(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شِعب المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى ليلة الإثنين 13 جماد أول 1437هـ بعنوان: فقه العبودية في مجريات الأحداث في الكون.
( سنةُ الله في الذينَ خلَوا من قبل ، ولن تجدَ لسنةِ الله تبديلا) ( ولا تجدُ لسنة الله تحويلا )
مُجرياتٌ تجري على ظهرِ الأرض، وشؤون.. النبوة والرسالة فيها مراكز الإنقاذ والإسعاد لمن يستجيب في الحياة القصيرة ويوم العرض، وتقلُّب وتداوُل في الاحوال وفي المظاهر وفي مُجريات أحداث العالم ، مَرجعُها الى المكوِّن، إلى المبديء، إلى المنشئ، إلى الفاطر، إلى الخالق، إلى القادر، إلى العلي، إلى العليم، إلى السميع إلى البصير إلى مَن إليه المصير جل جلاله..
ولذلك نقرأ في قوله تعالى ( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَينَ النَّاسِ ) واحفظ سرَّ قوله ( نُداوِلها) ، لم يقل: يتداولونها، ولا يداوِلُها بعضُهم البعض، ولا تتداولها دولٌ صغرى ولا كبرى، ولا تداولها أحزاب واتجاهات.. بل قال ( نُدَاوِلُها )
قال الله نُدَاوِلُها ، أنا الذي أعطي هذا وأمنع هذا ، أنا الذي أطلع هذا وأنزل هذا ، أنا الذي أُظهر هذا وأبطِن هذا ( نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) فيقومون على أقوى الأساس ، على بناءٍ لا يهتاس ، لا تهزُّهم ريحُ المكر ولا ريحُ الكفر ولا ريحُ الفسق ولا ريحُ الزمجرة ولا ريحُ الغطرسة ولا ريح التجبُّر ولا ريحُ التكبُّر ولا ريح إجراءِ الناس في سوء اراد الله أن يجريَ مَن يجريه فيه ، لا يضرهم من ناوأهم ، لا يضرُّهم من خذلَهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون..
( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ(
( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) واذا كان الله لا يحبهم فمن ذا يدَّعي لهم الغلبة!؟ ومن ذا الذي يدَّعي لهم العاقبة!؟ ومن ذا الذي يدَّعي لهم النصر!؟
( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) صدق مولانا العظيم..
فالحمد لله على ما جمعَنا وأسمعَنا من هذه الحقائق ومن هذه التوجيهات ومن هذه الأسس التي مضى عليها منهج الأكابر الأكياس، والتي رُئيت منها الغروس والثمرات والنتائج، مِن بذرِ وغرسِ مثلِ هذا الإمام المهاجر عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
ذكر مثل هذه الحقيقة الحبيب أبو بكر، طوّل الله عمره في عافية وبارك لنا في حضوره ومجيئه ومروره، وما كان ذلك إلا بتقدير، وما كان ذلك إلا بحكمة حكيم، وعلم عليم، وتقدير العزيز العليم جل جلاله وتعالى في علاه، لما يرتّب الله على التلاقيات وعلى التزاورات من شؤون يبديها ولا يبتديها ، حكمَ في سنَّته بأن يكون هذا سبب هذا ، وهذا سبب هذا ، وهذا سبب هذا ، وله الأمر من قبل ومن بعد.
الناظر بعين الإنصاف من دارسِي الكفار من المستشرقين يقرأ متأملا تاريخ حضرموت ثم يقول: أظن لو لم يصل أحمد بن عيسى إليها لكان أكثر تاريخها صفراً على الشمال. ولكن رأى النتائج والبذور التي عمَّت قبائلَ حضرموت كلها مِن أثرِ الغرس هذا، لأنه الغرس الذي استثمر البذرَ الأولَ مِن عهدِ النبوةِ ووصول الإيمان إلى هذه الرحاب، ووصول الصحابة الكرام ومَن اتصل بهم من التابعين وتابعي التابعين، فكادت الشجرةُ أن تذبُل، فجاء اللهُ تعالى بالمهاجر أحمد بن عيسى، ولكم العبرة فيه، هل اشتهر على مدى التاريخ وفي أي كتاب وفي أي ذِكر للسابقين أو مناقِبهم أو تراجمهم: المهاجر إلى حضرموت ، لا ما اشتهر بهذا ، ولا أحد يذكر هذا ، المهاجر إلى من ؟ المهاجر إلى الله ، اسمه المهاجر إلى من ؟ ما أحد قال المهاجر إلى حضرموت ولا أحد من المؤلفين ولا من المؤرخين قال المهاجر إلى حضرموت ، قالوا المهاجر إلى الله ، حضرموت كانت مستقرَّه حين هاجر إلى ربه جل جلاله، فكانت مركزَ عناية ربه وبحفظ سرِّ غرسِه وبذره المَرعي بعناية الله >
فكانت خصوصية حضرموت مرعية لكن الأصل هو الأصل ، هو وارث محمد بن عبدالله ، ولذلك ما كانت هجرته إلا إلى الله ، لأن إمامه الموروث دعانا كلَّنا فقال ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ )
قال سيدنا الإمام الحداد
تحامى عن الدنيا وهاجر فارِرا ** إلى الله والأحداث ذاتُ ضرامِ
يعني شؤون أبداها الله في ذاك الزمان.. أتظنون أن الفتنَ في العالم تختصُّ بزمنٍ دون زمن!؟ وإن اختلفت الأزمان في بعض مظاهر يريد الله أن يظهر فيها، ولا يخلو زمنٌ مِن ظهور خير وظهور شر، ومِن مِنن تجري ، ومِن مِنح ومواهب وعطايا ومن انتقامات وإبعادات وشقاوات تحلُّ على مَن حلَّت عليهم..
وصلت الفتن في تلك الأيام إلى أن أُخرِج الحجر الأسود من مكانه.. اليوم مع الفتن الكبيرة التي عندنا، ما وصلت إلى هذا المظهر ، فما أحد نزع الحجر الأسود من محله ، وعشرين سنة والحجر الاسود غائب، وردّ بعد ذلك..
سيدنا المهاجر نفسُه وصل إلى مكة والناس يضعون أيديَهم على محل الحجر، لأنه غير موجود، وهذا مثال ونموذج من النماذج، والحجر الأسود رأس من رؤوس أعلام الشريعة وشعائر الدين والمظاهر الكبيرة.. إلى حد أن جاء في الحديث في مسند الإمام أحمد وغيره: الحجر الأسود يمين الله يصافح بها عباده ، وإن الحجر يأتي يوم القيامة وله عينان وله لسانٌ طلق ذلق يشهد لمن وافاه ، وإن الله لما أخذ علينا العهد والميثاق: ألست بربكم ، قلنا بلى ، كتب كتاباً فألقمه الحجر الأسود ، إيش المظهر الكبير هذا في الخير والدين ، أُخـذ من مكانه وزُعزع ، فهل تزعزع العهد ؟ هل تزعزع الدين ؟ هل تزعزعت الصلة بالرب؟ لأن أسرار الحجر الأسود وما فيه مودعة في قلوب ، كانت القلوبُ قائمةً وموجودة، فإن غابت الصورة وغاب المظهر فالقلوب محفوظٌ فيها سرُّ الحجر..
ثم بعد عشرين سنة عاد الحجر الى مكانه، فهل بلغ الذي كان يظن أنه بنزعِ الحجر ينتزع قطعةً من هذا الدين أو حقيقة من حقائق الدين بلغ مراده ، أو تحقق ما ظن!؟
وجاءت من بعده قرون بعد قرون بعد قرون فوق الألف سنة إلى اليوم، والحجر محلّه على رغم الذي نزعَه ، أنت نزعته عشرين سنة ، والآن بعدك ألف ومائة سنة والحجر في مكانه على رغم أنفك، فمن الذي رُغِم!؟ أحباب الحق والذين عرفوا سرَّ الحجر الأسود أم الذين آذووا شعائر الله والذي نزع الحجر الأسود من مكانه!؟
كان أيام نزعِهم الحجر الأسود في عقول تظن أنهم انتصروا، عقول تظن أنهم ظفروا ، لا انتصروا ولا ظفروا ، هم في خيبة، من تلك الأيام.. ونفس المظهر عاد على رغم أنوفهم، نزعتموه لمدة عشرين سنة، وله اليوم أكثر من ألف ومائة سنة وهو في محله على رغم أنوفكم .. الغلبة لمن ؟ العزة لمن ؟ النصرة لمن؟
هذا الذي يدعونا إليه الحبيب أبو بكر في نيابة عن معاني سر السلف الصالح في دعوتهم إلى هذا النقاء وإلى هذا التقى أسرار هذه الطريقة المباركة..
رجالٌ إلى الرحمن ساروا بهمة ** على الصدق والإخلاص من غير عائق
معنى من غير عائق أي: تقع ظروف تقع حوادث تقع اعتراضات، تقع شدائد تقع بلايا.. ليست بعائق
فنالوا الذي كل المطالب دونه** فلله من عيش كريم ورائقِ
دنو وتقريب وأنس بحضرة ** مقدسة في منتهى كل سابقِ
فما تكون هذه الدلالات ؟
يقول لك إذا سلمت لهؤلاء القوم قلبَك وصلُوه إلى ربك، وصَّلوك إلى ربك، لكن هل تفهم معنى تسليم القلب وكيف هو؟ هذه المعاني تحدث الله عنها، يقول لبعض الناس قصَّرت في حق واحد له حق عليك، والذي ما يعرف الحقوق لأي ذي حق عليه ولو صغُر واقع في العقوق، ومقصر في الحق الصغير أو الكبير وراء الحقوق الكبيرة والصغيرة العلي الكبير..
يقول أتجاوز عن حقوقي الكثيرة ولا أدع لمخلوق حق ولو ذرة ولو كان حيواناً إلا أخذته منه، فبعد هذا عُلِّمنا على لسان القوم أن نتقيَ اللهَ في ألسنتِنا، أن نتَّقيَ اللهَ في ظنوننا، أن نتَّقيَ اللهَ في معاملاتنا، ما تنتهض حقائقُ الإسلام والإيمان وأسرار الطريقة هذه إلا بتلك القلوب الصافية المخلصة ، إلا بتلك السرائرِ المنقَّاة التي لا تضمر غشا، لا تضمر غلا ، لا تضمر سوءً لأحد مِن عباد الله تبارك وتعالى..
كم نستشهد ببعض الناس من الأخيار اعتدى عليه بعض الناس وآذاه وتابع أذاه واشتد عليه الأذى، فعزم في الليل أن يقوم إلى الله ويدعو عليه، وإذا بتلفون من الحبيب محمد الهدار عليه رحمة الله كان في مكة والرجل في جدة ، رفع السماعة، وما كان يعتاد يتصل به، مرحبا.. قال له: يقولون إن الولي والصالح مَن يجتهد فيدخِل من آذاه إلى الجنة ، ويصلح الذي آذاه ويدخله معه إلى الجنة، ما هو الذي يدخل من آذاه إلى النار ، سمعت ، قال مرحبا.. مع السلامة..
يقول أنا تبت إلى الله فلن أدعو على أحد ، كان ناوي يدعو تلك الليلة، وإلا التلفون يدق عليه يقول طريقتنا ما هي كذا ، مسلكنا ما هو كذا ، وما نعرف هذه الحملات والتحاملات.. وهكذا عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
ومضوا على قصدِ السبيل إلى العلا ** قدماً على قدمٍ بجدٍّ أوزعِ
لولا هذا الصفا في قلب المهاجر ما كانت ذي الثمار، ولا كانت هذه النتائج، ولا كانت هذه المستخرَجات وهذه المُخرجات البديعات في الشرق والغرب، صفاء ونقاء وصدق مع المولى حل جلاله وتعالى في علاه..
بسرِّها كان يقول الحبيب علوي إذا جاء الحبيب محمد بن هادي السقاف في طريقه إلى شعب النبي هود عليه السلام في أيام الزيارة العامة يقول للناس في مذاكراته في تريم: من السعادة لكم مجيء هذا السيد وحضوره معكم المحضر.. ومن السعادة مجيء الحبيب أبوبكر وحضوره معنا هذه المحاضر في ذي الليالي.. وكلها مفاتيح ، مفاتيح الفتاح رتبها ، والعجيب أن أبواب الفتاح ما تفتحها إلا مفاتيح صنعها هو ، وأنتم تعرفون تطوُّر الناس في المفاتيح حتى صارت أنواعاً منوعة ، الجبار الفتاح على خزائنه هو ما تفتحها إلا مفاتيحه، هو بنفسه جل جلاله ، ما أحد يقدر يغالط فيها ، ما أحد يقدر يروح عند واحد ويقول صلح لي مثل هذا المفتاح أفتح به خزينة، خزائن ربك تفتحها مفاتيحه هو، اللي صلّحها هو يعطيها مَن شاء مِن عباده جل جلاله، على مراتب ودرجات، وكل مؤمن صادق يُسلَّم له مفتاح ولو على قدر نفسه أو أهل بيته لو صدق مع الله ، فيكون سببا للخير..
إن هذا الخير خزائن ، وللخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير. وويلٌ ثم ويلٌ لمن قال: لمَ وكيف؟ لا لمَ ولا كيف ، فوق الكون مكوِّن ، فوق الوجود موجود ، فوق الخلق خالق ، اترك لِم وكيف هذه في عقلك ، أتنازع تدبيرَه ، أتنازع تصويرَه ، أتنازع تقديرَه أتنازع إرادتَه جل جلاله ..
لو ولـم وكيـف ** قـولُ ذِي الحمـق
يعترض على الله ** الـذي خلـق
وقضـى وقـدر ** كـل شـيء بحـق
يـا قلبـي تنبـه ** واتـرك المجـون
لا تكثـر همـك ** مـا قـدر يـكـون
----
أنـت والخلائـق ** كلـهـم عبـيـد
والإلـه فينـا ** يفعـل مــا يـريـد
همُّك واغتمامـك ** ويحـك مـا يفيـد
القضـاء تقـدم ** فاغـنـم السـكـون
لا تكثـر همـك ** مـا قـدر يـكـون
----
الـذي لغيـرك ** لـن يصـل إلـيـك
والـذي قُسـم لـك ** حاصـل لديـك
فاشتغـل بربـِّك ** والــذي علـيـك
في فرضِ الحقيقة * والشرع المصون
لا تكثـر همـك * مـا قـدر يـكـون
----
شرعُ المصطفـى ** الهـادي البشيـر
ختـم الأنبيـاء ** الـبـدر المنـيـر
صلـى الله عليـه ** الـرب القـديـر
ما ريـح الصبـا ** مالـت بالغصـون
لا ينبغي أن يقطعَنا عن ذلك قاطع ، وانظروا نحن مع هذه الفتن والشدائد ، وما تحمله قلوب الصالحين مِن ألم هو مفتاحُ الفرج للمسلمين ، تألُّمهم على الواقع وما يكون فيه، وبكاؤهم في الليالي وتضرُّعهم هو مفتاحُ الفرج للمسلمين، فإن لهذه القلوب مكانةً عند الرب ، فما يكدر عليها ويشوش عبَّر الحق عنه ( وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن الولي الصالح، قال يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه ) هذا تعبير بديع من الله أنه يراعي قلوبَ هؤلاء إلى هذه الحدود ، قال لو لم يسبق القضاء مني بالموت المحتَّم ما أمتُّ هؤلاء ، مراعاةً لقلوبهم .
فتلك القلوبُ المتألِّمة هي مِن أسبابِ مفتاح الفرج ، ومع ذلك ينصحوننا ويرشدوننا لأن نشهد فضلَ الله وجودَه، وأن لا ننشغل عن القيام بأمرِه ، مع هذا كله الشدائد الموجودة اليوم ، ما هذه المجالس التي تعقد ، ءآمنين أنتم أم خائفين ؟ الله أكبر ، من ذا الذي أمَّنكم ؟ تأتون من دياركم وبيوتكم مؤمَّنة، وطريقكم مؤمَّنة، ومجلسُكم مؤمَّن، وزياراتكم مؤمَّنة.. ما هذه النعمة !!
قرون مرت علينا ما بين سيئون وتريم ما تمشي إلا بسِيارة، وإلا تتعرض لأشياء كثيرة في الطريق ، وقرون مرت وفي الوادي أكابر من الجحاجحة ،، لكن ببركتهم اليوم أعطانا الله هذا الأمان..
فما الذي يقطعُنا عن تطهيرِ القلوب، والصدق مع علام الغيوب، والتنزُّه عن العيوب، وأداء حقِّ الجهاد في أنفسِنا وأولادِنا، نسلم أولادنا مع هذه النعم وهذا اللطف الكبير من الله جل جلاله والخصوصية التي ما نقولها احتقاراً لأحد والله ، نعلم في قلوبنا أن في المشرق والمغرب أصفياء لله وأتقياء وأحباب عند الله لهم مراتب عُلا، فإذا تحدثنا عن خصوصية في المكان وما إلى ذلك فإنما نتذكر الواجب علينا في إدراك نعمة الله تبارك وتعالى وذكرها وشكرها، تذكّرنا هذه الخصوصية وهذه المزية تنبعث منا باعثةُ المحافظة على الخصائص والمزايا لتدرك نصيبك منها، هي قائمة ودائمة بالحي القيوم الدائم، وبركة رجال حضرته..
لكن أنت وأنت وسط البلد محل الخصوصية إما تحصل منها نصيب أو لا تحصل، وإما تحصل نصيب قليل أو كثير، والعيون تشاهد اليوم هذه الألطاف والملاطفات من حضرة رب العرش جل جلاله.. اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلا.
الحبيب أبو بكر مرَّ على سيدنا محمد صاحب مرباط، وجاء بسرِّ الارتباط للمهبط، وورد إلى المهبط الكريم المبارك الذي قال عنه الحداد في المهاجر:
إلى أن أتى الوادي المبارك** فارتضى ومدَّ به أطنابه بخيام
فأصبح فيه ثاويا متوطنا **بذرية مزمومة بزمامِ
من البر والتقوى وحسن شمائل** كرام السجايا أعقبت بكرام
وبعد هذا يجي المنتمي إلى هذه المعاني ويدخل أزياء الكفار إلى بيته! ويربِّي على أزياء الكفار بنته! ولا يبالي بكشفِ الساق ولا بكشف الفخذ، وجابوا أن أنواع من الثياب عبارة عن خيش مشبكة فتحات فتحات، ثوب أو ما هو ثوب ، بعضهم يرى نفسه طيب يصلح لبنته تحته سراويل، اتركها في السروايل وحدها ، هذا كذب لماذا الخيش فوق السراويل ، وعاد يلفت للنظر أكثر ، وهي صغيرة مسكينة تعرِّضها لهذا ، بكرة إذا استمرَّ أثرُ هذا العمل ستخرج بنتُك للسوق بهذا ، وبتخرج السروال من تحت وتقصره.. أنت تتبع من؟ وعندك إدراك إن لك طريقة ولك فريق ولك سنة ولك منهج ولك أوامر ونواهي أو أنك عبد الموضات ؟! ما يستحسنه البعداء والغافلون تستحسنه في نفسك أو بيتك أو ولدك أو أهلك ، إننا أتباع محمد لا نرمي بأنفسنا لتبعية أعدائه من أهل الشرق وأهل الغرب ، فهم الساقطون وهم المخذولون، ومحمد هو المنصور بالنصر العزيز.. فالله يثبتنا على سنته، ويثبتنا على متابعته
مفاتيح من مفاتيح الفرج بهذه المجامع والمجالس وإن سمعتم ما سمعتم في العالم فيقينُنا أن الفرج يقترب على وجه كبير، وفِسِّره بما تعرف إن كنت تعرف، على قدر ما تعرف بوجه كبير، لأن حاكم العالم جل جلاله أخبر ، ( ومن أصدق من الله قيلا ) ( ومن أصدق من الله حديثا ) ، وعند اشتدادها وانتشارها يحصل مِن عنده سبحانه وتعالى الفرج ، وكل فرج على قدر المصيبة ، كلما كبرت المصيبة كان الفرج أكبر، ولكن الحكمة الكبرى من وجود هذه الأشياء هو رجوعُ القلوب إلى الله، وهذا وسط الكتاب
) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
الذي ارتقى في معاني الرجوع إلى ربه في نفسه وأسرته ومَن حواليه هذا المستفيد مِن حوادث العالم ومِن حكمةِ هذه الحوادث ، وتجتمع له أسرارُها كلها، وعلى قدر قلةِ رجوعه تقلُّ استفادته من الدائر..
نحن الليلة نبيت، وفي العالم حوادث.. وعلى قدر صدق رجوعنا ننال نصيبَنا من البركة التي تنزل على الأرض من الرحمة التي يرحم الله بها من يشاء ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) فهي سياط تأديب يسوق الله بها من سبقت له السعادة ليرجع إليه جل جلاله.
فلا بد من صدق الرجوع، ولا بد مِن طرقِ بابِ الكريم بالخشوع والخضوع، وتنفتح الأبواب وتُذلَّل الصعاب، ونظرة من رب الأرباب تحول الأحوال.. ويا محول الأحوال حوِّل حالَنا إلى أحسن حال.
اللهم بارك لنا في حضور شيوخنا وأئمتنا وحبيبنا أبي بكر ومجيئه ووروده، وافتح بذلك أبواب الفرج لنا وللمسلمين، واربط اللهم هذه القلوبَ المتوجهة إليك بقلوب الصادقين والمخلصين مِن أهل أرضك وسماواتك، ونسترحمُك بسيدِهم سيدِ المرسلين لجميع المسلمين
يا أرحم الراحمين فرج على المسلمين ** يا أرحم الراحمين فرج على المسلمين
واجعل في قلوبنا مِن صدق الرجوع إليك ما يكون مِن أقوى أسباب هذا العطاء، وهذا الكشف للبلاء، وهذا الدفع للأذى، يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين فرج على المسلمين، وأغثنا والمؤمنين، وثبتنا على ما تحب، واجعلنا فيمن تحب.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
14 جمادى الأول 1437