا قَتلت؛ نَفس، نفسين، ثلاثة، أربعة، من أجل هذا"، والمعنى أنهم صاروا يوبِّخون أنفسهم 
  • والثاني يقول: وفي هذا قطعتُ رحمي، تعرَّضت للعنة بسبب هذا، واليوم مرمي في الأرض
  • والثالث يقول: في هذا قُطعت يدي، وأنا الآن على يد واحدة لأننا سرقت ذَهَب وقد ذَهَبَ، والآن قد ذهب. 

قال فيدعونه لا يأخذون منه شيئا"  خلاص، كلٍ زاهد الانذارات قائمة بقرب الوعد خلاص.. الله الله!!

ولهذا يبقى من هذا الوقت إلى أن ينشأ جيل، وجيل ثاني، يعني كافر ابن كافر، يُعَدُّ يسير جداً في خلال تلك السنين بعد ظهور هذه الحوادث الكبرى: 

  • تطلع الشمس من مغربها 
  • يَقْلِبُ الله دورة الكرة الأرضية

 

توشك الشمس أن تشرق من مغربها 

وعند قلب دورتها هذه الهائلة، تخف دورتها قليلًا إلا أن هذا القليل ياخذ سنين، ربما الآن أهل علم الجيولوجيا يشاهدون في ما يصل إليه علمهم، أن في حركة الارض شيء، وأنه يوشك أن تَنْقَلب دورتها، ولكن هذا يكون بعد دخول هذا؛ حيث وُصِفت الليلة التي تنقلب فيها الدورة للكرة الأرضية، أنها كثلاث ليال حتى يتحوّل الدوران من كذا، يحتاج إلى توقف، ثم عودة في جهة الثاني، ويطول الوقت، حتى يقوم الناس النوّامين وكثيري النوم وكلهم يصحون يقولون مافي! أين الفجر؟! أين الشمس؟! أين الفجر؟! أين الشمس؟! فلا يدرون إلا وقد طلعت من المغرب! من حيث تغرب طلعت، هذه من الآيات الكبرى.

فيبقى المؤمنون، وغير مقبول ايمانهم، ومن أراد أن يؤمن انتهت الفرصة، والتائبون قد قُبِلت توبتهم ومن كان عاصيًا الآن، ماعاد شي توبة، يغلق باب التوبة (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا..) [الأنعام:158].

 

هذه العلامات الكبرى، بعدها: 

  • خروج ياجوج وماجوج 
  • وطلوع الشمس من مغربها 
  • وفاة سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام 
  • يبقى مقدار جيلين كافر وكافر، فلا يكون على ظهر الارض إلا كافر ابن كافر، في الحديث يقول: " ليس فيهم من يذكر اسم الله"، "لاَ تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: الله، الله"

وفيه إشارة إلى أنه ما دام يُذكر اسم الله، فمعانٍ من الرحمة قائمة في ظهر الأرض، ولايمكن ان تقوم الساعة، ولكن حين يُفقد في سُكَّان الارض من يذكر اسمه تعالى، شِرارُ الخلق -أَشرُّ من برز من بني آدم ومن الجن معهم- عليهم تقوم الساعة.

فعندنا في خلال هذه الاثناء بروز الكنوز، وقول القائل في هذا قُطعت يدي، دَلَّ على أنه في عهد قريب من الشريعة، أنه بقي هناك مؤمنين وشريعة وقطعت اليد، فمعنى عاد بقي مسافة فهذه المرحلة الأولى، ولكن لكون الحوادث كبرى شاملة للارض، فالناس يزهدون في الذهب.

 ففيه أنه عند كل نوع من الزلزلة يحصل ما يقضتي مُقتضى ذلك في واقع أهل الأرض، ثم ينشأ جيل ثم ينشأ جيل وهكذا، فيكون في الجيل الاخير عودة الى تبادل الأعواض.

 ولذا وُصِفَ وقت السّاعة على هؤلاء الأشرار أن أحدهم على الآخر، نشر الثوب يذرعه يبيعه عليه، وهذا وضع البضاعة في الكِفة يوزن، وهذا رفع رجله ليركب الدابة، فينفخ سيدنا اسرافيل فلا هذا يضع رجله على الدابة ولا هذا يطوي الثوب ولا يقبضه ولا هذا يقبض البضاعة من كفة الميزان هناك، كلهم صرعى، صَعِقُوا في أماكنهم (لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الاعراف: 187]،  بغتة؛ تبغت الخلائق.لا اله الا الله.

هذا المستقبل الكبير الذي ما يُحدثنا عنه تحليلات فكرية ولا سياسية ولا اجتماعية، يحدثنا عنه خلَّاقُ الأرض والسماء وحبيب رب الأرض والسماء، اللهم ارزقنا حسن الاستعداد، والتزوّد بأشرف زاد.

تبدأ الزلزلة الكبرى بالنفخة الاولى في الصُور قال: (ونُفِخَ فِي الصُّورِفصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [الزمر:68]ً، إذًا لازالت الزلازل متتابعة لهذه الكرة الارضية، مسكينة هذه التي خلقها الله واختبرنا فيها وابتلانا، واكثرنا فشلوا وخالفوا ورضوا لأنفسهم الهلاك.

 

الأرض تُخرج كل مافيها من كنوز وغيره 

يقول: (إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)) المقادير التي رتبها لها ربها في الزلزلة مرحلة بعد مرحلة، (إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)) الثِقل؛ ما دخل في الجوف، ما كان من كنوز وما كان من أموات، والكل يخرج والثِقل المتعلق بالكنوز قد علِمنا: 

  • خروج بعضه في أيام الدجال، وأيام سيدنا عيسى بعد ذلك، علمنا خروج بعضه فيما بعدهم حتى يمر المار يقول: هذا كنا نتقاتل عليه وهذا كنا.. ايوا، 
  • ثم يأتي بعد النفخة الأولى، إخراج كل ما حوته بطن الارض سواءً من جِثَثُ الموتى، أو من المواد المختلفة فتبرزها. 

ما فائدة بروزها بعد ذلك اليوم؟ بروزها حتى بعد النفخة الثانية لتكون محل شدة تَحَسُّرلأهل الحسرة، الذين يرونها بهذه المثابة ما تساوي شيء، يقولون: هذه التي بسببها كفرنا وبسببها عصينا، وبسببها قتلنا، وبسببها.. ومن أجل أن يؤخذ منها ما يُحمى في جهنم (..فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:35]؛ (..يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ) [البقرة:167]، يتحسرون يقولون من شأن هذا قلنا كذا وكذا!! كنا قوّمنا الدول ورفعنا وطوَّرنا وصلّحنا حروب وعملنا حركات من شأن هذا! واليوم تحت الأرجل مايساوي شي، ما أحد يرغب فيه، ما هذا؟ فيكون زيادة حسرة على المتحسرين،.

وزيادة حبور للذين قد عرفوا الحقيقة، فزهدوا من تلك الأيام، فإذا رأوا ذلك الخير قالوا قد عرفناها من قبل، وقد أحسنّا صنعاً، إذ نجينا أنفسنا من أن نغتر بها كما اغترَّ بها المغترون.. لك الحمد! هذه قد هي مرميّة، والجنَّة لنا؛ لك الحمد شكراً.. فتكون:

  • زيادة فرح للمؤمنين وحبور للموفقين 
  • وزيادة حسْرة على الذين عبدوها وعظَّموها وراحوا وراءها أيام الدنيا.

(إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)) وآخر ذلك عندما تاتي النفخة الاولى ويمطر الله من السماء مطراً على الأرض -لا يصل الى عجب ذنب إلا تكوَّن جسد الذي كان مِن الناس والجن والحيوانات باصنافها- وينادي الملِك سبحانه: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ..) [غافر:16]، ما أحد يجيب (فصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ..) [الزمر:68]، ويقول سبحانه: (..لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر:16]، الذي قهر عباده بالموت، ثم يُحْيي إسرافيل…قم، يقوم سيدنا إسرافيل بأمر الله، يا ربِّ.. انفخ مرة أخرى في الصور، وقد تجمعت الارواح كلها في هذا القرن العظيم الذي هو اسمه الصور، فيه ثقوب على عدد أرواح الخلائق، ما هذه العظمة؟! أرواح الخلائق!! أرواح الخلائق!!.

اليوم الدول تتدافع؛ زاد في أرضنا مليون من البشر، زاد مليونين ليس لدينا أماكن لهم، ليس لدينا تغذية، أرواح الخلائق كلها مجموعة من أولها إلى أخرها وسط هذا القرن العظيم، انفخ!! فبمجرد أن ينفخ؛ تطير على وجه السرعة، هل تعرف السرعة؟! الناس في الدنيا يحددون السرعة الضوئية، دع السرعات عندك، (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [ابراهيم:51]، هناك سرعة ربانيّة أنت لا تعرفها أنت تعرف سرعة الضوء، مسافة واحد وتسعين مليون ميل في ثمان دقائق تنقطع بسرعة الضوء، أنت وضَوءك، قال: هذه شمسك التي تقطع الملايين هذه في ثمان دقائق، قد كوِّرت، اذهب ابحث لك عن شمس، هذه صارت مكوَّرة  نوع ثاني، الآن سرعة أخرى.. سبحان رب القدرة، سبحان رب القدرة، العزيز القدير.

وإذا في لحظة واحدة كم أرواح هذه؟ كم؟  كم؟ ما تقدر تعد الناس في جموع صغيرة في الدنيا، عاد كم! كله تخمين في سكان العالم بالتقديرات، كم.. هذا بالدقة كم! تخرج في لحظة واحدة من الصور، كل واحدة إلى جسدها ما هذه السرعة هذه؟ عبَّر عنها الحق بفاء الفجائية (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور..) [ المومنون:101]، (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ..) [الزمر:68]، (فَإِذَا)  يعني فجأة، بسرعة.. اوه كم مسافة وكم عدد؟! دع العدد والمسافة، اذا تكلَّمت قدرة الاله (..ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)  [الزمر:68]،  انتهى، أخر ما في ثِقل الأرض خرج، آخر ثِقل في جوف الأرض خرج، يقول: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا..) [المعارج:43]، سراعاً، ما السرعة هذه؟! سرعة البرق أو السرعة الضوئية!! هذا مبلغ علمك. وهناك سرعة ستراها في القيامة، فوق هذا كله، سبحان السريع، سريع الحساب، سريع الجزاء، سريع القضاء لا اله الا هو.

 

احذروا أُمَّكم الأرض 

يقول هذه نهاية أثقال الأرض: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3))؛ لأن الانسان هنا انكشفت له الحقائق وبدأ يوبّخ نفسه، انظر! مال الأرض؟ ما هذه الأخبار؟ صدق ما قال المرسلون؟ (..مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا..)، (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا..) [يس:52]،  فما له استفهام يستفهم واحد ليجيب عليه، فيجيب عن نفسه بنفسه، يقول: ها انظري يا نفس كذبتِي في المدة القصيرة تلك! وظلمتي وتركتي أوامر الله والآن انظري الى الأرض كيف؟! كما حدَّث المرسلون كما كان القوم يكلمونا يخوفوننا وكنا نستخف بهم ونستهزىء بهم، انظر ما لها اليوم؟ هيا هيا جئتي الى وقت الجزاء، هيا الآن حضر الحكم والقصاص ماذا استفدتي؟! "ما لها" ما لها.

  • قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4))، أخبارها.. قد علمنا في التفسير ما جاء في الحديث: قال الرسول ﷺ: "أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمَة بما عمل على ظهرها،  تقول: عملتَ كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها".
  • حتى يروى: "احذروا أمكم الأرض، فإنه لا يُعمل أحدٌ منكم عليها مثقال ذرة من خير أو شر إلا شهدت له، أو عليه"...الله.  انتبه من أمك الأرض هذه، مرجعك إليها منها تخرج وبعد ذلك هي تتكلم (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4))، 

 ذكر بعض أهل العلم يقول: يا من تشهد عليك أصابعك، كيف لك بالنجاة؟ فيشهد عليك: 

  • المكان: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4))،
  • والزمان: كل يوم يقول لك: انا يوم جديد وانا عليك شهيد، الوقت يخبر والمكان والزمان
  • واللسان: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور:24]،
  • والأركان: (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ) [يس:56]، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا) [فصلت:21]، 
  • مكان، زمان، واركان، والملكان، والديوان؛ كتاب مكتوب عليك.

يشهد عليك المكان، يشهد عليك الزمان، يشهد عليك اللسان، يشهد عليك الاركان، يشهد عليك الملكان، يشهد عليك الديوان، كتاب؛ (كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) [الإسراء:13]، (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ..) [الكهف:49]، والرحمن، هيا قم .. الان ماذا ستعمل؟ يشهد عليك هذه السبعة كلها، وبعد ذلك؛ يا رحمن ارحمنا يا رحمن ارحمنا.

إذًا (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4))، لن نحتاج إلى تأويلات، قال البعض أن الأرض بما يحصل فيها في ذلك اليوم كأنها تنطق، لماذا التمثيل هذا؟.. يقول البلاد الفلانية شهدتْ علي كذا وكذا وشهدتْ لي بكذا ما نحتاج لهذا التأويل، لأن جانب النطق وجانب الادراك معروف عندنا من خلال النصوص، حتى أن الأرض تحب وتبغض، والأرض تحزن على فراق قوم وتفرح بفراق آخرين وتبكي على قوم وتبكي على آخرين:  

  • (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) [الشعراء:57-58]،
  • (كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ..) [الدخان:28-29]، ما بكت ما بكت انما تحبهم انما تحبهم..

     

جميع الجوارح لها إحساس

إذًا فهنا معاني من هذا الاحساس قائم مُغَيَّب عنا في هذا الترتيب القائم في مستوى الإحساسات والتعبير عنه بالحركات وبالكلمات بشؤون مخصوصة، هو الذي رتبها تعالى، حِسُّ البشرة وحسُّ السمع، وحسُّ البصر، والنطق؛ هو رتبها ونحن لما جئنا، مجالات الادراك عندنا مرتبة هكذا نظرنا إلى الاسطوانات والى الجمادات وقلنا ما تحس ولا تشعر

 فيها حس وشعور، دع الستارة تنكشف لك تحس بشعورها، أنت الان مقصور معنى الحس عندك، والشعورعلى حركة معينة، ولمس معين ومقدار معين، وسمع معين، وبصر معين، ونطق معين، هذا عندك  هذا مقتصَر علمك الان، الذي علَّمك هذا سيعلمك الثاني.

 

البشرية في تطوُّرها لم تصل الى أن تفتح معاهد لغات لمنطق الطير ولكلام النمل

قال: (أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت:21]، وقد مرَّ معنا (يأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ..) و ( ..قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ…)، يقول: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا..) [النمل:18-19]؛ -قول النملة- من قولها عَلِمْنَا هذا. الله اكبر.. ولهذا قلنا أن البشرية في تطوُّرهم ماوصلوا أن يصلِّحون لنا معاهد لغات لمنطق الطير ولكلام النمل؛ ماعرفوا. 

وإن كان هناك أولياء كثير منهم كلموا النمل، وكلموا غيره من الصالحين.

 

نِيل مصر يستجيب لرسالة سيدنا عمر 

وسيدنا عمر بن الخطاب يكتب رسالة إلى نيل مصر، رسالة خط كتاب كبير؛ من المدينة إلى نيل مصر وأمام مشهد، من  أيام خلافته: "بسم الله الرحمن الرحيم،، من عبدالله عمر بن الخطاب -أمير المؤمنين- إلى نيل مصر. أما بعد، فإن كنتَ إنما تجري بأمرك وقدرتك فلا حاجة لنا بك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله العزيز الحكيم فإنا نسأل الله العزيز الحكيم أن يجريَك والسلام".

وكتب رسالة ثانية للأمير في مصر، يقول: هذه رسالة إلى النيل ألقها فيه، هذا لما عرضوا عليه المشكلة، وصلت وخرج الصحابة، انظر الى الوعي هذا عند الصحابة وإدراك ذو العقول المنفتحة، الانفتاح إدراك الحقائق في عقول الصحابة، في عقول التابعين؛ هذا الانفتاح الصحيح، فتحها النبي لهم أدركوا فيها الحقائق، ما استغربوا، هذا أمير المؤمنين يكتب للنيل! هم يقرأون في القرآن: (وأوْحينا الى موسى أن اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبحر ) [البقرة:60]،  بحر يُضرب بعصا تعرف؟؟ عصا؛ اضرب بها البحر! البحر كم! والعصا كم؟

وسيدنا موسى بمجرد ما نزل الأمر من الله ما صلَّح شيء استفسارات؛ العصا هذه ماذا ستعمل في البحر؟ كيف اضرب بها؟! قال: (..اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ…) [البقرة:60]، الله.. ثم ما قال: حتى فضَرب؛ قال: (فانفلق)؛ لان موسى سارع ونفَّذ، انظر الى عقول الانبياء وعقول الصحابة ما قالوا: ما هذا! أمير المؤمنين لم يشاور أحد، ولا ما رأيكم ياجماعة، أميرالمؤمنين يرمي الورقة! يرمي الرسالة في النيل، ماقال نصلِّح، نعمل هذا، وإلا نخفي المسألة مدة وإلا نرتب ترتيب؟ وإلا كيف نقول للناس؟! هذه العقليات المنفتحة المتحررة، أما واحد قلَّ حياؤه وتنكر للقيَم يقولون له منفتح! -لك فتحة أنت وإياه- هذه مسخة ما هي انفتاح! هذا انفتاح خباثة وقلّة حياء ما هو انفتاح، هؤلاء المنفتحين!!!

لما وصلته الورقة  أعْلن للناس؛ أمير المؤمنين أرسل رسالة إلى النيل؛ هذا الذي لم يرضَ أن يجري هذه الأيام، ماذا ستعملون؟ قالوا نخرج إلى النيل ونرمي إليه رسالة اميرالمومنين، وتجمَّع الناس وخرج الأعيان والكبار وتسامع من في المنطقة من المسيحيين والكفار.. المسلمين هؤلاء يرسلون رسالة إلى النيل، ما الخبر؟ يخرج ولما وصلوا رموا رسالة عمر بن الخطاب وسط النيل، ويفيض ويطلع الماء ويجري يجري بقوة ويزيد عن المعتاد أربعة عشر ذراع، ويسمع الكل، يعرفون أن هؤلاء أصحاب الرسول، اصحاب رسول مكين صادق محبوب عند الخلق، حتى اتباعه هكذا يتصرفون! وليس هو فقط، حتى أتباعه يتصرفون هذا التصرف رضي الله عنهم، حسبوا ماذا؟! هل ذهب عمر بن الخطاب يتثقف عند ما أدري من؟ عند محمد..! كفى كفى. اللهم صلِّ عليه.

إذا علمنا هذا ما نحتاج الى التأويلات التي يذكرها بعض المفسرين، كيف الأرض تحدِّث أخبارها؟ خلاصة ومعنى الحديث "تخبرُ" وانتهى -بما يُعمل عليها- الله الله الله، 

 

كيف الأرض تحدِّث أخبارها؟

  • (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5)) ولم يقل: أوحى إليها، ماذا تعمل؟ أحياناً يتعدّى باللام كتعدِّي إلى، وهذا منه. 
  • ومعنى آخر (..أَوْحَىٰ لَهَا (5))، قال: لأن الارض مغتاظة على الفجرة والكفار والعصاة لربها، كما سمعنا (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ..) [الدخان:29]، ويقول الله: وأنتِ ياأرضي الخاضعة لي التي شُقَّ عليكِ كفر الكافرين وعناد المعاندين وأنا ارزقهم وأعطيهم ومكَّنتهم فوقكِ سنين. يشركون بي ويعصونني وانتي صابرة عليهم، اليوم اشفِ غيظك، تكلمي افضحيهم، افضحي الذين تكرهينهم من اجلي. 
  • (..أَوْحَىٰ لَهَا (5))، يعني من أجلها، من شأن يشفي غيظها. 
  • (..أَوْحَىٰ لَهَا) بهذا الأمر من شأن الأرض المسكينة تفرِّج كربها من هؤلاء الذين عصوا ربها فوقها.

 وما سمعت لمَّا تضايق الهدهد من عبادة الشمس: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ*أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ...) [النمل:23-25]، غضبان متضايق الهدهد لأن هؤلاء يسجدون للشمس، والشمس ربي خلقها وسيَّرها، تقومون تسجدون لها وتنسون ربكم؟! وربُّ الشمس وربُّ كل شيء -جلَّ جلاله- فالارض متضايقة من الكفار الموجودين ومن كل من يعصي الله عليها، فهي مسخّرة؛  كافر أو مؤمن يمشي فوقكِ سيدخل في جوفكِ، اقبلي؛ مرحباً يارب، (أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11]، احياناً يأذن لها يقول هذا ارفضيه، فترفضه وكلما دفنوه وسطها رفضته، وحصَل لناس كثير مثل هذا. 

لكن عموم الحكم، كل من جاءها؛ مسلم كافر، مؤمن منافق، صغير كبير؛ أنت مسخَّرة لهم، مرحبا يارب، ولكنها مغتاظة من هؤلاء العصاة والكفرة، في القيامة ينفِّس عليها، (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5)) من أجلها، تفضلي اليوم اشفِ غيظك في هؤلاء الكفرة. وقد جاء في أخبار أنه عندما يُدفن الميت في قبره تخاطبه الأرض؛ 

  • فإن كان من الصالحين، مؤمنين اتقياء، تقول: قد كنتَ من أحب الناس الي وأنت على ظهري وقد صرتَ اليوم في بطني مرحبا بك، إن كان الله أمرني أن أنضغط عليك فسأضمك إلي كما تضم الأم الحنونة ولدها الى صدرها، فهذه ضغطتي لك. 
  • اذا وصل المنافق والكافر والشرير تقول: يا عدو الله، كنتَ من أبغض الناس إلي وأنت على ظهري وقد صرت اليوم في بطني لأنضغطنّ عليك ضغطة تختلف بها أضلاعك، فتضغطه ضغطة شديدة تتكسر بها أضلاعه... 

أول ما يُدفن الميت في قبره "إن للقبر لظغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ وقد اهتز لموته عرش الرحمن".

(إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2))، هذه التي انت عليها نفسها أثقالها وما فيها، (وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5))،  

وكنا نظن أنّا كنا قد أتينا على بقية السورة كلها ولكنها تستحق التوقف عندها، أنها تعدل نصف القرآن. فحسبنا هذا، فيأتي معنا ما بقي إن شاء الله تبارك وتعالى. 

ما أعجب كلام ربنا، وما أعجب ما في باطنه، وما أعجبه في باطنك، إذا وجد مسارا للدخول إليه.

 فأقرَّ اللهم أنوار كلامك في قلوبنا وفي بواطننا واجعلها قلوبا تتدبر القران لا تُقفل باقفال الغفلات ولا السيئات ولا الذنوب يا حي يا قوم اجعلنا ممن يتدبر القران، يا من يسرته للذكر اجعلنا ممن يدكّر، واجعلنا من أعظم الأمة انتفاعاً بالقرآن، فإنك ترفع بهذا القرآن أقواماً وتضع آخرين فارفعنا بالقرآن، فإننا وإخواننا هؤلاء ومن يسمعنا ويتابعنا ما اجتمعنا ولا استمعنا إلا لترفعنا، فارفعنا ولا تضعنا، فانك إن وضعت أحداً فلا رافع له، وإن رفعت أحداً فلا خافض له، فيا رافع يا خافض ارفعنا بالقران، حتى اذا جاء ميعاد القيامة الخافضة الرافعة، (إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ) [الواقعة:1]، اجعلنا في المرفوعين، فيمن ترفع قدرهم وذكرهم لديك.

 يا حي يا قيوم، فإنا سألناك وتوجهنا اليك وتذللنا بفضلك بين يديك، فزدنا ذلة لك حتى تعزنا بعزك وتتولانا بولايتك لأهل قربك وحصنك وحرزك يا مجيب الدعاء يا من لا يُخَيِّبُ الرجاء يا حي يا قيوم يارافع السماء، يا من بيديه الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله.

 

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

09 شوّال 1435

تاريخ النشر الميلادي

05 أغسطس 2014

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام