دواعي الحق ومجالاتها وثمراتها في أحوال المجيبين

للاستماع إلى المحاضرة

مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شعب النبي هود عليه السلام، ضحى الإثنين 5 محرم 1447هـ بعنوان: 

دواعي الحق ومجالاتها وثمراتها في أحوال المجيبين

فوائد مكتوبة من محاضرة (اضغط هنا) 

لتحميل (نسخة إلكترونية pdf) (اضغط هنا) 

لمشاهدة المجلس كاملاً: (اضغط هنا) 

نص المحاضرة :

الحمد لله على دَواعيهِ القويّة، الحادية إلى مراتب القُرب العَليّة، وعلى سحائب جوده الماطرة بالمواهب السنِية، لا إله إلا هو، خصَّنا بخير البرية، فارتبطنا به بجميع أنبياء الله ورُسُله وملائكته وكتبه، وبجميع عباد الله الصالحين في الأولين والآخرين من أهل السماوات والأرضين إلى يوم الدين، بأقوى الرَّبط على أقوَم الضبط، بدعوة خاتم الأنبياء وأصفى الأصفياء، سيد المرسلين، حبيب رب العالمين.

الإجابة والإذعان وحقائق الإيمان

دعانا إلى حَقٍّ بِحَقٍّ مُنزّلٍ ** عليه من الرحمن أفضل دعوةِ

أجبنا، قَبِلنا، مذعنين لأمرهِ ** سمعنا، أطعنا، عن هُدىً وبصيرةِ

فيا مَن أكرمتَ أولئك بهذه الحقائق حقِّقنا بها، حتى يصدق فينا: أجبنا، قَبِلنا، مذعنين لأمره ** سمِعنا، أطعنا، عن هُدىً وبصيرةِ

وهذه الإجابة التي تقتضي خروج الهوى وخروج الأكدار من الباطن، والالتفات إلى غير الحق سبحانه وتعالى، وهذا الإذعان الذي يترتّب عليه التحقُّق بحقائق الإيمان، والوصول إلى الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه. والهُدى والبصيرة التي بها تشرق الأنوار، بل تُشاهَد معاني حقائق صِفات الله تعالى وأسمائه وعظمة ذاته العَلِية جل جلاله.

إذا أُكرِم بها الإنسان صار بعد استجابته مُجاباً، وبعد قبول دعوته مقبول الدعوة، ويصير في مراتب تلك المعاني العظيمة، ينال هجرة بعد هجرة، مُتّصلاً بهجرة المصطفى محمد، التي جمعت معاني الخيرات في الهجرة كلها.

فضل الهجرة وحقيقتها

وسمعتم فضل المهاجرين وما شرَّفهم الله به، حتى انتهت الهجرة مِن مكة بفتحها على يد المصطفى محمد ﷺ، وكان خاتم من هاجر منها سيدنا العباس بن عبد المطلب، ولقيه ﷺ في الطريق مُهاجراً وهو ذاهب إلى مكة للفتح، وردّهُ معه وقال: "ختم الله بك الهجرة من مكة كما ختم بي النبوة".

وبقِيَت فضائل لهؤلاء المهاجرين الذين أثنى عليهم الرحمن في قرآنه، لِما يترتّب من الخير الكبير على هجر الإنسان لمألوفاته ومحبوباته، وأوطانه وأرض عاداته، وكل ما يهجره ويبذله من أجل العَلي الأعلى جل جلاله، يرتقي بذلك مراتب، ويحوز بذلك مواهب من خير واهب جل جلاله وتعالى في علاه.

فلا يزال في هجرة بعد هجرة، ويهجر جميع ما نهى الله عنه، ثم يهجر جميع ما يُلهي عن الحق جل جلاله، ثم يهجر نفسه وكل الكائنات، فناءً في المُكوِّن رب الأرض والسماوات جل جلاله وتعالى في علاه. 

فهناك العيش وبهجتهُ فلِمُبتهجٍ ولمُنتهجِ.

 منازل الكرم وتصفية القلوب

والدواعي دَعتكُم فحضرتم، ووصلتم إلى منازل الكرم التي أكرم الله فيها؛ كم من وافد، وكم من حاضر، وكم من زائر، وكم من مُتَوجِّه، حتى من المذنبين والعصاة؛ "فكم قد صَفى قلبٌ هناك لمذنبٍ" هو مذنب ولكن في الموطن هذا صَفى قلبه، وتنزّه عن عيبه، وعن سيئاته، وعن غفلاته، وعن أكداره، وعن أقذاره، وعن كل ظُلماته، وعن كل ما كان فيه من النقائص. 

فكم قد صفى قلبٌ هناك لمذنبٍ ** وكم زاره حبر من الخلق الأولِ

ساقتكُم العناية وجِئتم مقتدين ومهتدين، فالله يقبلنا أجمعين، ولا يرجع أحد منا خائباً من العطاء الثمين والفوز المبين، بالحظّ الواسع من الكريم الواسع، بوجاهة النبي الشافع، والنبي هود، وأهل المقام الرافع من الموفين بالعهود.

دعاء وتوجه إلى الله

اللهم بهم انظر إلينا وإلى مجمعنا ومَن فيه، وإلى من يسمع ومن يشاهد ومن يتابع ومن يوالي، بنظر رباني من عندك. 

ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة ** تداوي كل ما بنا من أمراض سقيمة

ونرقى بها إلى المراقي العظيمة، وتصلح بها أحوالنا، وتُقضى بها حاجاتنا، ويصلح بها أهلونا وأولادنا وطلابنا وجيراننا وقراباتنا وزمننا وأهل زمننا.

يا مُصلِح الصالحين، أصلِحنا بما أصلحتَ به الصالحين، نمدّ إليك أكُفّ الابتهال والتضرع والسؤال، وأنت نِعمَ المسؤول، وأنت نعم المأمول. يا ربنا يا وَصول، يا حي يا قيوم، بوجاهة أهل حضرتك، عجِّل لنا بنظرتك، وأسعِدنا بقربك ومحبتك، وزدنا من فضلك ما أنت أهله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله.

يوم عاشوراء واستشهاد الحسين

وسمعتم مما جعل الله في شهركم المبارك وهو شهر الله المُحرّم، من يوم تاسوعاء ومن يوم عاشوراء. ولما وصل ﷺ إلى المدينة ووجد اليهود يحتفلون بيوم عاشوراء، فقال لما قالوا: "يوم نجّى الله فيه موسى وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصوم شكراً لله"، فقال خاتم الرسالة: "نحن أولى بموسى منكم" ، نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه ﷺ.

وأنه في مثل ذلك اليوم كان لقاء سيدنا الحسين بالرحمن وجدّه سيد الأكوان، واستشهاده عليه رضوان الله الأكبر وآله، وعلى جميع من استُشهد معه ومن حضر معه المعركة من الموالين الذين سبقت لهم سوابق التقريب والعطاء من المولى القريب جل جلاله وتعالى في علاه.

سيدنا علي زين العابدين والفقيه المقدم

وكان من الذين حضروا وكان به المرض سيدنا علي زين العابدين، والذي قامت أسرار هذه الزيارات والاجتماعات في هذا الشعب على يد سيدنا الفقيه المقدم مِن صُلب علي زين العابدين، ومن نسل علي زين العابدين. وما كان أشبههُ في النسل كلهم بعلي زين العابدين! ما أشبه الفقيه المقدم بجدّه علي زين العابدين!

عبادة لله، وكان له ألف ركعة كل ليلة، وللفقيه ألف ركعة. وكان له الصدقات الكبيرة في السر والجهر، وكانت للفقيه المقدم عليه رضوان الله تبارك وتعالى. وكان له الإعراض عن الصراعات على الحكومات والوَجاهات الدنيوية، وكان للفقيه المقدم كسر السيف الذي يُراد به الحكم، والذي يُراد به الصَّولة على الآخرين، والذي يُراد به الظلم، ورفع سيف الصدق والإخلاص والعلم والعمل والمعرفة والبر والتقوى، عليه رضوان الله تبارك وتعالى. وكان محلاً للعلم والحكمة وللتعليم، وكان الفقيه المقدم كذلك. فما أعجب ما كان!

آثار ذرية آل البيت

وكم من ألوف كانوا في صُلب علي زين العابدين! والذين أصاب الله قلوبهم بمرض البغي ومرض الحَسد ومرض الحِقد على بيت النبوة، ظنوا أنهم قتلوا أولاده ومن معه، وما دروا أن الله قد خبأ من ذريته مَن يفوق أعداد ذرياتهم بأضعاف مضاعفة، ويملأ بهم الكون نوراً، ويملأ بهم الديار والعرب والعجم، وانتشروا في شرق الأرض وغربها.

وذلك لأن الله مع أحبابه، لأن الله سبحانه وتعالى إذا اصطفى أحداً، فلو قامت السماوات والأرض كلها ضده لفشلت أمامه، وما استطاعت لمحبوب عند الله جل جلاله وتعالى في علاه.

وقامت الوراثات الكبيرة بالخيرات العظيمة الوفيرة، وبكم من غنيمة، وكم من ذخيرة، وكم من مواهب عظيمة من حضرة الرحمن جل جلاله، وانتشرت في معاني حمل الأمانة لهذه الرسالة المباركة النبوية المحمدية، وقامت في الوادي الميمون، وفي اليمن الميمون، وفي شرق الأرض وفي غربها، واتصالات بأهل الله، واتصالات بأولياء الله من عرب القوم وعجمهم، من أهل لا إله إلا الله، فضلاً من الله في دولة محمد بن عبد الله ﷺ.

دولة النبي محمد ﷺ الأبدية

الدولة التي ما تنكسر ولا تنهزم، والدولة التي لا تُهان ولا تُذَل في الدنيا ولا في البرزخ ولا في الآخرة، بل هي أعز وأعز وأكبر وأعظم. وقائدها وإمامها ورئيس هذه الدولة هو حامل لواء الحمد يوم القيامة. قال: "آدم فمن دونه تحت لوائي". وإذا بجميع دولة أهل الله من أهل الحق مُندرجة في دولة سيدهم محمد بن عبد الله ﷺ.

وعلى ظهر الأرض خلافته في دولته المباركة معمورة وقائمة وظاهرة على رغم كل من ناوى وعلى رغم كل من خالف، وإنما يجد المخالف والمناوئ شؤم مخالفته ومناوأته في دنياه وعند موته وفي برزخه وآخرته، بُعداً وطرداً وغضباً من الجبار الأعلى، وعذاباً لا يُطاق، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ) فالله يستعملنا وإياكم جنوداً لدولة النبي محمد، ولمسلك النبي محمد، وسنة النبي محمد، وورثة النبي محمد، ولما ترك فينا سيدنا النبي محمد ﷺ مِن توجيه وتنبيه وتعليم في الكتاب والسنة، وما تبلوَر من ذلك في صحابته وتابعيهم بإحسان، وآل بيته والورثة والخلفاء على مدى الزمان، وهذه دولته الكريمة، جعلنا الله في جنده الناصرين له بكل ما أوتوا، فضلاً من الله عليهم.

دعوات مباركة

يا رب وفِّقنا لذلك، واسلُك بنا أشرف المسالك، ولا ترمِ بالواحد مِنا في نصرة هوى أو نفس، أو نصرة شياطين إنس أو جن، أو نصرة باطل أو ضلال؛ اجعلنا أنصارك وأنصار رسولك، شرِّفنا بذلك، وأكرِمنا بذلك، واسلك بنا أشرف المسالك، يا ملك الممالك، يا الله، يا حي يا قيوم يا رحمن.

وتوجّهوا إلى هذا الرحمن في هذه الساعة وفي هذا المكان، يصلح لكم كل شأن، ويكرمكم بالقُرب والتدان، ويسقيكم من كأس محبته الهاني شراباً به تحيا القلوب حياة لا موت بعدها، ولا تزال تزداد تلك الحياة ويُرقى في درجاتها.

يا حيُّ يا قيوم احيي القلوب تَحيا، وأصلح لنا الأعمال في الدين والدنيا، وتولّنا يا ربنا في الآخرة والمحيا، وقرِّبنا إليك زُلفى، وارفعنا في أهل الدرجات العُليا، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.

يا واهب المواهب، يا من لا يرجع من رجاه خائب، يا حي يا قيوم، يا حاضر ليس بغائب، يا الله ارحمنا في جمعنا واجتماعنا وتوجّهنا واستماعنا، وأعظم انتفاعنا، وحقّق ارتفاعنا، وتولّنا بما أنت أهله في جميع أحوالنا يا الله، يا مجيب، يا قاضي الحاجات، يا كاشف الكُربات، عجِّل بالفرج لأمة حبيبك محمد، يا الله، يا الله، يا الله.

يا مغيث أغِثنا، نشكو إليك يا مولانا جدب القلوب وجدب الأراضي، فأغِثنا يا مغيث بالغياث الحثيث. 

يا سريع الغوث غوثاً منك يدركنا سريعاً 

يهزم العسر ويأتي بالذي نرجو جميعاً

يا قريباً يا مجيباً يا عليماً يا سميعاً

قد تحققنا بعجز وخضوع وانكسارِ

قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري 

لم أزل بالباب واقف فارحمن ربي وقوفي 

وبوادي الفضل عاكف فأدم ربي عكوفي 

ولحسن الظن ألازم فهو خِلّي وحليفي 

وأنيسي وجليسي طول ليلي ونهاري 

قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري

حاجة في النفس يا رب فاقضها يا خير قاضي 

وأرح سري وقلبي من لظاها والشواظ

وارفعوا إلى قاضي الحاجات حاجاتكم..

 حاجة في النفس يا رب فاقضها يا خير قاضي 

وأرح سري وقلبي من لظاها والشواظِ 

حاجة في النفس يا رب فاقضها يا خير قاضي 

وأرح سري وقلبي من لظاها والشواظِ

في سرور وحبور وإذا ما كنت راضي 

فالهنا والبسط حالي وشعاري ودثاري 

قد كفاني علم ربي من سؤالي واختياري

 

رب فاجعل مجمتعنا غايته حسن الختامِ

واعطنا ما قد سألنا من عطاياك الجسامِ

واعطنا ما قد سألنا من عطاياك الجسامِ

واكرم الأرواح منا بلقاء خير الأنام ِ

وهو راضٍ عنا.. 

واكرم الأرواح منا بلقاء خير الأنامِ

وأكرم الأرواح منا بلقاء خير الأنامِ

في الحياة، وعند الوفاة، وفي البرزخ وفي مواقف القيامة كلها، وفي الفردوس الأعلى، وفي ساحة النظر إلى وجهك الكريم. 

وأكرم الأرواح منا بلقاء خير الأنامِ

وأبلغ المختار عنا من صلاة وسلامِ

برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.

  يا تواب تِب علينا.. يا تواب تِب علينا 

وارحمنا وانظر إلينا ..  وارحمنا وانظر إلينا

 

تاريخ النشر الهجري

06 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

01 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية