(230)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 14 ربيع الثاني 1440هـ بعنوان: نور الألوهية وجمال الربوبية وشرف المؤمن بإدراكهما.
الحمدُ لله نورِ السمواتِ والأرض، وجامعِ الأوَّلينَ والآخِرِينَ ليَومِ العَرْض، وهو الجمالُ والجميلُ الذي خَلَق الجمال، وجعل مَجْمَعَه عبدَه المصطفى ذي النورِ الـمُتَلال، محمدٍ حميدِ الخِلال، عظيمِ المنزلةِ رفيعِ المقدارِ والشأنِ لدى الرحمن، مُصطفاه وخيرتُه مِن جميعِ الأكوان، به اصطفانا وجعلنا خيرَ أُمَّة، فللهِ الحمدُ وهو وليُّ النعمة، اللهمَّ لكَ الحمدُ شكراً، ولكَ المنُّ فضلاً، فيا نوراً أبرزَ لنا النور، ويا جمالاً صوَّر لنا الجمالَ لك الحمدُ يا ذا الفَضلِ والنَّوال، يا ذا العطايا الجِزال، اللهم نوِّر هذه القلوبَ وأشْرِق فيها جمالَ سَناءِ صفاتِك وأسمائك وذاتِك العَليَّة يا حيُّ يا قيوم، التي بجُودِك وكرمِك جعلتَ لتلك الأنوارِ مظاهرَ فيمَن خلقتَ، وعبَّر عن ذلك حبيبُك وقال: ((إنَّ الله خلقَ الخلقَ في ظُلمة فبَثَّ عليهم مِن نورِه، فمَن أدركَه نصيبٌ مِن ذلك النور آمنَ وماتَ على الإيمان)).
فيا رب ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير ملَّةِ
ويهدي اللهُ لنُورِه مَن يشاء، وقد اجتمعَت المجامعُ يا رب، وعُقِدَت بأيدي دُعاتِها ورُعاتِها إلى اليَدِ البيضاءِ الكبرى يدِ الجمال الأبسَط، يدِ الجمالِ الأحْوَط، يدِ الجمال الأعظم، يدِ النور الأبْهَر، يدِ النور الأزهر محمد صلى الله عليه وسلم، عقدت لِتُسْتَمْطَر رحماتك ولترضى يا رب، وقال الكليم لك: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }طه84، عُقِدت لتَتَنوَّر القلوب، وليَشْرقَ فيها بهاءُ جمالِك، الذي تحدثُ عنه أهلُ حضرةِ وصالِك، وقالوا:
هذا جمال الحق قد تجلى ** ولم يكن محجوب قبلُ كلا
لكن قلبُ العبد حين يُجْلى ** شاهد وكانت منه السَّواتِر
كانت السَّوَاتِر مِن هذا العبدِ بإعراضِه، كانت السَّواتِرُ من هذا العبدِ بغفلتِه، كانت السَّواتِرُ من هذا العبدِ بإيثارِه للحقيرات، كانت السَّواتِرُ مِن هذا العبدِ بِرَميِهِ لنفسِه للشهوات والأهواء ليكونَ عبداً لها من دونِ الله الذي خلقَه عالمُ السِّر والنجوى، كانت السَّواتِرُ من هذا العبد، فإذا انجلى قلبُه وتصفَّى عن إرادةِ غيرِ الله، وقصْدِ غيرِ وجهِ الله، والاستنادِ إلى غير الله، ورجاءِ غير الله، وخوفِ غيرِ الله، فخافَ الله، ورجا الله، وقصدَ الله، وصدقَ مع الله، فلم يجد شيئاً يرضاه ربه في وجهتِه ونيَّته وقولِه وعملِه إلا اقتداءَه بصفوتِه وخيرتِه وحبيبِه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وصرَّح بذلك في الكتاب، ونقرأ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي}آل عمران31، اللهم ارزقنا حُسْنَ اتِّباعه يا الله، شرَِّف عيونَهم بِحُسن اتباعه، شرِّف آذانَهم بحسنِ اتباعه، شرِّف قلوبَهم بحُسنِ اتباعه يا رب.. يا رب.. يا رب ، وادفع عنا شؤمَ أهلِ الإصرار، الذين يصرُّون على أذى الناس، أو يُصِرُّون على أخذِ حقِّ الناس بغيرِ حق، يُصرُّون على سَرِقة، أو يُصِرُّون على تظاهرٍ بالخيرِ وإبطانٍ للسوء، اللهم ادفع عنا شؤمَهم وادفع عنا شرَّهم، ولا تجعلهم قاطعين لشيءٍ مِن الخير يصلُ إلينا، ولا شيءٍ مِن الرحمة تنزلُ علينا يا الله.. يا الله.
وإن شئتَ ما علمتَه مِن هذه القلوب في مجامعِنا أو ما يسمعُنا فإن شئتَ هديتَهم وأصلحتَ هذه القلوب ورددتَها إليك وحلَلتَ عنها عُقدة الإصرار، ورزقتَها صِدقَ الإتباع للنبيِّ المختار، يا إلهنا.. وكلُّ من سَبَقَتْ عليه الشقاوة مِن العُصاة والكفار فادفَع شرَّهم عنا، وادفع ضُرَّهم عنا.
يا حيُّ يا قيوم، عُقِدَت المجالس تسترحمُك، وعُقِدت المجالس تستمطرُ فضلَك وما عندَك، لننالَ عفوَك، ولننالَ مغفرتَك، ولننالَ رضاك، ولِنَشْهد جمالَك يا الله.. يا الله.. يا الله، والذين شهدُوا الجمالَ ونادَوا إلى شهودِه قالوا:
بَشِّر فؤادَك بالنصيبِ الوافي ** مِن قُربِ ربِّك واسعِ الألطافِ
الواحدِ الملكِ العظيم فلُذ به **
يا ربَّنا لك قلوبٌ ترحمُها في الأرض فتحسنُ اللِّيَاذَ بك يا الله، وقلوبٌ حرمتَها لاذَت إلى الشهوات والأهواء، لاذَت إلى الغَيرِ والسِّوَاء، اللهم فاجعَل قلوبَ الحاضرين والسامعين مِن القلوب التي أكرمتَها باللياذِ إليك، والإقبالِ عليك.
الواحد الملكِ العظيمِ فلُذ به ** واشرَب مِن التوحيدِ كأساً صافي
واشهد جمالاً أشرقَت أنوارُه ** في كلِّ شيءٍ ظاهراً لا خافي
يا الله.. ولقد تكلَّمَ لسانُ الحقِّ عنِ الحق، وبيَّن جمالَ الحقِّ ونورَ الحق، وقال: ((أصدقُ كلمةٍ قالها الشاعر كلمةُ لبيد: ألا كل شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ))، يا عقولاً اغْتَرَّت بالباطل، وقَلْبُ أحدُهم إلى الباطلِ مائل، وهو يوقنُ أنه عن هذه الحياة زائل، إلى متى أنت ذاهلٌ وغافل؟!، ما أنت بصَددِ النَّهْمَةِ عليه قد اغْتَّر به قبلَك كثيرون ونَهِمُوا فما استفادُوا، وإلى أين صارُوا، ما أنت حريصٌ عليه حَرَصَ عليه قبلَك الملايين مِن قلوبِ الغافلين، ثم هم يبكون الآن، لو سمعتَ بكاءَ الواحدِ منهم لفَرَّ النومُ مِن عينَيك!، فكيف وهم ملايين يبكون؟!، لم يستمعوا، لم يُنصِتوا، لم يُلَبُّوا، آثرُوا الفانيات، آثرُوا المظاهر الزائفات الزَّائِلات، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}الزخرف54، فقال الله عن المؤمن الذي نَصَحَهُم: {فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً}غافر46، هذا حالهم من يوم ماتوا.
فلو أنَّ مَن في الأرض مِن الغافلين بأنواعِهم مِن أنواعِ الكفرة والفُسَّاق سمعُوا صياحَ واحد من آل فرعون فقط لأنابوا ولتابعُوا محمد؛ لأنهم يوقنون ألا نجاةَ إلا باتِّباع الأنبياء، وهذا سيِّدُ الأنبياء، وهذا خاتمُ الأنبياء، ولكنَّ الله حَجَب ذلك عن الناس لحكمَة، وليأتي النداء في يومِ جمعِنا مع الأولين والآخرين: (قُم يا آدم أخرج بَعْثَ النارِ مِن ذريَّتك، وكم أخرج يا رب؟، يقول: في كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة)، وحينئذ تشيبُ رؤوسُ الولدان.
ربَّنا في تلك الساعة اجعَلنا في صَفِّ حبيبِك، في زُمْرَةِ حبيبك، في دائرةِ حبيبك، في صُحْبَةِ حبيبك، في جماعةِ حبيبك، مع حبيبِك، وأهلِ تقريبك، مع الذين سَبَقَت لهم منكَ الحسنى فهم عنها مُبعَدون، لا يسمعون حسيسَها وهم فيما اشتهَت أنفسهم خالدون، {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ}المزمل17-19، وصلت التذكرة بفضلِك إلينا وإلى قلوبِنا، فارحم هذه القلوبَ وارزقها التَّلبية، حتى نتخذَ إليك سبيلاً حَسَناً نحوز به رضوانَك الأكبر.
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً }المزمل19، ونوعُ السبيل، ومظهرُ السبيل، وجمالُ هذا السبيل المتَّخذُ إلى الرب أين نحصِّله؟، اقرأ الآية بعدها: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ}المزمل20، ولَعُ القُلوبِ بالجَميل، تَوَلُّع القلوبِ بالنور، إقبالها على مولاها، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ ربِّه}الزمر9، هذا مقابل أنواعَ الحَذرِ الموجودةِ في قلوبِ الناسِ في الشرقِ والغَرب: ذا يحذر مِن الفَقْر، وذا يحذر مِن المرض، وذا يحذر مِن القنبلة، وذا يحذر مِن الصاروخ، وذا يحذر من الحِزبِ الفلاني، وذا يحذر مِن الدولة الفلانية، وذا يحذر من القبيلة الفلانية، وذا يحذر من الشياطيين الفلانيين، وذا يحذر من قبيلته نفسها، وذا يحذر من كذا وذا يحذر من كذا، ورجاهم كذلك: ذا يرجو ذي الدولة، وذا يرجو ذي المخابرات، وذا يرجو هذه الوظيفة، وذا يرجو ذي الوزارة، اترك هذا كلَّه، وهؤلاء: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}الزمر9، من هم، الذين حذروا الآخرة ورجعوا رحمة ربهم، {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} كل من حَذِر غيرَ الله، وكلُّ مَن رجا غير الله، هؤلاء لا يعلمون، والله لا يعلمون، هؤلاء لا يعلمون، أيغرُّك أنه صلَّح جهاز؟!، أيغرك أنه صلَّح طائرة بلا طيار؟!، أيغرُّك أنه بنى مباني؟!، هو لا يعلم.. لا يعلم.. لا يعلم، جاهل موردُه النار عما قريب، خائب.. خائب سوف يصيح، سوف يبكي الدَّمعة والدم بعد الدمع ولا يفيدُه ذلك، لا يعلمون.. لا يعلمون، ((اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون))، ولو علِمُوا لسابقُونا على السَّجَدات، وسابقونا على البكيَات في الخلوات، ولسَابقُونا على الإنفاقِ في سبيلِ هذه المنازلِ وهذه العلومِ وهذه الأعمال، ولكنَّ الأمرَ لله يهدي مَن يشاء ويضلُّ مَن يشاء، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ}.
يا مَن مضى عمرُه لا يعرف إلا جمالَ صورٍ أو مطاعمَ مُنقَضيَة، هل لك أن تعرفَ: جمالاً سامياً.. شريفاً.. عالياً.. باقياً.. أبدياً.. عظيماً.. فاخراً، لا يشوبُ لذَّةَ إدراكِه كدَرٌ ولا همٌّ ولا غمٌّ ولا شوبٌ في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، ما تعرف هذا الجمال؟!، وعمرك كم؟! وإلى سنة كم بتعرفه؟!، وإن تمُت بعد الموت حرَّمه الله على الناس، ومَن لم يدرك نصيبَه قبلَ الموت حرام عليه بعد الموت، ما عاد شي، ما عاد شي له، وفي هذا قالوا: على نفسِه فليبكِ مَن ضاع عمرُه وليس له منها نصيبٌ ولا سهمُ.
هذا جمالُ الحق قد تجلى، لم يكن محجوب، هو ظاهر إلا ذي الغفلات حق الناس اللي حجبتهم وحجبوا بها فهم محجوبون، أما جمالُ ربي والله ما هو محجوب، يشهد به الخاتِم الذي في أصبعي، يشهد به أصابعي وتكوينها هذا، والأظافر اللي فيها، يشهد بجمال ربي الحديد وكيفيته، وهذه الأجهزة والمكرفونات، وهذه السَّوَاري، وهذه الجدران، وهذا الهواء الذي تستنشقونه يشهد بجمالِ ربي، يشهد بعظمةِ ربي، والطعام الذي تأكلونه {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} الواقعة63-64، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} سبحانك {مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} عبس25-32، عمل هذا كله وقربه لك وتقوم تعبد غيره!، وتقوم تشكر غير، وتقوم تخاف غيره، وتقوم ترجو غيره.
يا هذا.. جمالُه ظاهر، وأنت في التَّحت غاير، يا هذا.. يا هذا ذرَّات الوجود تدعوكَ إلى جمالِ مكوِّنها، ذَرَّات تدعوك إلى نورِ مُوجِدها، الله نورُ السمواتِ والأرض، إلى متى مع الشهوة، إلى متى الغفلةِ والغَفوة والسَّهْوة، إلى متى أنت باللَّذاتِ الحقيراتِ مشغولُ، وأنت عن كلِّ ما قدَّمتَ مسئول، {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ }القمر52، فَلْتَغِب عن الأذهان خوفُ متابعات المتابعين، ومراقباتِ المراقبين، ومحاسبات المحاسبين مِن الإنس والجنِّ أجمعين، الأمرُ فوق ذلك {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ }القمر53-54، اللهم ألحِقنا بهم برحمتِك يا كريمُ يا بَرُّ {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}القمر55، وكيف يصل مقعدَ الصدقِ مَن لم يصدقْ في إيمانِه، مَن لم يصدقْ في أدبِه مع مولاه، مَن لم يصدق مع عالمِ سرِّه وإعلانه، مَن لم يصدق في معاملتِه مع إخوانِه، مَن لم يصدقْ في سجدتِه، مَن لم يصدق في تلاوتِه، من لم يصدقْ في تربيةِ أسرتِه، كيف يجي إلى مقعدِ الصدق مَن لم يصدق كيف يصلُ مقعد الصدق، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}، ومَزِيَّة هذا المقعد وشرفه وجمال هذا المقعد الأسْنَى عِنْدِيَّتُه: {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.
في مقعدِ الصدقِ الذي قد أشرقَت ** أنوارهُ بالعندِ يا لك من سنا
هذا جماله، وهذا نوره وكماله، كونه عند {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.
والمتقين رجالُه وحضورُه ** يا رب ألحِقنا بهم يا ربَّنا
واجعل أرواحَ عبيدَك هؤلاء الذين فقدناهم في هذه الأيام: أحمد بن علي بن محمد الحامد بن الشيخ أبي بكر بن سالم، وعيدروس بن الحسين الحداد، وأحبابنا والذين توفُّوا في هذه الأيام اجعلهم في ذلك المقعد مقعدِ الصدق، وألحِقنا بهم يا رب، وافتَح بهم أبوابَ الفَرج للمسلمين، والغياثِ للمسلمين، اللهم أكرم نُزُلَهم، اللهم أكرِم قِراهُم، اللهم وَسِّع كرمَك عليهم، ووالِ البشائرَ عليهم، وبارِك في أهلِهم وأولادهم، وأحفادِهم وأسباطِهم بركة تامَّة، واخلفهم فينا بخيرِ خلف يا الله.. يا الله.
مدَدنا أيديَنا إليك، لتجمعَنا في مقعَدِ الصدقِ فاجمعنا يا الله، وإليه أوصِلْنا يا الله، ومع أهلِه أدخِلنا يا الله.. يا الله، ونعوذُ بك مما عن ذلك يقطعُنا يا الله، ونتوبُ إليك مِن كلِّ مانعٍ يمنعُنا، وقاطعٍ يقطعُنا عن ذلك المقام يا ذا الجلالِ والإكرام.
رب أدخِلنا جناناً أُزلفَت للمتقينا ** إذ ينادَون ادخلُوها بسلامٍ آمنينا
واعفُ عنا وأجِرنا أجمعينا ** مِن عذابٍ في جهنم أُرْصِدَت للمجرمينا
وعتاةٍ فاسقينا وطغاةٍ كافرينا
فيا رب واجمعنا وأحبابٍ لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
جئتم إلى رِحابه، وقمتُم على أبوابه ترجون منه عظيمَ ثوابه، وأن يرضَى عنكم، وأن يُشهدَكم مِن جماله ما به تتعشَّقون الجمالَ الأعلى، ويقذفُ في قلوبِكم مِن أنواره ما تقصدونَ به المقامَ الأغلى، فيا رب السماء ارحم واقفِين ببابِك، لائذين بأعتابِك، فانظر إلى كلِّ حاضر في مجمعِنا وإلى مَن يسمعُنا، نظرة رحيمٍ رحمانٍ ودودٍ غفورٍ حيٍّ قيومٍ، قادرٍ.. سميعٍ.. بصيرٍ.. متفضِّلٍ.. متطَوِّلٍ.. محسِن.. مُنْعِم.. جواد.. كريم، يا كريم.. يا كريم.. نظرةً مِن نظراتِك للحاضرِ والسامعين، يا أرحمَ الراحمين.. يا أرحمَ الراحمين.. يا أرحمَ الراحمين.
حُجِبَت مِنَّا القلوبُ والأرواحُ والأسرارُ بالتُّرَّهَات والبطالاتِ عن شهودِ جمالِك، فاكشِف الحُجُبَ عنا وأشهِدنا الجمال، بِمَن جمعتَ فيه الجمال، وجعلتَه مجلى الكمال الخَلْقِي، المتفضَّل به مِن حضرة الحقِّ إلى عالم الخلْق، حبيبِك المصطفى محمد، أشهِدنا سناءَ ذاك الجمال، وتوَلَّنا به في كلِّ حال، وأشْرِق أنوارَه في قلوبِنا والبَال، وثبِّتنا على قدمِه في النيَّة والقَصدِ والأفعالِ.. يا الله.
في الحاضرين والسامعين مَن تَعثَّر قدمُه وسقطَ سقطات فيما مَرَّ مِن حياتِه، خُذ بالأيدي يا رب.. خُذ بالأيدي يا رب، ثبات بعد الوثبات يا رب، واستقامة ودوام استقامة بعد تلك المُنعوَجات يا رب، يا كريم.. يا كريم، سألناك لنا ولهم، فارحَم المتكلِّم والسَّامعين، أدخِلنا في دائرةِ الحبيب الأمين، وقوِّم اعوجاجَنا، وانقُلنا إلى الاستقامة، وثبِّتنا على الاستقامة، استقامة في إيمانِنا، استقامة في يقينِنا، استقامة في نياتِنا، استقامة في نظراتِنا، استقامة في أسماعِنا، استقامة في كلماتِنا، استقامة في أحوالِنا وحالاتنا.
ولقد شابَ حبيبُك محمد حينما سَمِعَ خطابَك: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ}هود112، فاجعلنا مِن التوَّابين واجعَلنا معه، اجعَلنا من التوابين واجعلنا معه، حتى تَعُود عوائدَ استقامته على اعوجاجِنا فنستقيمَ على الصراط المستقيم، يا عليُّ يا عظيم، يا قويُّ يا كريم، يا رحمنُ يا رحيم، يا ذا الفضل الجَسِيم، يا ذا الفَضل العظيم، يا الله، نظرةً إلى هذه القلوب، قلوبِ الحاضرين وقلوب السامعين، قوِّمها يا رب، صَفِّها يا رب، ثبِّتها يا رب، يا مُقَلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبَنا على طاعتِك يا الله.
استشعرُوا عَظَمَتَه ودُوموا معه؛ إذا قُمتُم إلى صلاتِكم، وإذا انصرفتُم مِن جمعِكم دُومُوا معه، كونوا معه يكُن معكم، ومَن كان مع الله كان ربي معه، و قال الله: { وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} عظمتوهم {وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً} المائدة12، مِن وقتِك.. مِن فكرِك.. مِن مالِك.. مِن حالِك.. مِن قوَّتِك، اقرِض ربك، هو المالكُ لك ويقول لك اقرضني من شان أعطيك، أعطاك وقال تقرَّب مِن شان أعطيك، له الحمد ما أعجب معاملةَ الرب، فيا أهلَ القلوب الغافلة أنيبُوا وارجعُوا، واستقيمُوا واسمعُوا قبل أن يُرخَى الحِجَاب، يا حيُّ يا قيُّوم.
كونوا معَه، وقال الله: {وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً}، ماذا سيصنعُ بنا؟ {لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، يا رب إذا أكرمتَنا بذلك تلاشَت سيئاتُنا، {لَّأُكَفِّرَنَّ} لام توكيد ونون توكيد؟! لك الحمد، {لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}المائدة12، هكذا يصنعُ ربُّك بمَن أقْبَل عليه، فارزقنا اللهم صِدقَ الإقبال، وانظر إلينا يا ذا الإفضال، وعُمَّ المجمعَ والسامعين بجزيلِ النَّوَال، وواسعِ الإفضال، والعطايا الجِزَال، والمِنَحِ الغَوال، والمِنَنِ العَوَال، يا خير وَال، يا ذا الكرمِ والجلال، يا الله، بنبيِّك محمد، مَن جَمَعْتَ فيه الجمال والكمال والجلال فصَلِّ عليه، وعلى آلِه خيرِ آل، وصحبِه ساداتِ الرِّجال، وآبائه وإخوانِه مِن النبيين والمرسلين مَعْدِن الكمال، وآلهم وصحبهم والملائكة المقربين، وعبادِك الصَّالِحين، وعلينا معهم وفيهم.. وعلينا معهم وفيهم.. وعلينا معهم وفيهم، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
لا يَبِيتُ قلبٌ مِن قلب المتكلم والحاضرين والسامعين إلا وهو لائِذٌ بك، مُنيبٌ إليك، يرجوك وحدك، ويخافُك وحدَك، {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر9، اللهم اجعلنا مِن أولي الألباب، نَفْقَهُ الخطاب، ونَفْهَمُ الخِطاب، ونَعي الخطاب، ونقوم بحقِّ الخطاب، بأحسنِ الآداب، قرِّبْنا مع أهلِ الاقتراب، واسْقِنا مِن أحلى شراب، يا رب الأرباب، يا مُسَبِّب الأسباب.
ما تظنُّون في تَنزُّلٍ مِن ربِّ العرش عبَّر عنه بأنه يُقبل بنفسِه على مَن أقبل عليه!.. يقول في الحديث القدسي (ومن أتاني يمشي أتيتُه هرولة)، فَأقْبِل بوجهِك الكريم علينا.. فأقبِل بوجهِك الكريم علينا، وعامِلنا بألطافِك الجميلة، يا غفار لا تَدع زَلَّةً ولا ذنباً ولا سيئةً ولا خطيئةً ولا معصيةً إلا غفرتَها لنا، ولا تَدَع عُقدةً مِن العُقد في الإصرار في قلبٍ مِن قلوب السامعين والحاضرين إلا حللتَها بالتوبةِ الصادقة المقبولةِ عندك، بالتوبةِ الصادقة النَّصُوح المقبولة عندك.. يا تواب.. يا أرحمَ الراحمين.
وتوجَّهوا إلى ربِّ العالمين، وقولوا:
يا تواب تب علينا يا تواب تب علينا وارحمنا وانظر إلينا وارحمنا وانظر إلينا
13 ربيع الثاني 1440