حقيقة السمو بالإصغاء لنداء الله والعمل بمقتضاه والتحرر عن تبعية زُمَر الخاسرين

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس توديع طلاب الدورة التعليمية الحادية والثلاثين بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، صباح السبت 15 صفر الخير 1447هـ بعنوان: 

حقيقة السمو بالإصغاء لنداء الله والعمل بمقتضاه والتحرر عن تبعية زُمَر الخاسرين

للاطلاع على تقرير اختتام الدورة وروابط الدروس (اضغط هنا) 

لمشاهدة مجلس التوديع كاملا (اضغط هنا)

لتحميل (نسخة مكتوبة pdf) 

في توديع طلاب الدورة، يوصي الحبيب عمر بن حفيظ بالثبات على منهج الحق في زمن كثرت فيه الفتن والإغراءات، مذكراً إياهم بأن من عرف سر الاتصال بالله ورسوله ﷺ لن يتأثر بتهديد ولا إغراء، ولو عُرض عليه ملك الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، كما يؤكد على ضرورة التمسك بالقرآن الكريم وسنة المصطفى ﷺ، والمحافظة على الأذكار، داعياً للاقتداء بالصالحين من آل البيت والصحابة.

  • 2:10 نعم الله الواسعة
  • 4:07 نهاية حتمية لزمر السوء
  • 10:10 الربح الحقيقي
  • 12:56 بقاء الخير إلى آخر الزمان
  • 15:17 المهمة العظيمة والثبات عليها
  • 17:14 كيف تقابلون رسالة من الله؟
  • 19:33 الانطواء تحت الراية
  • 22:07 ثمرات الأيام المباركة
  • 24:45 وصايا لأهل الدورة
  • 27:55 التعلق بالقدوات الصالحة وترك أهل السوء
  • 30:51 اللهم بارك في التلاقي والاجتماعات
  • 32:05 الدعاء للأمة الإسلامية
  • 32:56 التوبة وتجديد العهد مع الله

نص المحاضرة مكتوب:

الحمد لله على ما كتب في الأزل من اجتماعات وانتفاعات ومَقضيّات، قضاها سبحانه وتعالى وقدَّرها؛ ليبلغ كلٌّ ما كُتِب له، ويبلغ كلٌّ إلى ما سبق له في علمه المُحيط الأزلي جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، له الحمدُ، له المِنَّة، له الفضل، له الشرف، له الكرامة، له الامتنان.

هو الحقُّ الحيُّ القيومُ الذي لا إله إلا هو، ولا خالقَ إلا هو، ولا رازقَ إلا هو، ولا معطيَ إلا هو، ولا مانعَ إلا هو، ولا مُقدِّمَ إلا هو، ولا مُؤخِّرَ إلا هو، وإليه مرجع الأولين والآخرين، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير.

أرسل إلينا البشير النذير والسِّراج المُنير، الهادي إلى الصراط المستقيم، ذو الخُلُق العظيم والقدر العظيم والدين العظيم والمنهج القويم، اللهم أدِم صلواتك على جامع المحامد والمحاسن والمكارم والفضائل، خاتم الرسائل، سيد الأواخر والأوائل، عبدك المختار سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا وعلى أهل مجمعنا ومِن يسمعنا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.

 

نعم الله الواسعة

واستَشعِروا تَجَلِّي الحقّ تبارك وتعالى عليكم بالخلق والإيجاد والهداية إلى الإسلام والإيمان والتهيُّؤ للإحسان، وما يصحب ذلك وما يرافقه وما يتبعه وما يعقبه من عطايا العرفان، والمنن الواسعات من الكريم المنان جل جلاله. وجعلكم في خير أمة، وكتب الاجتماع على هذا التوجُّه في موروثات وُرِثت عن صاحب الرسالة، مَن أحسن الدلالة عبد الله محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، بأسانيد آله وصحابته ومَن مشى على المنهاج واستضاء بنور ذلك السراج من غير ما اعوجاج.

اللهم لك الحمد فأتمِم علينا وعليهم النِّعمة، فأتمم علينا وعليهم النعمة، وهيّئنا للقيام بالمُهِمّة كما تُحِبّه مِنا وترضى به عنا، يا من وَفَّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وَفِّقنا للخير وأعِنّا عليه.

وكانت تلك الاجتماعات واللقاءات والتعلُّمات والتعليمات والتذكُّرات عهوداً بيننا وبين ربنا المعبود سبحانه وتعالى، عهوداً بيننا وبين خاتم الرسل سيد الوجود صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يجب أن نرعاها وأن نقوم بِحَقِّها في بواطننا وظواهرنا فيما بقي لنا من أعمارنا القصيرة على ظهر هذه الأرض، التي قال الله فيما بين تكويننا وأجسادنا وبينها: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ).

 

نهاية حتمية لزمر السوء

وإذا جاءت التارة الأخرى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا).

هذه النِّهايات لِكُلّ من على ظهر الأرض، الحَتميّات التي لا ريب فيها. أصناف الكُفر ومن دخل فيه ومن مات عليه والعياذ بالله تبارك وتعالى، لابُدّ أن يُساقوا إلى هذا المصير، هذا مستقبلهم، هذه نهايتهم، هذه غايتهم الحَتميّة الضروريّة التي لا ريب فيها.

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا)، وإنما يُساقون زُمَراً لأنهم في الدنيا كانوا زُمَراً فيما يتناولونه وما يتعاطونه وما يأخذونه وما يُرتِّبونه وما يٌخطِّطونه وما يقومون به على ظهر الأرض، كانوا زُمَراً (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا): زمرة المخدرات، وزمرة إيقاع البغضاء بين الناس، وزمرة أهل اللهو والسقاطة، وزمرة الداعين إلى أنواع الفساد، وزُمَر المؤذين، وزُمَر المحاربين والمقاتلين لأهل الحق والدين، وزُمَر الظالمين والآخذين حقوق الغير، وزُمَر المؤذين لعباد الله، كلهم زُمَر.

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا) ، (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، ما جاءكم هؤلاء الرُّسُل؟ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا) يُخبِرونكم بِعَظَمة المُستقبل، ويُنذرونكم الخطر فيه إذا خالفتم، وإذا ركنتم إلى دنياكم وزخرفها وصدّقتم دواعي شهواتكم وملذّاتكم الحقيرة القاصرة وذهبتم وراءها، (وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ).

إنما يُعذّب الله من وصلته الدعوة وبلغته دعوة الأنبياء والرسل، الذين كان أولهم في المظهر الجسماني الظاهري آدم عليه السلام، ومَن جاء بعده مِن شيث وإدريس ومن بينهم إلى نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، إلى هود وصالح ومَن بعدهم مِن القرون الكثيرة والأنبياء الكثيرين، إلى إبراهيم عليه السلام وهكذا من أولاده وذُرّيته، إلى عيسى بن مريم، إلى الحبيب الأعظم ﷺ.

وهذا ما جاء به عن الله جل جلاله في تزكية هذه النفوس: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) صلوات ربي وسلامه عليه، (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).

 

مصير من اغتر وتكبر

يقول الملائكة لهؤلاء الأصناف، مِن كل مَن اغترّوا بالشهوات، مِن كل مَن اغترّوا بالملذّات المُحرّمة الحقيرة القصيرة، مِن كل مَن اغترّوا بالأموال، مِن كل مَن اغترّوا بالسُّلطات، يجتمع الجميع والزُّمر وهذا مصيرهم ونهايتهم: (وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) والعياذ بالله تبارك وتعالى.

(فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)، تكبّروا عن منهاج الله، تكبّروا على أوامر الله ونواهيه، وتركوا الأوامر واقترفوا المناهي والزواجر، هذا أشد الكِبر والعياذ بالله. كِبر على منهج الله، كِبر على نظام الله، كِبر على وحي الله جل جلاله. يُخطِّطون لأنفسهم خطط في تخبيط كامل، ثم يقابلون بها منهج الله ليردّوه ويتركوه وينفّذوا نظامهم وخططهم! أي كِبر أشد من هذا الكِبر والعياذ بالله تبارك وتعالى؟

وتكبَّروا على رُسُل الله، وتكبّروا على أولياء الله وعلى صالحي عباد الله الذين كانوا في أزمنتهم، وأساءوا النظر إليهم واحتقروهم، وأرادوا أن يُغالطوهم، وأرادوا أن يؤذوهم، وأرادوا أن يضحكوا عليهم، (وَاللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ)، فما ربحت تجارتهم، فما ربحت تجارتهم، (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).

 

الربح الحقيقي

الربح إلا لأتباع الحبيب! "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى!" لمّا أقبل عليه ﷺ سيدنا صُهيب الرومي، وخرج من مكة المكرمة، وترك ماله وما عنده لهم في مقابل أن يلحق برسول الله ﷺ، وأنزل الله فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ). فلما أقبل على الحبيب قال له: "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى!"

وهكذا قالت ثُلّتنا المباركة، أوائلنا من الذين أكرم الله قلوبهم وآذانهم بالإصغاء إلى بلاغ النبي محمد عن الواحد الأحد جل جلاله، ثم عَرَض لهم هذا العرض الجميل: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ).

تميل قلوبكم أو تطمئن نفوسكم إلى هيئات وجماعات ودول على ظهر الأرض؟ (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)؟ كل الذين تطمئنّون إليهم وتركنون عليهم غيره يضمحِلّون وتضمحلّون، ويفنون وتفنون، وتُقطَّع بينكم الأسباب، (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)؟ هذا الله الذي إذا وعدك يُنجز وعده، ويُعطيك مِن خير  لا أمدّ له ولا غاية ولا منتهى، (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وهذه صفاتهم: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

وتُلِيَت عليهم من لسان نبينا ووعوها وأدركوها، فكانوا يقولون بينهم البين: "ربح البيع فلا نَقيل ولا نستقيل" ، ربح البيع فلا نُقيل ولا نستقيل، ربح البيع! (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم)، وبذلوا أنفسهم لله وأموالهم لله، فما كان أتْجَر منهم ولا كان أربح منهم ولا كان أجمل تحصيلاً منهم وحيازة للسعادة والخيرات، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

 

بقاء الخير إلى آخر الزمان

وثبّت الله سبحانه وتعالى مِن بعدهم فالرعيل الذي يليهم مَن ثبّت، وأراد وجه الله والدار الآخرة، ووَفَى بعهده مع الله، وبذل نفسه وماله من أجل الله تعالى، ثم مِن تابع التابعين وتابع تابعي التابعين وهكذا، و "في كل قرن من أمتي سابقون"، ويختار الله تعالى من يشاء على مختلف القرون.

وما دام كتابه مُنعَماً به على الأمة موجوداً محفوظاً قبل أن يُرفَع، فإمداداته بالمراتب والمواهب والدرجات باقية في الأمة، وفيهم الصدّيقون وفيهم الأكابر على مدى القرون إلى آخر الزمان، فضلاً من ربكم جل جلاله ورعاية منه لجناب حبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وما وعده به في أمته، وقال له فيما أوحاه على يد جبرائيل عليه السلام، يقول لرسول الله: "إن ربك يقول لك: إنا سنُرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم" ، إنا سنُرضيك في أمتك ولن نسوءك فيهم! 

أرضِهِ اللهم في مجمعنا هذا، أرضِهِ اللهم في من يسمعنا وفيما تؤتينا وتؤتيهم، وتتفضل علينا وعليهم، وتنظر إلينا وإليهم، ولا تسوء بأحد منا، لا تسوء بذكر ولا أنثى ولا صغير ولا كبير؛ سُرَّه بنا أجمعين، وسُرَّه فينا أجمعين، وأرضِهِ فينا أجمعين، يا من وعدته ووعدك الحق، وقلت له مخاطباً إياه: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أرضِهِ اللهم بِهَبَّة نسمة من نسائم جودك تهِبّ على هذه القلوب، فتُصَفّيها وتُنَقّيها وتُهَيِّئها لوعي وحيك الذي أوحيتَه، ورسالتك التي أرسلتَ بها من فضّلت وشرّفت وكرّمت وقدّمت على مَن سواه، خير بريّتك محمد بن عبد الله ﷺ.

 

المهمة العظيمة والثبات عليها

وأمامكم هذه المُهِمّة العظيمة فيما يُقابلكم في هذه الحياة من أنواع الأفكار، ومن أنواع الأطروحات، ومن أنواع الأُعروضات، ومن أنواع الترويجات، ومن أنواع البَهرجات، ومن أنواع الإغراءات، ومن أنواع التهديدات. 

ومن عِرف سرّ هذه البضاعة والاتصال بها لم يتأثّر بتهديد ولم يتأثّر بإغراء، ولو هُدِّد بأشد ما يمكن أن يتصوَّره الناس من تعب ومضايقة لم يتأثر، ولم ينزح عن منهجه، ولم يرضَ بإضاعة ذرة منه، ولو أُغري ليس فقط بمبالغ من الدولارات ولا وظيفة بل بملك الدنيا من طرفها إلى طرفها، ما التفت إليها ولا رضي مقابلها يترك سُنّة، فضلاً عن المهمة العظيمة، وهذا شأن من ثبّتهم الله.

يا ثابت المُثبَّتين ثبِّتنا! يا من يُثبِّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، نعوذ بوجهك أن يزِلّ قدم أحد منا ومن الحاضرين ومن السامعين. 

فيا رب ثبّتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلَّةِ

وارزق هذه القلوب حُسن الإصغاء والاستماع لما جاء به حبيبك المحبوب، والتشبُّث به والقيام به على الوجه المَرضي لك يا علاّم الغيوب، يا غفّار الذنوب، يا كاشف الكروب، يا دافع البلايا والمرهوب، يا حي يا قيوم، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

 

كيف تقابلون رسالة من عند الله؟

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، أولئك هم المفلحون، اجعلنا منهم يا رب. (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).

قل: أنا جئتكم من أين؟ ودعوتكم إلى من؟ وإلى ماذا؟ صلوات ربي وسلامه عليه. (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، رسول الله إليكم جميعاً! 

كل ما يُعرَض عليكم من أين يجيء؟ كل خطة، كل فكرة، كل اتجاه في الأرض من أين يجيئكم؟ أنا جئتكم من عند الله! والثاني من أين يجيئكم هذا؟ وكيف تقابلون هذا بهذا؟ (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) أرسله إلى جميع الإنس والجن إلى أن تقوم الساعة ﷺ.

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، انظروا المصدر، انظروا المرجع، (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فمن يقاومه؟ ومَن يكابره؟ ومَن يعانده؟ وإلى أين يصير مرجع المكابرين والمُعاندين بأيّ كيفية كانوا وعلى أي صورة كانوا؟ (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) كما يقول الله تبارك وتعالى، (قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ). 

هذا مستقبل كل متكبّر عن أمر الله، كل متكبّر على منهج الله، كل متكبّر على دين الله الذي ارتضاه لعباده، قال سبحانه وتعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، يرضه لكم، وفيه عزّكم وشرفكم وكرامتكم وسعادتكم جل جلاله وتعالى في علاه.

 

التهيؤ للانطواء تحت الراية

ثم قال سبحانه: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)، أتباع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، الذين اتقوا ربهم زُمَر زُمَر، كما كانوا أُمم أُمم وطوائف متعاونين على البر والتقوى في مجالات متعددة، فهم زُمَر (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا).

إلا أن زُمَر أهل النار والعياذ بالله تتداخل في بعضها ورأسها إبليس، وأما هذه الزُّمَر - زُمَر الذين اتقوا ربهم - فتتداخل في بعضها وراء الأولياء وراء الأنبياء إلى الرأس محمد بن عبد الله، هذا رأسهم صلوات ربي وسلامه عليه، الذي قال: "إن الله حرّم الجنة على الأنبياء حتى أدخلها أنا، وحرّمها على الأمم حتى تدخلها أمتي."

هو السس وهو الرأس للأمر كُلِّهِ ** بأولهم يُدعى لذاك وآخرِ

وتحت لِواهُ الرُّسْل يمشون في غَدٍ ** وناهيك مِن جاهٍ عريضٍ وباهرِ

فتهيّؤوا بصدق وجهتكم إلى الله، وتعظيمكم لأمر الله، ووفائكم بعهد الله، وتعاونكم على ما يُرضيه جل جلاله وتعالى في علاه؛ تهيّؤوا لأن تدخلوا تحت تلك الراية.

وتحت لِواهُ الرُّسْل يمشون في غَدٍ ** وناهيك مِن جاهٍ عريضٍ وباهرِ

يوم الحسرة، يوم الآزفة (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ).

ما لهم أمر، ما لهم حُكم. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، إن الحكم إلا لله جل جلاله وتعالى في علاه، (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ) جل جلاله.

تهيّؤوا للانطواء تحت هذه الراية، راية الحبيب الأعظم ﷺ، بما تحملون من نيّات ووجهات في قلوبكم، فيما يستقبلكم من مهمّاتكم في هذه الأعمار القصيرة.

 

ثمرات الأيام المباركة

أيام مباركة كتب الله لنا فيها الاجتماع والاستماع والانتفاع والارتفاع إن شاء الله، والعطايا الواسعة، فيا رب ثبّتنا على الحق والهدى. 

 بِحُرمة هادينا ومُحيي قلوبنا ** ومرشدنا نهج الطريق القويمةِ

دعانا إلى حقٍّ بِحَقٍّ مُنزّلٍ ** عليه من الرحمن أفضل دعوةِ

أجبنا قَبِلنا مُذعنين لأمره ** سمعنا أطعنا عن هدى وبصيرةِ

فيا رب ثبّتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلّةِ

فيا رب ثبّتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلّةِ

فيا رب ثبّتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلّةِ

وعُمّ أصولاً والفروع برحمة ** وأهلاً وأصحاباً وكل قرابة

وسائر أهل الدين من كل مسلم ** أقام لك التوحيد من غير ريبةِ

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).

هذا سلام خَزَنة الجنة، ثم سلام الملائكة: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، ثم سلام مُبَلَّغ عن الإله السلام، ويقول المَلَك: "إني جئتك من ربك، إن ربك يُقرئك السلام"، وبعضهم يحمله في كتاب: سلام من الرحمن الرحيم، وبعضهم يكشف عنه الحجاب ويسمع السلام من رب الأرباب: (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَبٍّ رَحِيمٍ)، (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) جل جلاله وتعالى في علاه.

(سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) جل جلاله وتعالى في علاه.

 

وصايا لأهل الدورة

أيام مباركة لها خيراتها الواسعة في أنفسكم وأهاليكم وفي دياركم ومنازلكم، على حسب من يرتضيهِ الله لحمل هذا النور وهذه الأمانة ونشرها، والله لا يجعل فينا محروم ولا مقطوع عن هذا الخير العظيم والمَنّ الكريم، ويُثبّتنا أكمل الثبات.

فتجَنَّدوا للرحمن، وكونوا جُنداً لربكم بكل طاقاتكم فيما بقي من أعماركم، فالموعد أمامنا، وسيدنا كان يقول لأوائلنا: "إني فرطكم على الحوض، وإني أنتظركم عليه" يا رب صلِّ عليه وعلى آله.

وكم ينتظر من الوافدين مِن هذه الأمة، من قبل الحوض في برزخه الكريم، وفي يوم القيامة في مواطن كثيرة منها حوضه ومنها لواؤه الذي يحمله ﷺ؛ أظهر الأماكن التي تَفِد عليه فيها أمته مع الأمم: تحت اللواء، وتَخصُص أمّته على الحوض المورود "فإني منتظركم عليه" ﷺ، فالله يُوردنا أجمعين على الحوض المورود، ويبارك في اجتماعاتنا.

وتنتبهوا في جُنديتكم لله تعالى؛ بالاستقامة والاتباع والاقتداء والاهتداء، ولا يستفِزَّنكم أحد من أهل الشرق ولا من أهل الغرب، وكلهم وما هم فيه من الهَباء المنثور الذي لا يساوي شيئاً أمام دعوة الإله الغفور وبلاغ نبيه بدر البدور محمد ﷺ.

  • فاستمسكوا بالآداب والسنن
  •  القرآن القرآن! اجعلوه أمامكم، واعملوا بما فيه، ولا يتركه أحدكم في كل يوم وليلة نصيبه من القرآن وتأمّله إياه، 
  • وسُنّة المصطفى محمد ﷺ، 
  • وأذكار علّمكم إياها في الصباح والمساء، 
  • ورأفة ورحمة بالقريب وبالبعيد، وإعراض عن الجاهلين، وصبر وتحمُّل وتواضع، 
  •  واستغفار قبل غروب الشمس وفي الأسحار،

الأربع الساعات في خلال اليوم والليلة، التي يجب على كل مُتوجِّه إلى الله أن يرعاها ويغتنمها: 

  • ما قبل المغرب ولو بدقائق،
  •  وما بين المغرب والعشاء، 
  • وما قبل الفجر ولو بدقائق،
  •  وما بين الفجر وطلوع الشمس. 

فهذه من جملة ساعات اليوم والليلة، احفظوها واحفظوا قلوبكم فيها في تَلَقِّيها لفائض جود الله سبحانه وتعالى على أهليها.

فإنه عليه الصلاة والسلام في رأفته ورحمته، من طول قيام الليل وآثار الإعياء والتعب في البيت، رقدت السيدة فاطمة يوماً بعد صلاة الصبح، فدخل البدر المنير  ﷺ، وحرَّك برجلها: "قومي يا فاطمة، قومي اشهدي الملائكة تُقسِّم أرزاق العباد"، قومي اشهدي الملائكة، وما سمح لها بالنوم في هذا الوقت وهي أحب الخلق إليه ﷺ، وهي البضعة منه صلوات ربي وسلامه عليه.

 

التعلق بالقدوات الصالحة وترك أهل السوء

ولتتعلّق عقولكم وقلوبكم وقلوب أهاليكم ومَن في دياركم بالقدوات التي ارتضاها رب الأرض والسماوات: الأنبياء وآلهم والصادقين مِن عباده المُخلصين المنيبين، وحدهم تتعلّق بهم.

تتعلّق نساؤنا بالزهراء وبأمّها الكبرى وبأخواتها زينب ورقية وأم كلثوم، وبآسية وبمريم، المثل الذي ضربه الله في القرآن للمؤمنين: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ). بهؤلاء يجب أن تتعلّق قلوبنا وقلوب أهلينا وقلوب نساءنا.

وأما هذه الأعروضات عليهم، واحدة فاجرة وواحدة كافرة وواحدة كاسية عارية، يُعلِّقون قلوب بناتنا بهنّ، ويمسين ويصبحن في ديار المسلمين ولكن قلوبهن مع الكافرات، ولا في بالها قدوة بِصِدِّيقة ولا بِمُقرَّبة ولا بعارفة بالله سبحانه وتعالى، فرحانة بتقليد واحدة من أهل النار، يكاد النار تشتعل على رأسها وهي في الدنيا قبل الآخرة والعياذ بالله تبارك وتعالى، وهذه فرحانة بالتشبُّه بها والاقتداء بها!

أختك أو بنتك أو زوجتك.. انتبه لنفسك! عَلِّق القلوب فوق ولا تبِع برخيص، ولا تجعل التعلّقات بهؤلاء، يريدون يحصِّلوا في هذه الحياة سرور وأُنس وطمأنينة بالتشبُّه بهؤلاء؟ ماذا سيُحصِّلون في الحياة من الاقتداء بهؤلاء أو التعلُّق بهم؟

هذه الخِرَق المِعوجة التي ضحكوا عليكِ بها، إما فتحوها من هنا أو شقّوها من هنا وزرزروها من هنا.. هي التي ستوصّل لكِ أمن أو طمأنينة أو سكينة أو راحة أو سرور؟ ما هذا الوحي الكاذب الخبيث؟ وكيف تَصديقه؟ هذه تأتي لكِ بسرور؟ هذه تأتي لك بخيور؟ هذه تأتي لكِ برفعة في الدنيا قبل الآخرة؟ تأتي لكِ بسقاطة! وتأتي لك بظُلمة قلب، وتأتي لك بخطر مرافقة أصحابها في القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى.

فالاقتداء بالبتول الزهراء ** وأمهات المؤمنين أحرى

ولكن صار الناس يبيعون قِيَمهم، يبيعون عقولهم، يبيعون دينهم، يبيعون شرفهم بأتفه الأشياء وبالضحك.

يقول الخبيث عدو الله الذي يقود الأحزاب الفاجرة والكافرة إلى النار: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم).

نُصغي إلى دعوة الحبيب ﷺ، وما بلَّغنا عن الحق جل جلاله وتعالى في علاه، ونُحيي سُننه في أنفسنا وأهالينا، ونتعاون على نشر هذا الخير في البرية.

 

اللهم بارك في التلاقي والاجتماع

يا ناظراً إلى قلوب عباده، ها نحن بين يديك، كتبت اجتماعنا في هذه الاجتماعات وتلاقينا في هذه الأيام الماضيات، فبارك لنا في ذاك التلاقي والاجتماع، وانفعنا به أعظم الانتفاع، واجعل اللهم له نوراً يُلألئ في قلوبنا وقلوب أهالينا وأهل ديارنا، ويعمّ عبادك في مشارق الأرض ومغاربها، ترحم به الأحياء وترحم به الأموات، وترفعنا به عليّ الدرجات.

اللهم احفظ علينا سِرّ الوجهة إليك والإقبال عليك والتذلّل بين يديك، حتى تكتُب جَمعَنا في دائرة حبيبك ومصطفاك؛ في مواقف القيامة كلها، وتحت لواء الحمد، وعلى حوضه المورود، وفي دار الكرامة والهناء وساحة النظر إلى وجهك الكريم، يا بَرّ يا ودود، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

وأَرُوا رب العرش في قلوبكم وجهات ونيّات يرضى بها عنكم، ويتوفّر حظّكم مما يُنزِله ومما يتفضّل به جل جلاله، ويجود على أهل التوجُّه إليه وأهل الإقبال عليه سبحانه وتعالى.

اللهم لا تحرِمنا خير ما عندك لشرّ ما عندنا، ووفِّر حظنا من المنان.

 

دعاء للأمة الإسلامية

وتوجّهوا إلى الله أن يُفرِّج كروب المسلمين، وأن يجمع شمل المسلمين، ويأخذ بأيديهم إلى الصراط المستقيم والمنهج القويم. يوفِّق سبحانه وتعالى شعوبهم وحُكّامهم إلى ما هو خير وإلى ما هو أنفع وأجمع، وإلى ما فيه الطاعة له ولرسوله، ويُخلّصهم من الانقياد للأهواء والشهوات، وأعدائه من الكفار ومن الذين أوتوا الكتاب من المنحرفين عن سبيل الصواب.

خلِّص اللهم شعوبنا وحكّامنا من تبعيّة المجرمين والفاسدين والظالمين، وأقم لنا ولهم التبعية لحبيبك خير البرية في كل قضية، شرّفنا بذلك وأكرمنا بذلك، واجعلنا سبباً لنشر هذا الشرف في عبادك على خير الوجوه وأكملها وأعلاها.

 

التوبة وتجديد العهد مع الله

وتوجّهوا إلى الله أن يُفرّج على المسلمين، وتوجّهوا إلى الحق بقلوبكم وكليّاتكم، بعد تصحيح توبتكم في هذا المجمع، الله جعلها توبة مقبولة، توبة نصوحاً. وقولوا جميعاً:

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، من جميع الذنوب والمعاصي والآثام، بيننا وبين الله، وبيننا وبين عباد الله، ومن جميع ما يعلمه الله.

حقِّقنا وإياهم بحقائق التوبة، واغفر لنا يا خير غفّار، جميع الذنوب والخطايا والأوزار، فلا تُبقي في صحيفة أحد منا ذنباً ولا سيئة ولا خطيئة ولا معصية صغيرة ولا كبيرة إلا محوتها وبدّلتها إلى حسنات، برحمتك يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، يا الله.

ونُجدِّد عهدنا معك ونقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبداً عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

 ثبِّتها في قلوبنا وأحينا عليها يا حي، وأمتنا عليها يا مميت، وابعثنا عليها يا باعث في خواصّ عبادك المقرّبين وحزبك المفلحين، يا أرحم الراحمين. 

يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** فرّج على المسلمين

 

العربية