(228)
(536)
(574)
(311)
كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ليلة ذكرى المولد النبوي الشريف في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي شرَّفَنا بسيِّدنا طه الْـمُجْتَبى الْـمُصْطفى الأمين، خاتمِ النَّبِيِّين، وسَيِّد الْـمُرسَلين، وأكْرَمِ الأوَّلَين والآخرِين على اللهِ ربِّ العالمين.
اللهُمَّ أدِم صلواتِك على السِّراجِ الْـمُنير، والْبَشيرِ النَّذير، عبْدِك الْهَادي إلى سَواءِ السَّبيل؛ إلى صِراطِكَ الْـمُستقيم، صاحبِ الْخُلُقِ العظيم، والجاهِ الواسِع الفَخيم، وعلى آلهِ وصَحْبهِ ومَن سارَ في سَبيلهِ القَويم ، وعلى آبائِهِ وإخْوانِه مِنَ الأنبياءِ والْـمُرسلينَ أهْلِ التَّبْجيلِ والتَّكريمِ والتَّفخيمِ والتَّعظيمِ، وعلى آلِهم وصَحْبهِم وتابِعيهِم، وعلى ملائكتِكَ الْـمُقرَّبينَ، وجميعِ عبادِكَ الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم بِرَحْمتِكَ يا أرحم الراحمين.
ونازَلَتِ الْأُمَّةَ في شَرْقِها وغَرْبِها ذِكْرى وِلادَةِ نَبيِّها الْـمُبعوثِ بالرَّحمَةِ، سِراجِ الظُّلمةِ، وكاشِف كُلِّ غُمَّة، وجالِي كُلِّ ظُلْمَة، صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ وعلى آله وصَحْبِه الْأئِمَّة، وعلى مَن تابعَهُ في كُلِّ مُهِمَّة، وجعلنا اللهُ وإيَّاكم منهم.
وحُقَّ لِلأمَّةِ أنْ تَتَذكَّرَ مِنَّةَ الوهَّاب الْخلَّاقِ الرحمنِ عليها باصطِفائها بِحَبيبِه مُحمد صلى الله عليه وسلَّم، وتَخصيصِها بِأكرَمِ الأنبياءِ وأعظمِهم مَنْزِلةً لَدَيْهِ، وأحبِّهُم إليه، فكانَ حَظَّنا مِنَ الأنبياءِ وهو سيِّدُ الأنبياء، وبه جُعِلنا خيرَ أمَّة، فَحُقَّ لِلْأُمَّةِ أنْ تَتَذكَّر مِنَّةَ الله عليها ونِعْمةَ الله عليها في اتِّصالِها بالسِّراجِ الْـمُنيرِ والْبَشير النَّذير، سيِّدنا محمد صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم، وعلى مَن سارَ في دَرْبهِ الْـمُنيرِ، وعلينا معهم وفيهم.
أيُّها المؤمنونَ باللِه تعالى في عُلاه: ماذا يُنازِلُ قلوبَ أهلِ الأرضِ مِن شَوْقٍ أو محبَّةٍ أو تعظيمٍ أو اتِّصَالٍ أو انْتماءٍ في مُختلفِ شُؤونِهم وأحوالِهم المُخْتَلِفَة، إنَّ ما يُنازلُهُم راجِعٌ إلى غايةِ ما أُعْطُوا في قلوبهِم، مِن مَعْرِفَةٍ أو جَهالَة، مِن هُدَى أو ضلالة، مِن خيرٍ أو شَر، مِن نورٍ أو ظُلْمَة، وعلى أساسِ ذلك تَحصُلُ منهم الاحْتِفَاءات والاحْتِفالات والتَّوَجُّهات والْـمُيولُ والرَّغبات والمحبَّة..
أيها المؤمنون بالله: مَن عرفَ الحقيقة مِن الخليقة فاستمسَكَ بِالعُروَةِ الوثيقة مُؤمناً باللهِ جلَّ جلاله موقِناً أن لا إله إلا هو وحدَه لا شريك له.. فهو الذي يتنوَّرُ قلبُه بإدراكِ هذه الحقيقة، فلا يستمسكُ إلا بِخِيارِ الخليقة، ولا يُحِبُّ في الكائناتِ والمخلوقاتِ أحداً كَمُحمَّد، ولا يُوالي مِن خَلقِ اللهِ أحداً مِن أجل الله كَولائهِ للنبيِّ محمد، ولا يُعَظِّم مِن خلقِ الله وكائناتِ الله ومَصْنُوعاتِ الله أحَداً كما يُعَظِّمُ مُحمّدًا؛ ذلكُم مُقتضى إشراقِ نورِ الهداية، وإشراقِ نورِ الحق، وإشراقِ نورِ المعرفة، وإشراقِ نورِ الصِّدق، وإشراقِ نورِ الفَضلِ مِن اللهِ تبارك وتعالى..
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ)؛ يُزَكِّي اللهُ تعالى مَن يشاءُ بأيِّ الوسائط، بأي الأسباب، بأيِّ الأمورِ يُقيمُها، جعل الله تعالى وسائلَ لِلتَّزْكِيَةِ، وَوَلَّى شُؤونَ هذهِ التَّزْكِيَة بإذْنهِ للنُّفوس: أنْبِياءَهُ ورُسلَه صلواتُ الله وسلامه عليهم، ويَنْدَرِجونَ ووسائلُهم وما تَلقَّى عنهم مَن تزكَّى ومَن أُهِّل لِأن يُزَكِّي، تندرج كُلُّها في ذاتٍ وُكِلَت إليها التَّزكِيَةِ بِنَصِّ الآيات:
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.(
)وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).
فكانتِ الذَّاتِ الأشرف التي وُكِلَ إليها شأنُ هذه التزكية لِمَن اختارهُم اللهُ تبارك وتعالى وشرَّف، مِمَّن أرادَ أن يُزَكِّيَهُم بِفضلهِ ورحمتهِ؛ لِيَصلُحوا لِقُربهِ ولِحقائق حُبِّهِ ولِرِضوانهِ، وللنَّظَرِ إلى وجههِ الكريم، اللهم ألحِقنا بهم واجعلنا مِنهم بمَحضِ فَضلِك.
ووجبَ على الأمة في هذهِ الذِّكرى أن تتحرَّر مِن كُلِّ ما يُخرِجُها عن صِدقِ الاقتداءِ والاهتداء بِنبيِّ الهُدى صلى الله عليه وسلم، ويُعَوِّقُ الفردَ منهم والأسرةَ والجماعةَ والطوائفَ والشعوبَ والدُّوَل، يُعَوِّقهُم عن حُسنِ التَّبَعِيَّة التي فيها محبَّةُ ربِّ العالمين، وفيها سعادةُ الدارين (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، يتحرَّرونَ عما داهمَهُم في نِيَّاتهِم وأفكارهِم وتَصَوُّراتهِم وَوِجهاتِهم مِن تَبَعِيَّةِ فُسَّاقٍ، وأعْدَاءِ خَلَّاق، وخارجينَ عن الوِفاقِ مِن أهْلِ الشِّقاقِ والنِّفاق، ما كان لهُم أن يقودوا رقبةَ مؤمن، وما كان لهم أن يأخذوا بِيَدِ مؤمن إلى السُّوءِ والشَّر، أولئك الضُّلَّال وأولئك الجُهَّال، نَصَبُوا شِراكَ وشِباكَ جَذْبِهِم إلى السُّوءِ ودَعْوَتِهم إلى الشَّر تحتَ إمَارةِ عَدُوٍّ لله وعَدُوٍّ لِخلْقِ الله؛ خصوصاً المُكلَّفين مِن الإنْسِ والجِن؛ إنهُ إبليس الْفَرْدُ الذي اقْتَضَت حِكْمَةُ الجبَّار الأعلى أنْ يكونَ مَحَطَّ الكُفْر والشرِّ والفَسادِ والضُّر (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا * إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا).
ألَا كُلُّ مَن ضَيَّعَ أوامِر مِن أوامِرِ الله في أيّ ناحِيَةٍ مِن نواحي حياتِه، وكُلُّ مَن اسْتَبْدلَ سُنَن مُحمّدٍ بن عبدالله بما يُخالِفُها ويُضادُّها، وكُلُّ مَن كان عُنْصراً للإفْسادِ، أو عُنصراً للتَّحريشِ بين النَّاس والتَّفْريقِ ولِإثارَةِ البَغْضَاءِ، فهو مِن جُمْلَةِ مَن تأثَّرَ بِدَعْوَةِ إبليس وتَجنَّدَ معه -والعياذ بالله تبارك وتعالى- واتَّخذهُ وَلِيّاً مِن دونِ الله.
فوَجَب أنْ نُطَهِّر قلوبَنا وعقولَنا ودِيارَنا ومَسارَنا في الحياة مِن هذه التبعِيَّةِ الْـمَشْؤومَة الْمَذْمومَة الْحَقيرَة، الْـمُؤَدِّيَةِ إلى الغَضَب؛ غَضَبُ الْإلَهِ جَلَّ جلاله، والانقطاع عن أنْبِيَاه، وأنْ يتَجَدَّدَ فينا على ظَهْرِ الأرْضِ تَبَعِيَّةٍ لِمُحمَّد بِن عبدالله؛ الذي اصطفاهُ الله واجتباه، وَوَعدنا على اتِّباعِه الغُفْرانَ بعد المحبَّةِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ، على قوَّةِ ارْتِبَاط، وحُسْنِ انْضِباط، وَوَرَعٍ واحْتِيَاط.
وذاكُمُ النَّصرُ كُلُّه في الدارين، وتِلكُمُ السَّعادة كُلّها في الحيَاتَيْن، وذَاكُم كَشْفُ الْغُمَم، وجَلاءُ الظُّلَم، وانْدِفَاع النِّقَم، وانْبِسَاطُ النِّعَم، ذَلِكُم الخيرُ كُلُّه (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).
يجبُ التَّخلُّص مِن قيادةِ الْفُجَّار والأشرارِ لِلأفرادِ مِنَّا والجماعات؛ لِنَنْقادَ بِنورِ اللهِ بِيَدِ حبيبهِ الْـمُختار صلى الله عليه وسلَّم، ويَعودُ تَحْكيمُهُ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.(
فَلْيَتَحَقَّقوا بالإيمان، وَلْيَسْتَكْمِلوا الإيمان، مَن على ظَهْر الأرْضِ مِمّن صَدَّق بِبِعثَة سَيِّد الأكوان، لِيَتَحقَّقوا بالإيمان وَلْيَسْتَكْمِلوا الإيمان؛ بإقامةِ التَّحكيم التَّام لِمَن أُنْزِلَ عليهِ القرآن (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.(
كُلُّ مَن حَكَّمَهُ فهو صلى الله عليه وسلَّم بِرُوحهِ ومَعْناهُ ونورهِ وشَرْعهِ موجودٌ معه وفيه، ويَحِقُّ أنْ يُتْلَى عليه: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)، وأنْ يُتْلَى عليهم حديثُ: (إن يُبعَث -الخبيث أكبر الفِتَن الدَّجّال- وأنا فيكُم فأنا حَجيجُهُ دُونَكم) .
إنَّ أهْلَ هَذهِ الصِّلَةِ به يَدْفَعُ اللهُ عنهم شرَّ أكبر الفِتَن -فضلاً عن أصْغَرِها- أكبر الفِتَن في العالَم تَنْدَفِع ما دام فيهم، وما دام موجودٌ بينهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ أما وُجودُهُ الْجِسْماني فقدِ انْتَهى بِحُكمِ اللهِ بِخُروجِ روحهِ الطَّاهِرَة الكريمةِ مِنَ الْجَسَدِ الذي ما مِثلهُ جَسَد، التي حَلَّ فيهِ روحٌ ما مِثلها روح، كانت سيِّدةَ الأرواحِ كُلّها وأصْلُ الأرْواح، وكذلكم هذا الجَسَد الشَّريفِ المُطَهَّر خَيْرُ الأجْسادِ على الإطلاق، وما عُرِفَ جَسَدٌ لِأَحَدٍ مِن أهْلِ الأرْضِ ولا مِن أهْلِ السَّماءِ جاوَزَ سِدْرَةَ المُنتهى والحُجُب، ثُمَّ بَلَغَ قابَ قَوْسَيْنِ أو أدْنى إلا هذا القَلْب وهذا الرُّوح وهذا الجَسَد، الذَّاتُ بِكُلِّها مَخْصوصَة، الذَّاتُ بِكُلّها مُصْطَفاة، الذَّات بِكُلّها مُمَيَّزة، الذَّاتُ بِكُلِّها عالِيَة، الذَّاتُ بِكُلّها فَوْقَ كُلِّ الكائِنَات، ذاتُ خَيْرِ الْبَرِيَّات، مَن به مُيِّزْتُم وشُرِّفْتُم، ألا فاخْرُجوا مِن وَرَطاتِ الاتِّباعِ لأعْدائهِ ولِمَن خالَفَ.
وما مِن أحَدٍ إلا ولهُ تحكيمٌ وقِيادَةٌ يَتَحَكَّم لها ويَنْقادُ؛ حتى أهْل الأهْواءِ؛ بل تُقودُهم أهْوائُهُم، بل تتألَّهُ عليهم، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)، فكُلُّهم مُنقادُونَ ومُحَكِّمون؛ أرْبابُ الأهوِيَةِ و أرْبابُ الفساد و أرْبابُ الأحْزابِ، و أرْبابُ الاتِّجاهات على ظَهْرِ الأرْضِ، لكن لِمَن تَحكَّموا؟ لكن لِمَن انْقادوا؟!.
وكُلُّ قيادةٍ خالفَت قِيادةَ مُحمَّد فهي فسادٌ خالِص، وهي ظُلمةٌ خالِصَة، وهي ضلالٌ تام، والعِياذُ باللهِ تباركَ وتعالى، وما الْحقُّ إلا مع حبيبِ الْحَقِّ ونبيِّ الْحَقِّ، حكَّمَ اللهُ نورَهُ وهَدْيَهُ وشَريعتَهُ على عقولِنا وقلوبِنا وعاداتنا، وألبِسَتِنا وطعامِنا وشرابِنا ومعاملاتِنا كلِّها، ورَدَّ اللهُ لنا القِيادةَ المُوجبةَ للسعادة، إنه أكرمُ الأكرمين.
يَحِقُّ لِلْأُمَّةِ في هذه الذِّكرى أنْ تَتَهيَّأَ لِلبُشرى بِسُلوكِ سَبيلِ اليُسْرى والصِّدْقِ مع الرَّبِّ سِرّاً وجهراً، في تحكيمِ هذا المُصْطفى في جَميعِ ما يُنازِلُنا مِن أقْوالٍ وأفْعالٍ وَوِجهاتٍ، وما مِن بُقعَةٍ ولا زمَنٍ إلا وفيهِ مَن إذا أُطيعَ أُطيعَ رسولُ الله، ومَن يَهدي إلى سبيلِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصَحْبِهِ وسلَّم، مِن خُلفائِه وأتباعِه، مِن الطائِفَةِ الذينَ لا يزالونَ ظاهرين، ومِن عُدولِ كُلِّ خَلَف، ينفُونَ عن الدِّينِ تَحْريفَ الغالِين وانْتِحالَ المُبطلين وتأويلَ الْجاهلين، وبالرُّجوعِ إليهم يَصِحُّ الرُّجوعُ إلى رسولِ الله، ويَصِحُّ تَحْكيمُ حبيبِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم.
فَلنَنبُذ قياداتٍ أقامَها العَدوُّ إبليس، ولْنَرْجِع إلى قياداتٍ أقامَها الملِكُ القُدُّوس، محمَّدٌ وأهْلُ تبعِيَّتِهِ؛ كَمِثل السَّابقين الأولين مِنَ الْـمُهاجِرينَ والأنْصارْ والَّذين اتَّبعوهُم بإحْسان، ومَنْ أقامَهُم اللهُ إرضاءً له على ظَهْرِ الأرْضِ مُقْتَرنِينَ بالْقُرآنِ، وخُلُفَاءَ لَهُ في البَيانِ والْهِدايَةِ والرَّشاد، فيما قالَ لَهُ الكريمُ الجَوَاد: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ.(
يا مَن إليهِ تَصِيرُ الْأُمُور انْظُر إلى قُلوبِنا وقُلُوبِ مَن آمنَ بهذا النَّبِي، وطَهِّرْها مِنَ الْكُدورِ، وطَهِّرْها مِن الزُّور، وطَهِّرْها مِن الغُرور، وطهِّرْها مِن تَسْليمِ الزِّمام في قَليلٍ أو كَثير، أو صغيرٍ وكبير لِغير نَبيِّك مُحمّد، وكُلِّ خارِجٍ عن دَرْبِ نَبيِّكَ مُحمَّد، وأحْكِم لنا التَّحْكيمَ لَهُ في شُؤونِنا كُلِّها بِاحْتِكامِنا لِمِنْهاجِهِ وشَريعَتهِ وخُلَفائهِ على ظَهْرِ أرْضِك.
يا مُجيبَ الدَّعَوات اجْعلها لَيْلةً مِن أبْرَكِ الليالي على أمَّةِ عَبْدِكَ خَيْرِ الْبَرِيّات، اكشفِ الكُرُباتِ وادْفَعِ الظُّلُماتِ وارْفَعِ الْآفات، وَحَوِّلِ الْأَحْوال إلى أحْسَنِها.
إلهَنا لا تَدَع حاضِراً ولا سَامِعاً ولا مُشاهِداً ولا مُوالِياً إلا رَحِمْتَه، إلا أكْرَمتَه، إلا طَهَّرتَه، إلا نَوَّرتَه، إلا وفَّقتَه، إلا أصْلَحْتَه، إلا مَنَحْتَهُ كمالَ التَّحْكيمِ لِنَبِيّكَ مُحمَّد، في كُلِّ قَليلٍ وكَثيرٍ، وصَغيرٍ وكبير، ونِيَّةٍ وعَقيدةٍ، وقَصْدٍ ومُرادٍ وقَوْلٍ وفِعْل، ظاهِراً وباطِناً، يا الله يا أكْرَمَ الأكْرَمينَ يا أرْحَمَ الرَّاحمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
12 ربيع الأول 1445