(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 13 محرم 1438هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: نداءات الحق ومجالي سرايتها إلى القلوب والقوالب.
الحمد لله الذي جمعنا وإياكم، ونسأله أن ينفعَنا بما جمعَنا وأسمعَنا، فقد أسمعَنا نداءاتٍ هي من حيث بُروزها إلى عالمِ الحس ومِن حيث وصولِها إلينا مُحدَثة، ولكن الذكرَّ من الرحمن المحدَث نزولُه أصلُه قديم، وأصله الأزلي يحمله رسلُ الإله الأزلي جل جلاله إلى العباد، فإذا جاءهم ذكرٌ من الرحمن محدثٌ كان شانُ الذين عرفوا عظمةَ الإله الأزلي الأبدي: (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)..
فيحصل هذا التفاعل في المحدَثات وفي جوهرها، وهو الروح المخصوصة المضافة إلى نفخِ الرب جل جلاله، والمضافة إلى ذات الإله الخالق تعالى في علاه (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) جوهر المحدَثات جوهر الكائنات هذا الروح الشريف الكريم، به يستقيم الفهمُ والعلمُ والوعيُ والإدراك، ( وتعيَها أذنٌ واعية ) كما قال جل جلاله، وكان مِن أوعى الآذان آذانُ الصحابة الذين اختارهم الله لقُرب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في العالم الحسي الجسدي، الحادث الظاهر على ظهر هذه الأرض، وجعل وقتَهم وقتَه، وزمنَهم زمنَه، وربطهم به مؤمنين به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) منهم أهل خصوصيات في هذا الوعي، ومنهم سيدنا علي يقول لما قرأ صلى الله عليه وسلم: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) قال إني سألت الله أن يجعلها أذنَك يا علي.
فكانت خصوصيةٌ في الوعي لهؤلاء السابقين الأولين عليهم رضوان الله، ولهؤلاء الأفراد منهم الذين أحسنُوا هذا التفاعل وهذا التواصل مع الوحي المنزل من الرب جل جلاله، في الوقت الذي أُسِر فيه مَن أسر وقُصِر مَن قُصِر، فتفاعلاتهم مع إيحاءات شياطين الإنس والجن إلى بعضهم البعض زخرف القول غروراً (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) فمن حُجِب بوحيِ الزخرف فهذا من الشياطين، ما أحسنَ الاستماعَ لوحي الله ولا الوعيَ لفهم الله ولا الفهمَ لوحيِ الله جل جلاله وتعالى في علاه، ولكن من: (أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) مَن كان له قلب، مَن كان له سرُّ استماع بسرِّ اجتماع على تعظيم أمر المنزِّل والمنزَّل والمنزَّل عليه صلى الله عليه وسلم، يعرف قدرَ مثل هذه النداءات التي سمعناها هذه الليلة على لسان الحبيب أبي بكر، نداءات حقيقة همِّها، حقيقة إدراكها، حقيقة العزم عليها، أو القيام بها أو إبرازها، كان في قلوب السلسة النورانية إلى المصدر، كان كذلك، هذه النداءات الربانية لنا تحدونا وتحدو الأمة لندرك أسرارَ الصلات بالحق جل جلاله وتعالى في علاه.
وإذا ذُكرت المزايا والخصائص في مثل هذه البلدة أو هذه المدرسة فهذا يتضمن ذكرَ سرِّ هذه الخصائص فيمن أبرزهم الله تعالى من أرباب الولاية في مشارق الأرض ومغاربها، والصِّلات بينهم أقوى وأكبر وأجل مِن أن تتخيلها أذهانُكم أو تحيط بها أوهامُكم، إنهم اتصلوا في الله بالله لله تعالى في علاه، فسِرُّ صلتِهم أقوى وأكبر وأعظم أن يُتصوَّر في الأفهام وفي الأذهان، وبذلك يجتمعون تحت لواءٍ واحدٍ اسمه لواء الحمد، حاملُه محمد صلى الله عليه وسلم، الله يجمعنا معهم تحت ذلك اللواء.
لكن ابحث عن هذا الاجتماع هناك مِن خلال اجتماعك هنا، فهل اجتمع قلبُك على ربك؟ القلب لا يصلح إلا لربك، نازلَتهُ علائقُ ربطته بالدنيء هذا والسافل هذا والساقط هذا، وهو لا يصلح إلا للرب، هل اجتمع قلبُك على ربك؟ لما تسمع هذه الدواعي لتكون واحداً لواحد جل جلاله، لتدركَ شرفَ الحياة على وجه الحقيقة، الحياة التي حمل سرَّها ونفخَ روحَها عن الله حبيبُه محمد (يا أيها الذين آمنوا استجيبُوا لله وللرسول إذا دعاكُم لما يُحيِيكم) هذه الحياة التي نطلبها أشار إليها الحق جل جلاله في قوله في الآية الأخرى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ) وربك يستخدم لام التوكيد ونون التوكيد ويتكلم بضمير العظمة ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) لا ينتظروا جزاءً من ملائكة ولا من جنة ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) اللهم ألحِقنا بهم وأحيِنا تلك الحياة الطيبة يا رب العالمين.
أبواقُ أهل الكفر وأهل الغفلة في الحياة تنمِّق لكم ألفاظاً تدعوكم لأن تحيوا حياة، هم يسمونها حياة رفاهية، حياة أمن واستقرار إلى غير ذلك من ذا الكلام!! كم لهم يتكلمون عن ذلك، ومن أيام قابيل إلى اليوم، وهم مصادر الفزع للناس، ومصادر المشاكل، كل ما ادَّعوه من الدواعي، ولكن الواقع بعد ذلك أنه ما هناك حياة طيبة إلا مع هابيل ابن آدم وشيث ابن آدم الذين مسكوا مسلك النبوة واتبعوا الوحي، هؤلاء عندهم الهدوء وعندهم الأمن والاستقرار والحياة الطيبة، وأتباع قابيل وأمثالهم في كل وقت متى حيوا حياة طيبة؟
اليوم في عصر أسلحة الدمار الشامل هل يحيى الناس حياة طيبة؟ هل انتُهكت حرمة إنسان في عصر كما انتهكت في هذا العصر؟ هل استُهين بالدماء في عصر كما استُهين بالدماء في هذا العصر؟ هذا تقدمهم، هذا تطورهم، هذا دواعيهم، هذه نتائج وحيِ زخرفِ القول، لكن نتائج وحي النبوة ووحي الحق إلى الأنبياء نتائج: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا) ولو جرى عليه ما جرى من هذا الابتلاء فلا تحسب أنه مقهور، بل هو منصور، لكن (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) أين ذهبوا بظلمهم؟ ذهبوا وسفكوا وعملوا واشتغلوا بأي شغل وقاموا بأي أسلوب.. ماذا حصَّلوا؟ ما نتائجهم؟ أين ذهبوا بأنفسهم؟ مالهم أنصار، هم الذين أهلكوا أنفسهم إلى الهلاك الأبدي السرمدي، أما هؤلاء: (فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا) لِمَ؟ لأن في صفِّه مَن بيدِه الأمر جل جلاله وتعالى في علاه.
وقال الله: (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) يعني ملأتم قلوبَكم بتعظيم هؤلاء الرسل، وما بقي عندكم إنصاتٌ للأراجيف مِن حواليكم يستهينون بالرسل ولا بما بلَّغوا ولا بما مضوا عليه ولا بما بيَّنوا ولا بما هدَوا ولا بصفاتهم ولا بمسلكهم (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) فينتج عن ذلك: (وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) بذلتم، ضحيتهم، استهنتم بكل شيء يُبذل في سبيل الله..
أراني في هواكم ما أبالي ** وما ملَّيت من سهر الليالي
عذابكم الأليم أراه عذباً ** وفيكم ذقتُ طعمَ المرِّ حالي
سيدنا المهاجر لو في فكرِه ذرةٌ مِن الميلِ إلى نعيمِ الدنيا ما بيجي إلى حضرموت، المال موفر في العراق، الجاه موفر، الأتباع موفرون، المظهر في الدنيا موفر، وصل بهم تيسيرات الحالة الدنيا لهم أن الواحدة من بنات ما تخرج من مكان الخلاء إلا وجاريتان حاملات للبخور يبخِّرنهن عند الخروج من المكان، لكن ما ارتضى هذا، ولا مال إلى هذا، ولا أحب هذا..
تَحَامَى عَنِ الدُّنْيَا وَهَاجَرَ فَارِراً ** إِلَى اللهِ وَالأَحْدَاثُ ذَاتُ ضِرَامِ
نحن نتذكر هذه الحكمة العظيمة، هل يسمي أحدٌ سيدنا المهاجر بالمهاجر إلى حضرموت؟ لا أحد في كتب التاريخ يسميه المهاجر إلى أي معنى من معاني الخلق، بل يسمونه المهاجر إلى الله، لتعرف أن بضاعته غالية، وأن سرَّ قصده راقٍ متصل بهجرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم "ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" وهذا مهاجر إلى الله، حقائقُ الصلة بالله، وقصدُ وجهِه الكريم، هو الذي أوصله إلى هذا الإقليم ووضعه في هذا المكان.. يتحامى عن الدنيا.. كما قال الإمام عبد الله الحداد:
تَحَامَى عَنِ الدُّنْيَا وَهَاجَرَ فَارِراً ** إِلَى اللهِ وَالأَحْدَاثُ ذَاتُ ضِرَامِ
مِنَ الْبَصْرَةِ الْخَضْرَاءِ يَخْتَرِقُ القُرَى ** وَيُلْحِقُ أَغْوَاراً لَهَا بِآكَامِ
إِلَى أَنْ أَتَى الْوَادِي الْمبَارَكَ فَارْتَضَى ** وَمَدَّ بِهِ أَطْنَابَهُ لِخَيامِ
فَأَصْبَحَ فِيهِ ثَاوِياً مُتَوَطِّناً ** بِذُرِّيَةٍ مَزْمُومَةٍ بِزِمَامِ
مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَحُسْنِ شَمَائِلٍ ** كِرَامُ السَّجَايَا أُرْدِفَتْ بِكَرَامِ
بِهِمْ أَصْبَحَ الوَادِي أَنِيساً وَعَامِراً ** أَمِيناً وَمَحْميًّا بِغَيْرِ حُسَامِ
يقول مثل القمر في هذه العترة سيدنا الحداد
أُوَلِئكَ وُرَّاثُ النَّبِىِّ وَرَهْطُهُ ** وَأَوْلاَدُهُ بِالرِّغْمِ لِلْمُتَعَامِى
مَوَارِيثُهُمْ فِينَا وَفِينَا عُلُومُهُمْ ** وَأَسْرَارُهُمْ فَلْيَسْأَلِ المُتَرَامِى
إذَا جَاءَ بِالصِّدْقِ الَّذِي هُوَ سُلَّمٌ ** إِلَى كُلِّ خَيْرِ حازَ كُلَّ مَرَامِ
إذا جاء بالصدق، إذا صدق في الطلب، إذا صدق في الإرادة، إذا صدق في معرفة الخبر من قِبل الرب جل جلاله من قبل رسوله صلى الله عليه وسلم، يدلنا أين ننتهج وأين نذهب.
سِيقت إليكم هدايا في الليلة المباركة ومِنح وعطايا مِن حضرة عالم الظواهر والخفايا رب البرايا، اللهم بارك لنا في ذلك وللأمة أجمعين والحاضرين ومن يسمعون بركةً تشمل مَن في ديارهم ومَن في أصلابهم ومَن يدخل في دوائر محبتهم ووِدادهم، فلا يشقى منهم أحد، ولا يُبعَد عن الحوض أحد، ولا يُغيَّب عن لواء الحمد منا ولا منهم ذكر ولا أنثى، وندخل دائرةَ الحياة الطيبة التي ذكرتَها في كتابك، ونحن في هذه الحياة أجمعين يا الله لا يُتوفَّى منا أحد إلا وقد ألبسته تاجَ (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) يا أكرم الأكرمين.
يا أرحم الراحمين، اجعلها ساعة عطاء وغفرٍ للخطاء، والعام مقبل علينا بالخيرات، واجعله مقبلاً بالفرج للمسلمين وصلاح اليمن والشام والشرق والغرب يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام، يا حي يا قيوم يا الله.
سعدتم بالاجتماع على الله والتوجه إلى الله ودعاء الله وذكر كلام الله وكلام رسول الله، وسمعتم كلام أهل حضرة الله نثراً ونظماً، هذا فضلٌ من الله عليكم ساقه إليكم، أتمم علينا النعمة يا مُنعم، يا منعم أتمِم علينا النعمة، يا منعِم أتمم علينا النعمة، يا الله.. أتدرون معاني تمام النعمة؟ مِن ساعة الغرغرة يظهر الأثر، وساعة الوضع في القبور، ويوم البعث والنشور، تحت ظلِّ العرش، تحت لواء الحمد، على الحوض المورود، ينتهي تمام النعمة بمرافقةِ النبي محمد في دار النظر إلى وجه الله الكريم، الله يتم النعمة، يا منعم أنعمتَ فأتمِم علينا النعمة.
نعوذ بجلال وجهِك أن تقطع أحداً منا ومن أهلينا ومن طلابنا ومن أصحابنا ومن أحبابنا ومن الحاضرين معنا، وممن يسمعنا ومن أهل ودادنا عن ذلك الركبِ الكريم المبارك إلى الخلود في دار الكرامة والنظر إلى وجهك الكريم.. يا حي يا قيوم، أجِرنا يا خيرَ مجير، ثبِّتنا على الحق فيما نقول ونفعل ونعتقد.
ووِجهَه منا، أهل الظاهر وأهل الباطن، أهل الغيب وأهل الشهادة، إلى الرحمن نخاطبه فيها أن يرحمنا، أن ينظر إلينا، أن يتداركنا، أن يغيثنا والأمة، ونناديه باسمه العظيم يا الله يا الله يا الله، الملائكة تقولها معكم، وتتصل السماء بالأرض، ويهتز عرشُ الرحمن، والله يتجلى، والله يتولى، والله يتفضل، والله للخير يُجزل، فنِعم الرحمن إذا سألتموه، له الحمد.. ما أوقفكم على باب مخلوق ولا رمى بكم إلى باب كافر ولا فاجر ولا شرير، على بابه متوسلين بأهل حضرته إليه، مِن حيث يحب أن يُؤتى تعالى، وأنت تناديه باسمه من أذن لك بهذا؟ ومن وفقك لهذا؟ ومن أعطاك هذا؟
وعزته وجلاله إذا حفظ عليك نعمةَ أن تقول يا الله وسط هذا الجمع لكنت سعيداً سعادةَ الأبد، لكنت رائياً بعينك إلى وجه محمد، إذا حفظ عليك نعمة يا الله، أنك تناديه وتناجيه في مراتب الوجهة إليه والتذلل بين يديه مع الملأ الأعلى، مع الملائكة مع الأرواح الطاهرة، مع أصناف القبائل الشتى والبلاد الشتى تجمعت معكم في هذا الموطن، وفي من يسمعنا في النقل المباشر الذي تتهيأ له قلوب دون قلوب، يا رب اجعل قلوبنا متهيأة مترقية متنورة متطهرة، وأتمم علينا نعمة القبول فميا مننت علينا بسر ندائك وقولنا لك بقلوبنا وألسنتنا: يا الله، إذا عرفت عظمةَ هذه الكلمة تنبع مِن صميم قلبك، ينتشر سرُّها في كل ذرة وشعرة من حسك ومعناك حينما تقول يا الله، ولا أكرمَ من الله، ولا أعظمَ من الله، ولا أجملَ من الله، ولا أشرفَ من الله، ولا أحسنَ من الله، ولا أعلى من الله، ولا أجل من الله، وأنت تناديه تعالى في علاه، توَّجك بتاجِ ذكرِ اسمه، الله يقذف نورَ هذا الاسم في قلبك ويسري في ذرَّات كونِك كله، يا حي يا قيوم يا الله ، شرِّف هذه القلوبَ بصفاء ندائك، بالنداء المقبول عندك، المحمود لديك، نعمةً منك وفضلاً يا الله، كم في هذه الساعة مخذول يقول: يا شهوتي يا فاجر يا بطني يا كافر يا مظهري يا صورتي يا رئاستي، وأنت تقول يا الله، وعلى ظهر الأرض ناس مربوطين بالسماء يقولون بصدق يا الله، ورجاؤنا أن يدخلنا فيهم حقيقة، أولئك خير الخليقة، لو ما أرادهم ما لهجُوا باسمه.
قال سيدنا زين العابدين: أما وعزتِك وجلالك ما أصغتِ الأسماعُ حتى صدقت، ولا أسبلتِ العيون واكفَ العبرات حتى أشفقت، ولا عجَّت الأصوات إليك بالدعاء حتى خشعت، ولا تحركت الألسنُ ناطقةً باستغفارها حتى ندمت، وأنتم استغفروه لما تعلمون وما لا تعلمون، أنا عندي ذنوب نفسي لا أعلم بها ولكنه مطلع عليها، أطلعني الحق تعالى من جوانب في ذنوب عرفت أن وراءها ذنوب علمي قاصر عنها، ولكني أطرحها بين يديه ما علمنا وما لم نعلم، فنستغفره بجميع الاستغفارات ما علمنا منها وما لم نعلم لجميع الذنوب ما علمنا منها وما لم نعلم، فأدرِج الاستغفارَ في استغفار المقبولين، واستغفار الموصولين، واستغفار المحبوبين، يا أكرم الأكرمين، حتى نشرب كأسَ سرِّ قبول ووصول وصل: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
يا خيرَ الغافرين يا الله نستغفرك لنا ولأهلينا وأولادنا وطلابنا وأصحابنا وأحيائنا وموتانا وللمؤمنين والمؤمنات، فاغفر يا خير الغافرين يا الله يا الله يا الله، بوجاهة المصطفى وأهل قربه.. والحمد لله رب العالمين.
13 مُحرَّم 1438