(43)
(572)
(217)
(536)
تفسير الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لسورة الفاتحة وقصار السور بدار المصطفى ضمن دروس الدورة الصيفية العشرين في شهر رمضان المبارك من العام 1435هـ.
﷽
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8))
الحمد لله على ما أكرم من الدلالة والنور، وعلى ما بعث إلينا عبده الخاتم للنبيين وسيد المرسلين بدر البدور، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ومن سار على دربهم ومحبتهم إلى يوم البعث والنشور، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين المؤتمنين على بلاغ آيات الله العزيز الغفور، وعلى آلهم وصحبهم ومن تبعهم بإحسان على منهج الرشد والصدق والحق والاستقامة في البطون والظهور، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا علي يا شكور.
وبعد،،
فإننا في تأمل آيات الله مررنا في سورة البينة على أولها والبيان من الحقّ في شأن الكفار من صِنفيهم؛ (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ…) ولم يقل -جلَّ جلاله- "لم يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى…" ولكن قال: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)
قال: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) إشارة إلى أنهم أوتوا العلم، والحجة قامت عليهم، (أوتو الكتاب) مُشعر بوجود العلم عندهم، وفيها أيضاً تحْمل لنا معنى أنه لا ينفعُ العلم وحده، إن لم يصحبه الصدق والإخلاص والتوفيق، فهؤلاء أوتوا العلم ولكن ماذا كان؟! كما قال لنا في الآية الأخرى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) [الجمعة:5]، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) [الاعراف:175,176]، إذًا فلا مجال للغرور بمجرّد توفر المعلومات.
لا تحسبنّ العلمَ ينفع وحده *** ما لم يتوّج ربه بخـــــــــلاق
فإذا رزقتَ خليقة محمودة *** فقد اصطفاك مقسّم الأرزاق
ولمكان الشرف والمنزلة للعلم، إذا جاء فعُمِلَ به وقام الإنسان بحقه قُدِّم ذكر أهل الكتاب على عموم الكفار من المشركين الذين لم يتصلوا بكتاب نزل من السماء، ولذا كان أيضاً الشفعاء في القيامة بعد الأنبياء؛ العلماء الذين قاموا بحق العلم -ألحقنا الله بهم-.
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، (وَالْمُشْرِكِينَ..) الذين يَدَّعُون أنّ مع الله إلها آخر ويعتقدون ذلك الاعتقاد الباطل، لم يكونوا (مُنفَكِّينَ) عن كفرهم وشركهم (حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2)) فعَدَّهُ ﷺ الرحمن بيّنة، ولما عدّ ذاته الكريمة أي: دلالة واضحة وآية ظاهرة قاطعة -هو في ذاته بِّينة- سمى الرسول بينة، هو في ذاته بينة، كان بيِّنة ﷺ لما حوتْه ذاته الكريمة من سعة العقل والمعرفة والحكمة وكمال الخُلق الذي لا يجتمع في غيره فكان في حد ذاته هو بينة، وما حملته ذاته الكريمة من أنوار وعناية من الواحد الغفار، جعلت مجرد وقوع العين من النظر إلى وجهه يشعرك بالصدق ويشعرك بالرفعة والمكانة (من نظر في وجهه علِم بأنه ليس بوجه كذاب).
ومع ذلك فقد أيّد بالمعجزات الظاهرات الكثيرات المتعددات فكان معجز القول والفعال، وأوتي من المعجزات ما لم يؤتَ من قبله من مثل انشقاق القمر، ومن مثل نبع الماء من بين أصابعه الكريمة آيات ظاهرات، فكان هو بحد ذاته بينة، في خَلقه وخُلقه وعِلمه وفكره وعقله وحجته كله بينة، كله دلالة، كله آية، ولذا أطلق العلماء عليه الآية الكبرى.
وسمعت البوصيري يقول:
يا من هو الآية الكبرى لمعتبر *** ومن هو النعمة العظمى لمغتنــــم
سريتَ من حرم ليلا إلى حرم *** كما سرى البدر في داج من الظلم
وبتَّ ترقى إلى أن نلت منزلة *** من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
فهو البينة وهو الآية العظيمة والحُجة الكبيرة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
(حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ) وأسلفنا أنّ من أراد أن يُجرِيَ الله في هذه الفرصة التي أتاحها لنا في الحياة على يده تنويراً وتطهيراً ودعوة إليه، فليتصل بهذه البينة وليقوّي صلته بها؛ فإنه على قدر ذلك ينتشر الأثر وينتشر النور، فإن الكفار لم يكونوا منتهين حتى تأتيهم البينة، وهذا البينة رسول الله صلى الله عليه وعلى صحبه وسلم، وعلى قدر اتصالنا به ينتشر النور فتقوم الحجة (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُۚ) [النور:35]، اللهم اهدنا لنورك.
(حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ...) وهذا رِفعة قدرٍ لشأن المُرسلين حيث اختارهم ربُّ العالمين(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاس) [الحج:75]، (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ..) مبعوثٌ من الله، فماذا يساويه؟ إن جاءك مبعوث من صغار أو كبار أو دول أو شركات، ما هو؟ ما يساويه؟ من جاء مبعوثاً من الله، الذي خلق كل شيء، بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء سبحانه، بعث الأنبياء والمرسلين ؛(رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ) .
(يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2)) :أي مضمون الصُّحف وما كان من الخير في صحف من قَبله كإبراهيم وموسى ومن قبلهم ومن بعدهم من النبيين صلوات الله عليهم، فإنه جاء بكتابٍ متضمِّن جميع منافع وفوائد ومعارف الكتب السابقة كلها
(رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2)) ولهذا قال: فيها كتب؛ فأسرار الكتب السابقة دخلت وسط هذه الكتب البينة وسط الرسول وسط الصحف التي جاء بها، أي: القرآن الذي جاء به عن الله، فالصحف المطهرة أُريد بها القرآن الكريم، يتلوه علينا رسول الله ﷺ فهو يُكتب في الصّحف، ولذا يسمى مُصحف وهو مطهر منقى، مطهَّر عن الباطل (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42]، مطهر عن التناقض (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء:82]،، فالقرآن مطهّر منزّه؛ منزه عن الكذب، منزه عن الباطل، منزه عن الوهم وعن الخيال، منزه عن التناقض، منزه عن أن يتمكّن أحد أن يأتي بمثله (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [الاسراء:88]، متحدّى به على مدى العصور في كل الأزمنة والأمكنة؛ معجزة محمد، باقية؛ مُعجز من جهة القول واللفظ، معجز من جهة المعاني، معجز من جهة استكشاف الغيوب الماضية والغيوب المستقبلية، معجز من حيث تحدّثه عما لم يصل إليه علم الإنسان، فما كان يتحدث في ذاك الزمان أيضاً عن الأجنَّة واكتشف لنا ما اكتشف من شؤون تطورها وتنقلها، وبقي القرآن أيضاً ما لم يُكتشف أسراره مما يتعلّق بذات الوجود، فإن مكوّن الكون هو نفسه منزل القرآن -جل جلاله-.
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ) [فصلت:53]، معجز من جهة الاجتماع، معجز من جهة النظام الاقتصادي الذي فيه القرآن الكريم، ما يُمكن أن يُؤتى بمثله، معجز من جهة حديثه عن النفوس والخواطر وما ينتاب البشر عند استقبال المعاني والأحداث وما يقولون في أنفسهم، وهكذا معجز، فهو مطهر. ربطنا الله بالقرآن ربطا لا ينحل.
فيها؛ (صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)) فانطوت أسرار الكتب السابقة في هذا الكتاب، والكتب أيضاً بمعنى الأحكام، في أحكام قيّمة مستقيمة عادلة على حقٍّ وهدى؛ (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ).
يقول تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)) وفيه خبر عن حالٍ وحاضرٍ وعن ماضٍ؛
فالحالُ الحاضر أن أهل الكتب لمَّا تناقلوا خبر نبينا عمّن قبلهم، كانوا كلهم مجمعون على أنه إن جاء هذا النّبي يقومون معه ويتَّحدون معه وينصرونه، فلمّا جاءهم النبي حسدوا وكفروا وتفرّقوا، وقد كانوا مجْمعين على الأمر!.
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) التوراة والإنجيل (إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)) لما بعث النبي ﷺ بينهم بالحق والهدى؛ فجاء التّفرق والاختلاف، فإذا كان حال الذين أوتوا الكتاب من الذين ذُكرت لهم صفاته، وأخذ الأنبياء عليهم الميثاق أن يؤمنوا به تفرقوا.. فمن باب أولى المشركين، فاختلفوا في ذلك وتفرقوا.
وعن ماضٍ يقول الله لنبيه؛ هم كذلك كانوا مع الأنبياء في السّابق، كلما جاء إليهم النبي ظهر بينهم الخلافات فقال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)) فتجدهم يقولون لسيدنا موسى (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الاعراف:138]، بعد ما انفلق لهم البحر ومشوا فيه طريقاً يبس، وأهلك الله فرعون وأقام الحجج (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الاعراف:138]، وبعد الحجج هذه كلها والبينات، يضرب بعصاه الحجر فتنفجر اثنتا عشرة عيناً ويروح يكلم ربه، يصلِّح لهم السامري العجل ويقومون يعبدونه!! سيدنا هارون يقول لهم: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ) [طه:90,91].
يقول: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ(4)) فكأن الحق أيضاً يقول لنبيه ما هناك تقصير في بيانك ولا في وضوح الحجة بك، ولكن هؤلاء لقوة عنادهم هم هذا أسلوبهم وطبيعتهم من قبل، تجيئهم البينات والحجج ويقومون ويختلفون بعد ظهور البينة، وبعد مجيء العلم، كما جاء في الآيات الأخرى (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [الجاثية:17]، وفي هذا بيان هذه الطبيعة عند النفس البشرية، إذا لم يقم عليها صاحبها بالإنصاف والحد من هواها ومن تشبثها بأغراضها، فإنّ هذه النفس تنكر الحق الواضح والبيّن، ووقت من الأوقات تقول سأعمل سأعمل، وإذا جاء وقت العمل وقعت صورة أخرى.
تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينة!! وهكذا يقولون لنبي منهم (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..) قال: لا لا هل شئتم أن يكتب لكم قتالا؟!... قالوا: هات فقط ملك ونحن وراءه، عيّنا الملك.. (قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ..) ماهذا؟ وأول يقولون هات ملك، واليوم بعدما جاء، يبدأون بالتشكيك والمنازعة والمخاصمة. لماذا يكون هذا؟!! أنت تقول (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا..) هذا ملك !! وقبل ما يأتي الملك قالوا مباشرة (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاإِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ..) (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا..) طالوت! طالوت.. هذا سيكون ملك؟ (قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ..) (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ..) أقول لكم الله بعثه لكم ملك، تجيئون بموازينكم أنتم لتكيّفوا وتصيغوا الملِك بصياغتكم وتكيِّفوه بكيفكم؟! وهكذا قبل تقولون (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..) وهكذا الإنسان يقول لو كان عندي كذا سأعمل كذا!
ولذا، حتى قالوا في معنى من معاني قوله: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1))؛ أنه عتاب عليهم كما يقول واحد لفاسق؛ انزجِرْ عن فسقك وارجع، يقول: لن أترك ذلك حتى يحصل لي الغِنى! بعد ذلك، لما حصل له الغنى زاد فسق، يقول له الواعظ: ما تترك هذا الفساد حتى يحصل لك الغنى، يعني أنت تقول هكذا الحين، ولما جاء لك زادك فسق!!.
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)) يعني يقول له عار وعيب عليكم، كنتم تقولون إن بُعث هذا النبي.. ولما جاء كنتم تدّعون بأنكم تتحدون وتنصرونه! ولما جاء زاد التفرّق بينكم والخلاف والجحود والمعاندة!! وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد سمعت في قصصهم أنه لما رجع حُيّي بن أخطب -أبو سيدتنا صفية أم المؤمنين- كان من علماء اليهود وكان معه عمها فلان أخوه وأخوه -كانوا من علماء اليهود مجموعة- قال: سمعت ما يقولون؟ قال لأخيه: ما تقول في هذا؟ قال: هو الذي بشّر به موسى، هو نفسه صفته وحاله هو نفسه الذي بشر به موسى، فما قررت؟ قال: مُعاداته إلى أن يموت.
يعرفون أنه النبي ولكن يقررون؛ سنعاديه إلى أن يموت، ما كان تحت أيديهم من هذه السلطة الزمنية وهذا النفوذ والتّحريش بين الناس سيدخل عليهم في نظرهم، مع أنهم لو عقلوا لعلموا أن العزة والشرف والكرامة لاتبعوه ولرُفِعَ قدرهم دنيا وآخرة لكن خذلهم الله، فقرروا معاداته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله..) يقول الله: جميع الكتب التي أنزلناها والرسل الذين أرسلناهم يقومون على أسس واحدة هي التي جاء بها محمد، كلهم ليس فيهم من يُخالف ذلك أو يخرج عنه، وهم في التوراة وفي الإنجيل وفي ما حمل سيدنا محمد وموسى وعيسى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ ..) وهذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5))،
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)) وفي هذا بيان الأصل والأساس للدين، ليعبدوا الله - اللام بمعنى "أن" (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ) أي: وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، فأولها عبادة الله سبحانه وتعالى مع الإخلاص والتمسك بهذا الدين بالبُعد عن جميع الأديان إلى دين الحق.
ومعنى حنفاء: أي مائلين عن كل من خالف هذا الدين في جميع الأديان إلى الحق وحده، فلا ثبوت لأقدامنا في دين الإسلام إلا أن نرفض كل ما خالف هذا الإسلام، وتناقض معه ونميل عن جميع الأديان والأفكار والمبادئ والاتجاهات المختلفة من عند ذا ومن عند ذاك في كل زمن، ننصرف عنها، ونميل عنها، ونبعد عنها إلى الإسلام، إلى دين الحق، حنفاء؛ مائلين عن جميع الأديان إلى دين الحق.
ولنا من الحكمة فيما شرع الله لنا من استقبال القبلة وأنه لا يمكن لنا بأجسامنا استقبالها حتى ننحرف عن بقية الجهات، أما مع انصرافنا عن الجهات الأخرى فنريد أن نستقبل القبلة فلا يمكن ذلك، انحرِف.. وإذا كانت القبلة في جهة الغرب؛ فانحرِف وانصرِفْ عن جهة الشرق وعن جهة الجنوب وعن جهة الشمال وواجه القبلة، الجهات كلها ابعدْ منها واتجه لجهة واحدة، فكذلك الحق والهدى ما يمكن أن يختلط مع الباطل، ما يتأتى إسلام مع كفر ما يجي، لابد أن تتخلى عن جميع المِلل والأديان إلى دين الحق والهدى، تكون مسلماً.
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ..) ثم ذكر الركنين العظيمين مشيراً إلى مكانتهما في دين الله كله، من عهد آدم إلى أن بُعث النبي: (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ..) الصلاة والزكاة؛ ركنان في الإسلام
من أول ما خرج آدم إلى الأرض؛ وقد أُمر وأولاده بأن يتقربوا ببذل المال. ولمن يبذلونه؟! على ظهر الأرض من؟ هم آدم وحواء وأولادهم الذين جاءوا. يتصدقّون على مَن؟ يتصدقون على أنفسهم؟ وهي أسرة بدأت واحدة، الإنسان بدأ أسرة واحدة، آدم وحواء بعد ذلك جاء الأولاد، ومن ذاك الوقت ومشروعٌ لهم إيتاء الزكاة، إخراج المال، الإنفاق والبذل، فكان يقول: قربوا لي ما أحببتم أن تنفقونه من أجلي، فضعوه على الأرض فإن كان مقبولاً جاءت نارٌ فأخذته، كما يحصل في الغنائم بعد ذلك، فكانت الصدقة أيام أبينا آدم وأولادهم كلهم أسرة واحدة وكلهم حِرفة واحدة وكسب واحد وعمل. وبعد ذلك يتصدقون على مَن؟!!
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) قربانا أي: تصدّق، كيف عرفوا؟ لأنه كان المقبول تأخذه النار، والثاني يبقى في الأرض ما يُؤخذ، فهذا أُخذ -ما قدمه هابيل- والثاني بقي، يقول أنت يتقبل الله منك وما يتقبل مني أنا؟! سأقتلنك!!
والنفس البشرية هذه المصيبة فيها، وقد كان عنده غيظ في نفسه والآن لما ظهرت العلامة التي كان حقها أن تبعد هواه وأن تجعله معترف بفضل أخيه ومكانته عند الرب فيرجع يحبه أكثر ويتقرب إليه، قال سأقتلك (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ..).
وهكذا تجد الكثير في واقع البشر غيظ في نفسه يُخفيه، كل مقتضى وجوب الإكرام والمحبة تقوم، يقول: لابد هذا أن ننهيه، وآل الغفلة في الحياة عندنا في شؤون بواطنهم يتحدثون عنه باسم التصفية، يقول التصفية الجسدية والِعرقية ووو ماهذا العبث؟ ما هذا اللعب؟ تجاوز الإنسان لحده (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
يا أخي؛ تقتلني؟ هل لأن الله تقبل مني، أنا هذا ذنبي؟ وهكذا الكثير من الناس تغتاظ نفسه، يبغض هذا، يؤذي هذا، لماذا؟ ما السبب؟ تفوّق أو تميّز، أكرمه الله وكان أثر القبول ظاهر عليه، وبعد ذلك؟ لهذا؟!! هذا يقتضي أنك تمجِّده، وتبجله وتحترمه (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
وبعد ذلك ذكر الله الغاية فيما يُنازل عقل الإنسان في فِكره وبشريته ونفسه، إلى أي غاية ينتهي اتخاذ القرار والمسلك، مع أنه ينتهي ذلك بين الأخيار والأشرار إلى هَذَيْنِ المَسْلَكَيْن (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ..) لماذا الفرق بيني وبينك؟ هل لأنك أضعف مني يعني؟ أقل خِلْقَة؟ أقل قوة؟ لا لا لا (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ..) فقط هذا.. هذه الميزة والنهاية عند التصرف والانطلاق في الحياة تقوم الميزة عند الأصفياء والعقلاء الذين يبنون المستقبل الأعظم، ويتهيؤون للمُلك الكبير والنّعيم المقيم أن يكفوا عن أشياء، يقول: أنت ضعيف أنت جبان، شجاعته التي أوقفته هذا الموقف.. أنت الجبان!
أيها المغتر على الأمر الفان أنت الجبان، أيها المغتر بالزائل المهان أنت الجبان، هذا الذي آثر الأبقى والأتقى هو الشجاع (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)، وبعد ذلك، ماهي مشاكل الناس في الحياة؟ تطويع النفس بهواها للإنسان تُوقعه في المصائب (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ..) هذا.. هذا القائم في الساحات وكلٍ من تُطوّع له نفسه، مِن هذا ومِن ذاك على غير بينة وعلى غير بصيرة والعياذ بالله تحصل الآفات والمشاكل (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:28-30].والعياذ بالله تبارك وتعالى.
يقول: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ..)
الصلاة: أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، الصلاة وعند وفاة النبي ذكرها ووصى بها، وجعل كلما أفاق من غشْية من غشياته عند الموت، يقول: "يا عباد الله الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكم" فيُغشى عليه، فيفيق ويقول: "يا عباد الله الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكم" فانتقل إلى الرفيق الأعلى وهو يوصينا بالصلاة، فنقابل هذه الوصية بهذه الإهمالات وهذا الترك وهذا التساهل وهذه الإضاعة لهذه الوصية!؟ حتى تنشأ أُسر لا تبالي بصلاة الصبح في وقتها أو في غير وقتها، وفيهم من يكون من كبارهم وصغارهم من يؤخر الصلاة عن وقتها ومن يتركها أصلاً ولا يُبالي وتنشأ بعد ذلك مظاهر في قُرى، لترك الصلاة من غير مُبالاة، ثم تقوم رحلات -شيء بالبر وشيء في الجو- وأوقات الصلوات والتي لا يمكن فيها تقديم ولا تأخير، ولا مبالاة! ويركب من يركب من العدد الكثير الكبير ولا سائل يسأل عن الصلاة. هذه وصية رسولنا! نقابله بهذا؟ نقابل دينه بهذا؟ "الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكم".
كلما أراد الله أن يفرض فرضاً أو يأمر أمراً أو أن يشرِّع شرعاً، نزل به الوحي إلى رسول الله، فلما أراد أن يفرض الصلاة استدعى رسوله وأسرى به وعرج به، وهناك فرضَ عليه الصلاة وعلى أمته ورجع، لماذا؟ لماذا هذه التميزات من باقي الفروض كلها؟! صاحب العظمة إذا قال: تعال دع هذا الرسول المختار الذي اصطفيته أن يجيء الى هنا، لأن ذلك كلام مهم، كل الفرائض والوحي زكاة صوم حج ينزل الوحي من السماء إلى الأرض.
فلما أراد أن يفرض الصلاة قال: تعال خلِّ محمد يجي الى هنا، يطلع فوق، تجاوز..، الصلاة عليك وعلى أمتك خمسين صلاة. مرَّ على موسى، كم فرض عليكم؟ قال: خمسين صلاة.. اووه كثير، أمتك لا تستطيع ذلك! فارجع واسأله التخفيف، يخفف حتى وصَّلها خمس، ارجع فسأل ربك التخفيف! استحييتُ من ربي، فأوحى الله إليه هن خمسٌ ولهن أجر خمسين، أمضيتُ فريضتي وخففتُ عن عبادي (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [ق:29]، "هن خمسٌ ولهن أجر خمسين" فلم ينقص في الأجر ولكن نقص في العدد، نقص في العدد ولم ينقص في الأجر شيء، فلنا بالصلوات الخمس أجر خمسين صلاة في اليوم والليلة.
الحمد لله على فضله، ينبغي الاعتناء بالصلاة، ولهذا جاءنا النص "مُرُوا أولادَكُم بالصلاةِ وهُم أبناءُ سبعِ سنينَ ، واضرِبُوهُم عليهَا وهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ.."
قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59]، أول ما يحاسب عليه المرء في قبره ويوم القيامة الصلاة، فإن وُجدت كاملة قُبلت وسائر عمله، وإن وجدت ناقصة ردّت وسائر عمله، فلا بد من تعظيم الصلاة والاعتناء بالصلاة، وتربية الأبناء والبنات على الصلاة، والحرص فيها على الحضور والخشوع، والحرص على أدائها في الجماعة.
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ..) ومن بديع ما جاء التعبير به في القرآن، أنه إذا ذكر الصلاة، ما اكتفى بقول صلوا ولا صلِّ ولكن قال أقيموا. الإقامة للشيء أداءه على تمامه، على إحسان، ما يقال أقام للشيء مبهذل به كذا، واحد أراد أن يبني له بيت وهذا مكسور ولا.. هذا ما أقامه، ما يقال أقامها إلا لما يؤديها على التمام.
(وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ..) يؤدوها بكمالها لا ينقصوا منها شيء ولا يخالفوا مشروعاً فيها، (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ..) وفيها أن جميع الأديان، بل دين الحق الذي أرسل به جميع الأنبياء فيها الصلاة، ما أحد نبي جاء من دون صلاة، لا توجد شريعة جاءت من دون صلاة أبداً، آدم يصلي وأولاد آدم يصلون وإدريس يصلي ونوح يصلي -لهم ولأممهم صلاة- لابد من الصلاة، ما في دين ما فيه صلاة،
وما هو حاصلٌ من لطفٍ في واقع كثير من المسلمين هنا وهناك، هذا اللطف الحاصل في شؤون معيشتهم ومادياتهم بالبقايا الذين يُحسنون أداء الزكاة، بسببهم يحصل شيء من السداد والخيرية، ولولا ذلك لكان اشتداد الأمر في معيشة الأمة أعظم وأشد.
وبالتقصير الواقع في إيتاء الزكاة، حاصل ما تعانيه الأمة في هذه الجوانب، وإلا من النّاحية الحسّية المادّية الحِسابية الظاهرة، رؤوس أموال المسلمين إذا أُخرجت زكاتها على الوجه الذي شرعه الله في القرآن لم يبقَ بين المسلمين فقير، بل وكفَتْ ما يضطرون إليه أيضاً من مشاريع لهم أساسية في الحياة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "..ففَرَض في أموالِ الأغنياءِ ما يكفي الفُقراءَ.." سمعتَ "مايكفي".. ما يكفي، ولهذا سمعتم أن أحد السلاطين في هذا الوادي كان يفتخر أنه كان لا يوجد في سلطنته مُحتاج -الزكاة قائمة- وفوق الزكاة مواساة وصدقة فما عاد يجد محتاج.
سيدنا عمر بن عبدالعزيز في خلال سنتين من الخلافة، داروا بالذهب يريدون من يقبله فلم يقبله أحد، مُصيبة الأمة إضاعة أوامر ربها ويريدون حل مشاكلهم تبعا لفكر هذا وكلام هذا؛ انتبه! لاخَلَقتكم الأحزاب ولاخلقتكم الطّوائف ولاخلقتكم الدول، الله خلقكم، أقيموا أمره تُسعدوا، مدَّوا أيديهم لذاك وذاك، فانظروا ماذا حصَّلوا؟ وماذا حصل؟
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ) [المائدة:66]، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ..) [الاعراف:96]، قول القادر هذا، هذا قول قادر تعرف معني قول قادر قوي؟! (وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الاعراف:96]. يقول: (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5))
ثم ذكر الحكم الفاصل. مَنْ خير الناس منزلة؟ مَن شر الناس منزلة؟ من خير البرية؟ من شر البرية؟ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ..)
كل من مات على الكفر فهذا مصيره؛
يقول الله لسيدنا موسى وهارون: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا) لِمَن؟ لواحد خيِّر، صالح؟! لواحد يقول: أنا ربكم الأعلى!! متكبّر أو ما هو متكبر؟ متجبر أو ما هو متجبر؟ قتّل من جماعة موسى وهارون ألوف ظُلماً (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا) ، (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) [طه:43,44]، هكذا قامت الدعوة.
ولذا سمعتَ النبي يقول لمن يرسلهم من السرايا: "فوالله أن تأتون إليّ بإسلامهم أحب إليّ من أن تأتوني بأموالهم و ذراريهم و نساءهم"، "تأتوني بإسلامهم"، فرض علينا أن نرحمهم وأن نتمنّى إنقاذهم من النار، وكل هذا مع المنهج المستقيم، لا نتابعُهم في أخلاق ولا نجعلهم أساتذة لنا في دين، ولا نرضى بشيء من عاداتهم السيئة تتحكّم فينا وتدخل ديارنا، ومع هذا نرثاهُم ونتمنى إخراجهم من النار إلى الجنة ونبذل في ذلك وسعنا، هكذا فعل رسول الله والصحب الأكرمون والصالحون في الأمة.
وهكذا شفى الله عِلّة لواحد من الصالحين في الأمة، قالوا : من هذا الطبيب الذي كنتم تأتون به؟ قالوا: واحد -يعني غير مسلم- قال: غير مسلم ويُعالجنا؟!! ويشفينا الله سبحانه وتعالى بسببيته وبعدين يدخل النار؟! هاتوه هاتوه لنا ردوه لنا؛ وأخذ يسأل الله تعالى.
جاء إلى عنده وكلمه فأسلم على يده، قال: خلاص تمام، عالجَ نحن من الحقير فعالجناه من الخطير، أخرجنا نحن من مرض الجسم أخرجناه من حر النار، قال أحسن، فهكذا تحمل قلوب المؤمنين.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) تعرف لو كانوا يمكثون يوم واحد مشكلة كبيرة، وايش قدَّرهم على حريق اليوم؟ قال لك (خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)) البريّة: الخلق، قرأ نافع وابن عامر (بريئة) لأن أصل الخلق من البرء – برأ: خَلَقَ كما قال "ذرأ ثم جاءت ذرية" "ثم ذريّة" حذفت الهمزة ثم شددت الياء فانقلبت بريئة إلى بريّة. برأهم الله وخلقهم (أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)).. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(6)) هؤلاء شر البرية..
فمهما رثيناهم ورحمناهم واجتهدنا في إنقاذهم وتعاملنا معهم بالبر والقسط، كما قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]، وتعاملنا معهم بالإحسان في تبادُل المصالح الفانية الحقيرة مهما كان ذلك، فنحن نرثى لهم، ونحن نعتقد أنهم شرّ البرية.
كل من يموت على ذاك الكفر؛ هم شرُّ البرية، لا يمكن أن يتحولوا أساتذة ولا معظَّمين في صدورنا، بل هم في عقيدتنا "شرّ البرية" وشر البرية في عقيدتنا أمرَنا أن نتعامل معهم ببر وقسط، فإن حاربوا حاربناهم بالأدب النّبوي، وبالمقاييس الشرعية.
انظر كيف هي عظمة الإسلام! وما في هناك نظام أحسن منه في الخلق (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [ال عمران:110]، لن يجد الناس خيراً من أهل هذا الدين وهذا المنهاج، فهم هؤلاء (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) [النساء:90]، لا تقتلوا أحدا ولا تضربوا أحدا ولا تأخذوا مال أحد (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) [النساء:90]، لا تقربوا.. حرام.. ماهذا؟ هؤلاء شرُّ البرية وأنت تحميهم هكذا!! تحمي مالهم، أنتم تريدون وجهي؟ أخلصوا معي لا تمدوا أيديكم إلى طمع ولا إلى أموال ولا إلى أعراض ولا دماء، أسكنوا؛ حيث وجهتكم توجهوا (فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) [النساء:91]، إذا أخذناهم وقاتلناهم، قال: لا تمثِّلوا ولا تُسيئوا إلى الأسرى، لا تقتلوا السّبي، ماهذه العظمة؟ ماهذا النظام ؟ هل في أشرف منه للبشر؟ أدعياء للتقدم وأدعياء للحرية وأدعياء للعدل وأدعياء للمساواة وأدعياء لحقوق الإنسان؛ لا رعوا حق طفل، ولا حق حرمة، ولا حق عابد، ولا حق مساجد، دقدقوا وقالوا: نحن المتقدمون المتطورون أهل الحرية أهل حقوق الإنسان! دع الكذب، مافي هذا من حقيقة وخير -عند محمد ما في عندكم أنتم- تعالوا نتبعه تعرفون كيف يحترم البشرية، وكيف يؤدي حق الله في خلق الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.ا
(أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)) تختلط على الناس هذه النصوص الواضحة والأسس الثابتة، فمن الناس من ينظر إلى النصوص أنه واجب أن نعاملهم بالإحسان، وبعد ذلك ما معناها؟ تغيّر أخلاقك؟ تهلك أولادك بسوء التربية؟! تُغير العادات الصالحة؟! تبرج نساءك؟ يا قليل الحياء! ماهكذا.
ويأتي الثاني (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ..) [المائدة:51]، من أين جئتَ أنت؟ أنبياء ما صلَّحوا هكذا! يسلم واحد منهم يقول: هذا أمه كافرة ، أبوه كافر لا تأكل معهم ولا تقعد معهم. (وإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ ) [لقمان:15]، عجيب والله! و هذا دخل دين كذا؟! هذا دخل دين كذا.
يا أمة الصادق المبلّغ صاحب الدين الكامل اتركوا هذه التطرفات، اتركوا هذه الآفات، ادخلوا في السلم كافة، خذوا السيرة خذوا الهدي، خذوا كيف كان يتعامل.
يا رسول الله إن أمي قد وردت المدينة المنورة ، وأم من؟ أم أسماء بنت أبي بكر وردت -وقد طلقها سيدنا أبوبكر وهي كافرة مشركة- في أيام صلح الحديبية جاءت إلى المدينة- وهي راغبة، قال: ما معنى راغبة؟ راغبة عن الإسلام ما تريد تسلم، وراغبة في صلتي -تبغى مني شيء- أفأصلها؟ قال صاحب الرسالة: نعم صلي أمّك، هذه التي لا تريد أن تؤمن بي وتُصدِّقنا، صِليها هي أم، أعطيها حقها -صلى الله عليه وآله وسلم-
(أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)) لابد نعرف الآيات ومعانيها وكيف نتعامل بها وعلى هديها كما كان القدوة لنا في ذلك التطبيق حبيب الرحمن، ما أحد يعمل بالآيات مثله، كان خلقه القرآن، كيف تعامل مع الأسرى؟ كيف تعامل مع الحربيين؟ كيف تعامل مع الذميين؟ مع الصغار والكبارﷺ، سد الثغرات ولا يفسح المجال للشر والكذب والزيغ أن يغزو القيم والأخلاق، ولا أساء ولا نقض عهد ولا اشتغل بسباب -صلى الله عليه وصحبه وسلم أبداً- ولا نكث وعد، وأحسن جوار من جاوره، وأدى الحق إلى من عامله من الأصناف هؤلاء وهكذا.
كم تسمعون في تلك القصة العظيمة التي قام بها حَبْرٌ من اليهود هداه الله للإسلام -زيد بن سعنة- هذا جاء واحد يكلم النبي ﷺ من شأن قبيلة دعاهم للإسلام ووعدهم أنهم إذا أسلموا أن الله ييسر أمورهم، فنزل عليهم قحط وشدة وخاف أن الجماعة يرجعون عن الإسلام، فجاء يكلم النبي صلى الله عليه وسلم؛ يارسول الله إن القبيلة الفلانية في مكان كذا وأنهم دخلوا الإسلام على طمع وإني أخاف أن يخرجوا منه على طمع، فكان يكلّم النبي سيدنا علي، يقول عندنا شيء بقي منه؟ يقول: ما عندنا شيء بقي منه، نكلّم بلال، سمعه اليهودي فقال: يا محمد، إن أردت أن أُسلف لك كذا كذا وسِق. فقال: على دَين ؟ قال: نعم، خذوه منه، فأخذوه منه واستلموه منه على أن يؤديه في وقت كذا، أعطاه مدة ليرد له الدَيْن، أخذ الطعام وأعطاه الرجل، قال اذهب والحق قومك به، فذهب.
قبل ما يحل موعد الدين بثلاثة أيام دخل زيد بن سعنة إلى المسجد عند النبي وعنده الصحابة وإلى عند ذات النبي ورداؤه على كتفه الشريفة وهذا يجذب الرداء بشدة وقوة: أعطني حقي يامحمد، احمرّ العنق، وكان عنقه كأنه إبريق فضة من بياضه ﷺ حمّر العنق وارتاب الصحابة لهذا التصرّف، أعطني حقي يا محمد ودَيْنِي الذي عندك فما عُرفتم يا بني هاشم إلا مُطلاً تماطلون الناس حقوقهم، بهذه الصورة، وبهذه الفظاظة يتكلم ويسبهم ويسب القبيلة.
قام سيدنا عمر: أتفعل هذا مع رسول الله وأنا انظر؟ رسول الله إإذن لي فأضرب عنقه، أعطنا رخصة لنقتله الآن، لا يا عمر كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك، مُرْه بحسن الطلب، وأمرني بحسن الأداء واعلم أنه بقي من موعد الدين ثلاثة أيام لم يحلَّ بعد، ولكن اذهب يا عمر، فأعطه دينه كذا وكذا وسق من الطعام وزده عشرين مكان ما روَّعتهُ، فأنت أفزعته فقلت سنقتله، أدخلت الرعب في قلبه، أعطه عشرين مكان ما روَّعته، قام سيدنا عمر بنفسه بدلاً من أن يقتل، أخذ يكيل الحَب ويعطي ويزيّد، هذا حقك وخذ هذا زيادة من رسول الله، قال: يا عمر أما تدري لِمَ عاملته هكذا؟ قال: أنا زيد بن سعنة -الحَبر- يعرف اسمه ما يعرف شخصه، الحبر عالم من علماء اليهود، قال: نعم، قال: ما حملك على صنعك هذا! قال: يا عمر والله ما حملني إلا إني قرأت وصفه في التوراة فخبرتها فيه، والله ما بقي معي إلا وصفان؛ الحلم، وأنه لا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً وقد خبرْتهما اليوم، أنا تعمدت هذا لأخبر فيه الوصفين، فأنا ذاهب لأسلم وهذا كله والزائد الذي أعطانا النبي صدقة للمسلمين، ذهب إلى المسجد فقال مد يدك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ) [آل عمران:159].
يا رب صلِّ عليه واملأ قلوبنا بمحبته، وما بقي معنا إلا يوم واحد هو يوم السبت نكمل فيه سورة البينة، ونكون على بينة إن شاء الله ونؤمن بالبينة ونتصل بالبينة، وخير البينات، خير البريات محمد خاتم الرسالات يا رب ارزقنا محبته ومتابعته ونصرته وقرة عينِه وسرور قلبه والحشر معه يوم الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين واصلح شؤون أمته أجمعين .
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
15 شوّال 1435