محاضرة في مجلس الإحدى عشرية وذكرى سيدتنا خديجة الكبرى، القويرة، دوعن 1447هـ
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، في مجلس الإحدى عشرية، وذكرى سيدتنا خديجة الكبرى، في مسجد الحبيب أحمد المحضار في منطقة القويرة بوادي دوعن، ليلة الثلاثاء 11 صفر الخير 1447هـ
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله المَلك الحقّ المبين، الأول الآخر الظاهر الباطن، مالك يوم الدين، لا إله إلا هو وحده لا شريك له. أرسل إلينا عبده الأمين خاتم النبيين وسيد المرسلين، جعلنا به خير أمّة، وبسط لنا به بِساط النِّعمة، ووفَّر حظَّنا من الرّحمة، فلله الحمد والمِنّة.
ونسأله أن يُصلّي ويُسلِّم على عبده المختار، نور الأنوار وسرّ الأسرار، وترياق الأغيار، مفتاح باب اليسار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومَن على منهجهم سار.
وجعل أهل الجمع ومن يسمعهم ومن في بيوتهم مِمن على النهج سار، واقتفى تلك الآثار في الإسرار والإجهار، اغتناماً لهذه الأعمار في قِصَرها، واستعداداً للقاء الإله الغفّار الكريم الجبّار الواحد الستّار، الذي استوى في علمه السرّ والإجهار، لا إله إلا هو إليه المصير، له الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
فضل الاجتماع والإقبال على الله
بالفضل والإحسان جمعكم في موائد التوجُّه إليه والإقبال عليه، مقتدين مُستنّين بسُنّة سيد المرسلين، في حلقة من سلسلة الاتصال بالله والرسول، عبر الاقتداء في النيّة والقصد والفعل والمَقول، على مسلك مَن صدق مع الله ووفى بعهد الله، فالله يفتح آذان القلوب.
وطشّة من طشّات جوده إذا نازلت ساحة القلب حوّلته إلى حال آخر، ويقول سبحانه وتعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)، ذلك فضل الله سبحانه وتعالى.
فالله يُمطر على ساحات القلوب مطراً نرقى به إلى أعلى مراتب شهوده بمرآة حبيبه، في اقتداء واهتداء يعمّ أُسَرنا وأهالينا، حتى تقوم القائمة للاقتداء في مثل خديجة في النساء وزوجها ﷺ للجميع، فهو المقدّم في كل مقام..
الاقتداء بسيد الأنبياء ﷺ
وإنّ رسول الله من غير مِرْيَةٍ ** إمامٌ على الإطلاق في كل حضرةِ
وجيهٌ لدى الرحمن في كل موطن ** وصدر صدور العارفين الأئمةِ
صلوات ربي وسلامه عليه.
وتخرج تلكم الظلمات من الاقتداء بالغافلين والاقتداء بالمارقين والاقتداء بالبطّالين، في نسائنا أو في رجالنا، حتى لا تبقى لنا القدوة إلا من اختارهم الله سبحانه وتعالى، سيّدهم المصطفى محمد ﷺ، فهو الأصل في الاقتداء، ومن سواه بالدخول في دائرته من ساداتنا الأنبياء وآلهم وصحبهم ومن ورثهم في علومهم وأعمالهم وأخلاقهم والدعوة إلى الله تبارك وتعالى على منهاجهم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
دوائر النعم التي لا تزول
ولقد جمعتكم الأقدار في هذه الدوائر، وحضرتم في هذه المحاضر، والله لا يصرف منكم أحدٌ إلا مغمورٌ بفائض الرحمة، داخلٌ في دوائر النعمة التي لا تبيد ولا تزول: نعمة المعرفة بالله، نعمة الإقبال على الله، نعمة القبول عند الله، نعمة الرضوان الذي هو أعلى النِّعَم والمِنَن.
قالوا: ونعيم الجنة يبقى بإبقاء الله، لكن رضوان ربنا يبقى ببقاء الله جلّ جلاله، فهو أعلى ما يُعطى، "ألا أُعطيكم أفضل من ذلك؟ أُحِلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".
إحياء أخلاق النبي في الأمة
في هذه الساعة المباركة تتوجّه القلوب إلى مُقلّبها ليُثبّتنا على خير الدروب، ويُحيي فينا سُنّة الحبيب المحبوب وورثته الأكابر الأكارم، الذين سمعتم عنهم ما سمعتم من بعض الأخلاق والقِيَم، وتلكم أخلاق محمد المصطفى ﷺ، محاسنه التي انتشرت ذَرّاتها وآثارها وأنوارها في كل محمود، وفي كل موصوف بوصف حميد، وفي كل مستقيم على المنهج الرشيد.
بل الأنبياء مِن قبله، الحال كما قال سيدنا الإمام البوصيري:
"فإنه شمسٌ فضل هم كواكبُها ** يُظهرن أنوارَها للناس في الظُّلَمِ"
صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.
يحيى فينا سرّ الاتصال وسرّ الإقبال على الرحمن جلّ جلاله، بفقه مهمّتنا الكبيرة في حياتنا القصيرة، لأجل الخُلْد ولأجل دار المصير والنعيم الذي لا نفاد له، في مرافقة النبيين والصِّدّيقين والشهداء والصالحين.
والحمد لله على هذه المظاهر بين أهل السُّنّة في هذه الأمة العظيمة التي رعايتها من الله كبيرة.
لمّا دعى الله داعينا لطاعته ** بأكرم الرُّسُل كُنّا أكرم الأُمَمِ
فضلاً من فضل الله جلّ جلاله وجوداً من جوده، هذه الأمة تبقى فيها هذه الخيور.
صبر النبي ﷺ
وأنتم تعلمون من عهده ﷺ وأيام خديجة بنت خُوَيلد تحرّك المتحرّكون للوصف بالسِّحر، للوصف بالجنون، للوصف بالكذب، للصدّ، للردّ عن هذا السبيل.
وتحمّل وضع السَّلا على ظهره، وتحمّل ﷺ أن تُشَقّ شفته، وأن يُشَجّ جبينه، وأن تتجرّح وجنتاه ﷺ، وأن يربط الحجر على بطنه من الجوع ﷺ، وأن يُهاجر، وأن يُرمى بالحجارة حتى يسيل الدم من العقبين.
ثم يقول لملك الجبال: "لا، لا تُطبق الجبلين عليهم، بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يتولّى هذا الأمر".
ثم الهجرة، ثم الغزوات، ثم العَود إلى مكة والفتح، وقوله: "اذهبوا فأنتم الطُّلقاء" ﷺ.
ثم انتقاله من هذا العالم وقد تركنا على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
الصلة بالقرآن الكريم
وكان من فضل الله عليه أنّ السواد الأعظم من الأمة، سواء في عهد الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين على الحقّ، وعلى الهُدى المحفوظ بحفظ الله وبحفظ القرآن الكريم، وبحفظ نور القرآن وسرّه في قلوب وصدور أولئك القوم (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يقول جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وهذا الاتصال الذي سمعتم طرف من معناه في كثرة قراءته للقرآن في قبره عليه رحمة الله تبارك وتعالى، ولمّا ختم السبعة الآلاف قال: هذا عمل رابعة العدوية وهي امرأة، يجب أن أزيد عليها إن كنت رجلاً، وزاد ألفاً فوق السبعة! هذا الذي في القبر غير الذي في المسجد، غير الذي في البيت، غير الحزب الذي خلّفه لكم في رمضان في هذا البلد، في الأجزاء المتتالية التي تقرؤونها في كل يوم.
صلة بالقرآن الكريم يجب أن تحيا في ربوع الوادي الميمون، فإنّ من تأثُّره بنور الإسلام والإيمان والإحسان، كان لأهل الوادي بمختلف أصنافهم صلة بالقرآن الكريم، حتى الأُمّيين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة يُردّدون ما حفظوه، ويحضرون الحزب عند من يقرأه، ويستمعون إليه ويتأثّرون بذلك.
بل وفيهم من حفظ القرآن من كثرة استماعه للحزب وهو أُمّي لا يقرأ ولا يكتب. وليس هذا في القرون السابقة، أدركنا ورأينا أُناساً منهم أُمّيون لا يقرأون ولا يكتبون وحفظوا القرآن من حضور الحُزُوب في المساجد.
أيّ من التَّرِكة التي خُلِّفَت فينا وهجرها كثير من ديارنا، بل كثير من مساجدنا هجرها ولا عاد فيها هذا الحزب، لا أول الليل ولا آخر الليل. الله يردّ ما فات ويُحيي ما مات علينا وعلى هذه الأمة.
ففي صِلاتنا بالقرآن معنى تحرُّرنا الصحيح من الرِّقّ لهؤلاء الذين مُلئوا بالأفكار والاتجاهات، وطرحوا علينا، شوّشوا علينا في وجهتنا إلى الله، شوّشوا علينا في علاقتنا بيننا البين من أجل الله، شوّشوا علينا في علائق مجتمعاتنا وتكوين الروابط بين صغارنا وكبارنا، ورجالنا ونسائنا، وعلمائنا وعامّتنا، وتُجّارنا ومُزارعينا، وأرباب الحِراثة فينا وأهل المِهَن، إلى غير ذلك.
الصلة برسول الله ﷺ
كانت تربطهم من روابط لا إله إلا الله، ما يقومون به على التعاون، وما يقومون به على المحبة والتكامل، وأحدهم في صلته بالقرآن على مسلك حميد، في صلته بالسُّنّة الغرّاء وأخبار المصطفى ﷺ، وانتعاش روحه إذا سمع ذِكر النبي، وإذا سمع أخلاق النبي.
وما يدخل بيت إلا وقال: أريد سِيرة وقراءة للمولد، وما يحصل زواج إلا وقال: أريد سيرة وقراءة للمولد، ولا يُولد مولود إلا قال: أريد سِيرة وقراءة للمولد، ولا يَقدُم قادم من السفر إلا يقول: أريد سِيرة وقراءة للمولد.
صِلات برسول الله، صِلات بسُنّة رسول الله، صِلات بمحبة رسول الله ﷺ، وكانت في وادينا حيّة وقائمة، والله يردّها ويُقوّيها وينشرها في صغارنا وكبارنا.
التحذير من اتباع الكفار
لنتميّز بسرّ هذا الوحي المُنزَّل وبلاغ النبي المُرسَل، عن تبعية كل مُرذَّل تجرّ تبعيّاتهم للآفات والمشاكل، في خلاصة قال الله عنها في آيتين، يقول في آية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ).
وهاتوا لواحد متأثّر أو جماعة أو حزب أو دولة تأثّرت بالكفّار واتّبعتهم ثم لم يردّوا على أعقابهم، ثم لم ينقلبوا خاسرين، ثم لم يخسروا دنياهم قبل آخرتهم، والعياذ بالله تبارك وتعالى. من هو هذا؟ كل من أطاع الكفّار أوصلوه إلى هذا: (يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ).
ويقول في الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)، يردّوكم بعد إيمانكم كافرين! (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
اللهم اهدنا الصراط المستقيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
إقامة الفرائض والواجبات
فانتباه قلوبنا من مثل هذه الواجبات، وإقامة هذه الخيرات؛ من إقام الصلاة وأدائها على وجهها، والحرص على الجماعة فيها، ومع ذلك طلب الخشوع فيها وأداؤها على وجهها، والمحافظة على ما تيسّر من النوافل جوابر للفرائض وتحبُّباً إلى الربّ جلّ جلاله.
وإيتاء الزكاة: زكاة مال أو زكاة الفِطرة التي تُسمّى زكاة البدن، وما تعلّق بالتجارة أو بالزراعة أو بالأنعام، أو ما تعلّق بحُلِيّ المرأة إذا زاد على عادة أمثالها من النساء، عند الشافعية: الحُلِيّ إذا كان على عادة أمثالها لم يَزِد لا زكاة فيه، واختلف الأئمة. وأما إذا زاد فبالإجماع أنه يجب عليها أن تُخرج هذه الزكاة.
وأداء الزكاة على وجهها، وإقامة شعيرة الصوم على وجهه، وهذا التخلُّق وهذا الترابط والتراحم بيننا والتعاون والتكامل، وسيلتنا لأن نَسلم من دعوات السوء والفساد والشرّ المنتشرة على ظهر الأرض.
أحوال تتألم منها القلوب
حوّل الله حالنا وأحوال المسلمين إلى أحسن حال. نظر الله إلينا وإلى الذين ابتُلوا فينا في زماننا لذنوب صدرت من صغار وكبار منّا، ومن رجال ونساء (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا).
فهذا الذي تتألّم منه القلوب من الحاصل في كل يوم، تحت هذه المظاهر من الحُرية والتقدّم والعدالة والديمقراطية، ومُسمِّيات لَعِبت بالعقول إلى أن شبعت، ونهايتها تقتيل وإجرام وتشريد، ومنع دواء ومنع غذاء، وتكسير مساجد وتكسير مساكن، ومحلات الملاجئ والمحلّ الذي يُقسّمون فيها ما يضطرّون إليه لطعامهم.
يجيء أحدهم صبي وأحدهم كبير عنده صبيان وعنده أهل في الخيام، يأتي لهم بهذا الطعام، يُقابَله قصف. في بعض الأيام القريبة عندكم، الذين قُتلوا في محلّات استلام الطعام أكثر من الذين قُتلوا في المحلّات الأخرى، يجيئون يستلمون غذاء، يستلمون أكل، ليؤكل بزوجته، ويؤكل بنته، ويؤكل بأطفاله، وبعضهم أطفال ذهب ليحضر لإخوانه ولأُسرته وقصفوهم في ذاك المكان، وبعضهم أحرقوا النار فيهم، وبعضهم وبعضهم، وعلى مرأى ومسمع من العالم.
وهذه حضاراتهم وهذا تقدّمهم. مَن ضيّع القرآن لا ينتظر خيراً من أهل الكفر، ولا ينتظر خيراً من أهل العصيان والفسق، والعياذ بالله تعالى.
وإن ما انتبهنا لأنفسنا ولبلداننا وبيننا البين، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ).
إذا لم نقم بهذا لن نرتضي تحويل الأحوال (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، حتى يُغيّروا ما بأنفسهم.
قصة للإمام عبد الرحمن بلفقيه
انتقد بعض الناس لمّا بعض السلاطين الجائرين حبس سيدنا عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه، وجاء بزير كبير وغطى به، وبعد ذلك أمرهم أن يرفعونه، فجاء بعض الناس يتكلّمون.. قال: "لا تتكلمون على السلطان، نحن ما يصلنا شيء إلا بسبب منّا، أظنّ أنني قصّرتُ في أمر فسلّط الله عليّ السلطان".. هذا علامة الدنيا، الذي سماه الإمام الحداد: علامة الدنيا!
قالوا له: "بماذا قصّرت؟"، قال: "خادمة تأتي تملأ الماء عندنا، ما سألتها صلّت الظهر أو ما صلّت، فأنا قصّرت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
والنبي يقول: "لَتأمُرُنّ بالمعروف ولَتنهَوُنّ عن المنكر أو ليُسلّطنّ الله عليكم شراركم". لا تسبّوا سلطان، السبب عندي يقول!
عليهم رضوان الله، بمثل هذه الأحوال والمعاملة عاملوا الجبّار العلي فأيّدهم ونصرهم وأسعدهم في الدنيا والآخرة (وَلَنَنصُرَنَّ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
خطورة تكفير المسلمين
من أيامه وأيام خديجة حاولوا، يشتّتون ويُبعِدون.. وحفظ الله دينه والسواد الأعظم لا يزالون على هذا الخير. فنقول لكل من شذ: دعوا التكفير ودعوا التشريك للمؤمنين الموَحّدين بالله جلّ جلاله، ولو علمنا مُشركاً في مُصلٍّ لتشكّكنا في قول المصطفى ﷺ: "إنّ الشيطان قد أَيِسَ أن يعبده المُصلّون في جزيرة العرب"، ولو علمناه لاجتهدنا كلّ جهدنا وإيّاكم أن نُنقذه منه بكل ممكن.
لكن إن كان مَن توسّل قلتوا مُشرك؟ إن كان مَن تبرّك قلتوا مُشرك؟ إن كان من رفع صوته بالصلاة على النبي قلتوا مُشرك؟ أي بلاء هذا؟ وهذه الكلمة المحاسبة عليها إلى أيّ درجة تكون؟
كفانا من هذا اللعب بالدين والتطاول على ربّ العالمين وعلى رسوله الأمين محمد ﷺ.
مهماتنا وواجباتنا
ولننتبه مِن مهمّاتنا وواجباتنا في أزمنتنا وأوقاتنا؛ المحافظة على سِرّ الصلة بالله ورسوله، ولِننال هذه النُّصرة: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
قالوا: خُطط كبيرة في العالم.. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) ، (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) هم أوّل كفّار ظهروا؟ هم أوّل معادين للدين ظهروا؟ يا الله! ألوف من الأُمم قد مرّت على ذلك وأبادهم الله سبحانه وتعالى، وأبقى المرسلين وأبقى دعوات المرسلين.
فالله يُلحقنا بالصالحين، الله يبارك في مجمعنا وينظر إلينا في وِجهتنا هذه، ويُعيد العوائد. والحمد لله على قيام هذه الخيرات، ترون الاتّساع، اقتفوا أثر سلفهم وقامت أماكن سواء المسجد وما اتّصل بالمسجد، والاستعداد للضيف ولمجيئه ولنزوله، بارك الله لهم في هذه المساعي، وجعلها من المساعي المشكورة الناجحة المقبولة عنده سبحانه وتعالى.
وأحيا فينا إيثار هذا المسار، وهذا الاقتفاء وهذا الاقتداء وهذا الاهتداء بهدي المصطفى ﷺ، ورزقنا صرف العمر والمال والقوّة في مرضاته وفيما يُقرّبنا إليه، يا من وفَّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وفِّقنا للخير وأعِنّا عليه.
ارحم اللهم المُتقدّمين ومن كانوا يحضرون معنا في هذه المحاضر، قبل العام حضرنا معكم مع الحبيب أحمد بن عبد الله المحضار علبه رحمة الله، وكثير ممّن فقدناهم في خلال السنتين ومن قبلها، اللهم اغفر لهم وارحمهم، واجمعنا بهم في دار الكرامة ومستقرّ الرحمة وأنت راضٍ عنّا.
والمجمع انظر إليه، وكما جمعتنا هنا فلا تُفرِّق بيننا يوم القيامة، اجمعنا تحت لواء الحمد، واجمعنا على الحوض المورود، واجمعنا في ظلّ العرش، واجمعنا في دار الكرامة.
فيا ربِّ واجمعنا وأحبابنا لنا ** في دارك الفردوس الأعلى بأطيب موضعِ
فضلاً وإحساناً ومنّاً منك يا ** ذا الجود والفضل الأتمّ الأوسعِ
طلب الغياث للمسلمين
ويُتمِّم إن شاء الله السُّقيا لوادينا ولكثير من المسلمين في اليمن وفي خارج اليمن، زادت عليهم هذا العام ما ذكروه في الأعوام الماضية، ولكن الله يُغيثهم إن شاء الله، وتقوم الزكاة وتصلح القلوب وتبعد أسباب إبعاد الخير والرحمة.
قال سيدنا علي في دعائه: "أعوذ بك من الذنوب التي تمنع غيث السماء" ، أعوذ بك من الذنوب التي تمنع غيث السماء، الله يغفرها لنا ويرزقنا التوبة منها، ويسقي القلوب والجُدُوب إن شاء الله سُقياً عامة نافعة بلا ضرر ولا شرّ ولا هدم ولا غرق ولا أذى.
اللهم يا من بيده مقاليد الأمور كلّها، توجّهنا إليك والحال لا يخفى عليك، لا تدع منّا أحداً إلا نظرت إليه وأقبلت بالفضل عليه، يا الله، توبة نصوحاً، تُزكّينا بها قلباً وجسماً وروحاً، يا الله، لا انصرف منّا أحد إلا وقد جعلت صدره بنور الصدق معك مشروحاً، يا الله هب لنا منك مِنَحاً وفتوحاً.
يا الله، فرجاً للمسلمين في غزّة والضفّة الغربية وأكناف بيت المقدس، وعموم الشام واليمن وعموم اليمن والشرق والغرب،
نظرة تُزيل العناء ** عنّا وتُدني المُنى ** منّا، وكلّ الهناء ** نُعطاه في كل حين
يا توّاب تُب علينا وارحمنا وانظر إلينا، وأغثنا والعباد والبلاد بغيث القلوب والجُدُوب، وزدنا من نوالك ما أنت أهله بحبيبك المحبوب، وأهل هذه الدوائر وأصلح لنا كل باطن وظاهر، صفِّ السرائر ونوّر البصائر، واختم لنا بالحُسنى وأنت راضٍ عنّا.
والحمد لله ربّ العالمين.
18 صفَر 1447