(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة في مجلس اجتماع اتحاد النور، لخريجي معاهد حضرموت، وافتتاح مركز مجلس المواصلة بين العلماء بماليزيا، كوالالمبور، ظهر الأربعاء ٤ ذو القعدة 1444هـ بعنوان:
حقائق وموازين فقه الدعوة والعبودية وعظمة الربوبية وإرادتها في الأكوان وشرف الخضوع لجلالها.
تحدث فيها عن أهمية القيام بأمانة رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وانتخاب الله لعباده الذين يدلون إليه، ووضح أن طريق أرباب الخصوصية هو التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى، ونتيجة ذلك يُظهر الله مظاهر الخير في الأمة، ثم تحدث عن المهمات والواجبات التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعى بدعوات مباركة في القيام بحق أمانة التبليغ وأن نكون سبباً للهداية وأن يرزقنا الله حسن القيام بأداء الأمانة، وأوصى في خاتمة الكلمة بتجديد التوبة من الذنوب التي نعلمها وما لا نعلمها من قول وقصد وحركة وسكون.
Majelis yang penuh berkah yang dihadiri para pelajar dari Ittihad An-nur, para alumni dari madrasah dan ma'had-ma'had Hadramaut dan pembukaan majelis pusat Al-Muwasholah baina ulamail Muslimin di Malaysia
Al Habib Umar bin Hafidz telah menyampaikan ceramah beliau dengan judul: "Hakikat dan barometer fiqh dakwah, 'ubudiyah (penghambaan) - Keagungan rububiyah (ketuhanan) dan sifat iradahNya di alam semesta - serta kemuliaan tunduk di bawah keagunganNya"
Al Habib Umar menjelaskan di dalam ceramah tersebut tentang pentingnya menjalankan amanah risalah nabi Muhammad shallallahu alaihi wasallam dan bahwasanya Allah telah memilih hamba-hambanya untuk menjadi penunjuk ke jalan Allah. Beliau juga menjelaskan bahwa jalan para hamba-hamba khusus adalah merendahkan hati karena Allah ta'ala dan hasilnya Allah subhanahu wa ta'ala akan menampakan benih kebaikan di dalam umat ini.
Selanjutnya Al Habib Umar menjelaskan tentang misi dan tugas yang diperintahkan Rasulullah shallallahu alaihi wasallam kepada kita. Yang kemudian ditutup dengan sejumlah doa-doa yang mulia tentang menjalankan hak amanah tabligh dan penyampaian agama ini dan agar kita semua dijadikan penyebab tersebarnya hidayah, juga diberi Taufik untuk menjalankan amanah ini.
Di penghujung Al Habib Umar memberikan wasiat dan pesan untuk memperbaharui taubat kita dari dosa-dosa, baik yang kita ketahui dan yang tidak kita ketahui, perkataan perbuatan, niat, maupun gerakan.
Dzuhur hari Rabu 4 Dzulqo'dah 1444 Hijriyah, 24 Mei 2023.
الحمد لله، وأكرَمنا الله وإيّاكم بنظره الذي يرعى بهِ أحبابهُ، حتى يُدخلنا في دوائرهم ويُحضرنا في محاضرِهم، وتسري لنا سرايات الاتّصال بهم، بِثبات القلوبِ والأقدامِ على دربهم، حتى يسقينا من شُربهم، وحتى يحشرنا يوم القيامة معهم، في زمرة سيدهم وإمامهم وهاديهم نبي الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الذي حملت أمّتهُ الأمانة بوجهٍ وسيعٍ عظيمٍ، يترجمُ شأن حكمة الله في خلق الأمم، وختمِها بخير هذه الأمم، أمة الحبيب الأعظم ﷺ، وبعثَ في تلك الأمم رُسلاً وأنبياء، يصدّق بعضهم بعضاً، ويقومون بأمر الله وحق الله تبارك وتعالى مع من حواليهم من عامة الناس، ومِن أرباب المهن والحرف، ومِن أمُرائهم وملوكهم، ومِن مَن سِواهم مِن عباد الله تبارك وتعالى.
ولما بعث الله سيدنا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، وهارون إلى فرعون، لم يُقصّروا في أن يخاطبوا ويِجالسوا من قَبِلَ ورغب واستمع وتمكّنوا من إسماعه، مِن صغار القوم وكِبارهم، خاطبوا فرعون (فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ) [النازعات :18-19] وخاطبوا بهذا الخطاب عموم الناس وعامّة الناس من بني إسرائيل ومن الأقباط، حتى كان في الأقباطِ أهل الإيمان الذين أثنى الله عليهم، (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) [غافر :28] وعرض لنا في القرآن الكريم منهجه في الدعوة بما صفى من فكره، وتَنوّر قلبه ولبّه حتى خاطب فرعون وقومه بهذه الخطابات، خِطاباً بعد خطاب، انتهى في مقابلتهم بالإصرار والعِناد إلى أن (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)) [غافر:45].
فكان هؤلاء الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- مع أتباعهم، يقومون بالمُهمّة قصد وجه الله جل جلاله وتعالى في عُلاه، في أحوالٍ شريفة عظيمة، وهؤلاء الأنبياء المعصومون واصلهم الربُّ تبارك وتعالى، بالتذكير مرة بعد أخرى، والتنبيه مرة بعد أخرى، يقول قل كذا، افعل كذا، لا تفعل كذا، لا تركن إلى كذا، قل كذا، يواصِل الله أنبياءه، والأنبياء واصلوا أتباعهم ولاحظوهم، ومن انتمى إليهم، وقالوا لا هذا لا يصلح منك، وهذا غلط منك، وهذا خطأ واقبل كذا ولا تقل كذا، ولا تعُد إلى مثل كذا، فما اغتنى أحد عن هذا التنبيه والتبيين والإرشاد.
الرحمن تولّى أنبياءه، وأنبياءه تولّوا وولّوا مَن بعدهم للقيام بهذه الأمور، حتى جاء خاتمهم الأطهر الأنور الأفخر الأعظم، الأكرم الأجل الأجمل الأتم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثم وجدنا الحق -جل جلاله- يقول قل كذا قل كذا، ولا تمدّن عينيك إلى كذا، ولا تعمل كذا، واصبر نفسك مع أولئك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقام بحق الأمانة في الرسالةِ الكاملة، التي تُترجِم فيها الأمة، عن أحوال الأمم قبلها، من عهد آدم إلى أن بُعث النبي الخاتم ﷺ.
وجئنا في هذه الأمة بتقدير العزيز العليم جل جلاله، وحمّلنا الحق سبحانه وتعالى نور لا إله إلا الله، وأمانة لا إله إلا الله، وكلٌّ يرتقي مُرتقى، ويُسقى بِمسقى، أو بكأسٍ من حقيقتها على حسب استعداده:
كلٌّ على قدر الصفاء والاقتداء ** نال الهُدى في أحسن استقبالِ
وظهر في هذه الأمة الأصفياء والأخيار والأبرار، ومنهم من يُجدِّد الله بهم دينه في كل مئةِ عام، ومنهم الذين قال عنهم العلماء ورثة الأنبياء، وقال عنهم عُلماء أُمتي كأنبياء بني إسرائيل، إلى غير ذلك مما أشار الحق إليه في الأمم السابقة بقوله: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد:7] (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر:24]، ثم بعد ذلك اختلفت أحوال الأمم فيما مضى، وكان فيهم المُستجيب وفيهم غير المستجيب، وفيهم اللبيب وفيهم من ليس بلبيب، وفيهم المستقيم وفيهم الثابت إلى الممات، وفيهم الذي ينحرِف بعد استقامة ويَعوَجّ، وفيهم من يموت على حسن الخاتمة وفيهم من مات على سوء الخاتمة، وفيهم من كان لا يُؤبه له ولا يُعرَف، ومنهم من أراد الله إجراء خير على يديه فعرّف به وأعلى شأنه في الدنيا قبل الآخرة، ومنهم من ستره جلّ جلاله وستر أحواله، وكان كثير من الخيرات الدائرة في محيطه أو في وقته، أو في زمنه على يديه، وبواسطة سرّ علاقته بربّه جلّ جلاله، ويُبعث يوم القيامة إمام لمن كان يؤمُّهُ في الصورة في الدنيا، لِمن كان يؤمُّهُ في المظهر في الدنيا، ويصير هو الإمام لهم في الآخرة، لأنهُ كان في أيام الدنيا إماماً، كما يذكرون العبرة يقولون إن الله ينظر إذا صلّى الناس جماعة إلى الإمام، إن وجد في قلبه خيراً قَبِلهُ وقَبِلَ الجمع كلهم بسببه، وإلا نظر إلى الصف الأول فإن وجد فيهم أحد قَبِلَهُ وقَبِلَ الجمع بسببه، وإلا الثاني وإلا الثالث، حتى قد يكون في آخرهم، قالوا فلو كان في آخرهم من قُبِلَ الجمع بسببه؛ فهو الإمام وإن كان هو في آخر صف صلى، ما هو الذي في المحراب الإمام، ذاك صورة إمام، وهذا حقيقة إمام عند الله.
وهكذا لم تزل أسرار الحق تبارك وتعالى، مطويّة ومخفيّة في عباده كما أراد، وينتخب أئمة يدعون إليه ويدلون عليه جل جلاله: (وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ) وقال سبحانه وتعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء :73] صلوات الله وسلامه عليهم، ورزقنا حُسن اتباعهم.
وكان ما كان، ثم كان في عهده صلى الله عليه وسلم نماذج من كل ما حصل من أول حياة بني آدم على ظهر الأرض الى أن بُعِث عليه الصلاة والسلام، ثم كان في أمته من بعده تلكم النماذج تظهر، وفيهم المُعاند وفيهم الجاحد وفيهم الملحد وفيهم وفيهم، وفيهم من يهديه الله لِنوره، وفيهم من تسبق له الهداية، وفيهم من لا تظهر عليه آثارُها إلا آخر عمره، وفيهم وفيهم إلى غير ذلك، ويبقى أرباب الخصوصيّات والمزايا بخصوصياتهم ومزاياهم، ويختبر الحق تبارك وتعالى بهم عباده، فلا يُعرِّف عليهم إلا من أراد أن يتعرّف إليه، ولا يُوصل إليهم إلا من أراد أن يُوصِلَهُ إليه -جل جلاله وتعالى في عُلاه-.
وجاءت هذه الأدوار وجاءت هذه المهام عندنا وعندكم، بسرِّ خطاب الحي القيوم الباقي الدائم جل جلاله، العزيز القادر الفاطر المُنشِئ، العليم القدير جل جلاله وتعالى في عُلاه، فوصلت فنحن على مراتب في فهمها وفي وَعيِها، وفي إدراكها وفي القيام بِحقِّها، وفي العمل بمُقتضاها وفي حملِ راياتها، وفي الخضوع للرب الرحمن جل جلاله، الذي لم يجعل سُلّماً للارتقاء في مراقيها، ولا في جميع مراقي القرب منه، ولا في جميع مراقي المعرفة به، ولا في جميع مراقي رضوانه؛ إلا التذلُّل والخضوع، إلا إلانكسار والخشوع، ولا يوجد سُلّم غير هذا، ما أحد لا مَلَك ولا نبي ولا ولي ارتقى من غير هذا السُلم، ما حد منهم رقى إلا بهذا السُلّم، وكان أخشعهم وأخضعهم وأذلّهم للواحد الكريم محمد، ولذلك كان سيدهم وكان إمامهم وكان مقدمهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهكذا جاءت الأمانة إليكم، وقد ظهرت هذه المظاهر، وافتُتِح المكان ليكون لأعمال مجلس المواصلة مُنطلَق، ومجلس المواصلة كغيره من الأعمال التي ارتبطت بالحق وبرسوله، مواطنها قلوب وأسرار وأرواح ولها صِلات بالعالم الأعلى، ومراكزها فوق ولها في عالم الأرض صور أماكن وصور مظاهر، كما جعل الله لمن آمن به على ظهر الأرضِ بيتاً وكعبة وحَرماً لحبيبه صلى الله عليه وسلم، وروضةً ومحلاً لقبره الشريف مُعظَّماً على ما سواه من الأماكن، ومسجد أقصى شُرِّفَ بالأنبياء وبارك حوله جل جلاله، ثم جعل لهم مساجد، وجعل لهم ملاهي ومقاهي كلها على ظهر الأرض، ولا هذا مثل هذا ولا هذا مثل هذا، ويختصُّ ما يشاء ومن يشاء جل جلاله، وقد تبدو العجائب في القُدرة في الأراضي نفسها، ويتحوّل هذا من خير إلى شر، أو من شر إلى خير، أو من كنيسة إلى مسجد، إلى غير ذلك مما يحصل على ظهر الأرض، ثم يندرِج الأمر كله في أن أوله وآخره، بقُدرة قادر وحكمة حكيم، وعلمِ عليم وعِزة عزيز، يقول للشيء كن فيكون وإليه يرجع الأمر كله، قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ)، خُذ سرّ الأمر، قال ما هو كذا وحده، ما هي مظاهر هذا الظالم أضِلّه، والذي آمن أثبِّته بس، قال: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، وكم من ظالم أهديه، وكم من مؤمن يؤبق بشيء من مخازيه ومعاصيه وينقلب إلى السوء (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، فوق المملكة ملك، وفوق الكون مكوّن، وفوق العالم مُبدئ مُنشئ فاطر مُوجد خلاق، لا يكون إلا ما أراد، ولا يحصل إلا ما أراد، والله يجعل مراده فينا وفيكم خيراً.
الحمد لله تم هذا الافتتاح، والله يجعل به للصدور انشراح، ويجعل به للقلوب سُقيا من طيّب الراح، ويجعل به ارتقاء إلى مراتب أهل الصلاح والفلاح، وتفضُّل المولى جل جلاله، وتقومُ هذه الشؤون بِمهماتها، فيما يتعلّق بالقائمين والمُتصلين بهم، والرسالة كما سمعتم وكما علِمتم موجَّهة إلى الجميع، ولكن بِمنهج سيد الجميع، بطريقة منهج سيد الجميع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قابلته القُوى المادية والقُوى السلطوية الحاكمة على ظهر الأرض، وقالوا له في بداية أمره تترك شيء من هذا الذي تقول ونعطيك المُلك، ملّكنَاك حُكم، رفض، تترك شيء مما تقول ونعطيك المال، خذ حتى تكون أكثرنا مال، رفض، ما بُعث لهذا وما جاء لهذا صلى الله عليه وسلم، لا لسلطة ولا لمال يجمعه، ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين، ولكن (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) [الحجر 98:99].
وعلّم الأمة كيف تتعامل مع المال، وأرشد من أرشد من ذوي الأموال إذا أنفقوها في محلها، وقال ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، وحذر ما حذر من الإمساك بها والبخل بها، أو الالتفات إليها والقصد لها، وقال: من غزا وهو ينوي عقالاً فله ما نواه، ولا عاد جهاد في سبيل الله، ولا غبار ما يجتمع مع دخان جهنم، ولا مثل يُشفِّع في سبعين من أهل بيته، ولا عاد شيء من هذا كله!!، العقال خذه وروّح!!، ما عاد لك إلا هذا، لأنك قصدته، لأنك أردته، لأنك أشركته مع غني لا يقبل الشرِكَة، ولا يقبل إلا من أفرد القصد لوجهه الكريم جل جلاله، (فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَۢا)، وعلى هذه الأُسُس يُخاطَبُ القوي، يُخاطَبُ الضعيف، يُخاطَبُ الأمير، يُخاطَبُ المأمور، يُخاطَبُ الغني، يُخاطَبُ الفقير، يُخاطَبُ الصحيح، يُخاطَبُ المريض، يُخاطَبُ الظاهر بين الناس، يُخاطَبُ من لا يؤبَه له، في أدب مع الله، لا تدري يُريد يُسعِد من؟، و يُريد يُشقي من؟، ويُريد يُجري الخير على يد من؟، ما تدري:
حِكَمٌ نُسِجَت بِيَدٍ حَكَمَتْ ** ثُمَّ انتَسَجَتْ بِالمُنتَسجِ
فنَزُولهُمُ وَطُلُوعُهُمُ ** فَإِلَى دَرَكٍ وَعَلَى دَرَجِ
وليست في الأمر على عِوَجِ، و لكن سوابق وحكم من خالق، يُقدّم بها ويُؤخّر، ويُشقي ويُسعد، ويرفع ويخفض، ويُقرّب ويُبعد، وله الأمر كله، رزقنا الله حُسن الأدب معه، فيجب أن تقوم.
اتّحاد النور ليس مُنحصراً في الذين تخرجوا من حضرموت، ولكن عليهم مُهمّة وواجب لاتصالهم بهذا الأساس، أو بهذا السند، ومهمّتهم ما تنحصر في أنفسهم، ومهمّتهم مهمّةُ: مُتّصلٍ بصاحب رسالةٍ أُرسل إلى العالمين ﷺ، كذلك هذه الأعمال، ولكن لما أُرسل إلى العالمين، كان له مهمّات وواجبات مع قبيلته وقومه: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، كان له مهمات وواجبات مع بلده وأهل قريته: (لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا)، وله المهمة مع الجميع فقام بها، ثم رتّب كذلك الأمور في هذه الشؤون، وجعل السابقين الأولين لهم المنزلة والمكانة، وأمر رعاية حق كبير السن، وأمر برعاية حق الأمير ولو في سرية، ومن يعص الأمير فقد عصاني ومن يُطع الأمير فقد أطاعني، وأمر أن ترعى حق الأبوّة والأمومة، وكلها بميزان: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل جلاله وتعالى في علاه.
ثم أرشد ودلّ على أنه قد يأتي من القوم من ليس له سابقة: ورُبّ مُبلغ أوعى من سامع، فقام الميزان في اتزان كامل، يحفظ النفس من غيّها، ومن غرورها ومن كبرها، ومن إرادتها الحكم دون الحاكم، قال الله تعالى لسيد خلقه وأعظمهم أدب معه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) [آل عمران 128]، فالأمر له جل جلاله، ولكن والله لا يُحِبُّ محمد صلى الله عليه وسلم أحداً إلا وهو محبوب عند الله، ولا يغضب على أحد إلا هو مغضوب عليه من قبل الله، ولا يرضى عن أحد إلا هو مرضي عليه من قبل الله ﷺ، ولا يُطيعه أحد إلا أطاع الله، ولا يعصيه أحد إلا عصى الله، و (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).
فخذوا المعاني ودلالاتها، والموازين ودِقَّتها، لتصدقوا مع الله في القيام بهذه المهام والتعاون، وارفضوا دواعي النفوس، ودواعي الأهواء، ودواعي الغرور، ولا نزال في حاجة إلى تذكير بعضنا البعض، وأنا محتاج إلى من يُنبِّهنا وأنا محتاج إلى من يوجهنا، قال سيدنا الحبيب علي الحبشي عليه رحمة الله:
من نصحني فإني منه للنصح قابل ** وين ناصح لخلق الله للنصح باذل
الله يُكرُمنا وإياكم بالنقاء، ويبارك في افتتاح هذا المكان، والعفو منكم على طول الوقت وطول الكلام معكم، والله يفتح أبواب العناية، وينظر إلى أحبابنا في ماليزيا وفي شرق آسيا، وفي جميع قارة آسيا وفي جميع قارات الأرض:
نظرة تزيل العناء ** عنا وتُدني المنى
منا وكل الهناء ** نعطاه في كل حين
يا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، نستفتح أبواب كرمك بالحبيب الأعظم، وأهل دائرته مِن أنبيائك ورسلك وملائكتك وورثته، وخصوصاً من جعلتهم لنا سنداً إليه، وحبلًا موصلاً به، فنتوجّه إليك يا ربّ بهم، وبأسمائك وصفاتك وذاتك العلية، أن تقبل جمعنا وأن تُصلح شأننا، وأن تلُمّ شملنا، وأن تؤلِّف ذات بيننا، وأن تثبتنا على ما يرضيك عنا، ولا تجعل أحداً منا فتنة على نفسه ولا فتنة على أحد من عبادك، واجعلنا سبباً للهداية، والخروج من الغِواية، وارتقاء مراتب البصر للعِماية، والصلاح للشأن في الظاهر والباطن.
يا منّان يا رحيم يا رحمن، أنت ربنا لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا سواك، التجأنا إليك وتذلّلنا بين يديك، وسألناك بأحبابك وسيّدهم أن تنظر إلينا، وأن تعفو عنا، وأن تثبت أقدامنا، وأن ترزقنا حُسن أداء الامانة، وأن ترزقنا حُسن القيام بحقها، وأن توفقنا لما يرضيك عنا، في ظواهرنا وبواطننا يا أرحم الراحمين، انظر إلى المسلمين فرِّج كروبهم أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ونُجدِّد توبتنا بيننا وبينك، مما علمنا ومما لم نعلم مما أحاط به علمك، يا سيدنا لنا ذنوب نعلمها وذنوب لا نعلمها أنت تعلمها، فاغفر لنا ما علمنا وما لم نعلم واغفر لنا ما أنت به أعلم يا خير الغافرين، ونتوب إليك من جميع ما لا يُرضيك من قول ونية، وقصد وإرادة وفعل وخطرة وسكون وحركة، وظاهر وباطن يا حي يا قيوم، و قولوا جميعا نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، من جميع الذنوب والمعاصي والآثام، بيننا وبين الله، وبيننا وبين عباد الله، ومن جميع ما يعلمه الله، تب علينا وعليهم توبةً نصوحاً، يا ربنا تُب علينا وعليهم توبة نصوحاً، زكّنا بها قلباً وجسماً وروحاً، واجعلنا من خواص الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، يا الله يا الله يا الله يا الله يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
وجدِّدوا إيمانكم وعهدكم مع عالم سركم ونجواكم، وغيبكم وشهادتكم، و ظاهركم وباطنكم، الرحمن، وقولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله مُحمّد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبداً عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، اللهم اجعل من سِرِّها ما تنفي به عن قلوبنا شوائب نفوسنا، وشوائب أهوائنا، وشوائب الدنيا وشوائب قصد غيرك وإرادة سِواك، حتى لا ينصرف مِنا أحد من المجمع إلا منقّى مُصفّى، مطهَّر عن أدناسه وعن عيوبه، وعن أرجاسه، يا مُطهّر المطهَّرين، يا مُكرمَ الصادقين المخلصين، يا من أعطيت الموفقين وفِّقنا لما تحب يا أرحم الراحمين.
وبارك لنا في قدوم الحبيب عطاس بن محمد بن سالم بن حفيظ، وبارك لنا في حضور من حضر معنا من أهل العلم أو أهل الدعوة أو أهل العمل، ومن أهل الظاهر ومن أهل الباطن، بارك لنا في حاضري المجمع من ملائكتك والأرواح الطاهرات، وأعِد العوائد على أحيانا وموتانا وعلى أهل الأرضين والسماوات وعلى الأمة، بعائدة فضل من فضلك العظيم ومَنِّك الكريم، يا عظيم يا رحيم والحمد لله رب العالمين.
06 ذو القِعدة 1444