(233)
(536)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إفاضة فضله في تواتِر، وعلى إغداق نعمِه في الباطن والظاهر؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جمعنا نتوجه إليه ونُقبل عليه حتى نسعد بإقباله علينا تعالى في علاه، فنسعد يوم الوقوف بين يديه، ونشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، مأمون الله الأكبر على أسرار وحيِه وبلاغه، وربطِ عباده به، وتخصيص النوع الإنساني بالمزايا من الفيض الرحماني، والجود الامتناني الصمداني، فجَرَت على يده القسمة، بعد أن فاضت من الله الرحمة، وهو القائل (إن الله يعطي وإنما أنا قاسم) فصلِّ يارب على القاسم أبي القاسم، جامع جميع المكارم وعلى آله وصحبه، ومن سار في دربه، واستنشق طيّب تلك النسائم واجعلنا من أهل الأرواح التي تستنشق ذاك النسيم، وتثبت على الصراط المستقيم، وتتصل بهذا الهادي الكريم إلى الرب الكريم صلوات ربي وسلامه عليه.
وقد ذُكّرتم بآثار الانتهاج بمنهاجه والاستضاءة بنور سراجه، وما يخرج به المؤمنون من هذه المدرسة النبوية العظيمة، مدرسة رمضان وما يصحبهم من آثار، في السر وفي الإجهار يستقيمون بها على طلب مرضاة الكريم الغفار جل جلاله، يتنقّون بها عن أن يقودهم في المسار، أحدٌ من الكفار أو الفجار، ويعلمون مَنْ القدوة التي اختارها لهم إلههم، إنه النبي المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، فبه يقتدون، وبهديه يهتدون وجعلنا الله واياكم من الثابتين على ذلك، السالكين أشرف المسالك، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين جل جلاله وتعالى في علاه.
فنأخذ الحرص على الأعمار التي ما أسرع ما تنقضي، وما أسرع ما تنتهي، وما أسرع ما تتلاحق، وما أسرع ما تمر بالناس على ظهر هذه الأرض، وخبرها كبير بعد ذلك، وليس يتحسر أهل الجنة في الجنة على شيء إلا على ساعة مرَّت بهم لم يذكروا اللهَ فيها.
وذِكْر الله سبحانه وتعالى إذا تمَّ من قلب المؤمن المعظِّم جل جلاله، كان له من الله ذكرٌ بالرحمة والإحسان (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وكلما كان أعظم انكسار قلب وكلما كان أصفى مع الرب في باطنه، وكلما كان أعظم تواضع، وكلما كان أحسن إنابة إلى الحق جل جلاله، كان نتيجة الذكر أعظم وأكبر وأقوى وأرفع، وكلما ارتبط بأرواح الحاضرين مع الله، وقلوب أهل الله جل جلاله، والسَّند الكريم إلى المصطفى العظيم صلى الله عليه وسلم، كانت النتائج أوسع والعطايا أثمن وأرفع، لذلك نُدبنا إلى الاجتماع على ذكر الله جل جلاله، وكلٌّ منا يستطيع أن يذكر اللهَ في خلوته، وأن يذكر اللهَ في سرِّه، لكن قال سيد الكل وإمام الكل صلى الله عليه وسلم (لأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله) تعرف لأن أقعد؟ (لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل، ولأن أجلس مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب ) هكذا قال سيد الأحباب. ورب الأرباب يقول له (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) وفي هذا إثبات تساقي الأرواح عند وِجهتها إلى الفتاح، إذا ذكرتْه ذكر الصدق معه سبحانه وتعالى، وذكر المعّظمين له جل جلاله، وشاهد ذلك في الحديث الصحيح (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، يقول الله تعالى (وله قد غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فالله يكسونا بكسوة هذه المجالس، مجالس الذكر التي فيها العطايا النفائس، من حضرة القدّوس جل جلاله، يقدّس بها ويطهّر من شاء، وفي هذا إثبات عظيم الأثر لمن يجالس ولمن يجانس، (والمرء من جليسه)، (والمرء على دين خليله) حتى تنتهي إلى المعاني العالية، بمثل قول الحق في حديثه القدسي (أنا جليس من ذكرني)
والذين يعظم عندهم ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بالمحبة والشوق إليه والتعظيم له، يكون رسول الله جليسهم، فإذا انتهوا إلى ذلك فذكروا الله جل جلاله بكمال التبعية لسيد أهل حضرة الله وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان الله جليسهم ( والمرء من جليسه)، فجلساؤهم الحق ورسوله والملائكة المقربون وأهل حضرة الله جل جلاله، فيكتسبون اتضاح الحقائق ويكتسبون الثبات على ما هو أحبّ إلى الخالق جل جلاله وتعالى في علاه، وتنهال عليهم الفوائد وتجتمع لهم المحامد.
وأما من انفتحت آذانهم وأبصارهم على مجالسات الغافلين، والفاسقين، والمارقين، والبعيدين، والمحجوبين، والمقطوعين بالمباشرة وعبر الصور وعبر المجلات وعبر النت، فما الذي يحدث في قلوبهم؟ ما الذي يحدث في ساحات أفئدتهم، وهي غالية لو عرفوا مكانها ولو عرفوا منزلتها، سخّروا الساحات هذه الغالية للبضاعة الساقطة الخبيثة القذرة، قذَّروا بها ساحات قلوبهم بظلمات، بانقطاعات، بتعويقات، بالتباس الأمر، حتى لا تتبين لهم الحقيقة، وفي هذا سمعنا ما كان يقول النبي داوود ( إلهي إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى غيرهم فاكسر رجلي دونهم حتى لا أتجاوزهم إلى من سواهم)
فهكذا، عرفت أسرار المجالسة وما انتشر في عهد النبي، وما استمسك به الصالحون من بعده، في أقطار الأرض، من عقدِ مجالس الذكر والحضور فيها والتذكير فيها وأصبحوا ينادون: "
مجالس التذكير عديمة النظير*** فيها من التنوير، للسر والضمير
ما ليس في كثير من طاعة القدير...
يا تاركا للمجالس ليس هذا حسن *** مجالس الخير ما تُترك وفيها المنن"
وهكذا قامت هذه القائمة بين صالحي عباد الله سبحانه وتعالى، فتأثروا في مسارهم، وتأثروا في أفكارهم، بأنوار ذكر الله جل جلاله، وأنوار ذكره لهم بما هو أهله سبحانه وتعالى، ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) فالله يجعل لنا نصيباً من سر هذا الذكر القائم على كمال التبعية لسيد أهل حضرة الله، النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
وقد قال مبينا لتلك المنزلة والمزيّة والأثر، وقد جالس من جالس من الخِيَر من صحابته الذين في مظهر الكثير منهم الفقر، في مظهر الكثير منهم المسكنة، في مظهر الكثير منهم لباسٌ ظاهري على الأجساد تُحتقر، جلس بينهم وقال ( الحمد لله الذي أراني في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم) (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فرح بمنّة الله، أنّ في الأمة من تكون مجالستهم سببا للجمعية على الله، وسببا للقرب من الله تعالى، حتى نُودي سيد أهل الحضرة وقيل مع هذا الصنف فاجلس، ومع هؤلاء القوم، ليفيض عطاؤنا عليهم بك فاجلس معهم، فكانت تلك المزيّة لهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، بهذا الأمر الربّاني وهذا الحضور للمصطفى العدناني صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
ولم تزل مجالس الذكر والتذكير تسوق إلى طهارة الضمير، والحضور مع العلي الكبير، وتنقّي عن الغش الضمير، والفؤاد، ليصدق مع رب العباد جل جلاله، ويخرج عن هواه، والهوى أشد الحطب الذي يوقد به المحرشون نار التحريش بين المؤمنين، ما يجدون حطب لهذه النار مثل الهوى، فإذا جاء الهوى وجاءت العصبية، وجاء اتباع النفس، وجاء التجري على الله وعلى منهج الله جل جلاله، من اتخذ مسلك أو اتخذ مذهب أو اتخذ حزب، قال الله ودينه ورسوله وهذا أنا وحزبي! أنا ومذهبي!
يا قليل الأدب مع الله، ما هذه منزلة الرحمن ولا هذه منزلة القرآن ولا هذه السُّنّة ولا هذه منزلة الدين العظيم الكريم الكبير!
كان خيار الأمة يُقدَّم إلى أحدهم السؤال، فإذا سُئل ما حُكم الله؟ ما حكم دين الله؟ يقول له قل لي ما قول العلماء، قل لي ما قولك الذي توصلت إليه من الفهم عن الله وعن رسوله، لا تقل لي ما حكم الله وحكم رسوله، كأنّي أنا المحيط بها أو المطّلع! يحترز كان! يحترز، ونجد في ما يتلفظ به الأئمة الكبار مثل الأئمة الأربعة، يقول "أكره كذا، أكره كذا"، ينسبه إلى نفسه، قال هذا ما فهمته من دين ربي، ما أقول لكم ذا هو عين دين ربي، ولا كل دين ربي! هؤلاء عرفوا الله، هؤلاء عرفوا محمد بن عبدالله، فعرفوا أنه ما يمكن يحصره فكر أحد منهم ولا عقل أحد ولا علم أحد ولا كيس أحد، يحطون الحق ورسوله في أكياسهم؟ يضعون دين الله تبارك وتعالى في أكياسهم؟ ويجعلوا خلق الله كلهم تبع؟ هذا جهل بالدين! هذه استهانة بالأمر العظيم الكبير الجليل، الذي يجب أن تخضع له الرقاب، وتنقاد له الأعناق، من الصغير ومن الكبير؛ من عرف عظمة الدين عرف كيف يتكلم، وعرف كيف ينطق، ولهذا النبي صلى الله وسلم عليه وعلى آله أنكر في الأمة صور علم ومظاهر علم بلا نور ولا حقيقة.
وقال كما يحدث عنه سيدنا علي بن أبي طالب، وقال: يجلسون حِلَقاً يباهي بعضهم بعضا، حتى أن الرجل منهم ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعَ أولئك، لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله، ما تصعد إلى الله .. إذن إلى أين تذهب؟ عند القائد حقهم! إبليس ويخطط لهم ويقول لهم أنتم العباد وأنتم العلماء وأنتم حملة الدين وأنتم خيار الأمة، واضربوا وطلعوا ونزلوا وقتلوا وسبوا واشتموا والعبوا بدين الله، ما تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله، إنما يصعد إليه الكلم الطيب، ولا يصدر الكلم الطيب إلا عن قلوب طابت بأدبها طابت بخضوعها طابت بخشوعها. وهكذا.
يتولى المتولي أول خليفة في الأمة، أبوبكر الصديق، من صاحبَ النبي مثله؟ من جالسَ النبي مثله؟ من استفاد عن النبي صلى الله عليه وسلم مصله؟ مع ذلك كله يقول "إن رأيتموني استقمت فأعينوني، وإن رأيتموني اعوججت فقوموني"، ما قال قد أنا الخليفة والذي بايعونا.. وأنتم باختياركم بايعتوني اسمعوا وأنصتوا.. قال إن استقمت أعينوني وان اعوججت قوموني.. ويصيح واحد من الأعراب وهو حاضر معهم في المجلس يقول "والله لئن رأيناك اعوججت لنقومنَّك بالسيوف"، وقبل أبوبكر الكلمة منه، ولا قال شي، حد يفهم الدين بهذا المعنى؟ حد يعرف الإسلام بهذه الصورة؟ هذا الرعيل الأول، رضي الله تبارك وتعالى عنهم وأرضاهم، ومضوا على ذلك.
وصاح الخليفة من بعده سيدنا عمر "أصابت امرأة وأخطأ عمر" كلام المرأة هو الصواب، الآن هذا النص الذي ذكرته من القرآن يؤيد ما قالت، رجعتُ عن قراري وتنازلتُ. هكذا فهموا الإسلام، هكذا فهموا الدين، وهؤلاء الخلفاء الراشدين ما وضع أحد منهم الإسلام في جيبه، بل رأى نفسه تابعا منقادا للإسلام "تعال يا أخي حدثني عما رأيت مما بلغك عني مما تكره"، ماذا في من المعايب والخلل في إسلامي وديني ماذا بلغك؟ قال "اعفني يا أمير المؤمنين"، قال "لا، قل لي" قال"سمعت أنك لبست حلتين في يوم واحد، وجمعت بين إدامين في مائدة واحدة"، قال "فهل غيرهما؟"، قال "لا"، قال "أما هذان فقد كفيتَهما" عمر يصلح ذا الخلل من ذا اليوم لا عاد يجمع بين إدامين ولا يلبس في يوم واحد حلتين رضي الله عنهم.
وبمن نقتدي إن لم نقتدِ بهم مع أن القدوة بهم كما في جاءت في السُّنّة جاءت في الكتاب، يقول سبحانه وتعالى ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم) أمرنا بالقدوة بهم وما حد منهم قال أنا عرفت الدين كله! ولا أحد منهم قال عرفت الإسلام كله! عرف هذا السر، كله لما جالس سيدنا علي وجماعة من الصحابة، جلس مع حدود سبعين من أهل بدر، سيدنا الحسن البصري رضي الله عنه، أدرك هذا السر فأنكر حال الناس وهم في ذاك الوقت والزمان، قال "أرى أحدكم يُسأل عن المسألة يفتي بها وهو يمشي في الطريق، لو سئل عنها عمر لم يجب عنها وجمع لها أهل بدر يستشيرهم فيها" قال عظمة الدين خرجت من قلوبكم، تفتون وأنتم ماشيين في الطرقات!! ما رأيتهم يا سيدنا الحسن... رضي الله عنك وعن أهل وقتك، ذاك اللي أنكرت منهم ما أنكرت، لو وجدنا واحد منهم لكان يُستسقى به في زماننا، ولكان مقدما في شأننا، ولكن هكذا شأن الوعي والفهم لأسرار هذا الكتاب وأسرار هذا البلاغ من سيد الأحباب صلى الله وسلم وبارك وعليه وعلى آله.
فوجب على الأمة أن تعرف هذه الحقائق، وأن تقتدي في طرائقها باتباع خير الخلائق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بمثل هذه القدوات في الخلافات الظاهرة والباطنة من عهدِه صلى الله وسلم عليه وعلى آله والذين لا يُعدمهم الله جل جلاله في الأمة جيلاً بعد جيل، وزمنا بعد زمن.
عسى آثار القبول لنا في رمضان تظهر علينا، ويصلُح بها شأننا في أفكارنا، ويصلح بها شأننا في وِجهاتنا، ويصلح بها شأننا في نياتنا ومقاصدنا، نتعلم النية في كل عمل من الأعمال، ما كان واجبا وما كان مندوبا حتى المباحات نقوِّمها بصفاء الطويات وصدق النيات.
الله يرزقنا نصيبا من هذه الخيرات، ومن هذه المبرّات والبركات التي ينفح بها من يشاء، فيزدادون في الدنيا حسن تزود للقاء، فيسعدون عند اللقاء سعادة كبيرة، واللقاء مقبل على الصغير والكبير، من أقبل ومن أدبر، ومن تواضع ومن تكبر، كلهم سيلقونه جل جلاله، وتختلف أحوالهم عند لقاء الحق، نسألك أن نلقاك وأنت راضٍ عنا.
يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى ** يالله رضى يالله رضى يالله بتوبة والقبول
نسألك صدق الاقبال عليك، وبعد مرور هذا الشهر بنا وما فيه، نسألك ظهور تلك الآثار علينا في وجهاتنا، وفي نياتنا، وصدق حرصِنا على الوجهة إليك، والأدب معك وحضور مجالس العلم وحضور مجالس الخير، مجالس سراياتٍ نبوية لتفهيم الوحي والآيات القرآنية، ومعاني القرب من حضرة رب البريّة جل جلاله
اللهم وفر حظنا من هذه المنن، وادفع عنا وعن الأمة جميع الفتن والمحن والضَّغن والشدائد
إلهنا إنك عالم بما نزل بهم وبما حل بهم، وما كنا نُحدَّث عنه أن اليهود في المدينة، يلعبون على الأوس والخزرج، فإذا ضعف أحدهم قوّى طائفة منهم ليقتتلوا في ما بينهم، فصرنا نشاهد ذلك واضحاً جلياً في أحوال أمتنا اليوم، في الشرق وفي الغرب، يلعب عليهم أعداؤك من الكفار، فاذا ضعف احدهم قووه ليقتل الآخر وليؤذي الآخر، ويلعبون بهم، وكلُّهم في كفتهم والعياذ بالله تبارك وتعالى
وقد أنقذت أوائلنا بمحمد، وبمحمد أنقذ أواخرنا، وبمحمد أنقذ زمننا وأهل زمننا، اللهم فرِّج الكروب عن أمة الحبيب المحبوب.
اللهم ثبت أقدامنا على دربه خير الدروب، اللهم اسقنا من شرابه أحلى مشروب، اللهم حلِّنا بحلية آدابه، وارزقنا حسن متابعته في ما نقول وننوي ونفعل ونعتقد، سُر قلبه بالمجمع وما تفيضه في المجمع، يا أكرم من يستجيب، يا أكرم من يسمع، ياربنا الذي لا رب لنا سواك، نعرض عليه قلوبنا فيصلحها، ونعرض عليه حاجاتنا فيقضيها، ونعرض عليه وجهاتنا فيقوّمها، أنت وحدك ربنا، يارب كل شيء ومليكه، يا من بيده ملكوتُ كل شيء، يا حي يا قيوم يا الله.
نسألك نظرة ربانية رحمانية تُصلِح بها الباطن والظاهر، وتنوِّر بها البصائر، وتصفّي بها السرائر، وتدفع بها عنا شر الجرائر، وتكف عنا بها أذى كل مؤذٍ ومعتدٍ وفاجرٍ وكافر
ولا تبلغهم مراد.. ونارهم تصبح رماد.. ب(كهيعص) في الحال ولوا خائبين
واجمع شمل المسلمين، وألِّف ذات بين المؤمنين، ولا تجعل أحداً منّا سبباً لفرقة، ولا سبباً لعذاب، ولا سببا لبغضاء، ولا سبباً لشحناء، ولا سبباً لسوء لا تحبه ينتشر بين البرية، واجعلنا أسباب الرحمة، واجعلنا أسباب النعمة، واجعلنا أسباب القربة، واجعلنا أسباب النور، واجعلنا أسباب الاهتداء بهدي حبيبك محمد، في البطون وفي الظهور يا عزيز يا غفور اجعلنا كذلك، وسِر بنا في أشرف المسالك.
إلهنا، خِلَع القبول اخلعها علينا، وعين الرحمة انظر بها إلينا، وخذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إليك يا الله، أخذ أهل الفضل والكرم عليك، قوِّمنا إذا اعوججنا، وأعنّا إذا استقمنا، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبيك المصطفى، في كل ظاهر وخفاء، يا عالم السر وأخفى، يا الله.
اقبلنا أجمعين، ومن يسمعنا وأحبابنا والمسلمين.. اللهم فرجاً عاجلا، اللهم لطفاً شاملا، اللهم غياثاً سريعا، اللهم جوداً وسيعا، اللهم كشفاً للكروب، اللهم دفعاً للخطوب، اللهم صلاحاً للقوالب والقلوب، اللهم تُب علينا لنتوب، يا حي يا قيوم يا الله يا الله.
واسعَد بقولك يا الله، وتوجَّه بالصدق إلى الله، وقل للسميع العليم القريب المجيب: يا الله، فلو عرفت عظمة من تدعوه لعكفتَ على بابه، ودام اللياذ منك بجنابه، ولم ترضَ بمفارقةِ أحبابه.
لم أزل بالباب واقف فارحمن ربي وقوفي** وبوادي الفضل عاكف فأدم ربي عكوفي
ولحسن الظن ألازم فهو خلي وحليفي ** وأنيسي وجليسي طول ليلي ونهاري
قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري
حاجة في النفس يارب فاقضها يا خير قاضي *** وأرِح سري وقلبِي مِن لظاها والشواظ
ومِن حاجتنا أن لا ينصرف منا قلب إلا صادقاً في الإقبال عليك، متذللاً بين يديك، منكسراً لجلالك وعظمتك، يا الله..
في سرور وحبور وإذا ما كنتَ راضي** فالهنا والبسط حالي وشعاري ودثاري
قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري
رب فاجعل مجتمعنا غايته حسن الختام** واعطنا ما قد سألنا من عطاياك الجسام
وأكرم الأرواح منا بلقا خير الأنام
في الدنيا قبل البرزخ، وفي البرزخ قبل القيامة، وفي القيامة قبل الجنة.
القلوب التي قلَّ تعلُّقها به ارحمهم يارب قبل موتهم، ارحم شابنا الذي لم يصدق في التعلق بهذا الجناب، ولم يرغب في مشاهدة ذاك الوجه الأنور الدال عليك، وارحم كهلَنا الذي وصل إلى الكهولة ولم يذق لذّة التعلّق بهذا الجناب، وارحم شايبنا الذي ما ذاق هذه اللذة، ولا صدق عليك في طلب الارتباط بهذا الجناب، ارحم الكل يا رب الكل واربطهم بخير الرسل..
وأكرم الأرواح منا بلقا خير الأنام، وأبلغ المختار عنا من صلاة وسلام
يارب العالمين .. والحمد لله رب العالمين.
16 شوّال 1434