(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مسجد الشيخ زايد، في العقبة، الأردن، ليلة الإثنين 29 صفر 1446هـ بعنوان:
شئون الصلات بأنواعها وآثارها في الدارين
الحمد لله، الإله الواحد الأحد الخالق الرزاق المنّان القوي المتين القدير، العليم اللطيف الخبير، السميع البصير، الذي بيده أمر المقادير والتقديم والتأخير، وإجراء جميع الشؤون في الظهور والبطون، كل يوم هو في شأن، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ). لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، آمنا بك وبما جاء عنك على مرادك.
ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدك ورسولك، وحبيبك المجتبى المختار الذي اخترته واصطفيته، وقرّبته وأدنيته وأعليته، وقدّمته على جميع من سواه، فهو الحبيب وهو الشفيع، وهو سيد أهل القرب والمناجاة.
اللهم أدِم صلواتك على عبدك الذي جعلتنا به خير أمة، خاتم النبيين وسيد المرسلين، أول شافع وأول مشفع، ذي الجاه الأوسع والقدر الأرفع، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن له أحب ووالى واتبع، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، سادات من شرفهم الله ولقدرهم رفع، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد، ففي هذا اللقاء المبارك فيما سمعنا عنه من اتصالات شأنها شأن، وأقول اتصالات شأنها شأن لأن جميع الصلات والاتصالات بين هؤلاء المخلوقين والمكلفين من الإنس والجن تتساقط وتتهافت، وتنقطع وتتحول إلى شقاق وإلى سباب وإلى تلاعن والعياذ بالله، إلا ما كان من الصلات لله الحي القيوم الذي لا يموت، ولوجهه يُقصد بها.
تلكم الصلات الشريفة الأبدية، تلكم الصلات الكريمة السرمدية، تلكم الصلات التي يُحمد عقباها ويُنال بها مراتب القرب من الإله تبارك وتعالى، والسعادة على وجه الحقيقة في الغيب والشهادة.
الصلات لله ومن أجل الله، ما سوى ذلك من أنواع الصلات: صداقة ومعاهدة ومزاولة وعملاً وإلى غير ذلك، وثقافة وأخذ وعطاء وسياسة، تضمحل وتتلاشى ويتحول أكثرها إلى عِداء وإلى سب وشتم وإلى لعن والعياذ بالله تعالى.
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ) يوم انكشاف الحقيقة واجتماع الخليقة (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)، تلكم الصلات برسول الله، بكتاب رسول الله، بآل بيت رسول الله، بصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بخلفاء رسول الله وورثته من العلماء التي حظيت بها هذه البلدة والتي اتصلت بأنوار الإيمان واليقين والتصديق بما جاء عن الله ورسوله، وحقائق التوحيد لله والتصديق بمصطفاه ﷺ، هي التي تبقى وهي التي سمعتم الحديث عنها فيما سمعنا من هذا الترحيب في بلدتكم المباركة، زادكم الله فيها بركة ونورًا وخيرًا واتصالًا بأسرار الوحي والتنزيل وكلام الله لسيدنا موسى الجليل، وما جرى من الوحي الذي أوحي إلى خير قلب وعى عن الرب أسراره، قلب محمد ﷺ الذي قال عنه الإله في كتابه: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ).
(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ) وقال في الإبهام للإعظام لأسرار الوحي الذي أنزله عليه: (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ)، أبهمه لأن حقائقه لا تطيق العقول استيعاب ما فيها، فأبهم الحق شأن الوحي المُنزل على سيد الخلق ليلة الإسراء والمعراج: (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ). (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ).
أيها الأحباب، هذه الصلات التي سمعنا الحديث عنها في كلام سماحة المفتي وكلام مدير الأوقاف عندكم في هذه البلدة، صِلات متصلة بـ "لا إله إلا الله"، متصلة بالإيمان بالله وبرسوله، "ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان"، يخرج من دوائر النفاق ودوائر الشقاق ودوائر الوهم والخيال إلى حقيقة إيمان، إلى أن يذوق حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وهذه ركيزة الصلة وأساس الصلة: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
أي أن يكون هذا الإنسان المُوفّق محررًا، محررًا من أن يُستعبد لهوى أو لشهوة أو لمخلوق مثله، فيأخذون قلبه فيفرّقون فيه محبته إلى غير الإله الذي خلق، إلى غير الإله الذي يستحق المحبة قبل كل شيء، بل ولا يجوز أن يُحَب غيره إلا من أجله، إلا ما أحب أن نُحِب، وهذه هي العبودية، وهذا معنى مقتضى كلمة "لا إله إلا الله".
أتظن أنها قول يقال باللسان ثم يُلعب بالقلب ليحب ذا وذاك من دون الله وما لم يشرع الله حبه؟ "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" فركيزة الصلة الصحيحة المليحة الطيبة المُثمرة للسعادة أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما؛ ماذا سواهما؟ دنيا؟ دنيا وأرض وسماء وكل شيء حتى الجنة، لا يجوز أن نحبها أكثر مما نحب الله خالقها ومُسخرها، ولا يجوز أن نحبها أكثر مما نحب رسول الله، الذي هو مفتاح الدخول إليها وسبب الوصول إليها، "إن الله حرّم الجنة على الأنبياء حتى أدخلها أنا، وحرّمها على الأمم حتى تدخلها أمتي" صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
أسرار المحبة التي هي تعبير ناطق صريح واضح عن الإيمان، إن ضعف أو قوي، إن صح أو لم يصح، إن وُجد أو عُدم، فالعنوان لكل ما في القلب من حقيقة الإيمان وصحته وقوته أو ضعفه وقلته أو عدمه: محبة هذا القلب، أين تنصرف محبة القلب، هذا هو التعبير عما في القلب، هذا عنوان ما في القلب، من تحب وماذا تحب؟ كيف تصبح وكيف تمسي؟ ما الأحب إليك؟ أطعام أم شراب أم مال أم جاه، أم سلطة أم مظهر أم دنيا أم حزب أم هيئة؟ ما الذي تحب؟ ما الذي يأخذ بقلبك في الليل والنهار، تنشد إليه إعظامًا وإجلالًا ومحبة ومودة؟
إن عرفت الصحيح والمسلك المليح فالله ورسوله، الله ورسوله أحب من كل ما سواهما، فأغلب ما يخطر على بالك وفكرك: الله ورسوله، في صباحك ومسائك، بل في بيعك وشرائك، في طعامك وشرابك، لا ينقطع البال عن ذكر ذي الجلال والإفضال والنوال، رب الكمال، ولا ينقطع عن ذكر محمد.
إن صلينا صلينا محبة لله، ولرسوله مُتبعين له، "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وإن تطهرنا وتوضأنا فكذلك، وإن لبسنا أخذنا نعمة الله لنستر عوراتنا ولنظهر نعمته علينا، ولنتبع نبيه ﷺ في اللباس، وإن شربنا وإن طعمنا "باسم الله".
حتى منامنا، من الأدعية التي علمنا إياها صاحب الرسالة: "باسمك ربي وضعت جنبي"، ترى جنبك هذا ووضعه في أي فراش أو سرير أو غرفة باسم الإله تضعه وباسم الإله ترفعه، هذا الولع بالله، هذه المحبة لله، هذا التعظيم "باسمك ربي وضعت جنبي"، لا لمجرد عادة الناس يحتاجون إلى النوم فأنام، ولكن النوم الذي خلقه الله وخلقني لأعلم ضعفي، من الذي رتّب على الخلائق النوم؟ أوزارة أو دولة أو حضارة أو شيء من المؤسسات هي التي رتبت للعباد النوم وفرضته عليهم؟ مظهر من مظاهر القهر، مظهر من مظاهر التدبير الرباني لهذا الإنسان الضعيف، الذي يتعالى غُلوًا وجهلًا واستكبارًا بشيء مما يؤتى، وهو والذي أؤتي فعل الله وصنعة الله وتحت قدرة الله وفي يد الله.
(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)، وكانت العاقبة أن علائقهم وصِلاتهم كلها تبعثرت، بل اضمحلت وتلاشت، وجاؤوا إلى مستقبل عذاب من يوم هُلكوا إلى الليلة وهم معذبون في البرازخ والقبور إلى يوم البعث والنشور يدخلون النار، قال: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ).
وراح التطاول، وهم وحدهم؟ هم والذين قبلهم من قوم نوح، والذين بعدهم إلى الموجودين في زمانكم من المتبجحين بقواتهم، من المتبجحين بخططهم، من المتبجحين بثقافاتهم، من المتبجحين بحضاراتهم، فليقولوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، ولينظروا ما تكون العاقبة، وليست عاقبة غير الذين كانوا من قبلهم في مثل قولهم، الذين كانوا من قبلهم في مثل قولهم، أين ذهبوا؟ أين آثارهم؟ إلى ماذا انتهوا؟
كم طوائف في هذه الأمة الواحدة من عهده ﷺ إلى اليوم؟ كم أفكار قامت في الأرض؟ كم مُعاداة لله ورسوله قامت في الأرض؟ كم اتجاهات؟ كم ثقافات؟ كم أحزاب؟ وكم دول؟ وراحت الأولى بعد الثانية والثالثة بعدها الرابعة وبعدها الخامسة بعدها السادسة واضمحلوا، فهل يرون الذين في زماننا أن تكون عاقبة غير عاقبة الذين مضوا؟ (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ).
يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) بداية من أول مخالف لمنهج الذي خلقه من هذا الصنف من أجناس الموجودات وهو الإنسان، من عند قابيل، ضل سعيه وما نفع فكره، وطريقة تفكيره أدته إلى خسران مبين وإلى شقاوة أبدية، واعتدى وقتل أخاه حسدًا (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا) - وهو هابيل - (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) - وهو قابيل - (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ).
بداية الفساد على ظهر الأرض "لأقتلنك". كان المنطق أن يقول: "تقبل الله منك، لأكرمنك ولأحبنك ولأقتدين بك حتى يقبل مني كما قبل منك"، ولكن اعوجاج، اعوجاج فكر الإنسان، انحراف إدراك الإنسان وتصرفه في الحياة، تقبل الله منك أو لأقتلنك؟ هذا جزاء من يتقبل الله منه؟ هل تقبل الله منه لأنه سيء؟ لأنه يستحق القتل؟ أو تقبل الله منه لأنه كريم طاهر مستقيم. مثل حسن، قال: "لأقتلنك" قال له أخوه: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
ثم أعطاه أن طريق التفكير هو وصلته بأخيه متعالية عن الهوى وعن الشهوة وعن الحسد، وعنها مبنية على الاتصال بـ "لا إله إلا الله" وبنور الوحي الذي أوحاه الله إلى أبيهم آدم، (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) لماذا؟ في مثل هذا الموقف، ألِجُبن؟ أم لخوف؟ أم لضعف؟ لا، لا. ولو كان من المواقف التي يجب فيها الرد ويجب فيها المقاومة لكان من أسرع من يقوم بذلك، ولكن الموقف بين اثنين، وسوّل الشيطان لأحدهما فعل الجريمة، وقابله الآخر بأنه يعلم أن عفوه عنه وتجاوزه أفضل له عند الله، فلذلك قال: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
ما أخاف منك ولا تصعب علي أن أرد عليك وأقاومك وأسارع إلى قتلك، لكني أخاف الله (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)، وعظ لأخيه وإرشاد في هذا الموقف حرصًا على أن ينجو بنفسه (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
قال نبينا: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأول كِفل منها"، أنتم اليوم وبجواركم وفي الأرض كم نفوس تُقتل ظلمًا في اليوم الواحد؟ في وقت التطور ووقت حقوق الإنسان كما تدعي الحضارات الكاذبة المزيفة، ما نرى أن الإنسان أُهين كما أُهين في هذه الأوقات، ولا استُخف بدمه وشأنه كما استُخف به في هذه الأوقات، وصار الفخر باستعمال الأسلحة الفتاكة القوية للإضرار بالناس، لقتل الناس، هذه الحضارة وهذا ما فيها وهذا جوهرها.
أمر متناقض مع الفطرة، مع الإنسانية، مع العقل، مع الأديان، مع الدين الحق، ومع ذلك يتفاخرون به، "وما تُقتل نفس ظلمًا اليوم إلا كان على ابن آدم الأول كِفل منها"، انظر كيف جنى على نفسه وأين أوصل نفسه إلى تحمل هذه النفوس التي تُزهق بغير حق، ملايين من عهد آدم إلى اليوم في صحيفته مثل إثم هذا كله لأنه أول من سنّ القتل، "ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" كما روى الإمام مسلم في صحيحه "ومن سنّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
فصحِّح صلتك ولا تسُنّ سنن السوء، لا تجعل في بيتك عادة تصل إلى قبرك والإثم يصل إليك بسبب السنة التي سننتها في بيتك، تفرّج على صور قبيحة، قطيعة لرحم، عقوق لوالدين، تهاون بالصلاة تقوم به في بيتك وتهمله ثم تموت وتستمر الذنوب مما سننت في البيت، مما يفعل أولادك من بعدك، أحسن صلتك، اجعل صلتك لا توصل إلى ندامة ولا إلى حسرة.
(لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)، (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ) - يعني في النار - (لَّعَنَتْ أُخْتَهَا). (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا).
خطط عملتوها وحديث ضحكتم علينا وأفكار ألقيتموها علينا، خرجتمونا بها عن اتباع الحق ورسوله وعن حسن الصلة بالله وبرسوله، وأغررتمونا بشيء من المادة، بشيء من المال، بشيء من الوظيفة حتى اتبعناكم، (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا)، (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) والعياذ بالله تبارك وتعالى وكانوا في النار، قال تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين.
وهكذا (حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ)، (وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ)، عصينا وعصيتم، كذبنا وكذبتم، خالفنا وخالفتم، أخذنا المسكرات وأخذتم، عادينا النبوة وعاديتم، نحن وإياكم سواء، لماذا نحن بالضعف؟ (قَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ).
والحقيقة (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
أحسِن صلتك بالله، أن يكون هذه الركيزة أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وهذا الذي نرجو أن يكون بيننا وبين إخواننا، وهذا الذي نرجو أن يكون بيننا وبينكم، لا نتحاب من أجل تجارة ولا من أجل وزارة، ولا من أجل دنيا ولا من أجل حظ؛ ولكن "أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه" القلب الصحيح المقيم للصلة على المنهج السوي المليح لا يحب الكفر ولا الفسوق ولا العصيان، يكره ذلك، كما قال الله عن رعيلنا الأول: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).
وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار، أن يكون إدخاله إلى النار وأن يحترق أحب إليه من أن يكفر بالله، أحب إليه من أن يعصي الله جل جلاله وتعالى في علاه.
هكذا تقوم الصلات المباركات النافعات الدائمات التي تنتهي إلى "المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة، في ظل العرش: "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، "ليبعثنّ الله أقواما" في الحديث الصحيح "ليبعثن الله أقواما على وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الأنبياء والشهداء ليسوا بأنبياء ولا شهداء" قال أعرابي: جلهم لنا يا رسول الله نعرفهم، من هؤلاء؟ قال: "هم المتحابون في الله، من بلاد شتى وقبائل شتى يجتمعون على ذكر الله فيذكرونه"، هؤلاء يكرمهم الله تعالى والصلات بينهم كانت صحيحة، الصلات بينهم كانت طيبة مليحة، الصلات بينهم كانت من سر "لا إله إلا الله" وعلى قاعدة الإيمان بالله جل جلاله وتعالى في علاه.
كذلك يجب أن تكون الصلات بين المؤمنين. قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
(وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ..) مظهرهم في الحياة: (يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ..) على منهج غير قويم، لا تنس نصيبك من الدنيا: أن تُحسِن المعاملة فيها على منهج الله وتتزوَّد بها ومنها للدار الآخرة، لكن هؤلاء استمتعوا بها على معصية الله وعلى مخالفة شرع الله، وعلى ما تشتهي الأنفس مما حرم الله، (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) في تكذيب الأنبياء وردّ كلام الحق المنزل من السماء (أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ..) فإن الله من رحمته يرسل الرسل وختمهم بنبينا محمد، بلّغ الرسالة أحسن البلاغ ﷺ (فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
ثم ذكر المؤمنين والمؤمنات كما ذكرنا، والنهاية: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أيها الأحباب، جمعنا الله في هذه الليلة في ساعة لا نشُك أنه سيسألنا عنها يوم تقوم الساعة، ويسألنا لم تكلمنا وما قصدنا وما نوينا، ويسأل السامع عما استمع؛ ليثيب كل من صدق وكل من أقبل، وكل من عرف عظمة الألوهية والمرجع إلى الله الحَتمي لمن آمن ولمن كفر، لمن أقبل ولمن أدبر، الكل راجع إليه (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ) لأنه لا مرجع لغيره أصلا، ما أحد من العباد على هذه الأرض يموت فيرجع إلى دولة ولا يرجع إلى وزارة ولا يرجع إلى حزب، يرجعون إلا إلى الله، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)، (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) يقول الله جل جلاله.
الرجوع إلى الله، يثيب منا من صدق، يثيب منا من عرف سر هذه الصلات من أجل الله، إذا تحاببنا في الله على وجه الحقيقة واستمسكنا بالعروة الوثيقة، وحملنا أنفسنا على المشي في أقوم طريقة، طريقة محمد بن عبد الله، أحللنا ما أحل وحرمنا ما حرم وامتثلنا أمره واجتنبنا ما نهانا عنه، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
لم نُستعبد لأنظمة غرب أو شرق؟ أخلقونا أهم؟ أم مرجعنا إليهم؟ أم رزقونا هم؟ أم نتخذهم آلهة من دون الله؟
جاء سيدنا عدي بن حاتم عليه رحمة الله وكان قد تنصّر، سمع النبي يقرأ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)، فلما خرج يمشي معه ورأى خُلُقه، رآه يمشي في الطريق وجارية تستوقفه فوقف، تسأله فأنصت إليها وأجاب عليها وقضى لها ما أرادت، فقلت: ليس هذا بملك، وليس هذا من أهل الدنيا، وليس هذا إلا رسول حق، دخل إلى بيته، صادف في البيت وسادة واحدة قربها إليه، قال رددتها إليه فردها إلي ﷺ، قلت له، قلت: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)؟ ما عبدوا الأحبار والرهبان اليهود والنصارى، قال له صلى الله عليه وسلم: "ألم يُحرِّموا عليهم ما أحل الله لهم فاتبعوهم؟" قال: بلى. قال: "ألم يحلوا لهم ما حرم الله عليهم فاتبعوهم؟" قال: بلى. قال: "فتلك عبادتهم إياهم"
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)، لماذا باسم ثقافة أو باسم التطور ناس تابعين وناس متبوعين؟ ناس يفرضون القوانين ويسنّونها وناس يتذللون ويمشون؟ لماذا (يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)؟ معنا إله من فوق خلق الكل، ما أحل أحللناه وما حرم حرمناه، (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ).
إذا كان الصحابة مع قوة عبادتهم ومسارعتهم للجهاد في سبيل الله ومحبتهم أن تزهق أرواحهم من أجل الله يتدافعون الفتيا تعظيماً لأمر الشريعة، فما بال كل من جاء يفتي وكل من جاء يتكلم وكل من علم كلمتين نصب نفسه إمام الأئمة! لعب بالدين، استهزاء بالشريعة، استخفاف! فكيف إذا كانت ترعاها اتجاهات خبيثة من الخارج لتلعب بالمسلمين وتضرب بعضهم ببعض؟ أين حقيقة الصلة بالله؟ الحلال والحرام حق للواحد الأحد، هو الذي يحل ويحرم جل جلاله، ليس الحق لغيره لأن غيره لم يخلق أصلاً، ولم يُكوِّن، هذا الذي يولج الليل في النهار والنهار في الليل، من يتحكم بهذا؟ هل يمكن شيء من القُوى التي تطورت في العالم أن تولج الليل في النهار أو تولج النهار في الليل؟ تتحكم في سير الكواكب، سير الكرة الأرضية؟ هل ممكن؟ لا والله! هم مقهورون تحت حكم عاقل وصنعة صانع وخلق خالق، وإن كابروا، وإن أنكروا، هم مقهورون تحت حكمه!
ثم ينتهي كل شيء إذا خرجوا من هذه الحياة وأحيوا بعد الإماتة ونادى المنادي: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم) لمن الملك اليوم؟ تعالوا، هل لروم؟ ولا لفرس؟ ولا لليونان؟ ولا لروس؟ ولا لأمريكان؟ وإلا لصهاينة؟ وإلا لعرب؟ وإلا لعجم؟ لمن الملك اليوم؟ (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ذهب كل شيء، فما نحن فيه عبارة عن غبار ووهم وخيال يضمحل، الملك الحقيقي لله، الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، والذي يتحكم في الأرض والسماء وما بينهما (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ) جل جلاله وتعالى في علاه.
فلنحمد الله على ما آتانا من إيمان، زادكم الله توفيقاً وبركة وخيراً وإيماناً وإنابة وحسن تربية لأبنائكم وبناتكم على ما يوجب السعادة، لتكون صلتنا بأهلينا وأبنائنا وبناتنا سبب للفوز واجتماعنا وإياهم في الجنة، (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ)، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ).
وإلا (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ..)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) نفتنكم بها، فلتكن صلتنا بالأموال على منهج صحيح، على مقتضى "لا إله إلا الله"، نأخذها من الحلال ونصرفها في الحلال، فلا يدخل لا دينار واحد ولا نصف دينار لك، ولا قليل ولا كثير من المال إلا ولك فيه سؤالان: من أين أخذته؟ وفيما أنفقته؟ لابد من السؤالين: من أين أخذته؟ وفيما أنفقته؟ كما تُسأل عن العمر: فيما أفنيته، عن الشباب فيما أبليته، عن العلم ماذا عملت فيه، عن المال من أين اكتسبته وفيما أنفقته.
ولا تزول قدم عبد على الصراط يوم القيامة حتى يُسأل عن الأربع، يعني عند أمر الله بالمرور على الصراط والكل يمر، لا تزول: يعني ما تمضي سواء بالنجاة والمرور أو بالسقوط في جهنم إلا بعد السؤال عن الأربع: عن عمره فيما أفناه، عن شبابه فيما أبلاه، عن علمه ماذا عمل فيه، عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه.
نظر الله إلينا وإليكم وضاعف الخير في العقبة وأهليها وعشائرها ومن حواليها، واجعلهم من المؤمنين الذين بعضهم أولياء بعض، (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) ولا يسلط عليهم فاجراً ولا كافراً ولا ظالماً، (أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والوعد الكريم: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
نسأل ربنا الرحمن كما جمعنا وإياكم أن ينفعنا بما قلنا وبما سمعنا، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، وشاهدًا لنا يوم القيامة لا شاهدًا علينا، وإذا حشر المتحابين فيه في ظل عرشه يحشرنا معهم ولا يخلفنا عنهم، ويظلنا بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وعلى منابر اللؤلؤ الذين تبرز الأنوار على وجوه أهلها من المتحابين فيه.
اللهم أكرمنا بذلك، وزد اللهم المنطقة وأهلها من الإيمان واليقين، وانظر إلى الأردن ومن فيها نظرة من عندك تقيهم بها الأسواء والأدواء والبلوى والآفات والعاهات، وشر الفجار والكفار والمعتدين، وتدارك اللهم إخواننا في الضفة الغربية وفي غزة وفي رفح وفي أكناف بيت المقدس وفي الشام كله وفي اليمن كله، وفي الشرق والغرب، تداركاً من عندك تقيهم بها البلايا والرزايا والآفات، وترفع بها عنهم الظلمة والاعتداءات، وتحول بها الأحوال، وتقبل جميع من قُتل منهم ظلمًا في الشهداء، ومنهم من أظهرت عليه والناس في الدنيا قبل الآخرة رائحة مسك تنفح من جسده وهو في الدنيا، لتكون علامة لأن من قُتل ظلمًا وقُتل في وجوه المعتدين فهو عندك من أرباب الشهادة والسعادة، الذين ينالون الحسنى وزيادة.
اللهم وتدارك الأمة بفرج من عندك عاجل، واختم لنا شهر ظفر بخير وأقدم علينا شهر ذكرى ميلاد نبيك بما يسر قلب نبيك، وبما تُحدثه فينا فيقرّ عين نبيك ويفرح به نبيك، من جمع قلوبنا وجمع كلمتنا ووجهتنا الصادقة إليك والصلات الخالصة لوجهك.
واجعل كذلك صلتنا بأسرنا، صلتنا بجيراننا، صلة بعضنا ببعض، صلة شعوبنا بدولهم وحكامهم، وصلة الحكام بالشعوب وبالرعايا.. اجعلها على قائمة الامتثال لأمرك، والعمل بسر "لا إله إلا الله" ووحيك الذي أوحيته إلى نبيك محمد بن عبد الله، اللهم أكرمنا والأمة بذلك واسلك بنا أشرف المسالك.
وضاعف الخير في هذا المسجد ومساجد هذه البلدة، واملأها بالنور وبالإيمان وبالبر وبالتقوى وبالعمل الصالح المقبول، واجعل الدعوات فيها مستجابة والأعمال الصالحة فيها مقبولة ومرفوعة، يا من إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، يا أرحم الراحمين.
وزد اللهم المفتي المبارك نورًا فوق نوره وهداية فوق هدايته وعلومًا فوق علومه، وزد اللهم مدير الأوقاف ومن يساعده على الخير في الظاهر والخاف توفيقًا وعناية وإقامة لحق هذه المساجد ورسالتها التي تربط القلوب بك وتقرب إليك وتصلح أحوال المجتمع.
انفعنا في من لهم تنفع وارفعنا في من لهم ترفع، وأعذنا من كل موجب للحسرة والندامة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، حتى تجمعنا بالمظلل بالغمامة حبيبك المصطفى محمد في دار الكرامة، وأنت راضٍ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.
وعفوًا على التطويل وعذرًا على تأخرنا عنكم عن أول الوقت، والله يرعانا وإياكم بعين العناية، والحمد لله رب العالمين.
28 صفَر 1446