كلمة الحبيب عمر بن حفيظ في مجلس البردة، صلالة 1447هـ
كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، في مجلس البردة، في مسجد السقاف، مدينة صلالة، سلطنة عمان، ليلة الإثنين 9 ربيع الأول 1447هـ
نص الكلمة مكتوب:
الحمد لله على مجامع يُراد منها جمع القلوب على الإله الحق، والتلقِّي لفائضات جوده سبحانه وتعالى التي بها قدره في الأزل قد سبق، بتخصيص قلوب تتعلّقُ به جلّ جلاله، بفضله مستجيبة مُلبِّيَة لدعوة الحق على ألسن أهل الصدق من الرسل، إلى أن خُتموا بالرسول الأصدق صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله.
فكانت سرايات سوابق السعادة التي سبقت في الأزل من الله لمن أراد أن يُسعدهم، تحمِل قلوب هؤلاء السامعين لنداء الحق على ألسن رُسله ليستجيبوا ويُلبّوا ويدخلوا في تلك الدائرة التي جعلها الله لأولي الألباب في نصّ الكتاب.
استجابة المؤمنين لنداء الإيمان
وذكر لنا من أخبارهم وشأنهم قولهم: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا). وما المنادي إلا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب ﷺ، الذي اجتمعتم لذكره وذكر أخباره وسيرته، وهذه الفصول التي نُسجت في وصفه وما جاء عنه وما جاء به عليه الصلاة والسلام.
(مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
يُبيّن هذه الدعوات في شأن هؤلاء الذين اصطفاهم بارئ الأرض والسماوات، منهجهم وفكرهم وتعلُّقات قلوبهم، وماذا يدور في خَلَد أحدهم وفي باطنه وفي ضميره وفي عقله، فبسط الحق لنا هذه الدعوات لنعلم المسار الذي مضى عليه الأخيار، ومن أجاب دعوة النبي المختار صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله.
المواريث المباركة للرسالة والنبوة
حتى جاءت هذه المواريث المباركة للرسالة وللنبوة، ومواريث الكتاب والسُّنة، ومواريث مَن أُنزل عليه الكتاب وجاء بالسُّنة، ومواريث مَن ورثوا عنه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وتلقّوا وخلفوه بالخلافة التي أشار إليها في حديثه.
يقول: "اللهم ارحم خلفائي" ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: "قوم يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلّمونها عباد الله جلّ جلاله"؛ فهؤلاء الخلفاء أهل الرشاد والسداد، عليهم رضوان الله.
يُبقي الله في الأمة منهم بقايا، ينشرهم في مختلف بقاع الأرض، ويجعل لهم سبحانه وتعالى اتّصالات، ويجعل لهم سبحانه وتعالى وصلات قلبية وتداخلات، كلٌّ منهم إلى من فوقه وإلى من في دائرته وإلى من اتّصل بتلك الدائرة، على تلك المراتب التي رتّبها الحق تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).
فضل المجامع المباركة
فكانت من شؤون هذه المواريث أن تجمع القلوب على الحق جلّ جلاله، ليحضر المؤمن مثل هذا المجمع فينتفع ويرتفع، حينما يستمع بوجهة، وحينما ينصِت بإقبال، وحينما يَحسُن منه الاستقبال لفائضات النوال من الجود الهطال، من حضرة ذي الجلال، الذي لم يزل عطاؤه في توالٍ بما لا يخطر على ذهن ولا على بال، ذلك فضل الكبير المتعال الذي ما قطعه عن العباد المتوجّهين إليه والمتذلّلين بين يديه.
والحمد لله الذي جمعنا في هذه الساحة المباركة، وهذه البقعة، وهذا المسجد، وهذه الخيرات والترتيبات، وهذه الاتّصالات القلبية والروابط التي ربطتنا بسرّ روابط "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وسرّ ما ألّف الله به بين قلوب الذين لبّوا دعوة النبي محمد.
وقال عنهم سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ). فكانت بهم من الله تعالى نُصرة للنبي محمد، نُصرة للنبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
مجالات نُصرة النبي ﷺ
أحدهم يهتدي ويقتدي فينصر رسول الله في باله وفي ضميره وفي سرّه، بإخراج الصفات المذمومات كلّها عن ضميره وعن باله وعن وجهته وعن قلبه محلّ نظر ربّه جلّ جلاله.
وينصر النبي محمد ﷺ فيما يعلق به من مثل هذه المجامع، ليُقيم سُننه في داره وفي أُسرته وفي بيته، وليُخلِّص داره من كلّ ما خرج عن سُنّة هذا الحبيب ﷺ وعن منهجه القويم وهديه الشريف الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وينصر رسول الله ﷺ فيما يبعد عنه من كلّ شُبهة ومن كلّ حرام في أيّ معاملة من المعاملات، وفيما يرجع فيه في الاستفتاء إلى أهل الحق والهُدى والعلماء العارفين الربّانيين الخاشعين الخاضعين، الذين يخافون الحق سبحانه وتعالى ولا يخشون غيره جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وتمتدّ له آفاق النُصرة لرسول الله وتأييد لحبيب الله بوجهته وبنيّته من الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).
وبه تجدون في المجمع هذا من بلاد شتّى وقبائل شتّى، اجتمعنا وبيننا رابطة في المحبّة؛ ما الذي ربط بيننا؟ وما الذي جمع بيننا؟ الحمد لله على هذه التجلّيات الربّانية، بأسرار بلاغ المصطفى ﷺ عن الحق وختمه للرسالة والنبوّة، فبقيت في الأمة هذه المواهب الإلهية يهبها لجمع القلوب عليه والوجهة إليه سبحانه وتعالى.
الدعاء للحاضرين والأمة
والله يوفّر حظّنا، والمواطن درج فيها ومضى أكابر من الأخيار وجواهر من خيرة الأبرار، عليهم رضوان ربّنا، وأدركنا من أواخرهم مَن أدركنا في هذه المواطن، أعلى الله لهم الدرجات وجمعنا بهم في أعلى الجنّات، وبارك لنا أوسع البركات في أولادهم وأحفادهم وأسباطهم وذراريهم والمتحابّين في الله وفي خلفائهم وورثتهم.
وهذا فضل الله على هذه الأمة في انتشار هذا الخير وبقائه على ممرّ القرون، وبقاء من يهدون بالحق وبه يعدلون.
والله يجعلنا وإيّاكم من خيارهم، ويجعلها ساعة من أشرف الساعات ومن أبرك الساعات على صغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأُنثانا وعلى هذه الأمة المحمدية.
اللهم اجمع هذه القلوب عليك، وارزقها صدق التوجّه إليك، وأقبل بوجهك الكريم علينا، وأقبل بوجهك الكريم علينا، وأقبل بوجهك الكريم علينا. وإذا أقبل ربّكم على عبد ساد ذلك العبد، وعلى شأن ذلك العبد، وصار ذلكم العبد في رفعة لا يُحاط بها، وفي تهيئة وإعداد من الله أبى أن تعلم نفس مل أخفي لهم من قرة أعين.
أقبل بوجهك الكريم علينا، أمتعنا ببقيّة شيباننا، وبارك لنا في من حضر من كبارنا ومناصبنا، وحبيبنا محمد بن سالم وطوّل الله عمره، وحبيبنا محمد بن عبد الله، وجاءكم الحبيب المنصب المحضر، وجاءكم منصب الإمام عمر بن عبد الرحمن العطّاس، وكثير من الأعيان، وكثير من أهل القلوب المتوجّهة من بلاد شتّى وقبائل شتّى.
كلّهم مجتمعون يطرقون باباً واحد ويريدون واحد، دعاهم إليه من تفرّد بالمزايا والخصائص، خير البرايا، حبيب الرحمن، العبد الخالص ﷺ.
فيبارك الله لنا في مجمعنا، يبارك الله فيمن حضر، يبارك الله فيمن في بيوتهم ومنازلهم، ويبارك الله فيمن في أصلابهم، ويجعلها ساعة من أبرك الساعات تعود خيراتها على صغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأُنثانا.
اللهم ارزقنا القبول، وأنلنا غايات السؤول، وربطاً بسيّدنا الرسول، لا ينحلّ، نبلغ به المأمول وفوق المأمول في عافية، يا برّ يا وصول، يا أرحم الرحمين.
09 ربيع الأول 1447