ولاء الله للمؤمنين وشئون الحوض المورود والتهيؤ في أيام الدنيا للورود عليه

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مجلس ذكرى حولية الشيخ أبي بكر بن سالم، في جاكرتا، اندونيسيا، ضحى الأحد 27 ربيع الثاني 1447هـ بعنوان:

ولاء الله للمؤمنين وشئون الحوض المورود والتهيؤ في أيام الدنيا للورود عليه

نص المحاضرة:

بفضله سبحانه وتعالى وجوده وعنايته جمعكُم وأسمعكُم، وما كان ذاك إلا لينفعكم ويرفعكم، بل ولتستمر في الأمة المحمدية ما جعل سبحانه من أسباب عطاياه السنيَّة، وليتصل الخَلَف بالسلَف، وليتذكّر آخرُ هذه الأمة ما كان عليه أولُها، ليرتفعوا عما يَحُطُّهم عن الارتقاء، ويرفضوا ما يُخرجهم عن سبيل التُّقَى. 

قيم التعامل في القتال وموالاة الله ورسوله

فالحمد لله الذي قدَّر اجتماعكم على ولائه وولاء رسوله والذين آمنوا، ولا وليَّ للمؤمنين غير الله ورسوله والذين آمنوا، وقد حرَّم الله على من آمن به أن يوالي الكفار والمشركين والفاجرين، شرع لنا أن ندعوهم وأن نتمنى هدايتهم، وأن لا نقاتل مَن سالَم منهم، وأن لا نعجز عن البِرِّ والقِسْط لمن حوالينا منهم، وأن نردَّ ظلم الظالم، ونردَّ على المقاتِل منهم.

وفي قتالهم نقوم على قيم عظيمة، بيَّنها صاحب الرسالة ومن أحسن الدلالة، وقال: "لا تقتلوا مُدْبِرًا، ولا تقتلوا امرأة، ولا تقتلوا صبيًّا"، وقال: "لا تُمَثِّلُوا بأحد"، وقال: "أحسِنوا إلى الأسرى". فما عرف العالم نظامًا أكرم من هذا النظام، ولا معاملة أشرف من هذه المعاملة. 

وحرَّم علينا أن نواليهم أو أن نودَّهم، وحرَّم علينا أن نطيعهم، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ). 

ولم يُطِع مؤمن كافرًا في شيء يخالف الدين في أي وقت ولا في أي مكان، إلا ورجع على ورائه وخَسِر. (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)،  (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ). 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ).

فضل القرآن وعترة النبي ﷺ

فالله يبارك لنا في تلاوة الآيات، ويُحيي قلوبنا بالقرآن، وباستماع آيات القرآن، وبتدبُّر معاني القرآن، الذي أنتم في احتفال بأهل الارتباط الخاص بالقرآن، في طريقة خلَّفها رسول الرحمن، وقال - كما روى الإمام مسلم في صحيحه: "تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتابَ الله وعِترتي أهل بيتي، لن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض". أَوْرَدَنَا اللهُ على الحوض مع ورودهم. 

فأول ما يَرِد على حوضه في القيامة: القرآن الكريم وآل بيته الطاهر، ومن قويت محبتهُ لهم، "والمرءُ مع من أحب". أَوْرَدَنَا اللهُ على حوض نبينا في أوائل أهل الورود، وسقانا منه سبحانه شربة لا نَظْمَأُ بعدها أبدًا، وقد صح في الحديث أنه يأمر سيدنا علي فيسقي المؤمنين، ويسقي هو بيده بعض الخلائق، وعلى الحوض أمام النساء الواردات بناته الكريمات: فاطمة وزينب وأم كلثوم ورقية، فهنّ الساقيات للمؤمنات، فالله يسقينا من يد رسوله ويد علي بن أبي طالب، وأيدي من يختصهم بالإذن بالسقي من حوض الحبيب، ويسقي نساءنا بيد فاطمة الزهراء وأخواتها وأمها خديجة، وأيدي من يأذن لهن الحق أن يَسْقِينَ من حوض النبي.

الحوض النبوي ومعناه في الدنيا والآخرة

وإن من معاني الحوض الذي نَرْقُبُهُ وننظرُهُ في الدنيا، ما خلَّف فينا من أخلاقه وآدابه وسنته وشريعته وما أوحى الله إليه، فعلى قَدْر حُسن ورودنا على هذا الحوض في الدنيا يكون الورود على الحوض في ذلك اليوم. ومثل ذكرى حولية الشيخ أبي بكر بن سالم، الفرع الوارث له ﷺ، والاجتماع لذلك على التلاوة والذكر والصلاة على المصطفى محمد، والتذكر والتعلُّم لأحكام الشرع المصون والتواصي بالحق والصبر؛ كل هذا جانب من حوضه الذي تركه فينا، أحسن الله ورودنا على هذا الحوض.

والورود على هذا الحوض قلبي، تظهر آثاره على الجوارح؛ فهو ورود محبة وصدق، وورود خشوع وخضوع، وورود توبة عن جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، وورود عزم صادق على ألّا يعود إلى الذنب ولا المعصية في بقية العمر، وأن يتجرَّد للهمة في القيام بأمر الله ونصرته ونصرة رسوله. 

فإذا حَسُن هذا الورود القلبي، ظهرت الآثار على الجوارح؛ فينصرف الواحد منا من المَجْمَع وعينه بعد اليوم لا تعصي، وأذنه لا تعصي، ولسانه لا يعصي، وبطنه لا تعصي، وفَرْجُه لا يعصي، ويداه لا تعصي، ورجلاه لا تعصي، بل تكره الكفر والفسوق والعصيان. 

فتلتحق بالأوائل الذين رفع الله لهم القَدْر والشان، وخاطبهم الله في القرآن، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)، يذكِّرهم بنعمة إيجاد نبيه بينهم، وأنها منة كبرى عليهم، وأنه بواسطته يُحفظون من الشرور والبلايا، (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)، أصابتكم المشقة وخسرتم، (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).

مبادئ وأخلاق أهل الصدق

يا من أرشدتهم أرشدنا، يا من هديتهم اهدنا، يا من قوّيتهم قَوِّنا، يا من نوّرتهم نوِّرنا، يا من قرَّبتهم قرِّبنا. 

أحببناهم لك ومن أجلك ومن أجل رسولك، إذ أمرتنا بحبهم وأمرنا رسولك، فصار الصادقون المخلصون على محبتك ومحبة رسولك وآل بيته وأصحابه لا يفرِّقون بين أحد منهم، تنزَّهوا في بواطنهم عن البغضاء والشحناء والحسد، وتنزَّهوا في ألسنتهم عن السب والشتم. 

وأيقَنوا ما ذكر وأسَّس صاحب الرسالة: "سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، و "لعنُ المؤمن كقتله"، و"من آذى مؤمنًا فقد آذاني"، وأن أذية وظلم المؤمن بل والكافر من غير حق بل والحيوان، لا يتركها الله قط حتى يأخذها من صاحبها يوم القصاص والجزاء والحساب، حتى "يقتصَّ للشاة الجَمَّاء من الشاة القرناء"، ويقتصَّ للحيوان من الإنسان الذي آذاه وعذَّبه بغير حق. (فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا * وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ).

عتاب في القبر على كلمة! 

ومما أظهر الله من العِبَر في بعض قرى اليمن، كان رجل يُرى أنه من أهل الخير مات فكان يُسمَع الأنين في الليل، أنينه من القبر. وعذاب القبر ونعيمه غيب جاءنا به القرآن والسنة، وما يظهر منه إلا خلاف العادة يسير من ذلك، حتى قال نبينا: "لولا أن لا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم عذاب القبور، ولكن لو سمعتم ذلك ما دَفَن بعضكم بعضًا"، فكان أهل القرية يتعجَّبون من أنين هذا الإنسان، يسمعونه ويعرفون صوته في حياته، ويسمعون الأنين كل ليلة. 

حتى مرَّت سنة فلم يسمعوا شيئًا، فرآه بعض صلحاء القرية، وقال له: نراك من الأخيار ونسمع منك أنينًا في القبر، ما العذاب الذي حصلت؟ قال: ذاك الأنين الذي أسمعكم الله مني ليس على عذاب ولكن على عتاب، أنا أُعاتَب منذ سنة في القبر، فهذا ألم العتاب، أمّا ألم العذاب فلا يطاق، قال: وعلى ماذا تُعاتَب؟ قال: كلمة صدرت مني، ما هي الكلمة؟ قال: مررت على قوم يقرؤون المولد، فقلت: ما الفائدة من الموالد؟ فحُبِست روحي أُعاتَب سنة على هذه الكلمة.. فيُقال لي: مولد نبينا وتستهزئ به؟ تُقرَأ فيه آيات الله وتقول أي فائدة؟ يُذكَر فيه إلهك وتقول أي فائدة؟ يُصَلَّى فيه على نبيك وتقول أي فائدة؟ فما زلت في العتاب سنة كاملة وروحي تَئِنُّ من ألم العتاب، فلا تحسب أنك تتكلم وليس وراء الكلام حساب! (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

فرق بين الشرك وبين التوسل إلى الله

وهكذا إذا وَرَدَ المؤمن الحوض الكريم النبوي في الحياة الدنيا تأثر قلبه وجوارحه؛ فيترك المُحرَّمات، وخصوصًا الكبائر منها، وخصوصًا ما كان من الكبائر فيه أذى للغير، فهي شديدة، وعاقبتها صعبة، ولا مسامحة فيها حتى يسامح من آذيت ويعفو عنك، أو تؤخذ من حسناتك إلى حسناته، أو يؤخذ من سيئاته وتُطرح عليك. 

وأكبر الكبائر منها الأول الذي لا يغفره الله وهو الشرك بالله، وهو أن يعتقد أن مع الله إلهًا آخر، أو أن أي أحد في الأرض أو السماء في الأوَّل أو الآخِر يقضي ويُقدِّم ويُؤخِّر من دون إذن الله وأمر الله. 

وقد طُهِّر من هذا الشرك قلوبَ من يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يعبدون غير الله، ولا يرون مع الله إلهًا آخر، وهم الذين يتوسَّلون إلى الله بأسمائه وصفاته وبطاعاته وعبادته، وبأنبيائه وأوليائه، وقد شَرَع الله لهم ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). 

وقال على الأنبياء والمرسلين يردّ على مَن اعتقد في أحد منهم الألوهية: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ). يردّ على ما ادّعت النصارى أن عيسى ابن الله وأنه إله، وما قالت اليهود أن عزير ابن الله، وقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) هم الأنبياء (يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) أيُّهم أقرب، أي يتوسَّل بعضهم ببعض إلى الله، من كان منهم أقرب يتوسَّلون به إلى الرب. 

فكم من فَرْق بين الشرك وعبادة غير الله وبين التوسُّل إلى الله، التوسل إلى الله عمل الأنبياء، بل عمل سيِّد الأنبياء، وهو الذي يُعلِّم الأمة التوسل به. ويقول: "صَلِّ ركعتين وقُل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله"، وفي رواية: "يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم، أتوسل بك إلى الله في حاجتي هذه، اللهم فشَفِّعْه فيَّ"، علَّمه لأعمى فقام فصلى فدخل عليهم وهو يبصِر، وقال له كما جاء في رواية صحيحة: "فإن كان لك حاجة فافعل مثل ذلك". 

وفي ليلة الإسراء والمعراج، مرَّ صلى الله عليه وسلم على بيت لحم، حيث وُلِد عيسى ابن مريم، وصلَّى في مكان ولادة عيسى ركعتين، ومرَّ على الشجرة حيث كلَّم الله موسى، ونزل على البُراق وصلَّى ركعتين، ومرَّ على قبر موسى وهو قائم يصلي في قبره. فقصَدَه هو وجبريل عليه السلام بقعة من الأرض، وشجرة من الشجر، وقبرًا من القبور. فهل في قصدها شيء من الشرك؟ أو كان جبريل لا يعلم؟ أو كان رسول الله لا يعلم؟ فمَن ذا يعلِّمنا؟ خذ علمك لك نحن نريد علم رسول الله. 

قصد الأماكن المباركة سنة من سُنَنِه، وعمل من عمله، وروى مسلم في صحيحه قال: "مررت على موسى ليلة أُسري بي وهو قائم يصلي في قبره". وتذَكُّر الماضين وذِكْر أخبارهم سُنَّة من سُنَن الله ورسوله، (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ).

الابتعاد عن الكبائر

وبعد الشرك بالله والعياذ بالله يأتي عقوق الوالدين، وقطيعة الرَّحِم، وفيها اللعنة والعياذ بالله، حتى قال: قاطع الرحم ملعون ولو مات في جوف الكعبة، والسحر والعياذ بالله، فاستعمالهُ حرام، وتعلُّمه حرام، من الكبائر، والإيذاء به من أكبر الكبائر، وقذف المُحصنات الغافلات المؤمنات؛ هذه أكبر الكبائر في بيان صاحب الرسالة ﷺ.

علامة حسن الورود على الحوض

ومن كان حاضرًا مثل هذا المجلس وينوي أن يعود في باقي عمره إلى عقوق والدين، أو قطيعة رحم، أو إلى ساحر، أو إلى قذف مسلمة، فلم يُحسن الورود على الحوض معنا، فحرِيٌّ أن يُخشى عليه ألّا يَرِد على الحوض يوم القيامة.

ومن وَرَد قلبه بالخشوع والخضوع، والتوبة والرجوع، والخشية والمحبّة، والعزم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصِلة الرحم وبِرِّ الوالدين، والحذر من إيذاء المسلمين وغيرهم بغير حق، ونية التلاوة للقرآن والعمل بما فيه، ونية اغتنام العلم والعمل به، وموالاة الله ورسوله والمؤمنين، فقد حَسُن ورودُه على الحوض، المعنى الموجود في الدنيا، ويُرجى بذلك أن يَحسُن ورودُه على الحوض يوم القيامة.

الدعاء والختام

فيا جامعنا، لا تَدَع فينا قلبًا إلا أحسنتَ ورودَه على ما خلَّف فينا نبيك من هذا الحوض في هذه الدنيا، واجمعنا جميعًا على حوضه يوم القيامة، واجمعنا جميعًا على حوضه يوم القيامة، واجمعنا جميعًا على حوضه يوم القيامة، واسقنا منه شربة لا نَظْمَأُ بعدها أبدًا. آمين يا الله، آمين يا مُعطِي، آمين يا وهَّاب، آمين يا رحمن، آمين يا جواد، آمين يا متفضِّل، آمين يا مُحسن. 

يا أول الأولين، ويا آخر الآخِرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين، حقِّق لنا ذلك، وزدنا زيادة، ورَقِّنَا ذُرَى السعادة، في الغيب والشهادة، وأصلِح لِكُل منا معاشه ومعاده.

وبارك في وفادة الوافدين، جئتم من أقطار شتى وبلاد شتى، وفيكم أهل النيات والتوجُّهات، وبشاهد قول الصدق يحضركم ملائكة إلى السماء الدنيا حلقة فوق حلقة، وأكبر من ذلك رب العرش يتجلَّى عليكم، وينظر إلى قلوبكم، فاستشعِر ماذا يرى في قلبك! وهو أعلم بما في قلبك منك، نوِّر قلوبنا يا رب، وطهِّرها وصفِّها.

وجاءكم منصب الإمام الحامد ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، ومنصب الإمام عمر بن عبد الرحمن العطاس، والقائم مَقام الحبيب علي بن عبد الله السقاف، وابن مَنصِب مَقام الإمام أحمد بن زين الحبشي، وغيرهم من أهل الخير والعلم والنيَّة، وسمعتم كلام الكِيَايَات في ولاء الله ورسوله والذين آمنوا، عامَّتُهم عامة وخاصَّتُهم خاصة، وخاصَّتهم أهل البيت والصحابة والعلماء الراسخون في العلم، وعلى هذا الحال مضى أجدادهم من قبل والكِيَايَات الصالحون في هذه البلاد، وانتفع بهم الكثيرون. 

فرحم الله من مضى، وبارك لنا فيمن بقي، وكان مِمَّن مضى من أهل هذه المجامع والخير مَن فقدناه في هذا العام: الحبيب عبد الرحمن بن شيخ بن سالم العطاس، شرب من الكأس، وقوَّى الأساس، واتصل بخيار الناس، وثبت قدمهُ على الاتباع، وحُظي بنور وارتفاع. وبعده لحق الحبيب عبد الله بن علي العطاس صاحب المشهد، أعلى الله درجاتهم، وفي عامنا هذا والأعوام قبلها فقدنا كثيرًا من أخيارنا ورجالنا، أعلى الله درجاتهم وجمعنا بهم في أعلى الجنة، وبارك لنا في أولادهم وأحفادهم وأسباطهم.

وعَمَّ المَجْمَع بنظرة، ومَن يسمع ومَن يشاهِد ومَن يُحب، ويُحسِن لكل منا الورود على حوض النبي المورود، معانيه في طريقته الكريمة في الدنيا، وغايته ونهايته في العُقبى، حيث يُصَبُّ ميزابان من نهر الكوثر إلى ذلك الحوض، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأحسن رائحة من المسك، وأبرد من الثلج، سقانا الله منه، سقانا الله منه، سقانا الله منه.

ولما قال سيدنا عمر لسيدنا أويس القرني: "هذا المكان موعد بيني وبينك حتى آتي بزاد ونفقة"، قال: "لا موعد بيني وبينك يا أمير المؤمنين إلا الحوض".

 فيا رب ثبِّتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير ملَّةِ

واجزِ السيد مُحْسِن بن عيدروس خير الجزاء، وأَعْلِهِ فوق المُنى والرجاء، وأعظِمْ مما طلب وتمنى، وبارك في أسرة عيدروس بن الحسين الحامد، وإخوانهم وأولادهم وقراباتهم، وزِدْهم من فضلك ما أنت أهله.

 واخلع علينا خِلَع القبول، واخلع علينا خِلَع القبول، واخلع علينا خِلَع القبول، ولا تجعله آخر العهد من هذه المجامع، وانفعنا بها يا نافع، وارفعنا إلى المقام الرافع، وأدخلنا دائرة الحبيب الشافع. 

وعجِّل بالفرج لأهل غزة والضفة الغربية وأكناف بيت المقدس وفلسطين، ولأهل الشام وأهل اليمن، ولأهل السودان وأهل الصومال، ولأهل ليبيا وأفريقيا، وللمسلمين والمسلمات. 

واحرس إندونيسيا من شر الظالمين والمعتدين، والمفسدين والضالين، واحفظ عليهم سر المنهج القويم، والصراط المستقيم، وولاءك وولاء رسولك والمؤمنين. وأيِّد الكِيَايَات والعلماء الصالحين المقتدين بسلفهم الأبرار، وخُذ بيد الرئيس والحكومة والشعب إلى ما هو أطيَب وأقرب، وما هو أحسن وأيمَن، وما هو أصلح وأنجح، ظاهرًا وباطنًا.

وانظر إلى المسلمين في المشارق والمغارب، فانظر إلى المؤمنين، فانظر إلى المؤمنين، فانظر إلى المؤمنين. 

نظرة تُزيل العنا عنا وتُدني الهنا ** مِنا َكل الهنا نعطاه في كل حين

يا أرحم الراحمين. أحسِن ورودنا على الحوض المورود، وبلِّغنا الآمال والقصود. 

وتوجَّهوا جميعًا إلى الله، تائبين إليه: نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم ونتوب إليه، ونتوب إليه، ونتوب إليه، ونتوب إليه.

 اجعلها توبة نصوحًا خلصاء صادقة مقبولة يا رب، تمحو بها ما سلف ولا يُكتَب بعدها ذنب يا رب، ظاهرًا وباطنًا حسًّا ومعنًى. واختم لنا بأكمل الحُسنى برحمتك يا أرحم الراحمين. 

وتسمعون تلقين الشهادة من المنصب الحبيب صالح بن عبد القادر، وتسمعون الدعاء من الحبيب أحمد العطاس بن محمد بن سالم بن حفيظ، بارك الله في حضورهم ومجيئهم وزادنا وإياكم من كل خير.

 

تاريخ النشر الهجري

01 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

22 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية