(228)
(536)
(574)
(311)
كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الاحتفال بالذكرى السابعة والعشرين - 27 - لافتتاح دار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ظهر يوم الإثنين 29 ذو الحجة 1444هـ
(يمكنكم الاطلاع على الصور في أسفل الصفحة)
الحمدُ لله الذي بِفضله اجتمعنا وإلى الكلام الخير استمعنا، ونسألهُ أن ينظُر إلينا وأن يُثَبِّتنا وأن يُلحِق الفرع بأصلهِ وأن لا ينزِع السِّر من محلّه، وأن يجعل فينا وفي أهالينا وفي أهل بيوتنا وفي أهل زمننا أنصاراً له ولرسوله؛ يُوفون بالعهد الذي عاهدهُم عليه، ويقطرونَ بِتلك السلسلة ويدخلون في تلك الدوائر للمحبوبين أهل الوفاء بِعهود ربّ العالمين، الذين عاشوا في هذه الدنيا وإن دعتهم النفوس ما استجابوا لها، وإن دعتهُم الأهواء ما استجابوا لها، وإن دعتهم دواعي الشرق والغرب من أهل الكفر والفسوق والعصيان أعرضوا عنهم ورفضوا دعواتهم، واستجابوا لِدعوَةِ الله ولِرسولِهِ (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).
فَحَيُوا تِلك الحياة التي أشار إليها بقولهِ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون) الحياة الطَّيِّبَة حَييها كُلّ الصّادقين والمُخلصين، من المُتَقَدِّمين والمُتأخّرين، مَن سمِعتُم الكلام عنهم في كلام الحبيب عبد الله باهارون، الذين هاجروا مِن أجل الله والذين سُجِنوا والذين اختُطِفوا والذين سُحِلوا، والذين صبروا على الأذى وأقاموا ما قدروا عليه من الدروس في ذاك الوقت؛ كُلّهم نشهد بالله أنّهُم حَيُوا حياةً طَيِّبَة، ثُمّ نشهد أنّهُم بعد تِلكَ الحياة كانت حياتهُم أطيب في برازخهم، ولهم الحياة الأطيب في القيامة والحياة الطيبة في دار الكرامة، وهل من غاية فوق هذه الغاية؟ بماذا يُغرُون الناس؟ بماذا يَغُرُّونَ الناس؟ ماذا يعرضون على الناس؟ هذا عَرضُ الربِّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
كما سمِعتُم في كلام أحبابنا.. الذي حاربوه بِتلكَ الصُّورة بِذاكَ الوَجه قام على رَغمِ أنوفِهم! أغلَقوا الرِّباط! أغلقوا التعليم ولو في البيوت لألف باء تاء ثاء وللصلاة وللقرآن منعوه! فكيف بعد هذا يجيء الوفود من الشَّرق والغرب، إلى الرباط، الى دار المصطفى، إلى كُلِّيَّة الشريعة، وإلى رِباط المهاجر وإلى رباط سيؤون وإلى أربطة الوادي الميمون! لِم؟ لأن لِلبيت رَب يَحميه، لأن المَلِك ما ضَيَّعَ مَملكته ولا سَيَّبها لأحد، وهو فوقها و (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَـٰدُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوٓءُ ٱلدَّارِ)
فَلنستجِب لِهذا النِّداء العظيم ولنُلَبِّي نِداء الرَّب ورسوله الكريم، ونَحيا الحياة الطَّيِّبة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، كما سمعتم تَعظيم هذا العِلم وهذهِ الشَّريعة وأخذه بِحَقّه وإعطاءه مُستَحقّه، وقد اشتغلوا كثير على إسقاط منزلة علم الشريعة من القلوب، إسقاط علم الدِّين مِن القلوب وتعظيم الحقيرات، عَمِلوا ما عَمِلوا ولكن كما سَمِعتم (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ) جل جلاله.
ثُمّ إحياء السُّنَن النَّبَوِيّة في دِيارنا ومنازلنا، اختم عامك بهذا واستقبل عامك الجديد بهذا، وإذا جاء عندك مُناسبة زواج أو افتتاح بيت أو قدوم غائب أو ولادة لأحد لا تَخلِط بها ما يُخالِف هَديَ نبيّك، ولا ترضى بذلك ولا ترضى لأهلك ولا لأولادك ولا ترضاه في بيتك! اجعَل بيتك من البيوت التي تتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض، والله ما يُزَيِّنون بيوتكم بِبَرامجهم الخبيثة، ولا يُزَيِّنون بيوتكم بأفكارهم الساقطة، ولا يُزَيِّنون بيوتكم بِصُوَرهم المُزرِيَة! ما تَتزيَّن بيوتكم إلا بالقرآن، ما تتزيَّن بيوتكم إلا بالذكر للرحمن، ما تتزيَّن بيوتكم إلا بِذكرِ المُصطفى مُحمّد وبِسُنَنه صلى الله عليه وسلم، زَيِّنوا بيوتكم بذلك وزَيِّنوا أولادكم وأهلكم بذلك!
إذا دَعَوكُم لِهذا التَّهَتُّك ولهذه المُقاطَعة للحياء أو المُغالَبة لِلقِيَم والأخلاق في زَي ونحوه فَأبَوا ذلك! تساهلتُم بالأزياء في بناتكم الصغار وفي زوجاتكم وأهاليكم، جابوا لكم المُغنيين والمُغنِّيات بيدخلون وبيبدأون يختلطون مِن وراء الستار والسِّتارة بتروح عمّا قريب! كما سمِعتم قاوموا، لَبُّوا النِّداء الفَوقي! قولوا ما نحن للبيع أحد يشترينا من الشرق والغرب، معنا رَب ومعنا نبي! إلى ربَّنا مرجعنا وشافِعنا نبيّنا في القيامة وهؤلاء ايش معهم؟! لا خلقونا ولا رزقونا ولا إلينا مرجعهم، نتبع كلامهم ليش؟ نمشي وراء خُططهم لماذا! وما الغاية مِن وراء المشي وراءهم (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) وينشرون بينكم هذه الأفلام الخبيثة، وينشرون بينكم هذه المُخَدِّرات والمُسكِرات! ارفضوها، ارفضوها وقوموا بأمر الله تبارك وتعالى، وتناصحوا وتعاونوا على البِر والتقوى.
وتذكَّروا هِجرة الحبيب وصبر الحبيب، ثلاثة ليالي يبيت وسط غار، ماشي فرش عنده! ماشي مروحة عنده! ماشي مُكَيِّف عنده! ماشي وِسادة عنده! حَجَر ورِجل أبو بكر له وسادة قد ينام عليها، ولمّا نام وقد ألقمَ رِجله الثَّقب وسط الغار إذا بِحَيَّة في الغار تَلسع أبو بكر الصِّدِّيق! فيتماسَك ويُثَبِّت نفسه خَشيَة أن يُزعِج رسول الله من نومه، ما رضي يتحرّك، ثبَّتَ رِجله وهي تتلقّى اللَّسعَة بعد اللَّسعَة، حتى مِن شِدّة الألم فاضت عيونه ووقعت قطرة بغير اختيار منه على وجه الحبيب، فانتبه: ما يُبكيك يا أبا بكر؟ قال: أظنّها حية تلسعني يا رسول الله، رجلي ألقمتها هذا الثقب وإذا فيه حيّة، قال ارفع رجلك، وأخرج الحية، خرجت الحيّة فأمره بِقتلها.. قتلها، قرأ على مكان لسعتها فكأن لَم يلسعهُ شيء.
(إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) ايش الكلام الكبير هذا! يقول ربّكم نبيِّي هذا وحبيبي مَنصور، إن تتشرَّفون بِنُصرَته وإلا أنا كافيهِ ولا محتاج إليكم، أنتُم المحتاجون إليه (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، ونقول يا أهل القلوب المُخلِصَة الصّادقة في شرق الأرض ومغاربها؛ اصدُقوا مع الله ولا تحزنوا إنّ الله معنا! حَقِّقوا تَبَعِيّتكُم لِهذا النَّبِي المُصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
الله ينظر إلينا في مجمعنا ويختم عامنا بخير، ويُقبِل علينا العام المُقبِل إن شاء الله بِنَهضة في القلوب تستقي فيها منهاج الرَّب ورسوله وتَرُدّ أهل الكفر والزَّيغ والضّلال، إلهي رعيلنا الأول قُلتَ عنهم: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)، فنسألك بالقرآن ومَن أنزلتهُ عليه أن تجعل جميع القلوب الحاضرة والسّامعة لنا ومَن في ديارهم مِمّن تُحَبِّب إليهم الإيمان وتُزَيِّنه في قلوبهم، وتُكَرِّه إليهم الكُفر والفسوق والعصيان وتجعلهم من الراشدين، الظّافرين بخير الدُّنيا والآخرة.
يا ربَّ الدنيا والآخرة اجعلها ساعة إجابة والدَّعوات مُستجابة، وتوبة مقبولة مِن صغيرنا وكبيرنا وإنابة إليك وعزم صادق، تفتح لنا بها أبواب التَّوفيق وتُلحِقنا بِخير فريق، اللهم اجعلها ساعة نظر مِن نظراتك الكبيرة واجزي عنّا أحبابنا الحاضرين مناصبنا وحبائبنا، وأهل رموز المقامات التي مضت فينا وعلمائنا والذين تكلموا في مجمعنا وكل الذين حضروا، وجازِهم بالجزاء الحَسَن، واجمعنا وإيّاهُم في أعلى الدَّرجات في زُمرَة جَدِّ الحُسَين والحَسَن صاحِب الهِجرة، واجعلنا مِمّن يهجُر ما نهيتَ عنه، ويقتدي بهذا النبي ظاهراً وباطناً، حِسّاً ومعنى، يا مُجيب الدُّعاء فَرِّج كروب المُسلمين وادفع البلاء عن المؤمنين، واختم لنا بالحسنى وأنت راضٍ عنّا يا أرحم الرحمين.
29 ذو الحِجّة 1444