(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 21 جمادى الثانية 1439هـ، بعنوان: عبادات القلوب بموازين المحبة والولاء والسرور والأحزان.
الحمد للهِ مالكِ الملكِ القدير، اللطيفِ الخبير، السميعِ البصير، الذي منه المبتدأ وإليه المرجعُ والمصير، لا إله إلا هو وحدَه لا شريكَ له، فاز المقبلون عليه، والمتذلِّلون بين يديه، يخصُّ بالدرجاتِ العُلى والمنازلِ الرفيعةِ مَن تحابَّوا فيه فدارَت بينهم كؤوسُ المحبةِ مِن أجله، يخصُّهم بواسعِ فضلِه وعظيمِ طَوله؛ لأنَّ ترجمةَ المحبة منه والمحبة له موضوعة ومودوعةٌ في تحابُبٍ فيه، وفي المحبةِ من أجله لعمومِ الأمة، وتحابُبِ أهلِ القربِ وأهلِ الشربِ مِن شرابِ المحبةِ الخالصة الخاصة على وجهِ الخصوصِ هي أعظمُ التراجم وأدلُّ العنوانينِ على المحبةِ مِن الحقِ والمحبة للحق جل جلاله.
وبذلك جاءنا القرآنُ الكريمُ يذكُرُ مَن حدثتهم نفوسُهم عن أن يقطعوا العلاقةَ بالرسالة والهادي والمهتدي والدين الذي جاء به، وأن يستبدلُوا به كفراً وزيغاً وضلالاً؛ فيقول الحق: ( يا أيها الذين آمنوا مَن يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) وأوصافُهم: ( أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضلُ الله يؤتيهِ مَن يشاء ) إذ أشرقَت لهم أنوارُ الحقيقة فماذا عليهم مِن ملامِ الخليقة، لا يخافون لومةَ لائم، في محبةِ الحيِّ القيومِ الدائم، يُقيم له الميزان، فلا يبالي بمَلامِ القاصِي والدان، والإنس والجان، فيما يوقنُ أنَّ فيه رضوانَ الرحمن، وأنَّ فيه رضوانَ سيد الأكوان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ( الذين يبلِّغُون رسالاتِ اللهِ ويخشونَه ولا يخشونَ أحداً إلا الله وكفَى باللهِ حَسِيباً )
وهذا الصنفُ الذين يقولُ اللهُ عنهم ( فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يحبُّهم ويحبونه ) كان مفادُ فعل المضارع ( يأتي الله ) فعَّالاً في أجيال الأمةِ جيلاً بعد جيل، وكلما مضى جيلٌ مِن أهل هذا السبيل، والشُّرب مِن ذلك السَّلسَبيل، وحزنَت عليهم القلوبُ مِن كلِّ صادقٍ في المحبة، ومِن كلِّ مُوَالٍ في الله جل جلاله أوجد اللهُ سبحانه وتعالى لهم خلائفَ، وأوجد الله سبحانه وتعالى مِن بعدِهم مِن يسري إليه السرُّ، ومَن تسرِي إليه السراية، في معاني: ( ما ننسخ مِن آيةٍ أو نُنسِها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلِها ألم تعلم أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ )، ولا يزال هذا الوعدُ قائماً في الأمة إلى أن ينزلَ عيسى بن مريم عليه السلام ويقيم الأمر، وإلى أن يرفعَ اللهُ هذا القرآنَ من السطور والصدور، والعياذ بالله تبارك وتعالى، وقبل أن يُرفع القرآن فالوعدُ قائمٌ بفضلِ الرحمن جل جلاله.
والتعبُّد لله تباركَ وتعالى في أسرارِ المحبة فيه بالحزنِ على فراقِ المحبين والمحبوبين والمقربين قائمٌ أيضاً، يُتعبَّد به الحقُّ جل جلاله فيما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، وإنا على فراقِك يا إبراهيمُ لمحزونون))، وما كان لزينِ الوجود أن يحبَّ ابنَه إبراهيم ولا غيرَه لغيرِ الله، ما كان له أن يحب ابنَه ولا غيرَ ابنِه لغير الله جل جلاله، فالأصفى الأخلصُ في العبوديةِ للرب محمد، ما مالَ قلبُه إلى غيرِ الرحمن، ولا التفتَ إلى سِوى الديَّان جل جلاله، هو الصفوةُ المختارُ الذي كساه اللهُ تعالى حُلَّةَ الاختصاصِ الأعلى، وسقاه حيث لا يوجد غيرُه في الوجود، ولا يوجد غيرُه في كائناتِ الله، كان نورُه وروحُه صلى الله عليه وسلم هو الموجود، ولا عرش ولا كرسي ولا كواكب ولا نجوم ولا أرض ولا سماء، ولا إنسي ولا جني ولا ملَك، ولا هواء ولا حِس ولا معنى ولا ظاهر ولا باطن مِن الكائنات كلِّها إلا روح محمدٍ في الوجود، فكان يتجلَّى عليه ويَسقيه، فهو الأصفى عليه الصلاة والسلام.
وكان بروزُه في العالم الحسي في عالم الدنيا أعلى النعمِ الحسِّية على أهل الأرض، وكان غيابُ شخصِه الكريم الحسي أعظمَ ما تُبلى به الأمةُ، وتصابُ به الأمة في العالم الحسيِّ، في عالمِ المحسوسات، حتى يروى أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: ((مَن أصيب بمصيبة فليتذكَّر مصيبتَه بي، فإن أمتي لن تصابَ بمِثلي))، وإنما تندرجُ إصاباتُهم في مَن يذهب، وفي من يرحل طائفةٌ بعد طائفة مِن آل بيتِه.. مِن صحابتِه.. مِن قرنٍ بعد قرن، في اندراجاتٍ لمعاني مِن هذا الترتيبِ الإلهي، والتدبيرِ الرباني، قال عليه الصلاة والسلام: ((أنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ جاء أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمَّتي، فإذا ذهبَ أصحابي جاءَ أمَّتي ما يوعدون)) رواه مسلم.
وكان هذا معاني الأمان فيما دلَّت عليه الأحاديثُ الكريمة في الوجود والآيات الفخيمة، قال الله في وضعِ أهل مكة، وكان فيهم المشركون الذين آذَوا رسولَ الله وأخرجُوه مِن بلادِه وحاربوه، قال في وضعِهم في مكة وبينهم ضعافٌ من الرجال ومن النساء، لو دخلت الحربُ إليهم ونزل البلاءُ عليهم لأصاب هؤلاء ما أصابهم، فقال الحق: ( ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلمُوهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرَّةٌ بغير علمٍ ليُدخلَ اللهُ في رحمتِه مَن يشاءُ لو تزيَّلوا لعذَّبنا الذينَ كفرُوا منهم عذاباً أليماً) لو تزيلوا: أي تميَّزوا وذهبوا وخرجوا من بين القوم، ولكن رُفع وأخِّر العذاب حتى عن الكفار لوجود هؤلاء. ومنهم البكَّاؤون في ظلماتِ الليالي وفي الخلوات.
بهم يدفع الله البلايا ** ويكشف الرزايا
ويُسدي كلَّ خيرٍ ونعمةِ
وقد جاء في الأثر: ((ولو أن باكياً بكى في قومٍ لرحمَهم الله))، يرحمُهم ببكاءِ الواحدِ فيهم إذا بكى، وكلما فقدنا باكياً فقدنا خيراً عظيماً وفقدنا حصناً حصيناً من الحصون، حتى يعوضَنا الله بمَن نال مِن معرفتِه ما به يبكي، وينالُ مِن محبتِه ما به يبكي، وينالُ مِن خشيتِه ما به يبكي، وينالُ مِن الشوقِ إليه ما به يبكي، وينالُ من معرفةِ عظمتِه وإدراكِ عظمتِه ما به يبكي لله جل جلاله وتعالى في علاه، وينالُ مِن الرحمةِ على الأمةِ ما به يبكِي.
ولقد كانت عينُ سيدِهم وإمامِهم باكيةً طولَ الليالي، أيامَ كان في هذه الدنيا في العمرِ المبارك عليه الصلاة والسلام، وتعلَّمَ مِن ذلك الصحبُ الكرام، وتعلمَ مِن ذلك أهلُ بيتِه الذين حواليه، وكان ذلك ديدنُهم، يقول ضرارٌ وهو يصف سيدَنا علياًّ: وأشهد بالله لقد رأيتُه في بعض لياليهِ، في بعضِ مواقفِه، وقد أرخى الليلُ سدولَه وغارت نجومُه، وهو يتململُ تململَ السليم، ويبكي بكاءَ الحزين، قابضاً على لحيتِه، يقول: (يا دنيا غُرِّي غيري، إليَّ تشوَّفتي أم إليَّ تعرَّضتي؟!، قد بتَتُّكِ.. قد طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ لي فيك؛ فعمرُك قصير، وعيشُك حقير، وخطرُك كبير، آه.. آه.. آه)، وفيما التأوُّهات يا صاحبَ خيرِ البريات؟!!، (مِن قلةِ الزاد، وبُعدِ الطريق، ووحشةِ السفر)، ما هذه المعارف؟!، ما هذه اللطائف؟!، ما هذه المعاني؟!، ما هذه الخشيات؟! ما هذه الإنابات؟! الله يَعْمُر محاريبَها فينا، ويعمر وراثتَها فينا، وفي ديارنا، وبلداننا وفي المسلمين.. آمين.
يا رب فقدنا كثيراً مِن أهل القلوبِ الباكيةِ لك والخاشعةِ لك والخاضعةِ لك، يا رب فارفع درجاتِهم عندَك، واجزِهم عنا خيراً، وعوِّضنا يا رب فيمن يخلفُهم وفي مَن ينوبُهم، وكثِّر في هذه الأمة مَن تتصفَّى قلوبُهم عن الشوائب، حتى يدركُوا سرَّ البكاءِ لك ومِن أجلِك في الخلواتِ وفي ظلمات الليالي، ( وإذا سمعُوا ما أُنزِل إلى الرسولِ ترى أعينَهم تفيضُ مِن الدمعِ مما عرفُوا مِن الحقِّ )
فالمعرفة تُبكي، مَن لم يعرفْ ما بكى، ومَن عرف وجعَ الأجساد أو ظنَّ بمعرفةٍ خاطئةٍ خطرَ ومهمةَ الأموال يبكي عليها على قدرِ معرفتِه هذه، وإن سقطَت وهبطَت، ولكن مَن عرفَ الكبيرَ المتعال هذا دمعُهم الغالي؛ الذي القطرة منه تُطفئ جبالاً من النار، والذي القطرة منه أعظمُ في الميزان من جبلِ ذهب يُتصدق به، قطرة تخرج مِن دمعِ العارف بالله، مِن دمعِ الذي لا يبكي إلا لله، ومِن أجلِ الله جل جلاله، محرَّر مِن أسرِ الدنيا وما فيها، ومن الجاهات والإلتفات إليها، ومِن المطامعِ والمظاهرِ، ومِن كل الكائناتِ وما فيها، فبقيَ معه اللهُ، ولا يتحرك قلبُه إلا لأجلِ الله، لا يخشى إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ويبكي مِن أجلِ الله جل جلاله وتعالى في علاه، الله يُظهر فينا أهلَ هذه الرُّتب، وأهلَ هذه الأوصاف التي يحبُّها الربُّ في رجالنا وفي نسائنا، في مختلفِ مُدنِنا وأقطارِنا، يا راحمَ الأمة، يا راحمَ الأمة اكشفِ الغمَّة.
يا راحمَ الأمة لُعِب بعواطفِ هذه الأمة، ومشاعرِ هذه الأمة، وأحاسيسِ هذه الأمة، حتى صارت تبكي على تمثيلات، وتبكي على حطامٍ فاني، وتبكي مِن أجل أغراضٍ تافهة، وقلَّ البكاءُ لك، وقلَّ البكاءُ مِن معرفتِك، وقلَّ البكاءُ مِن خوفِ المصير إليك، ومِن رجاءِ القُربِ مِن حضرتك، فنسألك اللهم نظرةً إلى الأمةِ تشفيها مِن هذه العِلل وتشفيها مِن هذه الأمراض.
يا رب وإنما صارُوا بهذه الحالة، وإنما صاروا بهذا المستوى لأنَّ قلوبَهم أصغَت لغيرِ دعوتِك ولغيرِ دعوةِ نبيِّك، أصغَت إلى دعوةِ عدوِّهم، أصغت قلوبُهم إلى دعواتِ قُطَّاعِ الطريق، أصغَت قلوبُهم إلى دعواتِ المفسدين على ظهرِ الأرض، فيا مَن بيدهِ أمرُ القلوب نسألك أن ترحمَنا رحمةً مِن عندِك تجعل بها قلوبَ الأمةِ تحسِنُ الإصغاءَ إلى وحيِك وتنزيلِك ودعوتِك ودعوةِ رسولِك .. يا الله .. يا الله .. يا الله.
ولقد رأينا في العمر القصير، وذُكِر لنا كذلك في ماضي العصور من التاريخ أنه تأتي فترات، فيرحلُ جماعاتٌ مِن الأصفياء، ويرحل جماعاتٌ مِن الأولياء، ويرحل جماعاتٌ من العلماء في أوقاتٍ متقاربة، فيكون ذلك محلَّ التعبُّد بالحزنِ على مثل هؤلاء؛ فإنَّ شئونَ القلوب هذه التي هي محلُّ نظرِ الرب، يُختبَر بها العبادُ، مَن كان لا يحزنُ إلا على فُجارٍ أو كفارٍ أو فساقٍ أو أهل المطامع الدنيوية يسقُط مِن عينِ ربه، ومَن كان يحزنُ على فراقِ المقرَّبين والعارفين والصالحين يحلُّ محلَّ الرضا عند ربه؛ لأنه يوالي في الله ويُعادي في الله ، ويحبُّ في الله ويبغض في الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ومَن أعطى لله، ومنع لله، وأحبَّ في الله، وأبغضَ في الله، فقد استكملَ حقيقةَ الإيمان ).
ويأتي ضمن هذه المعاني اتصالاتُ شئونِ البرزخِ بهذه الحياة، وشئون الحياة والبرزخ بما يأتي يومَ الموافاة، يوم يُحشَرُ الناسُ زمراً زمراً( وسيقَ الذين اتَّقَوا ربَّهم إلى الجنةِ زمرا ) بهذه العلائق التي كانت بينهم، بهذه التواصلات التي كانت بينهم، ( وسِيقَ الذين كفرُوا إلى جهنَّمَ زُمرا ) أما ترى أهلَ الشرِّ في وقتِك كما هم قبلَ وقتِك في سُنَّةِ ربِّك على ظهرِ هذه الأرض تجمعُهم أغراضٌ ومطامع، وتجمعُهم مصالحُ، ويترابطون، ذي الزمرة مع ذي الزمرة، وذه مع ذه، وذه مع ذه، ويتعاونون على أشياء، ويتواصلون بأشياء، فيُحشَر أيضاً الذين كفروا إلى جهنَّم زمراً، كما يُحشر الذين اتقَوا ربَّهم إلى الجنةِ زمراً، فالله يجعلنا في خيرةِ الزُّمر مع خيرِ البشر ومَنِ اقتفى الأثر، ويُعلي درجاتِ هؤلاء الذين فقدناهم في أيامِنا وليالينا، وفي جُمعنا هذه التي اختطفت مِن بيننا واحد والثاني وثالث ورابع وخامس، اللهم ارفع لهم المراتبَ والدرجات لديك، يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين.
وفيهم الذي في مظاهرِ الإقبالِ والوجهةِ إلى آخرِ اللحظاتِ وإلى نهايةِ الساعات، وفي منازلِ الإقبالِ على الحقِّ جل جلاله وتعالى في علاه، وتُساق له الشهادةُ الحسيةُ مع المعنوية، ومنهم مَن يلحق بشهداءِ الفُرش الذين هم أكثرُ شهداءِ الأمة ((أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش))، وتتقطع نياطُ قلوبِهم شوقاً ومحبة، فيموتون شوقاً ويموتون حباً لله تبارك وتعالى، قال أهل المعرفة: وهؤلاء في الأمة مِن أعز وأعلى الشهداء عند الله، الذين قطعَت نياطَ قلوبِهم محبتُه سبحانه وتعالى، هؤلاء أعلى الشهداء عند الله، ويحبون لقاءَ الله، ويحب لقاءَهم، عليهم رضوان ربنا جل جلاله.
وإذا ذكرنا مثلَ الحبيب عيدروس بن عبد الله بن علي بن سميط ذكرنا مساراً وذكرنا مسلكاً، وذكرنا منهجاً، وذكرنا نُثاراتِ دُررٍ وجواهرَ مِن أسرارِ التربية كانت مخبيَّة في ذاته، وكانت مطويةً في ذاته عليه رضوان الله تعالى.
وإذا ذكرنا الحبيبَ عبدَالله بن محمد بن علوي بن شهاب.. ذكرنا والدَه وذكرنا جدَّه، فإذا بالسلسلة كلِّها مذكورة، وإذا بالسلسلة كلِّها تهتزُّ إلى الرأس، رابطةِ
أبٌ يتلقى عن أبيه وهكذا..
من جملة الموجودين في العالم اليوم، من بيوت النبوة الذين تسلسل العلمُ فيهم ؛ عالم ابن عالم ابن عالم ابن عالم ابن عالم ابن عالم ابن عالم إلى الحسين بن علي، إلى علي، إلى الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، ترجمةُ كلِّ واحدٍ منهم، ولا واحد من السلسلة نقَص، ووجدنا عدداً مِن هذا البيت في هذا الزمان، الواحدُ منهم كان على هذا الترتيب، وهذا مِن أعاجيب أسانيد الأمة أنه نسب وسند؛ نسب حسي ونسب معنوي..
أبٌ يتلقى عن أبيه وهكذا ** فيالك مِن آباء كرامٍ وأجداد
مسلسلةً عنهم أسانيد أخذِهم ** إلى خير محمود وأشرف حماد
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكتب لنا ولكم الارتباطَ بتلك السلاسل، وأدخلَنا خيرَ المداخل، يا حي يا قيوم.
لأنَّ الحقَّ يكرمُ حتى من أناب وتاب وأحبَّهم من أجل الله، فيكرم مدخلَه سبحانه، قال سبحانه وتعالى: ( إن تجتنبُوا كبائرَ ما تُنهَون عنه نكفِّرْ عنكم سيِّئاتِكم ونُدخلْكُم مُدخلاً كريما )، وإذا المُدخل الكريمُ مِن عند الكريم .. ماذا تتصور فيه؟!، وما تظنُّ معانيه؟!، ولكنه فضلُ الله، يا رب أكرِمنا وأدخِلنا المُدخلَ الكريم، وثبِّتنا على الصراطِ المستقيم، واجعل مِن قِرى مَن عَرفنا ومَن لم نعرف مِن أهل قُربِك الذين تُوفُّوا في هذه الأيام أن تنظرَ إلى قلوبِ الأمة وتقذف فيها نورَ محبتك، والإصغاءَ إلى دعوتِك، وتفتح بذلك أبوابَ الفرجِ للمسلمين، لا غياثَ مِن سواك يا مغيثَ المستغيثين، يا أكرمَ الأكرمين، يا سريع الغوث
يا سريع الغوث غوثاً * * منك يدركنا سريعاً
يهزم العسر ويأتي * * بالذي نرجوا جميعاً
يا قريباً يا مجيباً * * يا عليماً يا سمعاً
قد تحققتُ بعجزِي * * وخضوعِي وانكسارِي
قد كفاني علمُ ربي * * مِن سؤالي واختياري
لم أزَلْ بالبابِ واقف * * فارحمَن ربي وقوفي
وبِوادِي الفضلِ عاكف * * فأدِم ربي عكُوفي
ولحُسنِ الظنِّ ألازِم * * فهو خلِّي وحليفِي
وأنيسي وجليسي * * طولِ ليلي ونهاري
قد كفاني علم ربي * * من سؤالي واختياري
حاجةً في النفسِ يا رب * * فاقضِها يا خيرَ قاضي
وإن استطعتَ أن تستحضرَ الحاجاتِ الكبيرةَ لعَرضِها على حضرةِ الربوبيةِ مع الجمعِ الكبيرِ فاستحضِرها في قلبِك، وننادِي العليَّ القديرَ اللطيفَ الخبيرَ السميعَ البصيرَ الأقربَ إلينا مِن حبلِ الوريد، ربَّ العباد، الملكَ الجوادَ، واسعَ الإمداد، ربَّ العرش العظيم، جل جلاله، سامعَ السرِّ والنجوى، نقول:
حاجةً في النفسِ يا رب * * فاقضِها يا خيرَ قاضي
وأرِحْ سرِّي وقلبِي * * مِن لظاها والشواظِ
في سرورٍ وحبورٍ * * وإذا ما كُنتَ راضي
فالهنا والبسطُ حالي * * وشِعاري ودثاري
قد كفاني علمُ ربي * * مِن سؤالي واختياري
اللهم أيقِظ قلوبَنا، اللهم اكشِف كروبَنا، اللهم اغفِر ذنوبَنا، اللهم ارحمنا وأجزِل قِرى مَن وفدُوا إليك، وفرِّج عنا وعن أمةِ حبيبِك أجمعين، واجعلنا في خواصِّ الهداةِ المهتدين، برحمتِك يا أرحم الراحمين..
واخصُصِ الحاضرين والسامعين بنظرةٍ قدسيةٍ ربَّانية رحمانيَّة يا كريم، يا كريم.. مَن لهذه الأمة، إنهم أمةُ حبيبك، إنهم أمةُ صفيِّك، إنهم أمة نجيِّك، إنهم أمة مختارِك، إنهم أمة مصطفاك، وأهل حضرتِه، انظر يا كريم..
نظرة تُزيل العنا ** عنا وتُدني المنى
منا وكلَّ الهناء ** نعطاه في كلِّ حين
يا رب ضاق الخناق ** من فِعل ما لا يُطاق
فامنُن بفكِّ الغَلاقِ ** لمن بذنبِه رَهين
واغفِر لكلِّ الذنوب ** واستر لكلِّ العيوب
واكشف لكل الكروب ** واكفِ أذى المؤذين
واختِم بأحسن ختام ** إذا دنا الإنصرام
وحان حينُ الحمام ** وزاد رشحُ الجبين
يا الله.. يا الله
ولم أكُن بدعائك ربي شقيا يا الله.. يا الله.. يا خيرَ مجيب، وأكرمَ مُستجِيب، يا أرحم الراحمين.
22 جمادى الآخر 1439