حقائق الفوز الأكبر في ميزة الإيمان وخصائص الشرب من كأس لا إله إلا الله

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 19 ربيع ثاني 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: حقائق الفوز الأكبر في ميزة الإيمان وخصائص الشرب من كأس لا إله إلا الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي دعانا من علِيِّ قُدسِه، بفضلِه وجودِه إلى نفسه، ما أكرمَه مِن إله، وما أعظمَه مِن داعٍ كبيرة عطاياه، تنزَّل سبحانه ليوصل دعوته هذه إلينا، لنسعدَ وبقُربه ونسعد بحبِّه ونسعد برضاه، فاختار رسلاً وأنزل كتباً، ونشر أنوار البيان من حضرته العلية بواسطة الحقيقة المحمدية في ذوات الأنبياء والمرسلين ومن اتصل بهم ممن سبقت له سابقة السعادة من هذا الإله جل جلاله وتعالى في علاه، حتى أشرقت أنوارُ لا إله إلا الله في قلبِ مَن أراده الله، وأراد تقريبَه، وأراد أن ينيلَه شيئا مِن هذا العطاء الواسع الثمين، وإن الكائنات كلَّها غير هؤلاء المكلفين ساجدةٌ لربها مسبحةٌ بحمد ربها، إلا قلب الفاجر والكافر من الإنس والجن فقط، من بقعة اختيار آتاه الله إياه فقط، ما عدا ذلك فالكل ساجد والكل مسبِّح بحمد هذا الإله جل جلاله وتعالى في علاه.

فيا ويح من باع نفسه ليسبح دنيا أو ليسبح وظيفة أو ليسبح حزباً أو ليسبح حكومة أو شهوات خسيسة بدل تسبيح الله.. بدل السجود لله.. أيدري هذا ماذا استبدل بماذا؟ أخذ ماذا مقابل ماذا؟ أيدري؟ أيشعر؟ أيحس؟ إن لم يحس اليوم والدواعي تدعوه فسيحس، ولكن الحس بعد ارتفاع الستارة لا يُنجي من العذاب، ولا يرد إلى الصواب، ولا يفيد أصحابه شيئاً في المآب (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) ومن الذي فاز ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) من قال كبير؟ الكبير، فإياك أن تقيسه بأي أجر، وكلُّ ما خطر على بالك فأجرُ الكبير فوق ذلك.. ، عبر عن هذا المعنى فقال: (فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) لأنه هو الذي أخفى، وهو الذي أعد، وهو الذي خبأ لهم هذا النعيم، وأعدَّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار جل جلاله (فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

(أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ) صدق والله ربي، لا يستوون. فكم شكرك على نعمة الإيمان..؟ يا أخي نالك في هذا الحياة أي شيء تحت أي ظرف هذا يناله مثله وأكبر منه فساق وكفار وفجار كثيرين ولهم النار وأنت لك الجنة إذا ثبتَّ على الإيمان، ما تدري أي نعمة أنت فيها، اللهم عرفنا نعمة الإيمان وارزقنا شكرها وزدنا منها.. اللهم عرفنا نعمة الإسلام وارزقنا شكرها وزدنا منها.. يا الله، تثبت في قلوبنا نعمةُ لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهي المكتوبة على كل باب من أبواب الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة. لا إله إلا لله محمدٌ رسول الله عطية يصطفيها لها الله من يشاء ممن أراد سبحانه وتعالى تكريمَه واجتِباه (ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ) (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) لأن المغفرة من الله شأنُها عظيم (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) بالمغفرة تنجو من عذاب الجحيم، بالمغفرة تنجو من العذاب الأليم، بالمغفرة تدخل جنةَ النعيم، بالمغفرة تدرك رضوانَ الله.

وكان يتعجب من الأحوال التي رآها سيدنا الحسن البصري في الصحابة الكرام عليهم رضوان الله الذين وصفهم، قال: ما كان أحدهم يبالي بشيء من هذه الدينا أقبل ولا أدبر، ولهي في نظرهم أهون من التراب تحت أرجلكم عليكم. كم قيمة التراب تحت أرجلكم؟ قال كانت أهون عليهم من هذا، وكانوا وكانوا وكانوا ومع ذلك كله إنما يستغفرون ربهم ويرجعون إليه وإنما ينجون بمغفرته وإنما ينجون برحمته، وهم على هذا الحال الرفيع الذي رباهم عليه الحبيب الشفيع صاحب الجاه الوسيع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، عليهم رضوان الله تعالى. ويصفهم سيدنا علي يقول: في لياليهم يميدون كما تميد الشجر، يراوحون بين أرجلهم من طول القيام (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) كما وصفهم ربنا سبحانه وتعالى.

وأولئك عنوان الشرف الأفخر في هذه الأمة، موصوفون في الكتب المنزلة من السماء ثم في القرآن الكريم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ) قال الله قد تحدثت عنهم وذكرت خبرهم قبل أن أُبرز أجسادَهم في الأرض.. قبل أن أخرجهم على ظهر الأرض أنا تحدثت عنهم ووصفتهم وذكرت أخبارَهم في كتبي وألسن أنبيائي ورسلي. (ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) ينشر الكفار أنواع الخطط ذا وذا، صادقين هؤلاء؟ ترهيب ما يمشي عليهم، ترغيب ما يمشي عليهم، إغراء، إغواء، سياسة وفلوس، لا يمشي عليهم شيء. (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) مَن معهم؟ معهم محمد، سنة محمد، كلما تكلموا عن النبي محمد زادت عظمة النبي محمد في قلوب هؤلاء ونشروا سنته هنا وهنا ويدخل كل يوم في دين محمد مَن لم يكن مِن أهله، صلى الله عليه وسلم. (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مقابل جميع ما يُبذَل في العالم من وعود أمن، واستقرار، ورفاهية، وعيش، ومرتبات، ووظيفة (وَعَدَ اللَّهُ) مقابل هذا كله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)

(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) اللهم اغفر لنا يا خير الغافرين. ساعة تأتي فيها إلى مثل هذا المجلس تتعرض لغفران ربك، ساعة مباركة عليك، ساعة عظيمة، وذا الذي أهملها وتركها ما درى بنفسه ماذا ترك، ما شعر ولا أحس! عسى يحس قبل الموت حتى ينفعه الحس، أما بعد الموت كلٌّ يحس، هؤلاء الزعماء الكفار على ظهر الأرض مَن مات منهم على كفره والله سيتقطَّر حسرة يود أن لو حضر جلسة معنا، يود أن لو حضر لحظة، نعم والله، هذا إنذار الله لهم وإنذار رسوله. (يُرِيْهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) يتحسرون على هذه الخطط التي يخططونها، على هذا الفعل الذي اليوم يتبجحون به، سيتحسرون عليه ويودون لو حضروا ساعة مثل هذه الساعة، ولكن الله أحضرنا فيها بفضله وجوده، فعسى أن نجني ثمرها يوم تقوم الساعة، يوم يُجمع الأولون والآخرون والحكم لواحد هو الحي القيوم، يا رب ارحمنا ذلك اليوم وارزقنا مغفرتك، اللهم اغفر لنا يا خيرَ الغافرين.

(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) أُعدت للذين آمنوا بالله ورسله، أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله، أذقنا كأسها وارزقنا إيناسها واجعلنا في خواص أناسها يا الله،

ل (لا إله إلا الله ) كؤوس إذا شُربت هامت عقول أهلها في جمال الله فتنعموا بذلك الجمال في هذه الحياة، وما خبأ لهم رب الأرض والسماء وخالق الموت والحياة أكبر وأعظم وأهنأ وأصفى وأطيب وألذ وأحلى، اللهم اسقنا كؤوسها يا الله بجاه أشرف شاربٍ وأشرفِ ساقٍ لكؤوسها، خير مَن نطق بها عبدك الزين المصطفى محمد الذي هو سرُّ لا إله إلا الله، وهو حقيقة لا إله إلا الله، وهو معنى لا إله إلا الله، وهو سيد أهل لا إله إلا الله، وهو مقدَّم أهل لا إله إلا الله، وهو نور أهل لا إله إلا الله، وهو شفيع أهل لا إله إلا الله، وهو قدوة أهل لا إله إلا الله..

 فلا إله إلا الله بارزة أنوارها في كل ذرة من شعره، في كل ذرة من لحمه، في كل ذرة من دمه، في كل ذرة من عظمه، في كل ذرة من روحه، في كل ذرة من سرِّه صلى الله عليه وسلم، ومنه سرَت سرايتُها إلى من اصطفاهم الله تبارك وتعالى.

إن الله كتبها وكتب اسمه معها على قوائم العرش قبل أن ينطق بها آدمي، قبل أن ينطق بها إنسان ولا جان، كتب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فخذوا حقائق وتعلقوا بالخالق واتركوا أهل اللقالق وكثرة ما ينشرون بينكم من الكلام السخيف هنا وهناك حتى يغيِّروا أخلاقنا، يغيِّروا صلتَنا بربِّنا، أغلى شيء في الحياة وأعلى شيء في الحياة، اللهم احرس صلتَنا بك حتى لا يتجرأ علينا كافر ولا فاجر ولا شيطان ولا إبليس ولا جنده من الإنس ولا من الجان ولا النفوس ولا الدنيا، اللهم احرس صلتَنا بك، وقوِّها لنا يا الله، ونمِّها لنا، نحيا على لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونموت على لا إله إلا الله  محمد رسول الله، ونحشر أجمعين في موقف القيامة على لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم بأشرفِ مَن قالها وسيد أهلها اسقنا كؤوسها وأذِقنا حلاوتَها وارزقنا التحققَ بحقائقها .. يا الله.

وقد عذُبت الكؤوس التي برزت على يده مباشرة، وإن كانت مِن بعده في التابعين وتابعي التابعين إنما تجيء على يده، ولو كانت بواسطة، وإذا أشرق النور انطفأت الوسائط في الموسوط إليه صلى الله عليه وسلم، كما قال في أمر العطاء: وكلٌّ منهم له فهم أو معنى: إنما الله يعطي وإنما أنا قاسم. فيا معطي بالقاسم أبي القاسم وفِّر حظنا من هذه الغنائم واجعل قسمنا من أوفر القسوم يا حي يا قيوم، من هذا الكأس الذي شرب منه الصديق والفاروق والسابقون الأولون من المهاجرون والأنصار، وشرب منه حارثة الذي أصاب الفردوس الأعلى، وشربت منه بضعته البتول الزهراء، اسقنا من هذا الكأس يا رب الناس فيقوى لنا الأساس ونحظى بالإيناس في هذه الدنيا حتى تأتي ساعةُ لقائك ونحن على خير الأحوال، وذوق السلسبيل الحال، نحب بشغف لقاءك، وأنت تحب لقاءنا.. وأنت تحب لقاءنا..

 يا أحباب ما معنى الكلمة هذه؟ هو يحب لقاءهم.. من هؤلاء؟ هذا كرمه، هذا منُّه، وهو يحب لقائهم.. ما هذا يا أحباب؟ ما هذا يا إخوان؟ ماذا مع أهل الشرق؟ ماذا مع أهل الغرب؟ ما لهؤلاء اللاعبين بالأخلاق والأفكار يضحكون علينا؟ ماذا عندهم؟ والله ما عندهم شيء، ولا عندهم بضاعة، هذا البضاعة الغالية لا فاتت على رجل منا ولا امرأة يا رب، ولا على والد ولا على مولود ولا على صغير ولا على كبير، نعوذ بعزتك أن تفوت أحدًا في ديارنا، نعوذ بعزتك أن تفوت أحدا في جوارنا، يا الله.

يحبون لقاءه وهو يحب لقاءهم، أرواح ملائكة تتعجب في الكلام، تطرب لما تذكر هذه المعاني، هو يحب لقاءهم، من؟ ملكهم وإلههم الذي خضعوا له وسجدوا، يحب لقاء أصناف بشر مثلنا يعيشون على هذا الحال على ظهر الأرض، ومع ذلك رب العرش يحب لقاءهم، ما هذا العطاء؟ ما هذا الفضل؟ ما هذا الإحسان؟ أدركه واطلبه قبل أن يفوتك، تأتيك ساعةُ اللقاء وأنت في حالٍ أرقى مرتبط بالأنقى والأنقى محمد، أصفى صفيٍّ في أصفياء الله، أصفى ما كان في كائنات الله ومخلوقات الله، لا روح أصفى من روحه، ولا جسم أصفى من جسمه، ولا حال أصفى من حاله، ولا قول أصفى من قوله، ولا نية أصفى من نيته، ولا ذات أصفى من ذاته، ولا صفات أصفى من صفاته في البريات كلها، وفي الخلائق كلها..

سيد الرسل قدره معلوم ** أين منه المسيح وأين الكليم؟

 أين نوح وأين إبراهيم ** كلٌّ عن مقامه مفطوم

إنما فوقه العلى العظيم** فـعـلـيـه الـصـلاة والـتسـلـيـم

إذا هو يحب لقاءك تجد روحَ الحبيب قدامك، بلال بدأ يحس بها وهو في السكرات قبل أن تبلغ الروحُ الحلقوم، يقول لزوجته: واطرباه. كُفِّي عن كلامك هذا، لا كرب الآن. بلال يرى الجمال، بلال له اتصال جزيل الخِلال، قالها كفي بل واطرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه. هنيئا لك يا بلال أنت صدحت أشهد أن لا إله إلا الله عذبوك عليها بمكة وبعدين قلتها فوق الكعبة، هذا نعيم أعطاك الله في الدنيا، لكن من تلك الساعة النعيم غير لما انكشفت الستارة وأنت تقول لزوجتك غدا ألقى الأحبة، وجاء الغد ووفى الرحمن ما وعد.. وهنيئا لبلال.

ولقد أتت عليَّ أيام ما لي ولبلال فيها ما يأكله ذو كبد إلا كفاً من شعير يواريه إبطُ بلال. هل حزنت على جوعك يا بلال؟ هل حزنت على تعذيبك في مكة يا بلال؟ حزن أمية بن خلف.. وفي عصرنا لن يحزن مَن شابهَ بلالا، وسيحزن مَن شابه أميةَ بن خلف، وفي كل عصر هكذا الحكم لواحد، والرب واحد، والإله واحد (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيَما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لكن بلال شرب الكأس من يد خير الناس.

 ولما سألوه لما كنت في بطحاء مكة الحارة وحجارها الحارة جلدك يحترق حتى يظهر الودك منك.. شحمك يظهر.. ما كنت تشعر بحرارة الألم!؟ قال: خلطتها بحلاوة الإيمان فزادت حلاوة الإيمان على ألم التعذيب. هو شرب من الكأس وكان يتذوق الكأس وهو تحت التعذيب، يشددون عليه العذاب يقول: أحد أحد.. ماذا تعني: أحد أحد؟ هذا الكأس الذي شرب منه.. يقول أحد أحد، يتذوق هذا الكأس الذي شربه، يغني بلال تحت السياط أحد أحد ، وسيحوز الفوز والسعادة كلُّ من شابهَ بلال وكل من مشى على طريق بلال عليه رضوان الله تبارك وتعالى. وكلهم بُلُّوا ببَلَال من باهي الجمال، ومِن ذوق هذا الكأس جاءكم ما جاء في سِيرهم مِن صبرِهم، مِن تحمُّلهم، من صدقِهم، من أدبِهم، من إيثارهم للرحمن على ما سواه، فآثرهم سبحانه وتعالى على من سواهم، حشرنا الله في زمرتهم، رزقنا اللهُ متابعتهم.

يارب بارك لنا في مجامع نتعرض فيها لمغفرتك وأنت دلَلتَنا عليها بواسطة حبيبك، بَيَّن ووضَّح وقال: "لا يقعد قوم يذكرون الله إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" صدق رسولك فوفِّر حظنا، صدق رسولك فأجزل أقسامنا يا الله، إنما لبيناك إجابة للنداء الذي وصلنا عنك على يده فجئنا يا رب (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) يا الله لنا بمغفرة واسعة، اللهم مغفرتُك أوسع من ذنوبنا ورحمتُك أرجى عندنا مِن أعمالنا، وبمغفرتك الواسعة هذه الذبذبات من شرِّ الميل إلى المعاصي في قلوب بعض الحاضرين زحزحها يا رب، أبعدها يا رب، بسر مغفرتك حتى يكره المعصية وحتى تأنف نفوسهم من المعصية وحتى تكون المعصية أشدَّ عليهم مِن رميٍ في النار، يا الله ، ونعيش في الطاعة باقي الأعمار.. نعيش في الطاعة باقي الأعمار، وتأتي ساعة اللقاء وقد سطعت الأنوار، وتمَّت الصلةُ الخاصة بالمختار، فنموت على حال نحن نحب لقاءك وأنت تحب لقاءنا يا الله، واسقِ بهذا الكأس مَن في ديارنا، واسق بهذا الكأس من يسمعنا، واسق بهذا الكأس مَن يوالينا فيك، ووفر حظَّ أهل زماننا من الشرب من هذا الكأس الكريم يا كريم يا عظيم يا رحيم يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله.. هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا أصرف وأدفع لبكاء القيامة من البكاء الخالص لله في الدنيا، ولا أبعد للإنسان عن صياح القيامة مِن صياحه لله في هذه الدنيا.

 قال الحبيب علي الحبشي رحمه الله: خرجت للمسجد فإذا بشايب يبكي، هل أصابك شي؟ قال: لا، ولدي أصابه مرض جاء يبكي عندي، فخرجت أنا أبكي لربي. قال له: أصبت، عرفت الطريق.. اذهب تجد ولدك بخير. انتهت المسألة.. قال جاء يصيح عندي أنا جئت أصيح لربي جل جلاله، ونحن نصيح لهذا الإله لا يحرم أحدا منا، لا يُبعد أحد منا، لا يطرد أحد منا، ومَن يسمعنا ومَن يوالينا، نستكرمك يا كريم، نسترحمك يا رحيم، نستعطفك يا عطوف، نستلطفك يا لطيف، نستزيدك من خيرك يا جواد يا بر يا محسن يا منان يا الله يا الله يا الله.. وقفنا ببابك ولُذنا بأعتابك وتوجَّهنا بسيد أحبابك وجميع أهل حضرة اقترابك جنده وأهل حضرته فصلِّ عليه وعليهم وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة

تاريخ النشر الهجري

20 ربيع الثاني 1437

تاريخ النشر الميلادي

29 يناير 2016

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية