للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع منطقة صيف، بوادي دوعن، ليلة الإثنين 14 ربيع الثاني 1447هـ بعنوان: 

الطريق إلى الحياة الطيبة

  • - كيف نترجم الإيمان بالله إلى واقع عملي في الأسرة والمجتمع؟
  • - ولماذا لا يتحقق الأمن والطمأنينة إلا باتباع منهج الله؟
  • - كيف نصل إلى مجتمع تسوده المحبة والتناصح والتراحم؟
  • - ما الذي يعوق تحقُّق الحياة الطيبة؟
  • - وكيف نربّي أبناءنا على النجاة من الشهوات والفتن؟
  • - ما معنى أن تُباع نفسك لله فتصبح حرًّا، أو تبيعها لغيره فتهلك؟

يوضح الحبيب عمر بن حفيظ في المحاضرة الطريق أمام السالكين نحو الحياة الطيبة وعلامات المجتمع الصالح، في ضوء قوله تعالى: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وكما تجسدت في حياة الأنبياء وأتباعهم.

نص المحاضرة:

الحمد لله، جامعنا في وجهةٍ إليه نتأمّل ما أوحى إلى نبينا فبلّغنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقد أحسن البلاغ بمعجزات.

كان النبي يُبعَث إلى قومه خاصةً، قال نبينا: "وبُعِثتُ إلى الناس كافة"، وفي لفظٍ: "وبُعثت إلى الخلق كافة" ﷺ، ومن الأنبياء من مكث في قومه الـ 300 سنة والـ 400 سنة والـ 500 سنة، وفيهم من مكث 950 سنة كسيدنا نوح عليه السلام، ومقدار مكثه ﷺ في هذه الأمة في أيام البلاغ ثلاثٌ وعشرون سنة، لم يتجاوزها ﷺ من حين أن أوحي إليه إلى حين أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.

فكيف بلّغ؟ وكيف أبقى الأمة على هذا الهدى، وهذا النور، وهذا البيان، وهذا الوضوح في المسلك في خلال هذه السنوات القصيرة؟ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

مُعجز القول والفِعال كريمُ الخَلقِ والخُلْقِ مُقسطٌ مِعطاءُ

رحمةٌ كلهُ وحزمٌ وعزمٌ ووقارٌ وعصمةٌ وحياءُ

صلِّ يا رب على عبدك المصطفى المختار سيدنا محمد، هادينا إليك ودالّنا عليك، ومُبيِّن سبيل الحق، وموضح معالمه، الذي لم يدع بابًا من أبواب الخير إلا دلنا عليه وأمرنا به، ولا بابًا من أبواب الشر بكل معانيه إلا حذرنا منه ونهانا عنه. 

فصلِّ يا رب عليه أفضل الصلوات، وعلى آله وصحبه القادات، وعلى من اتبعهم بحسن اعتقادات وإخلاص نيات إلى يوم الميقات، وعلى آبائه وإخوانه أهل النبوة والرسالات، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقربين، وجميع عبادك الصالحين والصالحات، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا مُجيب الدعوات.

أما بعد: أيها الأحباب، في هذا اللقاء المبارك، في هذه الليلة المباركة والبلدة المباركة، نتذكر مُهماتٍ من معاني إيماننا بالإله الحق، وترجمتنا لذلك الإيمان كيف تكون، على هدي الأمين المأمون، الذي بُعِث بالهدى ودين الحق؛ ليظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون.

وكما أنهُ لا يمكن لأفرادٍ ولا لجماعاتٍ من بني آدم، من حين هبط آدم إلى الأرض إلى يوم النفخ في الصور، لا يمكن لأفرادٍ منهم ولا لجماعاتٍ أن يعيشوا عِيشة الكرامة والهناء وحقائق الأمن والاستقرار إلا بتبعيةٍ لمنهج خالق الأرض والسماء، أنزله على آدم أولًا فأهبطه إلى الأرض، وقال له: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) [طه: 123].

ثمّ حمله النبي شيث من أبناء آدم، وحمله مَن بعده من أهل الأمانة إلى إدريس، وحمله بعد نبي الله إدريس أهل الأمانة إلى النبي نوح، وحمله النبي نوح إلى قومه، (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) [العنكبوت: 14]، ثم حمله أهل الأمانة ممن ركبوا معه في السفينة بعد أن أهلك الله الكفار، قرونًا كثيرًا، إلى هود عليه السلام، وصالح عليه السلام، ثم قرونًا كثيرة إلى إبراهيم عليه السلام، وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن خلفهم من الأنبياء، إلى موسى، إلى عيسى بن مريم، آخر نبي قبل نبينا محمد ﷺ، إلى أن جاء خاتم النبيين وسيد المرسلين.

أساس الحياة الطيبة

كل هذه الأمم في كل هذه القرون ما نال حياة الطمأنينة والحياة الطيبة بمعناها الصحيح وحياة الأمن والسكون والهُدى إلا أتباع هؤلاء الأنبياء، ومن حَكَّم منهج الله وأوامره ونواهيه على نفسه وعلى أسرته وعلى محيطه وعلى معاملاته؛ بِحُكمٍ حَكَم به: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)، (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) [الجن: 16]، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [التوبة: 115-116].

بهذه الحقيقة، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11] ففي أمة هذا النبي لم ينل الحياةَ الطيبةَ أفرادٌ وجماعاتٌ إلا من صحّت صِلَته بالله ورسوله، وكان الله ورسوله أحبّ إليه مِما سواهما، وأدَّى حقّ هذا الإيمان والمحبة بتطبيق الشرع المصون، واتِّباع سُنّة الأمين المأمون.

وصف الله للحياة الطيبة

وقد شرَّف الله بلدانكم هذه بكثيرٍ من القلوب التي اتّسعت لأنوار الكتاب والسُّنّة، ومعرفة خطاب ربّ الأرباب، عالم السِّر ّ وأخفى، واليقين والإيمان به، والفقه فيه، ومعرفة معانيه وتطبيقه والعمل به، فحازوا تلك الحياة التي أشار إليها الرحمن في قرآنه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97].

وأنعِم بحياةٍ وَصفها رب العرش أنها طيّبة، وصفها العالم بكل شيء أنها طيّبة، وأكّد أن يحيا هذه الحياة بلام التوكيد ونون العظمة ونون التوكيد أيضًا، فقال: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ)، نحن بعظمتنا، لنُحيِينه، لام توكيد ونون توكيد ونون العظمة، ما قال "لأحيينه"، قال: "لنُحيينه"، في عظمتنا وألوهيتنا، (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).

هذا في الدنيا، وبعدها يا رب؟ بعدها أخطر وأكبر وأدوم، (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]. ولنجزينهم بأحسن، قال: سوف أعطيهم جزاء من أحسن ما عملوا. الله أكبر! حتى جاء في الآثار : أن الله إذا أحب عبدًا وأراد أن يرفع مستوى مجازاته بالجزاء الأحسن، يقول لملائكته: انظروا إلى أعظم وأحسن حسنة من حسنات عبدي بلغت إلى كم؟، فيقولون: يا ربنا أعظم حسنة له كبرت مضاعفتها إلى كذا، قال: فاجعلوا جميع حسناته مثلها.. كل حسنة اجعلوها مثل هذه الحسنة. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). على كل حسنة نعطي أجر  أحسن ما عمل. لله الحمد، لله المنة، ما أعظمه من إله!

من أين تطلب الحياة الطيبة؟

إذا أدركنا هذه الحقيقة، فإننا مهما طلبنا حقائق الاستقرار  والأمن والطمأنينة والحياة الطَّيِّبة في ظواهرنا وبواطننا، لأجسامنا وأرواحنا، في معاشنا ثم في مَعادنا، ثم أردنا طلبها من قوانين شرق أو غرب أو من استجداء أحدٍ من الفجار  أو الكفار  فقد ضللنا السبيل، ولن نحصل على الحياة الطيّبة. 

بل الأمر كما حذَّر الخالق الذي يُطوِّر الأطوار، ويُقدِّر الأقدار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [آل عمران: 149] تعرف (على أعقابكم) ؟ لا تطوير ولا تنمية ولا تقدُّم ولا حل للمشاكل ولا شيء من هذا، يردوكم على أعقابكم وراء! ولا ثروات، وإلا ماذا؟ يعرفون يخالفون بينكم، يعرفون يقاتلون بعضكم ببعض، يعرفون يأخذون ثروتكم ويعطونكم أسلحتهم لتقتلوا أنفسكم بها.. هذا الذي سوف يعملونه بكم، أما أنهم يقدمونكم،  أو يطورونكم؟  لا لا! (إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) في الدنيا وفي الآخرة والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

وإن أردتم مرجعية، وأردتم حماية... (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]. (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) جل جلاله. اجتمِعوا على طاعته، وأخلِصوا له وهو الناظر إلى قلوبكم، لا ينظر إلى صور الأعمال والمشاريع والحركة في الحياة، ينظر إلى قلوب أربابها، سواء صلوا أو زكوا أو تصدقوا أو اجتمعوا في مسجد أو في سوق أو اتَّجروا أو زرعوا أو أقاموا أي تعاون على شيء، ما ينظر إلا إلى قلوبهم أين هي، يقصدون مَن، ويريدون مَن؟ إن قصدوا غيره وكلهم إلى غيره، فلينظروا إلى غيره ماذا يصنع لهم؟، وبأي سعادة يسعدهم إن كان في يده سعادة؟ وإذا قصدوه هو؛ بارك في أعمالهم، وبارك في النتائج والثمرات لكل ما يجتمعون عليه من العبادات والمعاملات، وعاشوا عيشة الإخلاص لله والصدق معه، تنقلب إلى صدق ونُصح بينهم البين.

النصح لكل مسلم

في ركيزة من ركائز تحقيق الإيمان بالله والصدق معه، عاهد وبايع عليها سيدنا رسول الله عددًا من الصحابة الكرام، قال: "بايعني صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم". على النصح لكل مسلم؛ معنى النصح لكل مسلم: أنظر إليه كما أنظر إلى نفسي وزيادة، وأحب له ما أحب لنفسي وزيادة، وإن كان في يدي إنقاذه أو إغاثته أو مساعدته أو توجيهه، ما بخلت بشيء من ذلك.. فكيف إذا جاء يستشيرني؟ فكيف إذا كان جاري؟ فكيف إذا كان تحت سُلطتي أو حُكمي؟ فكيف إذا كان مِن مُحبّي؟ وعموم المؤمنين ممن أقدر  على نفعه، النصح لكل مسلم.

وكان يقول بعض الصحابة رضي الله عنهم: بَلَاني الله ببلاءٍ حسنٍ فيما مضى، "جاهدت نفسي من يوم بايعني إلى اليوم، وأرجو الله يثبتني فيما بقي من العمر". عاش ليله ونهاره على النصح لكل مسلم، لا يغش أحدًا ولا يكذب على أحد ولا يضمر السوء لأحد، ولا يسيء الظن بأحد، ولا يتمنى شرًا لأحد، وينصح كل أحد بما كل ما يستطيع، هذا أمر كبير، قال: أبلاني الله في بلاء حسن، وأرجو في باقي العمر أن أثبت حتى ألقى رسول الله ﷺ وقد وفيت بالبيعة التي بايعني عليها، الله أكبر!

ومنهم من بايعهُ على المحبة، ومنهم من بايعهُ وعَهِد إليه أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وألا يترك سُبحة الضحى -أي صلاة الضحى- وأن يوتر صلاة الوتر قبل أن ينام، تربيات وتزكيات أبقاها في هذا المجتمع الذي يعيش متماسكًا ويتهيأ للحياة الطيبة بقدر ما يُخلص للذي يُدبِّر الأمر من فوق.

صفات المجتمع المؤمن

وإذا دخلوا في دائرة وضّح الله معالمَها وبين نتائجها، قال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71]. يوالون بعضهم البعض، لا محل للحسد، وإن أرادت النفس وعدو الله إبليس أن يوقع شيئًا في القلب، تنبّه القلب قال: إيه! الحسود لا يسود، يبغضه الرب المعبود، لا أحسد إخواني، بل أفرح بنعمة الله عليهم! لا مكان للحسد، لا مكان للكِبر، لا مكان للطغيان، لا مكان للغرور. 

(بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، لا مكان للغش، لا مكان للخيانة، أنصحه في حضوره وغيبته، أحفظه في نفسه وماله وأهله بكل ما أقدر عليه. 

(بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، أنصره على كل حق وهدى، أنصره ظالمًا ومظلومًا بميزان السيد المعصوم، إن كان مظلومًا بإيصال حقّه إليه، وإن كان ظالمًا بكفه ومنعه عن الظلم، أنصره بذلك في هذا الميزان القويم؛ لأنه وليّي. 

(بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، ما أتآمر مع نفسي ولا شيطان ولا أحد من الكفار على إخواني المسلمين، ولا على أهل بلادي ولا على أصحابي ولا على جيراني، بسبب أني مُتعصِّب لحزب ولجماعة وبعد بعت نفسي لهم! "كل الناس يغدو فبائعٌ نفسه، فمُعتقها أو موبقها"، كل واحد سيبيع نفسه في كل يوم، لكن إما لله الذي خلق ويربح، وإما باعها لغيره وانظر ماذا  يحصل لك! توبق نفسك أي تهلكها.

 إن بعتها له أعتقتها: أعتقتها من شر الدنيا والآخرة، أعتقتها من خزي الدنيا والآخرة، أعتقتها من كل قبيح، لكن إذا بعتها لغيره أنظر ماذا سيفعل بك. أو موبقها: مُهلكها، سيهلكك هذا الغير، ولن يأتي لك بنتيجة. 

"كل الناس يغدو": في كل صباح يقومون ينطلقون في الحياة وفي الأعمال، "فبائعٌ نفسه، فمعتقها أو موبقها" إما بيعة شريفة كريمة لله: (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162-163] أو يبيعها للخبيث الثاني: للشيطان، يبيعها للهَوى، يبيعها لمصلحة من مصالح الدنيا، ولا يبالي حرام، مكروه، غش، خيانة، كذب... مشّي المعاملة مشّي مشّي مشّي..! وبعد حين سوف تمشي؟! أمامك هناك حساب، هل ستمشي فيه؟ تريد أن تُمَشِّي ماذا؟ وعلى من؟! لا إله إلا الله.

(هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) [النساء: 109]. مَن؟ فمن؟ (فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)، من سيتوكّل عنهم؟ من سيجادل الله عنهم؟ تعصّبوا بينهم البين في الدنيا وجادلوا عنهم، لكن قال: (هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). من الذي سيخلصهم من يدي الجبار الأعلى؟ (أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا). لا إله إلا الله.

فما طِيب للحياة في الدنيا قبل الآخرة إلا بالاتصال بالإله الطَّيِّب، والخضوع لأوامره ولنواهيه وتطبيقها، هذا الأمر الذي يقوم فيه حال الفرد بتنقية باطنه وضميره عن أنواع الغش والغل والكبر والعجب والحسد والرياء والغرور. 

وقاية الأهل والغرض الأكبر

ويجعل بين يديه مقصدًا عاليًا: رِضا ربه وأن يلقاه وهو راضٍ عنه، هذا حال الصادق المؤمن في نفسه، وحاله مع أسرته: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]، مُهمة ومسؤولية في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم، نعم ولكنها كلها وسائل ليست مقصودة لذاتها، وقايتهم من النار، هذا هو الغرض، وقايتهم من النار.

الغيبة نار، قطيعة الرَّحِم نار، من مات مُصرًا عليها دخل النار والعياذ بالله تعالى، قاطع الرحم ملعون ولو مات في جوف الكعبة، ولو مات وسط الكعبة داخل، ملعون والعياذ بالله بقطيعته للرحم، نعوذ بالله من غضب الله!

النظر  إلى المناظر الخبيثة نار، (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، قِي ولدك هذا الشاب المسكين بدأ ودخل الثانوية ووجد  في الثانوية كم من مُغرية وكم من ملهية، واشتريتَ له الجوال بمالِكَ، وكل يوم يعصي الله بعينه مئتين مرة وأربعمئة مرة، وفكره يختلط، وسلوكه يسقط، وأنت مسؤول! أوقَعتَ ولدك في النار. 

(قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا). لم تنتبه له، فرافق مجموعة فاسدة، ولم تدرِ  بعد مدة إلا قالوا: مسكرات ومخدرات، وصار ولدك مُدمن، وأنت الذي أوقعته، كيف لا تهتم بجلسائه وأصحابه وأصدقائه؟ (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).

الحياة الطيبة بين الأمراء ورعاياهم

حاله بعد ذلك مع أرحامه، مع جيرانه، مع أهل بلده، لذا وصف لنا النبي الحالة الصحيحة لأهل الحياة الطيبة ما بين المأمورين والأمراء، الأمراء والرعية، المسؤولين والرعايا: "خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتدعون لهم ويدعون لكم"، هؤلاء خير أمرائكم. تحبونهم ويحبونكم، تدعون لهم ويدعون لكم. هذه الحياة الطيبة، وهذا المسلك الإيماني الصحيح القويم، "وشر أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتدعون عليهم ويدعون عليكم"، هؤلاء منحرفين عن المنهج القويم، وحياتهم خارجة عن الهدى، وعن الأمن، وعن الطمأنينة، وعن الاستقرار.

شعار الإسلام

وهذا شعارنا العظيم، شعار ديننا، شعار الإسلام الذي يُنمي فينا هذه المعاني: تكبير الله: الله أكبر! ومن أيقن أن الله أكبر، كيف يُقدّم هواه على أمر الله؟ كيف يُقدّم اتجاه نظام أو قانون مخالف لشرع الله على شرع الله تعالى؟ من الأكبر عندك؟ أين الأكبر؟ ما معنى الله أكبر عندك؟  أو تقولها باللسان، بعد ذلك قلبك يكبّر غيره؟! لا إله إلا هو جل جلاله.

(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [النور: 51]. والذين يقولون آمنا وأطعنا ثم يتولون عن أمر الله تعالى، عاب الله عليهم في قرآنه وأخبر أن هذا ليس بإيمان، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء: 65].

وذكر مع هذا التكبير تسمعون الشهادتين، والاسمين الكريمين: اسم الله ثم اسم محمد ﷺ. يقول في تنمية المحبة لله ورسوله وتعظيم الله ورسوله في القلب بواسطة شعار الإسلام وهو الأذان:

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسْمِهِ ** إذا قال في الخمسِ المؤذنُ: أشهدُ

وشقَّ له من اسمِهِ ليُجِلَّهُ ** فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ 

صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.

طاعة الله ورسوله ونتيجتها

ثم البضائع الغالية عندنا في الحياة: حي على الصلاة، حي على الفلاح. هذا أغلى شيء، الله لم يقُل : يا أيها الذين آمنوا اتركوا أموالكم وأولادكم، لكن قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون: 9].

(رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: 37]. (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) [الإنسان: 10-11].

يقول جل جلاله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). هذه ركيزة الأعمال التي يتداولونها بينهم: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ). ما معنى يطيعون الله ورسوله؟ إعلان لكل نظام في العالم، للأفراد وللجماعات، ما خالف شرع الله مرفوض عندنا، ليس له قبول. نحن شعارنا طاعة الله وطاعة الرسول. 

(وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فأي واحد يجي بأي فكرة، وأي نظام، وأي ترتيب مخالف للشرع نقول مرفوض، ليس له مكان عندنا، ليس له مجال عندنا، نحن نطيع الله ونطيع الرسول، ما نطيعكم، ما نطيع الذين كفروا، ولا نطيع أهل الكتاب، ولا نطيع الأهواء والأنفس، نطيع الله والرسول.

 (وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ). رأيتَ النتيجة العظيمة! وإذا رحمهم ما الذي سيقصرُ عليهم؟ ما الذي سيخرب عليهم؟ ما الذي سيفسد عليهم وهو يرحمهم؟! لا في حياتهم ولا عند موتهم. سيرحمهم الله، (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

والرحمة الكبرى في دار المعاد: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)، الخُلاصة: (ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 72]، ولا  يضحك أحدٌ عليكم ويقول إن هناك فوز اً غير هذا؟، لا فوز  غير هذا !، لا مع الدول ولا مع الشعوب ولا مع المؤسسات والهيئات ولا مع الأفراد الذين خرجوا عن هذا المسار لا أحد منهم فائز -لا والله- والله لا أحد منهم فائز، إلا من اتبع هذا السبيل. 

تحابب الأمراء والرعية

(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر: 1-3].

اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم. ذكر هذا المثال والنموذج ﷺ في التحابُب بين الأمراء والمأمورين، بين الأمراء والرعية، قال: "تحبونهم ويحبونكم"، يحرصون عليكم وعلى مصالحكم وأنتم تحبونهم بإقامة أمر الله بينكم فتتعاونون وإياهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تصلح دياركم، تصلح مجتمعاتكم، يصلح اقتصادكم، يصلح حالكم، يصلح معاشكم، يصلح معادكم. 

"تدعون لهم ويدعون لكم"، أي: لا أنتم ولا هم معتمدين على أنفسكم ولا على أعمالكم، عندكم مرجعية كبيرة وتفويض إلى فوق واعتماد على الخلاق، تدعونه لهم وهم يدعونه لكم، كلهم راجع إليه، يقول: يا رب أصلح شأنهم، خذ بأيديهم، وهم يدعون للرعية: يا رب وفقهم، خذ بأيديهم، أسعدهم، وهكذا في مرجعية للواحد الأحد جل جلاله، والاعتماد عليه سبحانه وتعالى والاستناد إليه،

 ربي عليك اعتمادي كما إليك استنادي ** صدقًا وأقصى مرادي رضاك الدائم الحال

طريقنا لنحيا الحياة الطيبة

بهذا كله، نعلم أن طريقنا لأن نحيا الحياة الطيبة أن تَطيب بواطننا وأن نُقدِّم ما يقبله الله الطيب، "إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا"، فإن أردنا أن نُقدِّم معاملة، وإن أردنا أن نُقدِّم مشروع، وإن أردنا أن نُقدِّم معاونة، وإن أردنا أن نُقدِّم عبادة، وإن أردنا أن نُقدِّم إصلاح، وإن أردنا أن نُقدِّم مصالحة، وإن أردنا أن نُقدِّم إقامة أسرة، وإن أردنا أن نُقدِّم زواج ونكاح، وإن أردنا أن نُقدِّم مناسبة، كل ذلك يجب أن يكون على قَدم الطاعة، أن يكون طيبًا. ما  معنى طيب؟ لا يُقصَد به غير الله، ولا يُخالف فيه شرع الله، على هدي أطيَب الخلق الذي اسمه محمد ﷺ، أطيَب الخلق.

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، يقول سبحانه: (قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة: 100]، الكثرة والزخرفة يذهبُ وراءها الناس، قال ربنا: لا تغرك هذه، أنظر لذلك الحسن فهو أحسن، ذاك طيب ولو  كان قليلا هو أحسن من هذا. وهكذا. 

"سبق درهم مائة ألف درهم" في الثواب وحتى في النفع في الدنيا، قليل يكفي خير من كثير يطغي. (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100]، تفوزون الفوز الحقيقي.

الفرق الكبير بين حياة المؤمنين والفاسقين

فبحمد الله تبارك وتعالى بسط لنا بساط التذاكُر فيما به نفوز، وللسعادة نحوز، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ) [السجدة: 18]. والفرق الكبير  أين؟ قال ربنا الفرق الكبير، سنمر بك قليلا  على هذه الحياة التي تغرك وتغر أكثر الناس إلى المستقبل الكبير. 

قال تعالى: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا)، فمهما غاب عن ذهنك حقيقة هذا الغرور، تفكَّر في المستقبل الكبير المُقبل، سترى النهاية هكذا، ولا  تصدق شيئاً من الغرور آخر، انظر النهاية هذه. (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة: 19-20]. 

يقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُم)؛ جعل الله مذكرات في الدنيا من العذاب الأدنى، العذاب الأدنى: كل مصائب الدنيا عذاب أدنى، مشاكلها وآفاتها وكروبها كلها عذاب أدنى هذه. العذاب الأكبر : الذي سيأتي. هذه المشاكل التي في الدنيا كلها، حتى القتال الذي فيها، والحبس الذي فيها، والتعذيبات التي فيها، هذا عذاب أدنى. قال الله: أنا أُظهر هذا العذاب الأدنى في الدنيا لأجلِ أن يعقل من يعقل، ويرجع من يرجع، وينيب من ينيب. 

(وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21] يرجعون حتى يسلموا من العذاب الأكبر ، ويكونوا قد اتعظوا بالعذاب الأدنى، ولكن إذا كانوا حتى مع العذاب الأدنى ولا ارتدعوا ولا رجعوا، سيرجعون بعد العذاب الأدنى إلى العذاب الأكبر، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

نعوذ بالله من غضب الله، كما يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ) [الغاشية: 21-24]. (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ) [الغاشية: 25]، المرجع للكل عندنا، يكون مؤمناً، يكون كافراً، يكون هندوسياً، يكون يهودياً، يكون ملحدًا، يكون ما يكون! أين سيذهبون؟ المرجع إلى عند واحد، كما بدأنا أول خلق نعيده. (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) [الغاشية: 25-26]. لن تنفع أنظمة أحد من الخلق، قال: الحساب عندي، أنا سوف أعطيهم الجزاء. (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ * وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ) [النجم: 39-42]. جل جلاله وتعالى في علاه.

خاتمة ودعاء

فالحمد لله الذي جمعنا على هذه التذَكُّرات، والله يجعل فيها تنويرات وتبصيرات وهِمم، نسمو بها في العمل بمرضاة الله تعالى، والتعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، "ومن فتح على نفسه باب نية حسنة، فتح الله له سبعين بابًا من أبواب التوفيق"، يا ربِّ وفقنا وخذ بأيدينا.

فإذا اجتمع أهل المنطقة وأهل القرية على تعظيم أمر الله وأمر رسوله، والسعي في المصالح العامة من أجل الله، وتقديم المصلحة العامة للبلد وأهل البلد على جميع المصالح الشخصية والاعتبارات الذاتية، فقد أشرفوا على النجاح وعلى الفلاح وعلى حياة طَيِّبة، فإن الراحمين يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

وقال ﷺ لقبيلة كانت من العرب عندهم خصال محمودة طيبة، كانوا مشهورين، لا يقابلهم أحد من الذين يقاتلونهم إلا يغلبونه، هم يغلبون، ما قد غُلِبوا، فلما جاؤوا وأسلم منهم جماعة، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بِمَ كنتم تغلبون من عاداكم؟" قالوا: يا رسول الله، كان أمرنا واحد -مُجتمعين لا تفرُّق بينه، وكبارهم  يرجعون إليهم، لا اختلاف بينهم - ولا نبدأ أحدًا بظلم، لا نبدأ أحداً بظلم، لا نظلم أحداً أبدًا. من جاء يظلمنا نغلبه، فأقرهم النبي أنهم بسبب هذا كانوا يغلبون كل من قاتلهم، ويعظمون كبارهم ويرجعون إليهم وينقادون كلهم لهم، ولا نبدأ أحدًا بظلم، ما نتطاول على أحد ولا نمد أيدينا على أحد أبدًا، ولا نقاتل إلا من قاتلنا، فأقرَّهم أنّ هذا سبب نصرهم، كان ينصرهم في الوقائع كلها على مدى سنين بعد سنين، أي قبيلة حاربتهم هم يَغْلِبون.

وهكذا، ولذا يُحذر من هذا النزاع إذا دخلت الأهواء وجاء التنازع، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]. نصركم يذهب، النصر من عندي يذهب من عندكم، فلا يبقى، ماذا ستعملون بينكم البين؟ (أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ)، فِتن عظيمة، أنقذنا الله منها وخلَّصنا.

 اللهم اقبلنا في جمعنا، وارحم اللهم من تقدَّم في بلداننا هذه من أهل لا إله إلا الله، وألحِقنا بهم على التحقُّق بحقائق لا إله إلا الله محمد رسول الله، احشرنا وإياهم في زمرة كُمَّل أهلها يا أرحم الراحمين.

 اللهم لا صرفتنا من جمعنا إلا وقلوبنا مجموعة على الصدق معك، والإخلاص لوجهك، والعمل بطاعتك، والتعاون على البر والتقوى، وارحم البلاد والعباد، وادفع الضر والفساد، وحول الأحوال إلى أحسنها يا محوِّل الأحوال، لا تكِلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

تاريخ النشر الهجري

18 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

10 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية