أسرار الميزان الرباني وضرورة إقامته وأثره في الأمة

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في بيت بازمول بمدينة سيئون، ظهر الخميس 26 ربيع أول 1447هـ بعنوان:

أسرار الميزان الرباني وضرورة إقامته وأثره في الأمة

نص المحاضرة:

الحمد لله على نِعَمه المُتنوعة المُتعددة في أمة حبيبه المصطفى محمد، وقد عمَّت مِنَنه أهل السماوات والأرضين والأمم أجمعين، ولكن خُصَّت هذه الأمة بخصائص، وكان فيها من اللطائف والمِنَح الربانية ما تميزت به بواسطة واسطتها، بواسطة وسيلتها، بواسطة نبيها محمد  صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله.

بُشرى لنا معشر الإسلام إنَّ لنا ** من العناية ركناً غير منهدمِ

لما دعا الله - يعني سمى الله -

 لما دعا الله داعينا لطاعته ** بأكرم الرسل كُنَّا أكرم الأممِ

اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المُسداة، ووفِّر حظنا من هذه المنن والمواهب التي وهبتها أمتهُ على مختلف الأزمان وعلى مختلف العصور وعلى مختلف الأماكن.

نور الإيمان والتفاوت في المراتب

ولم يصل نور الإيمان به إلى مكان ولا إلى بلدة ولا إلى قلب إلا وامتدّ خيط من المنن الخاصة مع ذلك النور، مع نور الإيمان به عليه الصلاة والسلام. إلا بقي الناس بعد ذلك على مراتب في قوة إيمانهم به، في قوة محبتهم له، في معرفتهم بِقَدره ومكانته عند الإله جل جلاله، في حُسن اتباعهم له، وعلى ذلك تفاوتت خصوصياتهم مِن مِنَن الإله الوهاب جل جلاله وتعالى في علاه. 

كلٌّ على قدر الصفاء والاقتداء ** نال الهدى في أحسن استقبالِ

على قدر صفاء بواطنهم وحُسن اقتدائهم بإمامهم ونبيهم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، في أفكارهم وفي معاملاتهم وفي مقاصدهم، وفي نياتهم وفي جميع شؤونهم وأحوالهم.

 صبغة الإيمان في أمور الحياة

حتى انصبغت حياة الصادقين منهم بصبغة الإيمان والمحبة والقُربة والتبعية، حتى مآكلهم، حتى مشاربهم، حتى قضاء حاجة الإنسان منهم، حتى إتيانه لأهله، حتى زراعته، حتى صناعته، حتى بنايته، حتى تجارته، حتى حِرفته، حتى ملابسه، انصبغت بصبغة تبعية من نور الإيمان والاقتداء بسيد الأكوان، والتنقّي عمّا يخالف ما جاء به مما أوحته فكرة أو أوحته نفس إلى الإنسان، أو عرضه طائفة من أهل الشرق أو من أهل الغرب، من صغار أو من كبار.

فعنده ميزان قوي قويم نزل من العليم العظيم على يد النبي الكريم، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ). بهذا الميزان يَعرف ما يقبل وما يرفض، ولا يستطيع أن يقبل فكرة من شرقي ولا من غربي، صادرة عن فرد أو عن هيئة أو عن مؤسسة أو عن جماعة أو عن حكومة في شرق الأرض وغربها، وهي تخالف نور الدلالة على الله من قِبل رسوله ﷺ، نور البلاغ الذي بلَّغه محمد.

لا يرضى بقبول شيء من ذلك ويأنف من ذلك، لأن ميزانه قويم صحيح. ولذا يُجنَّب الآفات والعاهات التي تحصل في الحِرف وفي الاجتماعات، في المجتمعات وفي البنايات وفي التجارات والذي يسمونه الاقتصاد، وفي السياسات وفي العلائق مع الأسرة أو مع الأقارب أو مع أهل البلدة. يتجنب جميع الآفات في ذلك لأن الميزان قائم عنده.

عواقب اختلال الميزان الرباني

لا تأتيه آفة إلا من اختلال في ميزانه إذا اختلّ ميزانه تأتيه الآفة، تأتي قطيعة الرحم، يأتي عقوق الوالدين، يأتي الكِبر على الناس، يأتي إرادة السوء بالخَلق، تأتي المصائب من اختلال الميزان، لما اختلّ الميزان، ولو ثبت على الميزان لا تصيبه من هذه البلايا شيء.

وإنما فليحذر الذين يخالفون عن أمره كما قال الله في قرآنه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). فبمخالفة أوامره ﷺ وهديه تحصل المفاسد والبلايا والشرور والإشكالات التي تحصل للناس في مختلف شؤون حياتهم.

لِمَ؟ لأن خالق الحياة والموت واحد وهو الله، وهو الأعلم بما يُصلح الناس والمكلفين. (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). وجاء بهذا الدين صبغة كاملة لشؤون الحياة كما قال سبحانه: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).

إذا أردت تخرج من صبغة الله تجيء لك بصبغة تبعية: شركة، مؤسسة، حكومة شرقية أو غربية.. في الفترة الماضية جاؤوا لنا بفتنة الرأسمالية والاشتراكية، تضاربوا بينهم وجعلوا خلق الله يتضاربون، وراحت مصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية وراء تبعية الرأسمالية وتبعية الاشتراكية، ولو تبعوا محمد ما كان من البلايا هذه شيء، ولا كان من الحروب هذه شيء، ولا كان من الآفات هذه الحاضرة شيء، لكن خلل في الميزان.

اختلّ الميزان؛ ما عرفوا ما أوجب الرحمن وقدر إيجاب الرحمن، وما حرَّم الرحمن وقدر الرحمن فيما حرَّم، تعرف تخالف مَن؟ بفعلك المُحرّم! تعرف تعصي مَن؟ جبار السماوات والأرض! وبعد ذلك تريد السعادة وتريد صلاح الحياة وتريد صلاح المعاش والمعاد؟ أنّى يكون ذلك!

المعيشة الضنك وحال الدول الكبرى

بل قال تعالى: (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)، هذه المعيشة التي تهمّ عقولكم، قال لكم: الضنك فيها، وإن جمّعتم ما جمّعتم.

ولهذا لا تعجب إذا رأيت أن الدول الكبرى - على قولهم، على مصطلحهم ومسماهم - نحن ما نؤمن بأن دولة كبرى إلا دولة النبيين، رأسها محمد، دولة التقوى والعلم، هذه نؤمن بها أنها دولة كبرى، لأن لها الشأن في الملأ الأعلى، ولها الشأن في الدنيا، ولها الشأن في الآخرة، ولها الشأن في يوم القيامة؛ يوم رئيسها يحمل لواء الحمد ، ويقول: "آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة"، ويقول: "أنا أول شافع وأنا أول مُشفَّع"، وعند الأزمة الكبرى الشديدة يقول: "أنا لها". هذه دولة كبرى، هذه دولة كبرى!

لكن على اصطلاحهم، هذه الدول الكبرى في زمانكم، مع كل ما بذلوا ونظّموا وخطّطوا، لا يزالون إلى اليوم يعيشون على أخذ ثروات الناس، وعلى أخذ حق الآخرين، ولا يزال عليهم ديون في دولهم وتتراوح وتتكاثر، وما عندهم استقلال ولا عندهم استغناء، ولا يزالوا يضربون هذا بهذا ويستفيدون كثير من بيع السلاح لضرب الناس بعضهم البعض.

والذين يتضاربون عندهم ثروة يأخذونها من كذا، ويأخذونها قيمة للسلاح، قيمة يصرفونها لهم.. خذوا من قيمة السلاح ومن تحت لتحت، ومن التسلط من هنا ومن هناك. ومع ذلك ما اغتنوا ولا وصلوا إلى حقيقة حدّ الغنى ولا الاكتفاء، لأن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا). لابد أن يعيش في هذه المعيشة الضنك.

التخبط المستمر

وكل ساعة من الساعات عملوا قرارات وعملوا اتحادات وعملوا سياسات، وبعد ذلك تنتقض عليهم ويرجعون كذا ويرجعون كذا، وكم لهم يتخبطون سنين بعد سنين، وما نالوا حقيقة الاستقرار في الدنيا.

بل الذي يجده قلب صادق مع الله من المؤمنين المحبين لرسول الله ﷺ، لا أقول في صلاته ولا في قيامه في الليل ولا في قراءته للقرآن، الذي يجده هذا المؤمن حتى في تناوله للطعام من لذة البال والخاطر والراحة ما يحصّلونها هم، ما يحصّلونها! وإن كان ما أكل إلا خبز، وإن كان ما أكل إلا كسرة يابسة، لكن عنده راحة ولذة وطمأنينة وهو في الدنيا قبل الآخرة، ما يحصّلها الملوك، ما يحصّلها هؤلاء أهل الثروات.

يأتي له أفخم المآكل وأمامه، والهَمّ من كذا ومن كذا، والنغص من كذا، والفكرة: كيف يقابل فلان؟ وكيف يعمل بفلان؟ وكيف المستقبل الفلاني؟ ولذا كثير منهم صاروا يرجعون إلى الانتحار.

حتى بعض دولهم المتقدمة - على قولهم - اضطرت أن تعمل أماكن رسمية للانتحار! يقولون من ينتحر  يجيء إلى هنا، لا ترمون أنفسكم من مكان لمكان، وأيضاً بأجرة! يُسلّمون أجرة وبكيفيات: تريد الكيفية هذه نقتلك بها بكذا، وهذه بكذا، وإذا تريد بالكهرباء أو غيرها كل واحدة بقيمتها! فشل في الحياة! (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).

يعني المصيبة ليست فقط في الدنيا، تريد المصيبة الكبرى في الآخرة. (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا).

رضا وطمأنينة الصالحين

وبقي هؤلاء الذين تعرفون كثير من آبائكم وأجدادكم في الوادي الميمون، مرّت وبعضهم ما لهم اتساع في الماديات، لكن لو قِستم الراحة والطمأنينة التي في قلوبهم ما تجدونها اليوم عند الملوك ولا عند من سواهم.

قد يرجع إلى البيت ما في البيت عشاء، لكن البهجة التي عنده والرضا الذي عنده  والطمأنينة والنفسية القوية والمعنوية المرتفعة، ويقوم آخر الليل كأنه ما شاء الله بات شبعان في حاله.

ومع ذلك، والصحة الجسدية عندهم أيضاً كانت أحسن، تدركون شيابتكم نادر منهم الذي يحتاج النظارات، نادر منهم الذي يحتاج يجلس على الكرسي، أحد في التسعين، أحد في المائة، أحد قارب المئة، أحد في الثمانين، كانوا بهذه الصورة، صحتهم الجسدية كانت أحسن.

وكانوا يعيشون مع هذه الصحة الجسدية طمأنينة قلبية نفسية (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

سبب البلايا وأثر الذكاء الاصطناعي

ووقتكم هذا، الأمراض الكبرى التي في العالم المنتشرة، إذا جئتم تبحثون من أين تبتدئ ومن أين تنتشر؟ لا من دول الفقر ولا غيرها.. تجيء من عند العمالقة هؤلاء، الايدز جاء من عندهم، والكورونا حتى جاءت من عندهم، إن صدقوا فيها وإن كذبوا، بدأت من عندهم، وجاءت من عندهم.

وبقية البلايا الكبيرة للجسد تبدأ مِن عندهم ومِن عند طوائفهم. قالوا: يكتشفون الآن حتى إن في تتبّع إحداثياتهم لهذه الأجهزة مثل هذه الجوّالات أضرار كثيرة راجعة إلى الفكر وراجعة إلى النفسية، الأمراض النفسية زادت عندهم، التدنّي في المدارس كَثُر عندهم، من متابعة هذا الذكاء الاصطناعي على ما يسمّونه.

بطّلوا الذكاء الإنساني، الذكاء الذاتي، ذكاء العقل كُلٌّ لذاته الرباني الذي عنده هذا، وذهب يأخذ ذكاء اصطناعي، الذكاء الاصطناعي، فكر هذا وفكر هذا، يضع لك في كمبيوتره أي فكرة خطأ أو صواب، تأخذك وتروح بك هناك، لا توجد موثوقية بالعلم ولا موثوقية بالمراجع، وبطّلوا هذه المراجع.

والآن بدأت بعض الدول وهي كافرة تمنع الأطفال من استعمال الجوّالات، تمنع الصبيان في عوائلهم وفي مدارسهم من استخدام شبكة التواصل الاجتماعي هذه والدخول فيها، وتمنع الموديلات المتأخرة منها أن تمتد في بلادهم.

ليس من أجل الخبائث الدينية التي فيها والخبائث التي تؤدي إلى البُعد عن الله - وفيها ذلك - لكن هَمّهم هُم النفسيات والحالات الاجتماعية والضرر المادي والضرر العقلي الذي حلّ بهم بسبب هذه الأشياء.

وهذه الأشياء المضرّة، ربما من اختلّ ميزانه من المسلمين يفرح بها ويفتخر بها ويأخذها بفلوسه، ويخرّب داره ووسط داره بفلوسه، وهم قد كرهوها وقد رأوا سوءها وجاؤوا بها لك، وأنت لازلت فرحان بها! وستتضرّر كما تضرروا، وتصل إلى شيء مما وصلوا إليه والعياذ بالله تعالى.

 إرشادات نبوية عند الفتن

فاحتجنا إلى أن نعود إلى مثل هذه المجامع التي تجمع القلوب على الله، وتقوِّم لنا الميزان في صلتنا بالرحمن ورسوله والقرآن الذي نزل عليه، لنقيم حياتنا على هذا المجال وهذا الحال وهذه الصبغة الربانية ونفوز.

بذلك ندرك في الإرشادات النبوية عند حلول هذه الفتن، أمرنا أن نرجع إلى صناعاتنا، إلى حرثنا. "من كان صاحب حرث فليلحق بحرثه، من كان صاحب زرع فليلحق بها، من كان صاحب بقر أو غنم فليلحق بها". يعني أقيموا شؤونكم واكتفاءكم الذاتي بما في أماكنكم، وأما أن تبقوا معلّقين بالسياسات التي تلعب بكم؟ ستبقون مستخدَمين ومستذَلّين.

كما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ). يقولون أنهم سيقدّمونكم، لكن الواقع والتحليل الرباني يقول: سيردّونكم على أعقابكم (فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ). خير لكم منهم! والوه، قوموا بطاعته وانظروا ماذا يفعل لكم.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

صار يُؤخذ من تحت أرجلهم الذهب والبترول والغاز وأنواع المعادن، ويذهب في مصالح البعيدين، في مصالح المُعادين، وفي مصالح من يؤذيهم ويضرّهم، وهم يتضرّرون بينهم البين. هذه نتيجة السياسة العوجاء، السياسة الخارجة عن ميزان الحق الذي بُعث به النبيون.

الميزان الكوني

قال تعالى: (الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ). وَزَن الوجود سبحانه وتعالى ورتّبه ترتيباً. (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ).

قال انظروا أنا رفعت السماء فوقكم ورتّبت الشمس والقمر، ألستُ عليم بكل شيء؟ خذوا الميزان فيما يتعلق باختياراتكم، ما تختارون وفي مكاسبكم (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ).

فإنكم إن قمتم بذلك اعتدلتم؛ كما عَدّلت سير الشمس والقمر ورفع السماء من فوقكم وما شيء خلل فيها، وأنتم أحوالكم لن يكون فيها خلل إذا أخذتم نظامي ومنهجي الذي جئت به. خرّبتموه؟ انظروا ما الذي يحصل لكم! (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

الدعاء والختام

فالمُهمّات هذه المجامع كبيرة في بواطن المؤمنين وقلوبهم وعقولهم، لتجمعهم على الرب جل جلاله والاهتداء بِهَديه وهُداه الذي أنزله على الأنبياء، ونحن خُصِّصنا بسيد الأنبياء وخاتم الأنبياء محمد ﷺ، فالحمد لله على هذه النِّعم وعلى هذه المِنن.

جزى الله آل بازمول خير الجزاء على ما ارتبطوا وانضبطوا في موروث مِن نور النبوة ونور الرسالة ونور الصلاح والصالحين والأخيار والخَيِّرين، وقاموا عليه كما قام مَن قبلهم مِن آبائهم، أعلى الله درجاتهم وجمعنا بهم في أعلى الجنة.

وجزى الله مَن تقدّم في وادينا من الأنبياء أولاً، ثم من الصحابة والتابعين، ثم من خيار هذه الأمة وعلمائها وصُلحائها خير الجزاء على ما خلَّفوا لنا من تركة قرآنية نبوية محمدية أحمدية، بيضاء نقية، لا تتدخّل في تغييرها وتحريفها أغراض دنيوية ولا سياسات ولا تفرُّقات حزبية ولا عصبيات قبلية ولا غير ذلك، بل: 

فهم القوم الذين هُدوا **  وبفضل الله قد سعدوا

ولغير الله ما قصدوا ** ومع القرآن في قرنِ

رب فانفعنا ببركتهم ** واهدنا الحُسنى بحُرمتهم

وأمِتنا في طريقتهم ** ومعافاة من الفتنِ

وانفعنا بهذه المجامع والاجتماع عليها، وصدق الوِجهة إليك، واجعل وجهتنا في جميع الحالات إليك، يا من قُلت: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا). ولِّ بوجهاتنا إليك، وخذ بنواصينا وقلوبنا وعقولنا وأيدينا إليك، أخذ أهل الفضل والكرم عليك، قوِّمنا إذا اعوججنا، وأعِنّا إذا استقمنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.

وبارك لأهل الوادي في مجامعهم ومجالسهم وخاتمة هذا الشهر الذي هو شهر ذكرى ميلاد نبيك محمد، واجعل لهم فيه خير الاتّباع وأعظم الانتفاع وأجلّ الارتفاع، وسلِّمنا من الآفات والضياع وجميع الشرور وجميع الأمور، وأمدّنا بالعوافي في الظواهر والخوافي، وصلاح البلاد والعباد والأمة.

وعجّل بالفرج لأهل غزة وأهل الضفة الغربية ولأهل فلسطين ولأهل الشام ولأهل اليمن، ولأهل العراق ولأهل السودان ولأهل الصومال ولأهل ليبيا، وللمسلمين في المشارق والمغارب.

يا مُحوّل الأحوال، حوِّل حالنا والمسلمين إلى أحسن حال، وأرِنا وأسمِعنا ما تقرّ به عين نبيك محمد في جميع الأحوال، وبلِّغنا الآمال وفوق الآمال برحمتك.

والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

07 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

28 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية