خصوصية السند والانتماء إلى أهل البيت والصالحين وواجب المنتمين إليهم

للاستماع إلى المحاضرة

مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس الذكر والتذكير في الزيارة السنوية في مسجد الإمام محمد بن علي مولى الدويلة، في منطقة يبحر، غربي شعب النبي هود عليه السلام، بوادي حضرموت، 17 محرم 1447هـ بعنوان: 

خصوصية السند والانتماء إلى أهل البيت والصالحين وواجب المنتمين إليهم.

 

نص المحاضرة:

الحمد لله ربنا وربكم، رب السماوات، رب الأرض، رب العرش العظيم، رب كل شيء ومليكه، الذي جمعنا وإياكم على منهج قَويم، جمعنا وإياكم على خيرات دعانا إليها على لسان رسوله سيدنا محمد ﷺ؛ خيرات الاجتماع على ذكر الله تبارك وتعالى.

يقول نبينا محمد إذا كان يوم القيامة: يُنادي منادي سيعلم الجمع اليوم من أهل الكرم. قالوا: ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل حِلَق الذكر في المساجد، قال الله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).

يوم القيامة والحساب

هذا اليوم المُقبِل على جميع العالمين، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وفاسقهم، كلهم سيجتمعون ، (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ)، والأمر  يومئذٍ لله جل جلاله، يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، ما عاد بقي حُكم لنظام ولا لدولة ولا لملك ولا لرئيس ولا لشرق ولا لغرب، ولا دول صغرى، ولا دول كبرى، كلهم عبيد .

(إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا).

وما هو الحُكم في ذاك اليوم؟ حكم ذاك اليوم: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). ولا أحد ينجو بمهارة، ولا بشطارة، ولا بحيلة، ولا بخديعة، ولا بشيء من الأشياء إذا عمل السيئات،  قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).

الإيمان بالغيب والآخرة

وأمر الآخرة كله، وأمور الغيب التي أُمرنا بالإيمان بها، كما سمعتم في كلام السيد، ما نراها بأعيننا، ولكن كلام الله وكلام رسوله أعظم مما نراه ومما نشاهده، فإنه هو الحق الذي لا ريب فيه ولا شك، ومن شك في كلام الله وكلام رسوله خرج من الملة - والعياذ بالله تعالى - وخرج من الدين وتعرَّض للخلود في نار جهنم، أعاذنا الله منها.

هذه أخبار الآخرة، أخبار البرزخ، أخبار القيامة، أخبار الجنة، أخبار النار، وما لنا طريق لها إلا ما بلَّغنا الله تعالى ورسوله ﷺ. وما بلَّغنا رسول الله عن الله جل جلاله من أخبار ذاك اليوم، وأنه في ذاك اليوم يُحشر كلٌّ مع من أحب، كلٌّ مع من تعلَّق به قلبه.

حتى كان يقول بعض الصالحين: لو أن عابداً عبد الله عند الكعبة المشرفة بين الركن والمقام أربعين سنة ، ثم مات، لم يُحشر إلا مع من يحب؛ إن كان يُحب يهود مع اليهود، إن كان يحب نصارى مع النصارى، إن كان يحب ملحدين مع الملحدين، إن كان يُحب فاسق غافل معه، يحب تارك صلاة معه، يحب فُسَّاق معهم يُحشر .

وإن كان يحب الأنبياء ويعرف قدر الأنبياء ويعظِّم الأنبياء، مع الأنبياء، وإن كان يحب الأولياء ويعظِّم الأولياء ويوالي الأولياء فمع الأولياء، قال ﷺ: "المرء مع من أحب"، المرء مع من أحب، يُحشر مع من أحب.

المحبة في الله وأهميتها

والمحبة في الله سبحانه وتعالى من أين نكتسبها؟ نكتسب محبة الله ومحبة رسوله ومحبة أهل بيته ومحبة صحابته ومحبة المؤمنين عامة وخاصتهم خاصة، من خلال المجالس، من خلال طلب العلم، من خلال الذكر، من خلال التذكير، تأتينا هذه المحبة لما نقرأ  أخبارهم، نقرأ سِيَرهم.

الإمام محمد بن علي مولى الدويلة

مثل هذا الإمام العظيم، جدكم الذي شرَّفكم الله تبارك وتعالى به، وشرَّف به كثيراً من عباده من الذين أقبلوا على الله جل جلاله، وورث جَدَّه المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، بسلسلة هذا النسب الذي تذكرونه، ما هو مجرد نسب فلان بن فلان، هذا النسب مطويٌّ فيه علم، مطويٌّ فيه وراثة، مطويٌّ فيه خلافة عن النبي محمد، مطويٌّ فيه سُنَّة، مطويٌّ فيه قرآن.

مثل الإمام محمد بن علي مولى الدويلة، عارف بالله تبارك وتعالى، عارف بمعاني القرآن الكريم، عارف بمعاني السُّنَّة الغرَّاء، ثابت القدم على الاتباع وعلى الاقتداء، تلقَّى عن عمه عبد الله بن علوي بن الفقيه المقدم، وفي صغره ما أخذه عن والده سيدنا علي بن علوي بن الفقيه المقدم،  وهما - أبوه وعمه - أخذوا عن أبيهم علوي بن سيدنا الفقيه المقدم وإخوانه -أعمامهم- .

الفقيه المقدم محمد بن علي

وسيدنا الفقيه المقدم أخذ العلم بسنده واتَّسع فيه حتى سمّوه الفقيه المقدم، لتقدُّمه على من في زمانه من الفقهاء، كان هو  أفقههم، وكان  هو  أعلم  بحكم الشريعة، فلهذا سُمِّي الفقيه المقدم ، فقيه بالشرع مقدَّم على جميع الفقهاء الموجودين في عصره، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

الفقيه المقدم محمد بن علي، هذا الذي كان ورده فقط من ذكر "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم" مائة ألف مرة كل يوم، ورده من الذكر هذا، باقي أذكار أخرى، وباقي له أعمال أخرى، ورده من هذا. 

هم أهل حقيقة التوحيد، هم أهل الذكر، هم الغائبون في تعظيم الحق الأعلى جل جلاله، مائة ألف مرة "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " يأتي بها في كل يوم، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف.

ايش القلب هذا الحاضر مع الله؟ ايش هذا الإنسان الذي تجوهر  بجوهر الذكر لله تبارك وتعالى؟ وربكم يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، فإذا هو يذكر مائة ألف، كم يذكره الرب جل جلاله في كل يوم وفي كل ليلة؟

صدقاته وكرمه

ما عنده ذكر فقط، ذكر وأنواع من العبادات ما فوقها صدقات، كان يتصدق صدقات كثيرة من خصوص التمر، وكان أعزُّ ما في حضرموت من الأغذية التمر  وأهمها؛ يخصص في التمر وحده زيراً كل يوم يتصدق به، كلما جاء نخله وجاء الخريف، أعدَّ ثلاثمائة وستين زيراً على عدد أيام السنة، لكل يوم زير.

هذه الصدقة غير  الزكاة، غير  إكرام الضيف، غير  ما يخرجه من صلة الرحم، والزير  هذا يسع ما بين سبعمائة رطل إلى ألف رطل، الزير  الواحد ، لكل يوم كم يتغدون منه؟ كم يتعشون منه؟ صدقات يخرجها، عليه رضوان الله.

سلسلة النسب الشريف

ورث  بذلك  أسلافه، ورث بذلك أوامر الحق ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وحثَّه على الصدقة، كان جده علي زين العابدين يتصدق على بيوت في المدينة المنورة، فقراء ما أحد يعرفهم ولا أحد يعرف من أين يأكلون، وهو يحمل على ظهره الزَّاد ويضعه تحت ديارهم، ما عاد يكمل إلا وجاء مرة  ثانيةفي الليل، يصبحون الصبح يجدونه تحت الدار -عليه رضوان الله- فلما مات انقطع، علموا أنه هو، وكان بهذه العلامتين: علامة  على ظهره خط أسود من كثرة ما يحمل في الليل، وكان المملوكين حقه  والأرقاء الذين معه يقولون له: نحمل عنك، يقول: لا، أنا باحمل بنفسي.

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، جدته - أم أبوه - سيدتنا فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، سيدة نساء العالمين، سيدة نساء أهل الجنة، قال عنها ﷺ في حديثه الصحيح:  "فاطمة بِضْعَة مني"  - يعني قطعة مني -  "فاطمة بضعة مني، يُقبضني ما يُقبضها، ويبسطني ما يبسطها"، وقال في الحديث الآخر: "إن الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها".

دور الفقيه المقدم في الإصلاح

هؤلاء أخذوا عن سيدنا الفقيه المقدم عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وكان صلح بين الناس، يُصلح بين المتخاصمين، ويُصلح بين المتقاطعين، وكان أنهى الظلم، واختار لهذه الذرية أن لا يُشابهوا المتصارعين على الحكم وعلى المظاهر،  فكسر السيف الذي ما كان يُحمل للجهاد في سبيل الله، ولا للمحافظة على الحقوق، ولا لحراسة الدين، ولا لحراسة أموال، ولا لحراسة أبضاع، ولا لحراسة دماء، كانوا الذين  يحملونه من أجل أن كل واحد يزيد على الثاني، ويقهر الثاني، ويأخذ من الثاني، فكسر ه  هذا، وقال: خذوا سيف العلم وسيف الأدب مع الله، ولا سيف يُحمل إلا لتكون كلمة الله هي العليا، في الجهاد في سبيل الله فقط، فكسر هذا السيف، وترك هذا السلاح، وحمل السلاح الأكبر: سلاح التقوى، وسلاح العلم، وسلاح الأدب، وقال: إذا قامت قائمة الجهاد في سبيل الله احملوا أسلحتكم، وأما أسلحة من شأن أن كل واحد يتقوى على الثاني ويظلم الثاني، لا، هذه أسلحة الظلم.

فكسر سيف الظلم، وكسر سيف التطاول واجتراء الناس على بعضهم البعض، وأعلن أنه لا مراده سلطة، ولا مراده دنيا، ولا مراده شيئاً من هذه الأشياء، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

وحالهم كما قال الله عن فريق من الصالحين، أمر سيد المرسلين أن يكون معهم، يقول: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

أخذه للعلوم وشيوخه

وأخذ العلوم عن أئمة في وقته كثيرين -عليهم رضوان الله تعالى-شيء بالمراسلة عن الشيخ شعيب أبي مدين، شيء بالأخذ عن الشيخ علي بن أحمد بامروان، وعن باعبيد، وغيرهم من الكبار الفقهاء الموجودين، حتى أخذ ما عندهم وزاد عليهم، وأخذ عن والده علي، وعن عمه علوي، كانوا علماء كبار، كانوا واعين لأسرار الكتاب والسُّنَّة وللموروث عن المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، علم بسند، وعلم باقتداء واهتداء.

محمد صاحب مرباط

وكان علي وعلوي أخذوا عن أبيهم محمد صاحب مرباط، الذي توفي في مرباط  -في جانبكم-  في عُمان، وكان يُؤمِّن الطريق من حضرموت إلى عُمان، وتمشي القوافل في وجوهه ما عاد يتعرض لها النهابون والسارقون، قالوا: تبع محمد بن علي صاحب مرباط،  ونفذ وسخَّر جاهه لخدمة المسلمين، ولتأمين الطريق، وأمَّن الطريق ما بين مرباط إلى حضرموت، كانت مُؤمنة بوجاهة محمد بن علي هذا.

حتى السلاطين كانوا يهابونه، ما معه سلاح، ولا معه جنود، ولكن السلاطين ينتفضون منه إذا شافوه، هيبة من الله تبارك وتعالى، والحُسَّاد حسدوه، سقوه السم أول مرة، ودفع الله شره وما أثَّر فيه، وما كان شيء، سقوه السم ثاني مرة ولا أثَّر فيه، سُقي السم مرتين وحماه الله منه، وراح ولا أثَّر فيه شيء، حتى بلغ أجله المعدود، عليه رحمة الله تبارك وتعالى.

عالم، عارف، ولي، صالح، تقي، نافع لعباد الله تعالى، حامل أمانة جده محمد ﷺ بالصدق والإخلاص والتواضع والإنابة، حتى كانت نفقاته وصلت حتى إلى بيوت الجن، يأتون الجن يأخذون منه نفقتهم، ينفق على مائة بيت من الجن دون الإنس، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

علي خالع قسم

محمد صاحب مرباط أخذ عن والده، عن والده علي خالع قسم، الذي توطَّن في تريم، أول من توطَّن من آل بيت النبي وسط تريم، علي خالع قسم، عظيم القدر، سمعتم ذكره في القصيدة هذه للإمام الحداد، والنبي يقول: "ما من مُسلِّم يسلِّم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام".

وواجب على المؤمنين كلهم يؤمنون بذلك ، نبينا يردُّ السلام على من سلَّم عليه، وهو سلام مقبول، نعم، لكن منهم من يسمع؟ ما يسمع إلا الأقل الأقل منهم.

هذا علي خالع قسم، إذا سلَّم على النبي في الصلاة وغيرها، يُكرر السلام حتى تسمع روحه الردَّ النبوي، يقول: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخ"، عاده شَيَّخه، جعله شيخ، شهادة ما هي من جامعة ولا من عند وزارة، هذه شهادة من حضرة النبوة والرسالة، فنِعم الشيوخ هم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

سلسلة النسب من علي خالع قسم إلى الإمام المهاجر

علي خالع قسم أخذ العلوم عن كثير من الناس، ومنهم والده، والده علوي، والذي مقبور في بيت جبير، في  محل يسمونه الصومعة بجانب الريضة، وعلوي عالم متفقه، متفنن في العلوم، بحر، وصاحب كرم وسخاء وجود وإصلاح بين الناس. أخذ عن والده محمد صاحب الصومعة، محمد صاحب الصومعة أخذ عن والده علوي، علوي هذا أول من سُمِّي في أهل البيت بعلوي، ومنه جاءت نسبتكم، يقولون لكم: العلويين، يقولون لكم: آل باعلوي، نسبة إليه هذا ، علوي بن عبيد الله، أخذ عن والده عبيد الله، عبيد الله إمام جامع بين العلوم والمعارف، سافر إلى مكة أيام أبي طالب المكي في مكة، وأخذ عنه قوت القلوب، ولكن دراسته الكبيرة كانت عن والده أحمد المهاجر إلى الله.

الإمام المهاجر إلى الله

المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى، أول من وصل حضرموت من أهل البيت الطاهر، قبل ألف ومائة وسبعة وعشرين سنة، وصل إلى حضرموت قبل ألف ومائة وسبعة وعشرين سنة، سنة ثلاثمائة وتسعة عشر  وصل إلى حضرموت هذا الإمام المهاجر، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

وبعد ذلك بقي الناس يسألون عجبوا في علمه، في أخلاقه، وتعجبوا: هل له نسب إلى النبي محمد ﷺ؟ قال لولده عبيد الله: سافر إلى العراق حيث كانوا هناك، أبوه عيسى وجده محمد في العراق، قال: سافر إلى هناك وأشهِد العلماء الذين في العراق والذين عرفوا نسبنا، والحق إلى الحج وأشهِد من حضر منهم في الحج ومن حضر من أهل حضرموت.

فذهب، فإذا مائتي قاضٍ من القضاة يؤكدون نسبهم: هذا أحمد ولد عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر  بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي، وشهد الشهود والقضاة، وبعد ذلك جماعة منهم جاءوا إلى الحج اللي وصلوا من حضرموت للحج، قابل بينهم، قال: انظروا هؤلاء القضاة، وخرج بالكتابة معه فيها هذه الشهود على نسبهم الذي لا شك فيه ولا ريب فيه.

قال سيدنا الإمام الحداد: 

"ولنا خير الأنام أبُ * وعلي المرتضى حسبُ

وإلى السبطين ننتسبُ  *  نسبًا ما فيه من دخنِ" 

ما فيه شك ولا فيه ريب، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

أثر الإمام المهاجر في حضرموت

والإمام المهاجر إلى الله نفع الكون كله، الوادي الميمون هذا حوّله، من كانوا خارج عن السُّنَّة من المسلمين ردَّهم إلى السُّنَّة، ومن كانوا متقاتلين أنفق الأموال،  ما جاء فقير  ولا محتاج لأحد، ولا أراد من أحد شيء، ولا أراد جاه،  بل كان عنده هَم في حماية الدين وحراسته، ويعلم أنه في صُلبه ذرية أمانة، وهم مقترنون بالقرآن في كلام النبي محمد ﷺ الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، من أصح كتب السُّنَّة، يقول: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض".

مع القرآن إلى أن يَرِدوا الحوض يوم القيامة، الحوض المورود، الله يوردنا ذلك الحوض المورود، فأول الواردين على النبي في الحوض المورود يوم القيامة: القرآن وأهل البيت، ومعهم من صدق في محبتهم، هؤلاء أول من يَرِدون على الحوض.

أخبار القيامة وفضل أمة محمد ﷺ

هذه من أخبار القيامة التي حدثنا عنها النبي، أيام الحكم ذاك اليوم لله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ) جل جلاله، والذي له الأمر وهو الله، قدَّم محمداً وجعله أول شافع وأول مُشفَّع، وعظَّم كل من اتَّبعه واقتدى به، ومن مات على طريقته، وعظَّم أهل بيته، وعظَّم صحابته، وعظَّم أمته.

حتى الأمم السابقة، منها مئات الأمم، محبوسة، ما أحد منهم يُحاسب حتى تُحاسب أمة النبي محمد؛ ما أحد يمر على الصراط حتى تمر  أمة النبي محمد؛ ما أحد يدخل الجنة - أنبياء وأممهم - ما أحد يدخل الجنة حتى يدخل محمد وأمته.

يقول ﷺ: "إن الله حرَّم الجنة على الأمم حتى تدخلها أمتي، وحرَّمها على الأنبياء حتى أدخلها أنا" حرَّم الجنة على الأنبياء حتى أدخلها أنا، وحرَّمها على الأمم حتى تدخلها أمتي  صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وربكم قال له: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)، صلوات ربي وسلامه عليه.

فيجب نعلم هذه الحقائق ونؤمن بها كما جاءتنا، وهذا الإمام المهاجر عليه رحمة الله تبارك وتعالى، أحضر معه أحمال من الذهب، عشرين حِمل جمل ذهب، ولا أراد بها ثروة ولا تجارة، إلا ينفقها في سبيل الله تبارك وتعالى، ويعطي ذا ويرد ذا،  فالوادي كله تغيَّر بسلطته وببركته عليه رضوان الله تبارك وتعالى إلى المسلك المحمود الرشيد.

انتشار الإسلام على أيدي ذرية المهاجر

وليس الوادي وحده، من أثر  مدرسته وتعليمه، راحوا إلى جنوب شرق أفريقيا، وراحوا إلى شرق آسيا، ولا عاد تركوا جنوب الهند، ولا بقية شرق آسيا، لا ماليزيا، ولا سنغافورة، ولا إندونيسيا، ولا بروناي، إلا أدخلوها نور الإسلام، وأدخلوا إليها الهدى والدين القويم، وتغيَّرت شعوب وحكام، دول تغيَّرت على أيديهم، دخلوا في دين الله سبحانه وتعالى بسبب هؤلاء (ذرية الإمام المهاجر).

هؤلاء هم الذين على يدهم انتشر الدين هناك، قالوا: أكثر من نصف مساحة العالم الإسلامي، ومن نصف عدد المسلمين، هم الذين دخلوا الإسلام على يد هؤلاء، انضاف للمسلمين نصف هذا العالم الإسلامي كله، دخل بفتوح هؤلاء من دون سلاح ومن دون قتال، لكن بالأخلاق، بالعلم، بالنور، بالصدق، بالإخلاص، والتواضع، بالكرم، بالقيام بالأمانة، انتشر الإسلام على أيديهم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

ذكريات الأنبياء والصالحين

والحمد لله جمعكم الله اليوم، وهذه ذكرى من الذكريات، تقتدون بالنبي محمد، النبي محمد ﷺ قصَّ لنا ذكريات الأنبياء من قبل، ويذكر لنا قبورهم، ويقول: إنه ليلة الإسراء والمعراج مرَّ  على قبر موسى، مرَّ  على قبر موسى، وإذا كان ما في فائدة من المرور على القبر، ما حاجة النبي محمد يمر على القبر ؟ وهو بيروح بيت المقدس وبيطلع فوق السماوات العلا، وفوق السماوات العلا وإلى العرش لكن مرّ على قبر موسى، لو لم يكن مكانة عند الله للمرور على القبر، أيش حاجته يمر على قبر موسى؟

يقول في صحيح مسلم: "مررت ليلة أُسري بي على موسى وهو قائم يصلي في قبره". قال: "ورأيت قبره عند الكثيب الأحمر قريب من الأرض المقدسة، لو كنت هناك لأريتكم قبره". قال: سأحدّد لكم القبر  وسأعيّنه أنا بنفسي ﷺ.

ذكرى موسى عليه السلام ويوم عاشوراء

وإذ ذكر لنا هذه الذكريات، في موسى نفسه، في هذا الشهر الذي أنتم فيه، الذي فيه ذكرى جدكم محمد بن علي مولى الدويلة عليه رحمة الله، ذكرى سيدنا موسى، جاء وجد اليهود يصومون عاشوراء، قال لهم: لماذا تصومون اليوم؟ قالوا: يوم نجَّى الله فيه موسى ومن معه من بني إسرائيل، وأغرق فرعون وقومه من الكفار. قال: "نحن أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر الناس بصيامه، صيام عاشوراء، وقال: "احتسب على الله أن يكفِّر الذنوب السنة التي قبله"، ذنوب السنة التي قبله يكفِّرها صوم يوم عاشوراء، احتفالاً بذكرى موسى عليه السلام، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.

الأمر بذكر الصالحين في القرآن

فهذه الذكريات وإقامتها أمر جاء به القرآن، يقول الله تعالى لنبيه محمد:  (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِّكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ).

(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

يقول سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ)، وليَّة من الوَليَّات، قال: اذكرها في الكتاب.

التحذير من الطعن في السلف الصالح

ذكر الأولياء عبادة تعبدنا الله بها، وفي القرآن ،لا أحد يضحك علينا، لا أحد يأتي لنا بمفاهيم لا ندري  من أين جاءت، صاغوها من وراءها الصهاينة، ومن وراءها النصارى، وصاغوا صياغات وبثُّوها في المسلمين للضرب بالمسلمين، للانقطاع عن الأولياء ، للانقطاع عن الأنبياء.

حتى صار في المسلمين من يسبُّ آباءه وأجداده -والعياذ بالله- ويقول ﷺ: "إذا لعن آخر هذه الأمة أولها - آخرهم يلعنون الأوائل - فمن كان عنده علم فليُظهره، فمن كتم العلم يومئذٍ فهو كاتم ما أُنزل على محمد"، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، من علامات الساعة: يلعن آخر هذه الأمة أولها.

فلا تشكُّوا في أوائلكم، لا من الصحابة ولا من أهل البيت الطاهر، وأجدادكم على وجه الخصوص، سُرُج هذه الأمة، وأنوار  مضيئة في هذه الأمة، بالإرث للنبي محمد، وبالصدق، وبالإخلاص، وبالصفات الصالحة، ما تجدون مثلهم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

اجتمعت فيهم الأخلاق والشمائل والفضائل والعلوم والمعارف والعبادة والزهد والكرم، وكل الأوصاف التي يحبها الله ويحبها رسوله، تربَّوا عليها، وربَّوا أولادهم عليها، وجئنا نحن من بعدهم ضيَّعنا وغفلنا وتناسينا، لكن واجب علينا نرجع، نرجع إلى الأصل.

منهجهم في اتباع الكتاب والسنة

فوالله، ما عندهم شيء غير ما نزل في الكتاب وبلَّغه سيد الأحباب، هذا الذي عندهم، ما شيء عندهم غير هذا، عندهم إلا اتصالهم بالله وبوحيه، عظيم وقوي على علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، كانوا متصلين بالله وبالغيب الذي أمرنا الله بالإيمان به، كانوا على علم يقين، بل على عين يقين، بل على حق اليقين.

أهل اليقين لعينه ولحقهِ ** وصلو وثم جواهر الأصدافِ

عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

النبي ﷺ يذكر الأنبياء في حجة الوداع

فهذه الذكريات كان يعلِّمنا ﷺ القيام بها، حتى في حجة الوداع، آخر عمره وهو في الحج، يمشي في الطريق يقول للصحابة: أي واد هذا؟ قالوا: وادي فلان، قال: هنا مرَّ هود، يذكر النبي هود في حجة الوداع، قال: مرَّ هود ملبِّياً، ذهب إلى الحج من هذا الوادي، ذكريات الأنبياء في بال نبينا محمد صلى  الله عليه وسلم، ويعلمنا كيف نتعلق بهم، قال: مشى في وادي ثاني، قال: ما هذا الوادي؟ قالوا: وادي كذا، قال لهم: كأني بموسى، موسى بن عمران، في هذا الوادي، مرَّ له جُؤار  بالتلبية، قال: رفع صوته بالتلبية، ووصف النبي هود والنبي صالح، حتى وصف الجمال التي كانوا عليها، قال: راكب على الجمل كذا كذا، والنبي ﷺ يصفه في حجة الوداع، وهو متوجه آخر عمره ﷺ في الحجة التي يودِّع فيها أمته.

و سمَّاها حجة الوداع وما دروا إلا بعد ثمانين يوماً من الحج توفي، قالوا: كان يقصد وداعه لأمته، ما نحن دارين، يقول: وداع وداع، لا ندري ما هو الوداع،  وإذا هو وداعه لأمته عليه  الصلاة والسلام، ولكن ما تركنا إلا على المحجة البيضاء.

دعوة الله المقدَّمة

والحمد لله الذي جمعنا وإياكم على  هذه الذكريات إن شاء الله تحيي فينا الأخلاق والسِّيَر والقيم والمُثُل والتعاون على البر والتقوى، ونهتم بهذه الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ندعو أنفسنا، ندعو أهلينا، ندعو بعضنا البعض، ننتبه من أولادنا - كما سمعتم - ومن أبنائنا وبناتنا، اليهود بغوهم،  والنصارى بغوهم، وإبليس بغاهم تبع أي جند من جنوده هؤلاء الزائغين والضالين، كلهم بغوهم، ولكن أنتم حافظوا على أنفسكم وأولادكم، دعوة الله هي المقدَّمة، ودعوة رسوله محمد ﷺ، ودعوة الأدب والأخلاق والشِّيَم، هي التي بها العز  والشرف في الدنيا والآخرة.

الله كما جمعنا هنا يجمعنا على طاعته وتقواه ومرضاته في الحياة، ويجمعنا بعد الوفاة في برازخ الأنوار مع أهل الأنوار، مع هؤلاء الذين أحببناهم من أجل الله تعالى، ويجمعنا يوم القيامة في زمرة المظلَّل بالغمامة: النبي محمد ومن معه ﷺ.

قصة الحسن والحسين مع النبي ﷺ

دخل يوماً سيدنا أنس بن مالك مع النبي إلى بيت سيدنا علي والسيدة فاطمة، كان سيدنا علي نائماً في جانب من البيت، سيدتنا فاطمة استقبلت أباها، قبَّلته على جبينه وفي يده ودخل، قال: فإذا بالحسن والحسين، وتقدَّم سيدنا الحسين يقول: اسقني يا جد، نظر النبي إلى شاة في جانب البيت، قام وأخذ وعاء ونفض ضرع الشاة وحلب، تقدَّم سيدنا الحسن نحَّاه، وسقى الحسين أول، والسيدة فاطمة تنظر، قالت له: هو أحب إليك؟ قال: لا لا، لكن هذا استسقاني أول، هو الذي طلب السُّقيا، فنُقدِّم الذي طلب، بعدين نعطي الثاني.

وسيدنا أنس ينظر يتعجب، التفت إليه النبي، قال له: يا أنس، قال: "إني وهذان وأمهما وذاك النائم في مكان واحد يوم القيامة"، "في مكان واحد يوم القيامة"،  أي مكان هذا اللي هم فيه؟ وأنت أردت تقرب منهم ولا تبعد؟ ميزانك بيدك، ستقرب منهم؟ اقرب الآن، اقرب بمحبتهم، واقرب بمودتهم، واقرب بمتابعتهم، وتقرب منهم هناك يوم القيامة. "إني وهذان وأمهما وذاك النائم في مكان واحد يوم القيامة"  ، "في مكان واحد يوم القيامة".

دعاء

الله يوردنا على حوضه المورود مع أهل السعود، ويجمعنا في جنات الخلود.

جزى الله أحبابنا والذين قاموا منكم بهذا الجهد وبهذا الترتيب، وإن شاء الله يستمر الخير فيكم وفي أولادكم وأحفادكم، ولا يقطعهم قاطع، ولا يصرفهم صارف عما يوجب لهم سعادة الأبد.

الله يربطنا وإياكم بالنبي محمد وبما جاء به، وبكتابه الذي أنزله عليه، وبسُنَّته الغرَّاء، وبصحابته، وبآل بيته، وبورثته وخلفائه من علماء أمته وخيار أمته وأولياء أمته. ويرزقنا محبة الأمة عامة وخاصتهم خاصة، وينضمنا في سلك أهل الرضى ،ويلطف  بنا والأمة فيما يجري به القضاء، يحوِّل الأحوال إلى أحسنها، يختم لنا ولكم بالحُسنى وهو راضٍ عنا، ويجعل آخر كلام كل واحد منا من هذه الحياة الدنيا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ، مُتحققين بحقائقها وهو راضٍ عنا، والحمد لله رب العالمين.

العربية