تفسير جزء عمَّ - 39 - تفسير سورة التين
للاستماع إلى الدرس

يواصل الحبيب عمر بن حفيظ تفسير قصار السور، موضحا معاني الكلمات ومدلولاتها والدروس المستفادة من الآيات الكريمة، ضمن دروسه الرمضانية في تفسير جزء عم من العام 1436هـ.

نص الدرس مكتوب:

(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب (19)) 

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4))

 

الحمد لله مكرمنا بأنوار القرآن، وحسن الدلالة والبيان، على لسان خير إنسان، سيد الأكوان عبدالله محمد المصطفى صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبِه الشرفاء، وعلى من أحبَّهم واتبعهم واقتفى، وعلى الأنبياء والمرسلين الحنفاء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يدي عالم السر وأخفى.

أما بعد،، 

فلا زلنا في موائد الجود الإلهي في ساعاتٍ مباركةٍ إن شاء الله علينا وعليكم مِن الأعمار نزدَلِفُ فيها إلى الله، ونستمطرُ رحماتِه الواسعاتِ وفيوضاتِه الربانياتِ الرحمانيّات، متعرّضين لغفْر الزلل والخطيئات وتطهير البواطن والطَّوِيَّات، وللحوق بأرباب السعادات من أهل العنايات والرِّعَايات، ونتأمل الآيات في غُدواتِ أيام الشهر الزَّاهي بالعطايا الرَّبانيات. 

فتقابلنا كُلُّ غَدْوَة بفيضٍ من الجود، وبِجَذْوَة يصْطلي بها مَن يَصطلي ويعتلي بالاستضاءة بنورها مَن يعتلي، كلُّ ذلكم فضل الحق الولي، الواحد الذي يوالي إحسانَه، ويُعظِمُ على عبادِه امتنانَه، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، آمنا به وبما أنزلَه على عبده وحبيبه خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

بعض من معاني ماورد في سورة العلق

قد تأمَّلنا بعض معاني سورة "العلق" -سورة "اقرأ" - حتى انتهينا إلى السجود والاقتراب، وربطُ ربّ الأرباب بين السجود والاقتراب، وأنَّ السجود الذي حقيقتُه التذلل للرب سبحانه وتعالى، يترتبُ عليه الفوزُ بحقائق السعادات الكبرى، وإنَّ خيرَ الخلقِ لهُ تقلُّبٌ في الساجدين وله قيامٌ لربِّ العالمين، قال الله عن ذلك (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:218,219]، وهو يراه في كل حين وهو يراه في كل شأن، لكن ذكرَ هذَيْنِ الشأنين وذكرَ هَذَينِ الحالين، ليدل على أنّ عنايتُه الربانية الخاصة الفائضة منه إلى حضرة مصطفاهُ ومِن مصطفاه إلى أهلِ هذين الحالَيْن: 

  • أهل القيام 
  • وأهل السجود

في سرِّ عنايةٍ مخصوصةٍ من حضرة الرحمن جل جلاله (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:217-219]، وتقلُبك في الساجدين !

 

مامعنى"وتقلّبك في الساجدين"؟  

وكانت له معاني التَّقَلُّب في الساجدين، فمن معناه: شؤون أصحابه الكرام السُّجَّدِ لله الموصوفينَ في الكتب السابقة بأنهم: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) [الفتح:29]، وكان رسولُ الله يتقلَّبُ فيهم ويؤمُّهُم ويعلمهم ويهديهم، ومن ذلك أيضاً، أنَّ من تعلَّم السجود لله مِن أمَّته إلى يوم الدين، إنما يسجدُ بتعليم النبي الأمين وبمتابعتِه، فهو الإمامُ في السجود لله، وهو سيِّدُ الساجدين للرحمن تعالى في علاه، وبسر الاتصال الروحي به يسجدُ الساجدون لله تبارك وتعالى 

ثم التقلّب الذي أشارَ إليه بن عباسٍ وغيرُه، أنه تقلَّب في الأصلاب من عهد آدم، من ساجد إلى ساجد إلى ساجد لله إلى أبيه عبد الله وأمه آمنة بنت وهب، الساجدين لله سبحانه وتعالى (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:218,219].

فكلُّ مَن سجدَ فصَحَّت سجدتُه أشرقَ في ذاتِه وصفٌ مِن أوصافِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، في الخضوع لله والتذلل لعظمة الله -جل جلاله وتعالى في علاه- والانطراح على باب الله، وعلى قدرِ ما يَصِحُّ سجوده تقوى الصفةُ والنعتُ بينه وبين سيد الساجدين، وحينئذٍ تكونُ له رؤيةٌ خاصةٌ مِن الربِّ يُقَرِّبُه بها إليه (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:218,219].

ويأتي عندنا مِن هذه المعاني: تقلُّب صفاته الكريمة، صفاتِ عَبْدِيَّتِهِ وعُبُودِيَّتِهِ وعُبُودَتِهِ العليَّة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم للربِّ سبحانه وتعالى، حيثُ وصفه الله بهذه العبديةِ في أشرف المواطن وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ) [الإسراء:1]، وقال: (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ) [النجم:11]، وقال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ) [الفرقان:1]، فالسَّاجدُ ينالُ مِن أوصافِ العَبْديةِ والعُبوديةِ للنبي ﷺ حظَّاً ونصيباً يكون فيها محل نظر الله وسِرَايَةِ: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:218,219].

 

من هم الذين تُفتح على أيديهم البلاد بالإسلام؟

الربُّ أقربُ إلى كُلِّ مخلوقٍ مِن المخلوقِ إلى نفسِه، (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب۩ (19))، ومِن هُنا عَشِقَت أرواح الطاهرين السجود للرب، ولم يكن عندهم أحلى منه، وذلك لأن فيه سِرَّ الاقتراب، وهذا الاقتراب لا تحكمه مسافة ولا صورة ولا حِسّ ولا شيءٌ مِن هذه المعاني، ومعناه؛ انكشافُ حُجُبٌ عن هذا العبدِ في حقيقةِ عظمةِ قُرْب الرَّب.. كيف؟

الربُّ أقربُ إلى كُلِّ مخلوقٍ مِن المخلوقِ إلى نفسِه، فيعلمُ مِن كُلِّ مخلوقٍ ما لا يعلمه المخلوقُ مِن نفسِه، ويدري عن كُلِّ مخلوق ما لا يدريه المخلوقُ عن نفسه، ويُسَيّر المخلوق فيما لا يستطيعُ المخلوقُ أن يُسَيِّرَ فيه نفسَه، يحكمُ ابتداءه ويحكم انتهاؤه، فقُرْب الرب إلى كل مخلوق أعظم من كل تصور.

ولذا قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16]، وإذا كان حبلُ الوريد فيك وفي وسطك وجزءٌ منك، فكم قربه إليك؟ والحق لم يقل كحبل الوريد، حاشا أن يشابهَ قُربهُ حبل الوريد أو غيره، ولكن أقرب (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].

هذا قرب الربّ منك أيها الإنسان، لكن أنت المحجوبُ، أنت المقطوعُ، أنت الذي تعلوك الكثائف من التفاتك إلى غير الحق سبحانه وتعالى، ومِن قيام هذه الأصنامِ الكونيةِ أمامك تقطعك عن المُكوّن -جل جلاله-، فإذا تهاوت بشهود العظمة كما حصل لجبل الطور الذي اندكَّ عند التجلّي، وكما سيحصل للجبال كلها عند تجلي الله بالعظمة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:105-107].

ولكنَّ الذي اِغترَّ بالكائنات والمخلوقات والتفتَ إليها ورأى كأن لها ذاتيةً ولها استقلالاً في شيء، فهو الذي انطبعت في قلبه صورُ الأكوان، فأنَّى يصلُ إلى الرحمن؟ وهو مقطوع بذلك، حتى يعلم أنها ليست بشيء وأنها تحت القبضةِ وتحت القدرة.

وقد قال الحق، بالحقِّ عن السماوات والأرض في حالها في القيامة يقول -جل جلاله-: (وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر:67]، (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُۚ) [الانبياء:104]، فإذا كان حالها هكذا؛ فثبِّت هذا الحال في مَشْهَدِك، ولذا أفلح مَن حَسُنَ منه المشهد فيما يشهد من عظمة الواحد الأحد.

قال الإمامُ الحداد: 

يَا مَنْ هَوَاهُم بقَلْبَي مُقِيم *** وَحُسْنُهُم فِي مَشْهَدِي مُسْتَقِيم 

وحُسْنهم في مشهدي مستقيم

إنما يستقيمُ الحُسْن إذا لم يَقْطَعْكَ عن الحقِّ سبحانه وتعالى معنى ولا حس، ولا ظاهر ولا باطن، ولا أرض ولا سماء، ولا دنيا ولا آخرة فالكلُّ محكومات، الكلُّ في قبضته، الكلُّ تحت هيبة ألوهيته وجبروته وقدرته سبحانه وتعالى.. سبحانه وتعالى.. سبحانه وتعالى -جل جلاله-، والجنةُ والنارُ والعرشُ والكرسي والملَكُ والإنسُ والجنُّ والأولُ والآخرُ والظاهرُ والباطنُ تحتَ قبضته، تحت حكمه، تحت هيبة ألوهيته وجلاله وكبريائه، وهو الله (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ *هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) [الحشر:22].

الملك بكل معانيه ليست لغيره، أي واحد يقول ملك ومالِك، هذه مَجازات مُعْطَيات لم تكن، لكن الملك هو، أول وآخر، الملك بالحقيقة هو (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) -جل جلاله-، [الحشر:23,24].

 

مَن كان أقرب إلى هذا الرَّب فهو الأحب

معاني الاقتراب إذاً أن يكشف عنك الحجاب، أن تنزاح عنك حَوَالِكُ هذه الظلمات الوهميات القاطعةِ لك عن ربِّ الأرض والسماوات، حينئذ يبدأ إلى ضميرِك وبالِك شعور بعظمة هذا الإله؛ يبدأ التكبير مِن قلبك فتقول الله أكبر موقنا بها.

وأهل هذا السرّ هم الذين تُفتح على أيديهم البلاد بالإسلام كما تُفتح القلوب بالأنوار، والذين إذا وقفوا بالقسطنطينية وقالوا "الله أكبر" اهتزَّت العروش وتدكدكت الجدران بقول" الله أكبر"، فإنها صادرة من قلوب كَبَّرَت.. كَبَّرَت ربَّها -جل جلاله وتعالى في علاه- الله أكبر.

الاقتراب من الرب -جل جلاله-: إزاحةُ كدرٍ فيك، وإبعادُ ظلمةٍ منك، أما هو فأقرب إليك مِن كُلِّ شيء (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16]. إنما يُحجب المقهور وحاشا الرحمن أنْ يقهر فليس له حجاب لكن أنت المحجوب 

حَجَابُكَ مِنْكَ وَمَا تَشْعُرُ  *** وَدَاؤُكَ فِيكَ وَمَــا تُبْصِرُ

منك الحجاب، ها لا يتأتى أن يكون الإله محجوب، العبد محجوب الخلْقُ همُ المحجوبون

هَذَا جَمَالُ الْحَقِّ قَدْ تَجَلَّى *** وَلَمْ يَكُن مَحْجُوب قَبْلُ كَلَّا

ولم يكن محجوب.. ما الذي يحجبه؟ إنما يحجبُ الكبير الصغير، ولا أكبر من الله، فلا شيء يحجب الله؛ لكن العباد ينحجبون بالأشياء، قال:

ولم يكن محجوب قبل كلا لكن *** قلب العبد حين يجلى شاهـــــد

فالأمر راجع إلى هذا العبد "شاهد وكانت منه السواتر"، وكم من معاني في قوله: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب۩ (19))، فَيَا مَن أُكْرِمْت بالسجود، ما دُمْتَ في هذا العمر الذي أنت فيه ممدود، بفرصة الارتقاء في معاني السجود، فَخَيْرُ ما حَصَّلتَ في حياتِك هذهِ الأسرار. خير ما حصلت في حياتك هذه الأسرار، فالمسابقة كلُّها إلى القرب، ومَن كان أقرب إلى هذا الرَّب فهو الأطيب وهو الأحب وهو الأَرْحَب، وهو الأجمل وهو الأكمل وهو الأفضل.. بلا استثناء الأقرب هو كذلك، كُلَّ مَن كان أقرَب فهو أطيب، كُلُّ مَن كان أقرَب فهو أحَب، كُلُّ مَن كان أقرَب فهو أفضَل، كُلُّ مَن كان أقرَب فهو أكمل.

 

قُرب سيد الساجدين

ومِن هُنا تعرف سِرّ قرب محمدٍ إلى حدودٍ تَقِفُ العقول عندها إذا حصَلَ التَّجَلِّي الذي يُذهل الأولينَ والآخرينَ وصمتت الملائكة والنبيون والمرسلون قال: "أنا لها " قُرْب.. قُرب.. قُرب.. ما يُوصف ما يُكَيَّف، محبوبُ الحضرة أقربُ الخَلْقِ إلى الخالِق، أقرب الخلق إلى الحقِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم 

في ذاك اليوم ذكَر لنا مقامين: مقام مِن حديثِه بنعمةِ الله عليه، قال: فأقول "أنا لها" واحد، و"أسجد لربي" رجع لنا إلى السجود، الأمر دائر على السجود والأقرب يسجد، فيلهمني الله "محامد" يعني يوم القيامة، هذا الموصوف بالغضب والشدة يوم ترقِّ لك، يوم تجلِّي بالمحامد وفتوحات عليك، ذاك اليوم بشدائده هو يوم الفتوحات لك أنت! "يُلهمني محامدَ لا أعلمها الآن" ما حمد بها أحد قبلي لا في الأرض ولا في السماء ما يعرفها ملائكة، هو يوم الفتوحات هذا!!

وبالنسبة للحبيب كذلك، فإذا كان المقربون لمكانتهم عند الله، تقول الملائكة لهم: (هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [الانبياء:103]، يومكم بالتبعية؛ لكن يومه هو بالأصالة، يوم ظهور مكانته للكل (يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27]، مَن هذَا الرسول؟

هو الذي جاءكم بالكتاب هذا الذي كنتم به خير أمة، هو صاحب الأنوار هذه التي نهتدي بها، وبها نُصلي، وبها نَجتمع، وبها نتذاكر، هو هذا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

(يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27]، والكلُّ يلوذُ به في ذلك اليوم ليُعْرَف قدرُه عندَ الحيّ القيوم، صلوات ربي وسلامه عليه، رزقنا الله محبته واتباعه.

هذا الموقف منه وله "أنا لها" و "محامد يلهمني الله إياها" الله! وبعدين خطاب من الحق:

"يا محمد ارفع رأسك" لا أحد أرفع منك عندنا "ارفع رأسك، سَل تُعطى، قل يُسمع لقولك" هذا ليس يومه هذا؟!! وإلا يوم مَن؟! وإلاَّ يوم مَن هذا؟ إذا هو ليس بيومه هذا.

" قُل يُسمع لقولك واشفع تُشَفَّع"، متى؟ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ..) [النبأ:38]، حتى الروح والملائكة ما في كلام، ما في كلام (..إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النبأ:38]، وكُلَّ المأذون لهم بعدُه، حتى يتكلم هو أول، بعد ذلك يَخرجون مِن صَمتهم، أول يقولون: "نفسي نفسي" يَفتَح قُفل الشفاعة ليُشفعون بعد ذلك، فإذن شفاعتهم تحت شفاعته، فهو شافع الشافعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

إذاً فشفاعة الأنبياء فمن دونهم، شفاعة له لأنه الذي يفتح قُفْلها، وقبل أن يَفتَح القفل لا أحد يشفع، ما في أحد يشفع، والكلُّ بإذن الله، والله رتَّبَ الإذنَ هكذا، فقدَّمَ هذا وكَرَّمَ هذا، وخصَّصَ هذا وفَرَّعَ منه ما بقي، الله رتَّبَ ذلك.. فصلَّى الله على سيدِ أهل حضرة الله

(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب (19)) أُتيحت لكم فرص السجود في ذي الليالي والأيام فاغنموها، ولتشبه سجداتكم سجدات أهل القلوب التي عظَّمت هذا الإله، وأَحبَّت هذا الإله، وأجلَّت هذا الإله، وخشعت لهذا الإله، وخضعت لهذا الإله، وتذلَّلَت لهذا الإله، وتعرَّفَ الإلهُ إليها، وما عرَفَهُ مَن لَمْ يَتَعَرَّف هُوَ إِليه أبداً، فتعرَّف الرحمنُ إليها، فأذاقَها لذَّةً لا يمكنُ أن تُوصف بمطاعم ولا مشارب ولا مناكح ولا ملابس ولا سلطات.. ما مكن أن توصف، كل ما تعرفه مِن هذا حقير عنده "لذة المعرفة بالله، لذة القرب من الله" ليست موجودة في أسواق أهل الشرق والغرب، لكن في سوق محمد.. موفَّرة في سوقِه، فمن أقبلَ عليه واتَّبَعه قل لهم: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران:31]، إذا أحبَّك يفتح لك المعرفة ويتعرَّف إليك ويقرِّبك إليه.. وانتهت المسألة (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) 

وآيةُ حُبِّ الله مِنَّا اِتِّبَاعُه، بِــ *** ــه وَعَدَ الْغُفْرَانِ بَعْدَ اَلْمَحَبَّةِ

تبغى أَصْرَح؟ وأَوْضَح؟ 

وَمَنْ بَايَع الْمُخْتَارَ بَايَعَ رَبَّه *** يَدُ اللهِ مِنْ فَوْقِ الأيَادِي الْوَفِيَّةِ 

وأهلُ الصدق مع الله، والإخلاصِ لوجه الله، والنقاءِ عن إرادة غير الله، الموفَّر حظهم مِن الولهِ والولَعِ بالله وعشق قربه، استمرَّت عندهم هذه البيعات وهذا العهدُ ممتدةً مِن تِلْك اليد، ويداً بعدَ يد قال سيدنا الإمامُ الحداد: 

فبالحقِّ فلنأخذ عُلُومَ طَرِيقِهِم *** يَدَاً بِيَدٍ حَتَّى مَقامَ النبوةِ

وَمَنْ بَايَع الْمُخْتَارَ بَايَعَ رَبَّه *** يَدُ اللهِ مِنْ فَوْقِ الأيَادِي الْوَفِيَّةِ 

فالله يربطنا بتلك الأيادي، ولا يحرمنا الاتصال بأيادي مَن في عصرنا مِن أهل ذلك النور البادي، وأهل ذلك السر الخفي الذي يختصُّ به العليُّ من يشاء.

فإذا رأيتَه قَرأتَ أوصافَ محمدٍ في جبهتِه وفي حَاجِبِه وفي رِمش عينِه وفي أنفِهِ وفي فَمِهِ، وفي حِسِّهِ وفي مَعْنَاه، وفِي قولِهِ وفي فِعْلِهِ، فَتَدلَّت لكَ دِلَاءُ معاني المعيَّة "والذين معه" (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) [الفتح:29]، وكم من معاني في قول ربي تعالى في علاه (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب۩ (19))؛

ولَأَقْبِضَنَّ عِنَان قُوْلِي هَهُنا *** حَسْبِي وَفِي أَوْصَافِهَا لَمْ أُطْمَعِ

 

تفسير سورة "التين" وافتتحها بالقَسَم

ونرى الرحمن يتلو علينا في سورة التين، وهي من جملة السور المكيّة، التي فيها إشاراتٌ عَلِيَّه، ابتدأ فيها بالقسم، والقَسَم قد جاءنا في القرآن مبيّنا لنا أنَّ الله خالِق كل شيء أنْ يقسمَ ويحلفَ بما شاء من خلقه وبأي شيء شاء من كائناته فيحلف ويقسم بها، وقد أقسم سبحانه وتعالى أقساماً في القرآن.

عَلِمْنَا بذلك أنَّ الحلِفَ بغير الله يأتي عند الخلقِ أو مِنَ الخلق مما على وجهِ اعتقادِ أنَّ ذلك الغير إلهٌ مع الله، وهذا شركٌ وكفرٌ وفيه يحمل مثل ما ورد: (مَنْ حَلَفَ بِغَيرِ الله فَقَد أشْرَك)، وإما أن يكون منهيٌّ عنه ما بين مكروهٍ أو حرامٍ، إذا لم يعتقد في ذلك المحلوف به ألوهية، فأُدّبَ الخَلْقُ بينهم البين إذا اكتفوا بالحَلِفِ بالربِّ -جل جلاله وتعالى في علاه-. 

على خلافٍ أيضاً في بعض ما ورد في الأحاديث أو ما كان منتشرٌ القسم به على ألسن الصحابة ومن بعدهم في حياته ﷺ ومن بعده: "لعمري، وعَمْرِ أبيك" وأمثال ذلك مما هو مشتهر، وعلى كل الأحوال فهذا حكم قسم الخَلْق، ولا يترتب الحنث والكفارة إلاَّ على القسم بالله، أو الحلف باسمٍ من أسمائه أوصفةٍ من صفاته تعالى في علاه، واحد 

أما الله فيحلف ويقسم بما شاء من خلقه، فكلُّ مصنوعٍ له فيه سر صنعتِه وفيه عجائب مِن تلك الصَنْعَة هو أعلم بها ممن سواهُ مِن الخلق.

فجاءت لنا بالأقسام مثل: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (2)) وتأتيك الأقسام: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)  [الليل:1-3]. ويأتيك الأقسام: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)  [الشمس:1-13].

وهنا أقسم بالتين وبالزّيتون: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4))، فحلفَ:

  • بالتين؛ منه هذه الفاكهةُ التي أوجدَها وخبأ فيها منافع كثيرة لعباده وفوائد كثيرة، أشبهت ثمار الجنة لا نواة لها؛ التين. 
  • والزيتون أيضاً هذا الذي يُؤكل ويستخرج منه الزيت، وكم فيه من فوائد كثيرة في العالم الإنساني، وتكفَّل أربابُ الطبِّ والتشريح وما يتعلق بالصحة، بذكر عظيم وكثير من الفوائد، ومنها ما جاء في المأثورات من عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن قبلهم من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)) ويذكر بعضُ أهل التفسير أن المراد محل انباتهما، هو المراد جبل بالشام جبل بفلسطين، أو المراد المسجد، والأصحُّ ما قدَّمنا؛ أنه هذا الطعام الذي خلقه الله لنا أقسم به، ثم لا مانع أن ينطوي هذا القسم على مراداتٍ لله -جل جلاله- لا تحاطُ ولا ندركها أو يدرك البعض منا بعضا منها، والقرآنُ حمَّالُ معاني.

 

أقسم بالجبل الذي كلَّم فيه موسى

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2)) طور سينين: الجبل الذي كلّم الله عليه موسى وصعد فيه موسى لمناجاة الله، والطور من أسماء الجبل. سينين: علَم على جبلٍ معين الذي كلّم الله فيه موسى، ويؤخذ أيضاً معنى سينين: الحَسَن، صاحب الشجر، أو المبارك، كلها مجتمعة في ذلك الجبل، فَعُيِّنَ الجبل عن بقية الجبال بإضافته إلى سينين (وَطُورِ سِينِينَ (2)) فصار المحل المخصوص الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه سيدنا موسى بن عمران.

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)) كما يذكرون أيضاً؛ أن من معاني التين؛ المسجد الذي بناه سيدنا نوح -عليه السلام- على الجودي أو بأعلى الجودي، وعلى كلٍ هي أقوال، والأوضح الأصرح منها ما أشرنا أولاً؛ هذا التينُ وهذا الزيتونُ المعروفُ بيننا، وهذا جبل طور سيناء، طور سينين.

 

ماهو البلد الأمين؟

(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3))؛ مكّة، فأقسم الله بمكة المكرمة (البلد الأمين)؛ الآمِن، الذي قام فيه معاني من الأمن جاهليةً وإسلاماً لم تحصل لأرض أخرى مثله. هذا البلد الأمين، وسيأتي القسم بالبلد في سورة البلد (لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ) [البلد:1,2]. وأنت -يا نبينا- حِلٌّ بهذا البلد

(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)) خلقنا الإنسان في أحسن تقويم؛ العناية بالإنسان، وقبلها سورة العلق، و(خلق الإنسان) و(علم الإنسان) -وهنا- (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)) في أقومِ وأعدَلِ وأحسنِ هيئة وشكل، وكان يقول ابن عباس وغيره: "ما من حيوان إلاَّ مُكبٌّ على وجهه إلاَّ الإنسان"، بقية الحيوانات كلها مُكِبَّة على وجهها إلاَّ هذا الإنسان، والخلاصة أنَّ الله جعل في تكوينه وخلقه بهذا الشكل والهيئة اعتدالاً وجمالاً وحُسْنَاً وأسراراً لا توجد في غيره من المخلوقات.

 

مسألة فقهية

ولذا لما وقع لبعضهم مرَّةً أن رأى القمرَ وجماله وحسنه فأخذ يقول لأهله: "إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق"! عُرضت على أهل العلم، وأفتوا بالحنث قالوا: ليست أحسن من القمر. كيف؟! انتهى…فخالفهم بعضهم، قالوا: ما لك؟ خالفت شيوخك؟! قال: الفتوى بالعلم، وقد أفتى فيها مَن هو أعلم منا، أن الله قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)) هذا من الإنسان   وليس قمر! فالإنسان أحسن من كل هذا، فرجعوا إلى كلامه قالوا: صدقت. 

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)) ترتيبٍ لهيئته وشكله وصورته وجسمه هذا خيرُ شيء، فإذا كان هذا يتعلق حتى بجسم الإنسان فلا تغفل عن روحه، لا تغفل عن روحه، وهي الروح التي أُضفي عليها الجمالُ والحُسْنُ كله بالنسبة إلى ذي الجلال (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:29]. هل تسمع؟ 

 

اهتمَّوا بتغذية وتنظيف الأجساد وأهمَلوا الأرواح

نَعَم عَالَمُ الْأَرْوَاحِ خيرٌ مِنَ الْجِسْمِ *** وَأَعْلَى وَلَا يَخْفَى عَلَى كُلّ ذِيْ عِلْمِ

فمالكَ قد أفنيتَ عُمْرَك جَاهِدَاً *** بخدمة هذا الجسمِ والهيكل الرّسمي؟

قاعد نزيِّنهُ باللِّبَاسات وننظفه بالمياه وبالصوابين.. والأطباء، ولليد ماندري ماذا، وللإصبع ماندري ماذا، وللعين ماندري، وللأُذن ما ندري بماذا! وللرأس ما ندري بماذا! والرجل ما ندري بماذا..! والروح؟! نسيتها؟!

مالك؟! أجمل، وأجل، وأكمل 

فمالكَ قد أفنيتَ عُمْرَك جَاهِدَاً *** بخدمة هذا الجسمِ والهيكل الرّسمي؟

ظلمتَ وما إلاَّ لنفسك يا فَتَى *** ظَلمتَ وظُلمُ النفس مِن أَقْبَحِ الظُّلْم

فالذين فتنتْهم الأجسام، قومٌ هبَط مستواهم في الأنام، قال الله عن معنى ذلك: فَلَا تعجبك أجسامهم (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلَادُهُمْ) [التوبة:55]. وقال عن تلك الأجسام: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) [المنافقون:4]. وجاء خُلُقُ الحقّ: (إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم)، والصالح من الخلق مُتَخَلِّق بِخُلُق الحق، 

لذا كان ﷺ يُحِبُّ بعض الوافدين إليه، كان دميم الخِلْقَة، أسود اللون وكان ﷺ يحبه، وكان يتردد على النبي ﷺ، فدخل يوماً وهو في السوق فجاء من خلفه وهو لم يره حتى غمَّض عينيه، وضع يديه على عينيه.. فعرفَهُ بطيب رائحته وبَرْدِ يديه، وأخذ يقول: "من هذا من هذا؟" وهو يتمسّح به، ويقول ﷺ يضحك معه ويقول: "مَن يشتري مني هذا العبد؟" سمع صوت النبي قال: "إذًا تجدني كاسد يا رسول الله" يعني ضعيف الخِلقة دميم، إذًا تجدني كاسد يا رسول الله، لا أحد سعطيك فلوس، ما أحد بيعطيك ثمن قال: "لكنك عند الله غال"، "لكنك عند الله غال"، فلتتحرر من رقِّ الأجساد، فَلِتُفْضِي إلى العالم الفسيح، عالم الأرواح.  

كان الإمام أحمد بن علوان يقول: مَن شغله تغذية جسده عن تغذية روحه، فليطلب أجره من الحيتان والديدان فقد عاش خادماً لها، يُقوِّي جسده ويُكبِّره لتأكله الحيتان. فيطلب أجره وثوابه من عندهم، لأنه عاش خادم لهم قال: هذا يخدم الحيتان والديدان ما دام انفصل عن تغذية روحه أصلاً، لا تغفل عن الروح.

وروح الإنساني مخصوص، ولذا تهيأ لمعارف ما تتهيأ لها بقية الأرواح، وتميَّزَ عن روح الملائكة، بأنَّ روح الملائكة في علوّ قدرها وعظمتها عند الله تثبتُ على حالها، وروح هذا الإنسان تتطور وترتقي من حال إلى حالٍ أعلى، والملائكة أحدهم في رتبة رفيعة عليِّة من حين خلقه الله إلى أن يتوفاه إلى القيامة، ولكن هذا في اليوم الواحد يرتقي كذا كذا درجة، روح عجيبة هذه بديعة، لها خصائص أعطاها الله هذا الإنسان

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ..) -جسداً وروحاً -(أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4))، لك الحمد.. فقابِلْ هذه النعمة بما ينبغي (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)).

 

الدعاء والفاتحة

رزقنا الله وإيّاكم الاستقامة على الدين القويم والصراط المستقيم، متبعين للإمام خير الأنام في الإقدام والإحجام، والقصد والنية والفعل والكلام، حتى يكون مجلَى تجلّياتنا في جميع حالاتِنا، واجعله يا رب روحا لذواتنا مِن جميع الوجوه في الدنيا قبل الآخرة.

يا عظيم ثبتنا على دربه القويم وصراطه المستقيم، وأعد علينا عوائد خُلُقه العظيم، ولا تحرمنا رؤية وجهه المنير، في الدنيا وعند الموت وفي البرزخ ويوم المصير، وأدخلنا معه الجنة فإنه أول من يدخلها، أنزلنا معه في قصورها فإنه أول من ينزلها، وارحمنا يوم يشفع للخلائق فترحمها، اللهم لا فرَّقت بيننا وبينه، إن جعلت له أنصاراً فاجعلنا من أنصاره، وما جعلت له من جندٍ فاجعلنا من جندك وجنده، وما جعلت اللهم له من قرة أعين فاجعلنا له قرة أعين.

يا أرحم الراحمين،، بالوحي الذي أنزلته عليه اربطنا بسر الوحي، اجعل لنا في أيامنا هذه من رمضان عطاءً واسعاً من حضرتك يا رحمن نُسقى به شريف الدنان في حضرات التدان، نقربُ إلى حضرتك العلية، قرِّبنا بتطهيرنا، قرِّبنا بتصفيتنا، قربنا بتنويرنا، قرِّبنا بكشف الكدرات والحجب عنا، وكن لنا بما أنت أهله حساً ومعنى.

 

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

07 رَمضان 1436

تاريخ النشر الميلادي

23 يونيو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام