كلمة في ذكرى حولية الحبيب ابراهيم بن عقيل في تعز 1447هـ

كلمة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في ذكرى حولية الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى رحمه الله، في تعز.

 

نص الكلمة:

مقدمة: ذكريات وقصص الصالحين

الحمد لله الذي جعل في طيِّ الصلاحِ في هذه الحياة الذكريات، رأسها ذِكْرُ الحق جل جلاله، وذِكْرُ أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، واستحضار عظمته. 

فهذا هو الأصل والمقصود، وهو المرجع الذي يرجع إليه ما يتعلّق بجميع الذكريات، بحسب ما رتّبها سبحانه وتعالى وأقامها في هذا الوجود في حياة هذا الإنسان المكلف، وجعلها من المؤثرات الإيجابيات عليه، مما يجلب له إدراك المقاصد للحياة، والعمل على القيام بِحقها وأدائها؛ استعداداً للقاء، وتزوّداً للدار الآخرة وحياة الأبد والدوام.

وقد جعل الله تبارك وتعالى من ذلك ما أشار إليه في كتابه مِن أخبار وأنباء المرسلين، وقال لسيدهم: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، وقال: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).

 وجاءت هذه العناية الربانية بذكر القصص في القرآن: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ)، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).

وأولئكم عددٌ من بني إسرائيل من المؤمنين الصادقين، الفتية الذين آمنوا بربهم وزدناهم هدى، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، تولى الحق تبارك وتعالى ذِكْرَ قصتهم، حتى ذكر في قصتهم اتِّباع الكلب لهم، وبسطه ذراعيه بااوصيد عندهم، وكلما ذُكِرَ عددهم قال: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)، (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)؛ ففي كل ذلك إشارات قوية للمؤمنين فيما يفيدهم من تذكُّرِ أخبار الماضين والصالحين.

تأثر الإنسان بذكريات وأخبار الصالحين

ومن هذه الأمة، فآل بيت المصطفى محمد ﷺ وأصحابه هم الرأس فيمن يُتذكَّر ويُهتَدى بمسلكه وصفاته وأخلاقه، ويَحمِل ذلك على الاقتداء والاهتداء، وعلى الاتصال بالمقصد في الحياة، وعلى العمل بما بعث الله به نبيه ومصطفاه ﷺ؛ فتقوى الصِّلة بالرحمن سبحانه وتعالى، ويُتزوَّد للقائه، ويُتزوَّد للدار الآخرة ودار البقاء والدوام.

وكان من خيار هذه الأمة وأئمتها في دينها ومسلكها وأخلاقها وموروث المصطفى ﷺ، سيدنا الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى، عليهم رحمة الله تعالى ورضوانه الأكبر، وجمعنا بهم في دار الكرامة وهو راضٍ عنا.

فبارك الله تبارك وتعالى فيما يُقام من هذه الذكريات، وما يلحق ويكون فيها من فعاليات تخدم المقصد في وجود هذه الحياة، والاستفادة من سنة الله التي جعلها على ظهر هذه الأرض في تأثُّر الإنسان بالذكريات الصالحات وأخبار أرباب المراتب الرفيعات الشريفات، وما يحل في قلبه من هِمةٍ، ومن وِجْهةٍ، ومن رغبةٍ صادقةٍ في التخلي عن المُهلكات، والتخلي عن جميع الرذائل، والتحلي بالفضائل والمكرُمات، والسعي وراءها. 

وهذا مما يحقق للإنسان وفاءه بعهد ربه وعبوديته لهذا الإله جل جلاله؛ لتتولاه الربوبية بما الله تعالى أهله، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا).

شمائل الحبيب إبراهيم وسيرته

وكان هذا الإمام العارف المستقيم، الصابر الزاهد، الورع الخاشع الخاضع، الذاكر الشاكر، الصابر، إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى، عليه رحمة الله تبارك وتعالى، جامعاً لأوصاف أكابر هذه الأمة وخيارها، وحوى من مواريث المصطفى ﷺ -عبر الوارثين قبله من صحابة المصطفى ﷺ وأهل بيته وأجداده إلى الحبيب العظيم ﷺ- نصيباً وافراً وحظاً كبيراً.

وكان من حظّ تعز واليمن وجوده فيها، وقضاء أواخر أيامه وأواخر سنوات عمره في هذه المنطقة، بعد أن وُلِدَ بحضرموت، وانتقل إلى الحُدَيدة سنوات، ثم استقر بتعز سنوات، وفيما بين ذلك كانت رحلات إلى الحج والعمرة وإلى بعض الأقطار، وكان الاستقرار الأخير في هذه البلدة، حفظها الله تعالى وصانها وطهّرها ونقّاها وحماها، وحمى أهلها من الآفات والعَاهات، ونظر لليمن كله وإلى الشام كله، وإلى الشرق والغرب، نظرة منه ربانية رحمانية.

فيا أيها المجتمعون في هذه الذكريات، إنها دواعي سعادات للمقبلين منكم والمتوجهين، والذين لهم بصائر في استجلاء معاني ما يُذكر من شريف الأخلاق والصفات، واتخاذ المنهج القويم في خلال العمر القصير وهذه الحياة.

ولقد حوى عليه رضوان الله علوماً ومعارف جمّة، وأيّده الله تعالى بذكاءٍ واسع وحافظة قوية، حتى قال لي: إني من نعمة الله عليّ، لا أحتاج إلى مطالعة الكتاب إلا مرة واحدة، فإذا طالعه مرة واحدة، استوعب جميع ما فيه ورسخت فوائده ومسائله في ذهنه، عليه رحمة الله تبارك وتعالى.

مكانته في علم الأسانيد

وكان مع ذلك مُسنِداً، جامعاً للأسانيد لأهل زمنه، سواء في اليمن أو في الحرمين الشريفين، وعلى مستوى العالم، وكان من أواخر ما اتصل به في الأسانيد ما كان بينه وبين الشيخ محمد ياسين الفاداني، الذي وُصِف بأنه مُسنِد الدنيا في وقته، لِمَا قضى من سنوات في الحرم الشريف يتلقى الأسانيد عن كل من يَفِدُ إليه من مختلف أقطار الأرض على مدار سنوات كثيرة، فجمع أسانيد الدنيا. 

وقد حضرنا زيارته إياه في مدرسته وبيته في مكة المكرمة، وتبادل الإجازات بينه وبينه، وبين جماعة من العلماء الذين حضروا في تلك الليلة، في العام الثالث بعد الأربعمائة والألف (1403هـ) من هجرة المصطفى ﷺ.

ومنها ما كتب الشيخ محمد ياسين الفاداني كتابه وحرّر كذلك كتاب "القول الجميل بإجازة سماحة السيد إبراهيم بن عقيل"، فجمع له فيه مجموعة من الأسانيد، والحبيب جمع أسانيد، وله من طرق سلَفِهِ خصوصاً جمع للأسانيد في التلقي إلى الحسين بن علي، إلى علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، إلى الحبيب العظيم ﷺ، والمشاركة في عموم بقية الأسانيد في اليمن والحرمين وأقطار الأرض، أعلى الله درجاته وأخلفه بخير خلف.

آثار هذه الذكرى المباركة

ولكل حاضر في هذه الذكرى أثرٌ من استنارة القلب والباطن بنور الإيمان، وصدق الرغبة إلى الرحمن في العمل بما جاء به رسوله ﷺ وأرشدنا ودلّنا عليه، وفي ذلك أيضاً تصفية للباطن وتنقية عن شوائب كثيرة، رتّب الله تبارك وتعالى تنقيتها على هذه الذكريات وعلى هذه التأملات والتدبُّرات.

فجزى الله تعالى الحبيب طاهر بن محمد بن عبد الله الهدّار، الذي كان من خواص أهل الاتصال بحبيبنا إبراهيم بن عقيل عليهم رحمة الله تبارك وتعالى، والأخذ عنه، والاتصال بأسانيده، وكان الحبيب إبراهيم يُجلُّ الحبيب محمد الهدار إجلالاً واسعاً كبيراً، ولا يعرف الفضلَ لأهل الفضل إلا ذووه، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

ومن اتّصل بهم من المشايخ في اليمن الميمون، ومن اتصل بهم من أقطار الأرض، رضي الله عن الجميع. وبارك لنا في أحفاد حبيبنا إبراهيم وأسباطه وجميع المنتمين إليه، وفي رباط الهدّار في تعز وفي القائمين عليه، وضاعف خيره ونوره وبركته، وعمّ به الآفاق والأقطار.

الدعاء

شرح الله الصدر لجميع الحاضرين، وزادهم من هذه الذكرى أنوار إيمان ويقين، ورغباتٍ صادقات في الاقتداء والاهتداء، والارتقاء مراقي القرب من الحق والمعرفة به، والمحبة منه والمحبة له، والرضوان منه والرضوان عنه.

وأصلحَ اليمن وأهل اليمن والأمة، وكشف الغُمة، وردّ كيد المعتدين الظالمين الغاصبين من الصهاينة واليهود ومن أعانهم على ذلك. وأصلح شؤون الأمة، نظر الله إلينا وإلى جميع المؤمنين، 

نظرة تُزيل العنا عنا وتُدني المنى ** مِنا وكل الهنا نُعطاهُ في كل حين

اللهم آمين. حقِّق لنا هذه الآمال، وأصلح يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا بصلاحٍ من عندك، تردّ به كيد الفاجرين والكافرين وأعداء الدين، وتُصلح به أحوال المسلمين خاصة والأمة عامة، بما تكفُّ به الظلم والإجحاف والشر والإسراف، وتُصلح به الظاهر والخاف، يا من بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله.

بسر الفاتحة إلى حضرة صاحب الذكرى، ومن ذكرناهم في مجمعنا هذا، وأصولهم وفروعهم، ووالدينا وآباء الحاضرين، وأولياء اليمن وأولياء الله في غامض علمه وصالحي عباده، وأموات المسلمين وأحياهم إلى يوم الدين، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ. الفاتحة.

 

تاريخ النشر الهجري

15 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

06 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية