مظاهر الرحمة الربانية في حبيبه وسرايتها في البرية (Tausia Di Rauhah Haul Solo)

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مسجد الرياض، بمدينة صولو، مقاطعة جاوة الوسطى، إندونيسيا، ضمن فعاليات حولية الإمام علي بن محمد الحبشي، ليلة الأحد 20 ربيع الثاني 1447هـ بعنوان:

مظاهر الرحمة الربانية في حبيبه وسرايتها في البرية

 

نص المحاضرة:

الحمد لله على مجامع تجمع القلوب على الله، وتُقرِّب إلى حضرته تعالى في علاه، وتُطهِّر العبد عن كل ما لا يرضاه مولاه، أذن الله بظهورها وإشراق نورها بسابقة الفضل الرباني، وإرادة الرحمن الفعّال لما يريد.

رتّب الرحمات لعباده، وجعل مصدرها واحدًا، ذاكم عبدُه المصطفى المختار محمد ﷺ؛ منه انتشرت رحمة الله في النبيين والمرسلين، وفي الملائكة المقربين، وفي آل الأنبياء وأصحابهم، وفي تابعيهم وخلفائهم، ومنهم تتصدَّر الرحمة إلى جميع من أراد الله رحمته في العالمين، بل منها ما يفيض على النباتات والحيوانات والجمادات.

ولمّا كان مصدر الرحمة نبيَّكم المصطفى محمد، كانت أمته خير أمة وأعظم أمة، وكان أصحابه خير أصحاب وأعظم أصحاب، وكان آله خير آل وأعظم آل، فخُصَّت الأمة بخصائص كثيرة كبيرة، وقال الرحمن: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).

وهذه الخصائص تظهر أكثر في يوم المحشر، حتى جاءنا في الحديث أن الأمم تنظر إلى هذه الأمة وهي تُقدَّم فيقولون: كأن هؤلاء كلهم أنبياء! وليس فيهم إلا نبيُّهم المصطفى خاتم النبيين، ولكنهم يرون رايات خلفائه ووَرَثتُه والنائبين عنه صلوات الله وسلامه عليه، فيبتهجون بذلك ويقولون: كأنهم أنبياء.

وكان في هذه الأمة برز الخلفاء له ﷺ والنوّاب عنه بعجائب رحمة الله في البرية، وكان من مظاهرهم في هذه البلدان والأوطان هؤلاء الأولياء التسعة الذين برزوا بمبرز ومظهر الرحمة المحمدية، وانتشر على أيديهم نور: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقَرُب بهم كم من بعيد، وتحوَّل كم مِن شقيٍّ إلى سعيد.

ومن اتصل بهم من أهل هذه البلدان والأوطان، حازوا نصيبًا وافيًا من نور القرآن، ومَن أُنزِل عليه القرآن، ولم يزالوا يظهرون على ممرّ الأزمان.

الحبيب علي بن محمد الحبشي

وكان مِمن أظهر الله من خلفاء هذا الحبيب ونوابه، بل ومن خصوص أهل بيته ووَرَثته من اجتمعتم في حوليته: سيدنا الحبيب علي بن محمد الحبشي، وكانت رؤيته تُذكِّر بالله ورسوله، وكلامه يهدي إلى الله ورسوله، وشئونه وأحواله كلها مِنّة من الله تعالى ببركة رسوله لأمة رسوله. 

وتحقَّق فيه الوصف الذي وصف هو به الإمام الحداد:

قرّت به عين النبي محمد ** فهو له من أحسن الأولادِ

فَرْعٌ تسلسل عن كرام فضلهم ** قد شاع في الأغوار والأنجادِ

فهو المُبلِّغ عنهمُ أسرارهم ** وعلومهم للأهل والأحفادِ

عمّت مراحمه العباد فكلهم ** منه استمدوا أكمل استمدادِ

أبدَتْ نصائحه علومًا طالما ** ردعت عبيد الغيِّ والإفسادِ

الحبيب علوي بن علي الحبشي وإشراق النور

وكان من أنوار الرحمة الربانية المحمدية التي أشرقت في هذا المكان ما أشرق على يد ولده علوي بن علي الحبشي، بما تربّى على يد أبيه، وترقّى في العلم والذوق في أعلى مراقيه، وحمل من الأمانات ما حمل، وبها اتصل بكلِّ واصل وموصِل، وأراد الله أن يكون هذا المكان مثواه، وتمّت البذرة لهذه الجمعية في هذه الحولية.

وكان يُستجلى الكثير من أنوار الوراثة النبوية والمحمدية في ولديه الحبيبين: أحمد بن علوي، ومحمد أنيس الذي أقامه الله في هذا المقام.

كل من عرفهم منكم، هل عرف غير الأدب؟ هل عرف غير العلم؟ هل عرف غير الأخلاق الفاضلة؟ هل رأى غير التواضع؟ هل شاهد غير الخشوع وحُسن الظن؟ وما إلى ذلك من الأوصاف الفاضلة.

امتداد الخير في الحولية

واستمر بحمد لله تبارك وتعالى امتداد هذا الخير والنور فيكم إلى مجلسكم هذا، وتضاعف الحضور في الحول في البطون والظهور، وصار جمعيةً على الله تجمع، وبها أنواع البلايا والآفات تُدفع، ويكون لإندونيسيا ثم للمسلمين نصيب وافر من دفع الآفات وحصول الخيرات، وصار يتوارد إلى مجمع الحول من الأخيار ومن العلماء ومن المناصب ومن أهل النور ومن أهل الولاية من نواحي إندونيسيا، وجاؤوكم أيضًا من خارج إندونيسيا.

وجاءكم في هذا العام من عينات: الحبيب عبد القادر بن صالح بن عبد القادر الحامد ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، وجاءكم من حريضة: الحبيب محمد بن عبد الله بن علي العطاس، وجاءكم من أيضاً من تريم: حبيبنا أبو بكر بن عيدروس بن عبد الله بن علي بن سميط، وجاءكم من سيئون من أحفاد الحبيب ومِن أهل الارتباط به ومُحبّيه، ومن الحوطة ولد الحبيب أحمد الحبشي، منصب مقام الإمام أحمد بن زين، وغيرهم وكثير من الداخل والخارج.

وأهل الباطن في مثل هذه المجامع أكثر من أهل الظاهر، والملائكة أضعاف ذلك، كما تشهد أحاديث زين الوجود ﷺ، أنه لا يُعقد مجمع ذكر اً لله إلا حفّتهم الملائكة السيّارة طبقة فوق طبقة إلى السماء الدنيا.

بارك الله لنا في حبيبنا حسن بن حبيبنا محمد أنيس، وإخوانه وأولادهم وأحفادهم ومحبيهم، ومعاونيهم من العترة الطاهرة ومن المحبين من هذه البلاد، زادهم الله من الأنوار والعطايا الكبار، والخير والأسرار، فوق الآمال والأوطار، كما يليق بجوده المدرار، بوجاهة النبي المختار ووَرَثته الأطهار.

سرّ الحضور مع الله

فيا من حضر، ماذا شعرتَ في قلبك من النظر؟ هل أدركتَ سرّ تقريب؟ فهذه مواطن تقريب إلى القريب، هل شعرتَ بانتزاع الآفات من باطنك وقلبك؟ فينتزع الهوى والعُجب والرياء والكِبر والغرور والحسد!

فيتهيّأ القلب إلى نظر الواحد الأحد، بعين النبي محمد، ووَرَثته كالحبيب علي الحبشي وأولاده علوي وإخوانه، وأولاده أحمد ومحمد أنيس، ومن حضر من أهل الخير والسرّ.

الدعاء

وفّر الله حظّ كل واحد منّا، لا صرف الله أحدًا إلا مُصفّى الفؤاد والقلب، مجموعًا بالكلية على الرب، مرتبطًا ارتباطًا لا ينحلُّ بحبيبه الأطيب.

اللهم اجعلها ساعة إجابة، واجعل الدعوات مستجابة، وبلِّغ حبيبنا حسن وأهله وأولاده ومن عاونهم والحاضرين في المجمع ما أنت أهله من خيرات الدارين، وقُرّة عين سيد الكونين، وسعادة الحياتين.

وانظر إلى إندونيسيا وأهلها وآسيا كلها والأمة كلهم بنظر رباني.. 

نظرةً تُزيل العناء ** عنّا وتُدني المُنى ** منّا وكل الهنا ** نعطاه في كل حين

يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

اللهم يا أول الأولين ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين؛ رحمةً من رحماتك الربانية الإلهية العظيمية تُصلح بها كل ظاهرة وخفية، وتدفع بها كل بلية وأذية.

يا حيّ يا قيوم، تداركنا وأغِث، وُكْن لنا بما أنت أهله في كل شأن من الشؤون، في الظهور والبطون، يا من يقول لشيء كُن فيكون.

اجعل حولية هذا العام زيادةً فيما تفيض، وزيادةً فيما تُعطي، وزيادةً فيما تجود، وزيادةً فيما تنظر، وزيادةً فيما تُكرِم، وزيادةً فيما تعفو، وزيادةً فيما تغفر، وزيادة فيما ترحم، وزيادةً فيما تجبر.

اجبُر كل كسير، وثبِّتنا على أقوم مسير، وكُن لنا بما أنت أهله يا نِعم المولى ويا نِعم النصير، زِدنا من نوالك وواسع فضلك، يا أرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين.

 

تاريخ النشر الهجري

19 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

11 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية