(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة للحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 3 محرم 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: شرف الاستجابة لنداء الله والتحرر عن إجابة أصناف النداءات السفلية.
الحمد لله الحي القيومِ مالك الملك، الذي أشرقت أنوارُه في إرساله للرسل الذين ختمَهم بسيدهم المصطفى محمد، نسأله جل جلاله أن يصليَ ويسلِّم عليه وعليهم أجمعين في كل وقت وحال وحين، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم.
فإن هذا الفريق الذي ذكرناهم هم مرادُ الله من هذه الخلائق، وهم مرادُ الله من هذا الجنس المكلَّف من الإنس والجنّ، وهم الذين خلق لهم الجنةَ وأعدَّ لهم فيها النعيمَ المقيم، وأعدّ لهم فيها البقاء إلى ما لا نهاية تحت جوارِه وجوار ذلك الحبيب الكريم، والعطاء العظيم، الذي لا يُحدّ ولا يوصف، وحقيقته عبَّر عنها الحيُّ القيّوم فقال (فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
ومَن سواهم مِن كلِّ مَن بلغته هذه الرسالة، فتأبَّى على رسالة الله، ودعوة الله، ولبّى دعوةَ هواه ونفسه والشياطين من شياطين الإنس والجن على ظهر هذه الأرض، ما أرادهم ربي، فمن لهم؟ لن تغني عنهم قصور، لن تغني لهم حضارات، لن تنفعهم مظاهر على ظهر الأرض، لن تنفعهم سياسات، لن تنفعهم صناعات، لن تنفعهم طائرات، لن تنفعهم تكنولوجيا.. حطب جهنم هم! محل غضب الجبار هم، تعبَّدَنا ربُّنا على ظهر الأرض أن نبسطَ اليد لدعوتهم إليه لإنقاذهم، فمن سبقت لهم السعادة دخل في الصنف الأول، ومن سبقت عليه الشقاوة فمن لهم؟ فكيف يُغبطون؟ فكيف يُعظَّمون؟ فكيف يُقتدى بهم؟ فكيف يُجعلون سادة أو قادة لصغير أو كبير؟ هذا الخلل، هذا الزلل، هذا الخبل، هذا نسيانُ الله عز وجل، هذا نسيان الحبيب الأجلّ..
فانتبهوا يا من أُكرمتم بتلبية الدعوة الإلهية الربّانية الرحمانية، الواصلة على أيدي أهل النبوَّة والرسالة، أهل لمقامات الشريفة السنيّة، ثمّ كُرِّمتم على الخصوص بان كان وصولُها إليكم على يد أكرمِهم وأشرفِهم، وأرفعهم وأعظمهم وأجلِّهم محمد
رشفة من ذكر أعظمهم، ونسمة من نشر أعطرهم
وقد أتانا خاتمُ الرسالة ** بكلّ ما جاؤوا به مِن حالة
فعَمَّ كلَّ الخلق بالدلالة ** وأشرقت مناهجُ الكمالِ
مناهج الكمال في أوامره ونواهيه، في سنته في شريعته، هذه مناهج الكمال، لا في قوانين شرق ولا في قوانين غرب، لا والله، ما عندهم مناهج كمال، عندهم مناهج ضلال، عندهم مناهج زيغ، عندهم مناهج وليدة فكر بشري كثير الخطأ، مناهج الكمال في سُنة محمد
فكلّه فضلاً أتى ورحمة** وكلّه حكمُ هدىً وحكمة
وهو إمام كل ذي مهمّة ** وقدوة في سائر الخصال
وهو بحقّ الشّكر ما أولاه ** إذ قام حتّى ورمت رجلاه
ونحن الفداء لرجليه الكريمتين..
وواصل الصّوم وقد أولاه ** مولاه مولى الفضل والإفضال
وأسوة لمعسرٍ مسكين ** إذ صحّ لم يشبع ولا يومين
وقد أبى جبالَها مِن عين زهداً ** ومن جوع طوى ليالي
وأسوة المكروب في اصطبار** في كل ما لاقى من الكفّار
حتى رُمي بالفرث والأحجار ** وما دعا إلا على رجال
وما مضى حتى أقام الدينا ** وصار سهلاً واضحاً مبينا
فلم تخَف أمتُه فتونا ** بل عُصموا في الجمع عن ضلال
أيا مَن أُكرم بالتصديق بحبيب الرحمن وصفوته من البريّة، صاحب مناهج الكمال انتهض للمناهج الكماليّة لتكمُل في عينك وتكمُل في سمعك، وتكمل في لسانك وتكمُل في أعضائك، وتكمل في قلبك وتكمل في روحك، وتكمل في سرِّك، وتسعد في حياتك، وتسعد عند وفاتك، وتسعد في برزخك، وتسعد يوم حشرك، وتسعد بدخولِ الجنة، مع سيِّد أهل الفِطنة، محمدٍ العصمة من كل فتنِة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وإياك أن تستبدلَ الذي هو أدنى بالذي هو خير، واستقبل الأعوام، بالإجلال والإكرام والإعظام لربِّ الأنام، ولخير أنامِه محمد عليه الصلاة والسلام، مَن جعله الله للنبوّة والرسالة خيرَ ختام، (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) اللهم اجعلنا في خواصِّهم، واجعلنا في خيرِهم، واجعلنا منهم ومعهم حقيقة ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا)، بشارةٌ ممن؟ حملها مَن؟ نشرها الله أين؟ في أي منشور؟ في أي مزبور؟ في أي كتاب؟ في أي صحيفة؟ في أي مجلة؟ في أي جريدة؟ في أي وثيقة؟ في كتابه العزيز، حملها نبيُّه المصطفى، وهي منهُ تبارك وتعالى، ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا).
بكتابك وسيد أحبابك أقسمنا عليك أن تجعلنا والحاضرين والسامعين ممَّن أردتَهم وقصدتَهم في هذه الآية، يا الله، ثمّ إنا نعلم أن لك مُرادات في مَن أردتَ، مختلفة المساوي والمراتب، وأيدي أهل الضعف والفقر والمسكنة ممدودة إليك أن تجعلنا في خيارهم يا الله، وأن ترقِّينا مراقيَ في تلك المراقي الشريفة مع خواصِّهم يا الله، فنحوز من شرفِ هذه البشارة، ما ندرك به أعلى مراتب السعادات ظاهراً وباطناً أبداً سرمداً بلا غاية ولا حدٍّ ولا نهاية.. يا الله.
وإذ أدخلكم في دائرة المستجيبين لهذه الدعوة قدرتم أن تسألوه هذا السؤال، ثم وفَّقنا وإياكم له، في جمعٍ ضمَّ مِن أهل الظاهر والباطن وأهل السماء والأرض صفوةً اصطفاهم، وخيرةً اختارهم، وعدداً جمّاً عيَّنهم جل جلاله، في مجلى من مجالي إرادته في كريم التجلّي على أهل أرضه، بما يُعقد فيها له، ومِن أجله وباسمِه، وعلى أمرِه وتنزيلِه، في صفِّ حبيبِه المصطفى، من مجالس فيها يُسترحَم فيرحم، ويُستكرَم فيُكرِم، ويُدعى فيُنعِم، إنه المجيب القريب الله، شرفكم معرفة الله، وعزّكم معرفة الله، والكرامة لكم معرفة الله، والمرسول إليكم من الله، أعرف الخلق بالله محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
دعانا إلى حقٍ بحقٍ منزّل ** عليه من الرحمن أفضل دعوة
أجبنا قبلنا مُذعنين لأمره ** سمعنا أطَعنا عن هدىً وبصيرةِ
فياربّ ثبِّتنا على الحق والهدى** ويارب اقبضنا على خيرِ ملَّةِ
يا الله.. تجيب هذه الأرواح من الحاضرين والسامعين إجابةً صادقة لدعوتك العليّة الفائقة، ونسمع ونطيع، عن هدى وبصيرة يا قريب يا سميع، حتى ندخل حصنَك المنيع، لا تستهوينا الأهواء، ولا الأنفس ولا شياطين الإنس والجنّ، ولا ما يدور مما جعلته فتنة على ظهر هذه الأرض، تفتنُ بها ذا وذا وذاك، ممن لم ترعَهم عينُ عنايتك، فنسألك حراستَك لنا، وحفظَك لنا ولمن في ديارنا، عقول آتيتهم إياها احفظها يارب، واحرسها يارب، وقلوب أعطيتهم إياها لا تكدِّرها ولا توسِّخها بالالتفات إلى مَن عداك، والاستجابة إلى أعدائك، واجعل إجابتَهم لك في تلبية داعي حبيبِك الداعي إليك بأمرِك، الداعي إليك بإذنِك محمد صلى الله عليه وسلم، وثبّت كلاً منا ومنهم على ذلك، حتى نلقاك، وأنت راضٍ عنا، فلا ينادي أحدٌ منا إذا احتملت جنازته إلا "قدموني، قدموني، إلى جنة ورضوان، وربٍّ غير غضبان".
أحبابَنا الذين آمنوا بالحق والهدى: هذا النداء ماذا يساويه؟ شهادة بكالوريوس أو دكتوراة؟ ماذا يساوي؟ وزارة خارجية أو داخلية أو نفط أو وزارة الألعاب الرياضة، أو أي وزارة؟ أي شيء يساوي هذا النداء؟ أو رئاسة من رئاسات الدنيا، قدموني قدموني.. هذه الشهادة، هذه الوظيفة، هذه المكانة، هذه الدرجة، ليس عندهم شيءٌ يساويها، ومن لم يحصِّلها منهم فويلٌ له، في أي اسم كان أو في أي مسمى له، قلب وروح تتعلق بالملأ الأعلى صرفها للتعلق بشيء من ذي المظاهر ثم خسرها أيضاً وخرج من الدنيا، وإذا بالنداء يختلف.. خلفوني خلفوني، ولن يُخلّف، ما من رئيس يموت كافر ولا وزير يموت كافر، ولا مسؤول أكبر شركة في العالم يموت كافر إلا قال خلفوني خلفوني، يا ويلها إلى أين تذهبون بها؟ إلى سوء مصيرك الذي تهيأتَ له بتكبُّرك، بغُرورك، بإبائك تلبية دعوة الحق على لسان رسوله، من خلقك حتى تستجيب له؟ هل نسيت الذي خلقك!؟ ونسيت إنه أرسل إليك!؟ وعشت مفتخراً بشركتك؟ فقل لأهل الشركة ينجونك إذاً.. ما بيدهم شيء! أنت وإياهم تحت قهرِ القهّار، وجبروت الجبّار، فَمن ينقذك إذاً من عذاب النار، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) فمن له النصرة؟ (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ*يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار) أعاذنا الله من ذلك
فياربِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويارب اقبِضنا على خيرِ ملةِ
لبّوا دعوةَ الله التي حملها حبيبُ الله، وصفوةُ الله، وخيرةُ الله، وبه عرفنا قدرَ الأعوام والليالي والأيام، وبه عرفنا قدرَ الأنبياء الكرام، ولولا محمد المحمود ما ذكرنا صالحاً ولا النبيَّ هود، ولا إدريس ولا موسى ولا إبراهيم، لكن نُشِرت أخبارُهم وأعلامُهم وراياتُهم على لسانه المبارك على قدره الفخيم، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)، وجاء بالدعوة لقومه، وما أفلح إلا مَن استجاب له، فما أفاد الملكُ النمرود، يا نمرود أبيتَ أن تجيب إبراهيم، فما أفاد مُلكُك، عندنا ملوكٌ يقتدون بك، فيا ليت أن يسمعوا حقيقةً مِن جوابك تجيبُهم بأنك خسئتَ وخسرتَ بمقاطعتك لإبراهيم وأردتَ به كيدا فجُعِلت الأسفل، ثم سُلّطت عليك حشرةٌ من حشرات مملكة الله، صغيرة، حقيرة، فما قرَّ لك قرار حتى متّ، يا ليت ملوك الأرض يسمعون جوابك، لكنّه ربي قد حدثنا وأصدقُ القول قولُ ربي (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، فظنَّ ظناً، وهو الذي يلعب ويعشعش اليوم على عقول الموجودين من الغافلين على ظهر الأرض كافرهم ومسلمهم، هذا الظنّ يعشعش عليهم، (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، هم يقولون كذا، كذب وكذبوا، كذب من قديم وكذبوا حديثاً، لستم أنتم الذين تُحيون ولا أنتم الذين تُميتون، وما عندكم من أسباب وأسلحة الدمار الشامل، مقهورة بقهرِه، ومُسيَّرة بأمرِه، وسيُميتُكم أنتم، فالمُحيي والمُميت غيرُكم، لا أنتم لكن هذا ظنّ النمرود، (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وبرهن على ذلك بسيفِه المادي، فأقام اثنين، وقتل هذا وترك الآخر.. قال: أحييتُ هذا وأمتُّ هذا..!!
فلما رأى بلاهتَه انتقل إلى مشهدٍ أوضح وأجلى (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ )، يا أهل التكنولوجيا، يا أهل التقدم، يا أهل العظمة! اقلبوا دورةَ الكرةِ الأرضية يوما واحدا، لكي نعرف أنكم صدق أقوياء، تريدونا ننسى اللهَ ورسولَه ونتبعكم!؟ اقلبوا الأرضَ هذه يوماً واحداً واجعلوها تطلع من المغرب.. ألستم متقدمين،، متطورين! هاتوا وكالة ناسا معكم، يكتشفون في فضاء الله عجائب.. ازدادوا إيماناً بهذا الإله..
يقولون: الآن اكتشفنا كوكبا يشبه الأرض، وماذا بعد؟ ماذا عملتم على ظهر الأرض!؟ أبعِدوا الفسادَ مِن على ظهر الأرض خيرٌ لكم، وأين الكوكب الذي على ظهر الأرض!؟ 140 سنة ضوئية بينكم وبينه، لو أحد سيرحل منكم سيموت هو وأولاده وأولاد أولاده ولن يصل.. وهل توجد فائدة من هذا الاكتشاف؟ إن عرفتُم عظمةَ الذي خلق ذا الكوكب، وأنه لا شبيه له والكواكب تتشابه فيا حبذا ..هذه الفائتة، ومنفعتها خالدة، وأما مع الكفر ومع السوء فماذا تعملون بها؟ الأرض ملآنة فساد، الأرض فلا تحتاج كوكب ثاني يشبهها أو ما يشبهها، وله فوقها شمس تشبه هذه الشمس، ويدور في فلكها، (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، ومن لم يعرف أنه الحقُّ فويلٌ له وله المَحق والخسران والعياذ بالله تبارك وتعالى.. فحمداً لربٍ خصَّنا بمحمد
يارب في القيامة اجعلنا في صفِّه، في سعفِه، وراءه يا رب، لا نريد أن نكون مع صغير ولا كبير ممن سواه ولا ممن خرج عن دائرته، في كفلِه ومعه.. يا الله، (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) حقِّقنا بحقائق الإيمان، (فَآمَنَّا)، وأدخِلنا في دائرة الذين قلتَ له عنهم ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا)
فضل كبير أن تستقيم وتثبت على ذا الطريقة وتموت عليها، وأبشِر بالفضل الكبير، فضل كبير سمَّاه الكبير كبيرا.. انتبه فإنه ليس مجرد قصور ولا مجرد أشجار، أمورٌ تفوق الوصفَ والخيالَ، وفوقها: ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا) (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)، اللهم اجعلنا مِن أهل ذلك الخلد، اللهم أدخِلنا في دوائرِ أهلِه، مع خواصِّهم برحمتِك يا أرحم الراحمين، الظافرين بودِّ طه ووصلِه.
بذلك عرفنا قيمَ الأيام والليالي وقِيمَ الأنبياء مِن بعدِهم وقمنا تحت دولة محمد ومسلك محمد، نرتب أنفسَنا لنستقيم، لنتخلَّص من الصفات الذميمة، لنتحلَّى بما يحبه الله منا، لننال التقوى من القلوب إلى جوارحنا كلها، لننفِّذ منهجَ الله لنلقاه وهو راضٍ عنا، وليستشعر مَن وُفِّق لحضور مثل هذه الزيارة في الشعب الكريم عبوديتَه، وعبديَّته للحق، وإرادته وجهه الكريم، ونيابته عن أمة الحبيب العظيم، ولجوءه إليه، في وقت التجأت القلوب إلى ما سواه، وأرادت تفريجَ كربة أو كشفَ ضر ممن عداه وليس في يدِ مَن عداه شيءٌ من الأمر! فنتوجه إليه، وننطرح بين يديه، ونسأله الفكاكَ والفرجَ لأهل الإسلام، وأهل الإيمان، وإيقاظ قلوبهم، ورفع سلطة أعدائهم عنهم، وجمعهم بعد الشتات.
اللهم اجعل العام مباركا علينا، وعلى أهل الملة، وادفع عنا كل أذية وبليّة وذلّة، سِر بنا مسارَ مَن اصطفيتَ وارتضيتَ مِن الصادقين معك أهل النفوس المطمئنة، الراضية المرضية الكاملة يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، وقد مددنا إليك أيادينا، وأنت أعلمُ بظواهرنا وخوافينا، فلا تدع في بواطننا شيئاً لا تحبُّه، وزيِّنّا بما تحب كما تحب على ما تحب، حتى تجعلَنا في من تحب، ولك بفضلك يحب، وتُلحِقنا بقومٍ هم الدواء إذا انتشرت الردة والمخالفات..
(مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، اللهم اجعلنا منهم، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، يقولون هذا منهجُنا.. ويقولون لهم ساقط، يقولون هذا مسلكنا.. يقولون لهم ضال زائغ، (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، يقولون هذه طريقتنا.. يقولون إلى البوار والنار ما نحبها، يقولون هذه خططُنا.. يقولون لكم وراجعة عليكم، بيتي مطهَّرٌ منها لا تمشي وسط داري ولا وسط أسرتي، (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ)، يا متفضّل تفضّل، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون* وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُون).
يا مَن هم بين يدي الله، في محضرٍ إليه فيه إليه التوجه تعالى في علاه، على سُنة مصطفاه، اسألوا الله، واطلبوا الله، وادعوا الله، وارجوا الله، واستغفروا الله، واسترحموا الله، واستكرموا الله، وتوجهوا إلى الله، متذلِّلين لله، خاضعين لله، عسى أن ينظر إلينا وإليكم، ويُقبل بوجهه الكريم علينا وعليكم، اللهم اجعلها ساعة إمداد، وفوز وإسعاد، وعطاء ماله مِن تعداد، وجود منك يا جواد، يا الله.. اجعلها ليالي قبول، ووصل منك ومن سيدنا الرسول، ونيل للسول والمأمول، على بابك وقفنا، بفنائك أنخنا ركائب عزمنا ورجائنا، رجوناك وحدك، أملناك وحدك، سألناك وحدك، دعوناك وحدك، والأمر بيدك وحدك، فأغثنا يا مَن أكرمتَنا بالإيمان والتوحيد، والرابطة بالحبيب المجيد، لا تفرِّق بين أحد منا وبينه، في الدنيا ولا في البرزخ، ولا يوم الوعد والوعيد، حتى تجمعنا به في أعلى الدرجات في الجنة، وأنت راضٍ عنا اللهم من غير سابقةِ عذاب، ولا عتابٍ ولا فتنةٍ ولا حساب، فإنا نشهدك أننا ضعافٌ لا نطيقُ عذابك، ولا نقدر على سخطك وغضبك، ولا نقدر على عقابك، اللهم فاصرف العذابَ عنا، وعامِلنا بما أنت أهله في الحسّ والمعنى.. يا الله.
واقبل حجاجَ بيتك وزائري نبيك، وأهلَ أعمال الخير مِن أمته في المشرق والمغرب بقبولٍ حسن يا الله، ومن قضيتَ عليهم بانقضاء نحبهم في أيام الحج فاغفر لهم مغفرة واسعة، وارفعهم درجاتٍ رافعة، واجعل اللهم مِن وفادتهم ونُزلهم عندك فرجاً للمسلمين، صلاحاً للمسلمين، غياثاً للمسلمين، جمعاً للمسلمين، دفعاً للبلاء عن المسلمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، وقرة عينٍ لعبدك الأمين، سيد المرسلين، برحمتك يا أرحم الراحمين..
صل وسلم في كل نفس وحال وحين عليه وعلى أنبيائك آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى ومَن بينهم من النبيين والمرسلين وعلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ومنكر ونكير ورقيب وعتيد ومالك ورضوان وحملة العرش وأهل سدرة المنتهى وأهل البيت المعمور والكروبيين وجميع الملائكة المقربين وعلى آل الأنبياء بعد آل سيد الأنبياء وأصحاب الأنبياء بعد أصحاب سيد الأنبياء وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين..
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
02 مُحرَّم 1437