كلمة في اختتام الدورة الصيفية الثانية بالأردن

للاستماع إلى المحاضرة

كلمة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في اختتام الدورة الصيفية الثانية بمعهد الرحمة، بمدينة عمّان، الأردن، عصر يوم السبت 7 ربيع الأول 1447هـ

لتحميل الكلمة مكتوبة pdf

 

نص الكلمة:

الحمد لله على التمام، ونسأله تمام الإنعام والجود والإكرام الذي لا حدّ له ولا غاية على الدوام، ورابطةً تربطنا بخير الأنام في الحياة وعند نزول الحِمام، وفي البرازخ ويوم القيام وفي دار السلام.

فإن خالق الجنة دار السلام جلّ جلاله طيَّبها بالأكابر الذين فيها، ورأسهم محمد ﷺ، فهو المُقدّم عند المشي إلى ساحة النظر إلى وجه الله الكريم، وهو أول من يدخل الجنة وأمته أول من تدخلها. "إن الله حرّم الجنة على الأنبياء حتى أدخلها أنا، وحرّمها على الأمم حتى تدخلها أمتي".

يا رب صلِّ وسلّم وبارك عليه، وارزق هذه القلوب سماع ندائه الذي نادانا به بأمرك إليك، ودلّنا به عليك، حتى نلحق أولي الألباب الذين قُلتَ عنهم وعن دعواتهم في خلواتهم ووِجهاتهم إليك: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ).

بفضل الله تمّت هذه الدورات وجاءت ساعة الختام، نتلقّى فيها بالوِجهة إلى الله تبارك وتعالى ما يجود به ذو الجلال والإكرام، وما يتفضّل به صاحب الإنعام سبحانه وتعالى. (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ).

اللهم ما أمسى بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر على ذلك. 

فلنقُم من مجمعنا بقلوب على الله مجموعة، ووِجهة إليه صادقة، فإن الغاية أن نرجع إليه وهو راضٍ عنّا، وما سوى ذلك ليس بشيء، ثم ليس بشيء، ثم ليس بشيء! وإن كبّره من كبّره، وإن مجّده من مجّده، وإن اغترّ به من اغترّ، ليس بشيء! 

من أول آدمي وهو أبونا آدم إلى وقت النفخة الأولى في الصُّور، لا يصفو مِن جميع ما كان مِن شؤون وأحوال وأخبار ومنازعات ومخاصمات واتجاهات ومختلف أخلاق ومختلف أفكار، لا يصفو منها إلا ما كان على قَدم الصدق مع الخلّاق ورضيه جلّ جلاله، وما عدا ذلك هباءٌ منثور (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) كما قال ربنا الغفور جلّ جلاله.

ونحن ننظر إن أثمرت هذه الاجتماعات جمعاً كريماً في ظلّ العرش وتحت لواء الحمد وعلى الحوض المورود، فهي النعمة الكبيرة وهي المِنّة وهي النجاح، وإن لم تثمر ذلك فأي فائدة في اجتماعات العباد على ظهر الأرض كائنة ما كانت؟ وإلى أي مصير تصير آثار اجتماعاتهم وتوجّهاتهم؟

أمانة كبيرة والحمد لله وصلت إليكم، ونحن أمام استعداد بها وعنها للقاء الحق جلّ جلاله، سائلين مرافقة سيد المرسلين، وكما سمعتم أن المرافقة لهؤلاء هي الغاية والنتيجة التي تُثمرها أعظم الشؤون في الحياة، وهي طاعة الله وطاعة الرسول (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم) اللهم اجعلنا معهم.

تتجدّد بكم الهِمّة، وعفواً على طول المجلس واستغرقنا العشيّة في هذه الاستماعات لآثار ما كان من الدورات وما كلّمنا العلماء جزاهم الله خير الجزاء. 

الله يجعلنا كلاً منّا مفتاحاً للخير مِغلاقاً للشرّ، واعياً لخطاب الحق الأكبر، متّصلاً برسوله الأطهر، غانماً من حياته القصيرة شريف المرافقة وكمال الرضا من ربّ العرش عنه.

يا رب أكرمنا بذلك، واسلك بنا أشرف المسالك، واجزِ خير الجزاء كلّ من كان سبباً لهذه الاجتماعات وهذه الخيرات، واجزِ اللهم بالجزاء الحسن ملك الدولة الملك عبد الله، وأعِنه على القيام بما تحبّ، وأثِبه على الخيرات، وادفع عنه وعنّا وعن أهل الأردن وعن المسلمين والمسلمات رُعاتهم ورعاياهم البلايا والآفات والشرور والعاهات، من حيث أحاط بها علمك في الظواهر والخفيّات.

وأجزِ القائمين معه على الخير والأمير غازي بن محمد وجميع من في تلك البطانة من أهل الخير والهدى، ارفع لهم الدرجات ووفّقهم للخيرات، وبارك في جامعة العلوم الإسلامية ورعايتها لهذه الأعمال، واجعلنا منك مَرعيّين بعين العناية يا ذا الكرام والإفضال.

إلهنا جمعتنا وإياهم على هذا الموروث النبوي، فاجمعنا بنبيّنا خير جمع تجمع به المحبوبين لك وله بالفضل والجود والإحسان في الحياة وعند الوفاة وفي البرزخ ويوم القيامة وفي دار الكرامة خير جمع اجمعنا. 

فيا ربّ واجمعنا وأحبابنا لنا ** في ذلك الفردوس أطيب موضعِ

فضلاً وإحساناً ومَنّاً منك يا ** ذا الجود والفضل الأتمّ الأوسعِ

شكر الله السعي لعلمائنا وأعياننا والحاضرين معنا، وبارك الله أعظم البركة في المُدرّسين والطالبين وفي القائمين بهذه الخدمات، وكلّها إن شاء الله مذكورة ولهم عند الله مذخورة ليوم لقائه، نظر الله إلينا وإليكم، وعجّل الله بتفريج الكروب عنّا وعنكم وعن الأمة.

والإجازة كما كان يُعبِّر بعض العارفين: حبل الاتصال وعَصب الانفصال، وقَطْر الرجال بالرجال كما قُطِر الجِمال بالجِمال، حتى إنه إذا قُطِرت الجِمال بالجِمال تواصلت القافلة، فلو كان ما يعرف الطريق إلا أول جمل لوصلت كلّها من ورائه يعرفها، وهكذا شأن ما عُرف بين الأمة بالإجازة، وهو الإذن الخاص في العمل بالشرع والقيام بِحقّه، والإجازة العلمية في رواية العلوم، الإجازة في العلوم والإجازة في الأعمال.

وإن صحّت لنا الإجازة عن شيوخنا وسلاسل إسنادهم، أجزناكم في التعلّم والتعليم والتذكّر والتذكير والنفع والانتفاع والدعوة إلى الله عزّ وجلّ، على قدم الصدق والإخلاص والتواضع والرحمة بالأمة، أجزناكم في ذلك وفي ما يُقرِّبكم إلى الله، وما صحّت لنا فيه الرواية من كتب التفسير والحديث وعلم الشريعة المصونة وعلوم أهل الفضل، أجزناكم في ذلك وروايته.

اللهم اجعلها ساعة قبول، أنِلنا غايات المأمول، اجمعنا بسيدنا الرسول، ثبّتنا على الحق فيما نفعل وفيما نقول، وفيما نعتقد وفي جميع الشؤون، في الظهور وفي البطون. لا غيّبتَ أحداً منّا عن مجمع ظلّ العرش، لا غيّبتَ أحداً منّا عن الحضور تحت لواء الحمد، لا غيّبت أحداً منّا عن الحوض المورود، واجعلنا في أوائل أهل الورود يا برُّ يا ودود.

دعوة نبيّك للشام واليمن أرِنا آثارها في السرّ والعلن، وادفع جميع الفتن والمحن، يا مجيب من دعا، يا من لا يُخيّب مَن رجا، يا حيّ يا قيّوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، ثبِّتنا واقبلنا على ما فينا، وأقبِل بوجهك الكريم علينا برحمتك، بسرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

12 ربيع الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

03 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية