(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جلسة الجمعة الشهرية الـ50، في ساحة جامع الروضة، بمدينة تريم، ليلة السبت 23 ذي الحجة 1445هـ، بعنوان:
شرف الصلة بالله جل جلاله ومهمة المؤمنين في تقويتها والسعي بمقتضاها
الحمد لله على شرف الصلة بخالق الأرض والسماء، الإله الحقّ الواحد الذي ابتدأنا سبحانه بالخلق والإيجاد، وأنعمَ علينا بالإنباء والإرسال من عهد آدم إلى الختم بسيّد المرسلين محمّد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، وما كتب له من بقاء الخير في أمّته إلى آخر الزمان، وأن يكون في كل قرن من هذه الأمّة سابقون، أي من الذين يُحشرون في الصنف الأوّل من أهل الجنّة في القيامة، حيث قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)، "في كل قرن من أمّتي سابقون" يقول ﷺ في حديثه.
اللهمّ لك الحمد على ما مننت وجمعت، وسمعنا في أحاديث أحبابنا وكلماتهم التي ألقوها بعدما استمعنا إلى هذا التقرير وكلمة الدائرة الدعويّة، وسمعنا إلى ما تكلّم أعيان الحارة وعلماؤها والمهتمّون بأمر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى فيها، سمعنا الحبيب محمّد بن زين وسمعنا الأستاذ حسن بلدرم، والحمد لله على تداول هذه الأنوار الإيمانيّة بيننا لنتحقّق بالاتّصاف بوصف الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر.
سمعنا أيضاً في كلمة الضيوف، القادم الذي حلّ حارة الروضة من تريم، محمّد أبو عيسى الإيطالي، والذي كان عنده والده الذي أزمع على السفر في زيارة، وسمعنا كلمته البارحة ويتمنّى أن تتكرّر هذه الزيارة، وأنّه يشعر في بلدتكم بنشاط في العبادة وفي الخير وقرب من الله تبارك وتعالى أكثر، فهو جاء من إيطاليا في تعدّد زياراته ويتمنّى أن تكثر هذه الزيارات.
كما أنّنا نعلم أنَّ ربّ العالم الواحد أرسل هذا المصطفى بالرسالة إلى العالم كلّه، بكلّ لغاتهم وبكلّ ألوانهم وبكلّ أشكالهم في كلّ بلد ومكان، فوجب أن يكون في أتباعه وورثته من يحمل هذا الهمّ.
وجمع الله لكم في البلد المباركة وخصوصاً حارتكم هذه خيراً كثيراً من تيسُّر الأسباب للاتّصال بالقلوب التي تريد ربّها، وتتعرّف على دينه جلّ جلاله وتتعرّف على نبيّها، وتستعدّ للقاء وتوقن أنّه لا يمكن أن تكون الحياة لعباً ولهواً (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).
الفطرة وحدها تهجس في عقول وقلوب الكثير مِمّن على ظهر الأرض في مختلف المشارق والمغارب، أنّه لا بدّ من دين حقّ، وأنّه لا بدّ من هُدى على ظهر هذه الأرض، وأنّه لا يمكن أن يعيش الناس هكذا، كما كانت هذه الأفكار تُنازل عدداً في أيّام الفترة وانقطاع الوحي عند قرب بروز النبيّ محمّد ﷺ، ويقولون لا يمكن أن يكون الدين هكذا، ولا بدّ من دين حقّ، حتّى أكرمهم الله ببعثة النبيّ محمّد ﷺ، والذي لم تزل رايته منشورة وسنّته قائمة مذكورة منشورة مشهورة معمورة، فضلاً من فضل الله تبارك وتعالى، ويختار لنشرها والقيام بها معرفة وذوقاً وتعظيماً وانتهاجاً مَن يشاء في كلّ زمان وفي كل مكان.
وتيسّر لكم في البلدة بعمومها وهذه الحارة بخصوصها أن تُدلوا بِدَلوِكم وتدخلوا في دائرة نورانيّة الصدق مع الحقّ جلّ جلاله والوفاء بعهده، من غير شكّ أنّ مع هذا التيسير وهذا التسخير من ربّكم، لا شكّ أنّ هناك غيظاً عند إبليس وجنده من شياطين الإنس والجنّ، ويتمنّون أن لا تُعقد هذه المجالس في هذه الحارة، وأن لا تقوم هذه الدورات، وأن لا تقوم هذه الأنشطة، لأنّهم يتّخذون ما جاء به النبيّ مأخذ العداء (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).
وكما يرون الله من رحمته أرسل قلوب من هنا وهناك، فهم بمختلف تفكيرهم ومالهم يحبّون أن يرسلوا من يفسد ويرسلوا من يضرّ، ولكنّ الله غالب على أمره، ولكنّ الله يأبى إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون، وهذه حكمة الله تبارك وتعالى على ظهر الأرض، ولكنّ الحظّ والفوز والشأن لمن قَبِله الرحمن في جنده وأهل محبّته ووُدِّه، وحقَّق له هذه الصلة به جلّ جلاله وتعالى في علاه.
اليوم يتابعكم كثير من القلوب المتوجّهة إلى الله في شرق الأرض وغربها عبر هذه الأجهزة، ويفِدون إليكم بأجسادهم مع أرواحهم إلى وسط هذه المنطقة؛ لتقوى صلتهم بالإله، لتقوى صلتهم بمصطفاه، ليتهيّؤوا للمرافقة الكريمة، هذه الأغراض والمقاصد والرغبات العالية الكبيرة السامية، التي لا يمكن أن يوجد أشرف منها، بل ولا ما يقاربها في الشرف، ولا أعلى منها ولا ما يقاربها في العلوّ عند أفكار أهل الشرق والغرب من أوّلهم إلى آخرهم، لا يوجد على ظهر الأرض غرض ومقصد أسمى من رضوان ربّ العرش ومرافقة أنبيائه، أيّ غرض أكبر من هذا؟ أيّ قصد أشرف من هذا؟ أيّ رغبة أعلى وأكرم من هذا!
لا والله ما وُجِدت من عهد آدم من حين خلق الله الأرض ولن توجد أشرف منها ولا أعلى، وهي التي إذا فاتت الإنسان فقد فاتته كرامته وإنسانيّته كلّها، وفاته شرفه كُليّاً والعياذ بالله تبارك وتعالى، وعندنا مَن يُنمّي ويُربّي الرغبات إمّا في مجرّد مظاهر الدنيا أو في زخرفها أو في ألعابها، أو في المعاصي والذنوب والسيّئات، أو في الإلحاد -والعياذ بالله- والكفر، يُرَغِّبون في ذلك ويجعلونه من المقاصد التي يقصدونها.
ولكنّ ربّنا الخلّاق جلّ جلاله أكرمنا بدعوته إيّانا إلى المقصد الأسمى، وأن نستعدّ لحياة الأبد والخلود والاستقرار والدوام، وساعة تأتي ما أعظمها والله من ساعة! إن كان شيء مستقبل لجميع المُكلّفين من حين خلق الله الأرض إلى أن تمور مع الجبال مَوراً وتسير سيراً وتُبدَّل الأرض غير الأرض وتنشقّ السماوات، إلى ذلك الحين لا يوجد شيء أعظم من هذا الاتّصال بهذا الإله -جلّ جلاله- على ظهر هذه الأرض للاستعداد لما مرّ على أهل هذه الأرض، إلى أن تقوم الساعة شيء في المستقبل لهم أقوى وأكبر وأخطر من هذا المستقبل، من مستقبل هذه الساعة، أيّ ساعة؟ ساعة لا بدّ أنّها ستأتي، خالقنا وخالق السماوات والأرض حدّثنا عنها على لسان رسوله، ستأتي هذه الساعة وجميع المكلّفين في إحدى الدارين: الجنّة أو النار، وفي تلك الساعة ينادي المنادي: "يا أهل الجنّة خلوداً فلا موت، يا أهل النار خلوداً فلا موت"، والله إنّ هذه الساعة مُقبلة علينا وواصلة إلينا، ورجاؤنا أن لا تأتي إلّا وكلّنا وأهلونا ومن يوالينا في دار الكرامة وفي الجنّة، لأنّ بعدها ينقطع الطمع عند أهل النار أن يخرج منها أحد، وآخرهم خروجاً بعد سبعة آلاف سنة يحترق بالنار يخرج إلى الجنّة ويُعطى مثل الدنيا عشر مرّات، فما أتفه الدنيا بالنسبة لأقلّ واحد من أهل الجنّة! ما أصغرها وأحقرها بالنسبة لمُلك أقلّ واحد من أهل الجنّة! فماذا يغرّون فيها؟ إذا لم نُسَخِّرها لتهيئة هذا المستقبل الأخطر الأكبر المُقبل علينا.
أيّها الأحباب، أكرمكم الله تعالى في هذه الحارة بوجود الكبار ووجود العقلاء ووجود المُجرّبين ووجود المُسنّين، ووجود الذين مضوا في سلك التعليم ووجود مهتمّين بأمر التربية ووجود أهل المِهن المختلفة.. والحمد لله على ذلك، فنحتاج كما سمعتم إلى حُسن التعاون والتواصي بالحقّ والصبر، ويسدّ الله ثغرات إبليس وجنده عنّا وعن أسرنا وعن أفكارنا وعن سلوكنا، حتّى لا يصدر منّا إلّا استنارة بنور الله الحقّ، فكراً وتصوّراً ونظراً ونيّات ومقاصد وتعاملات بالقلوب والجوارح في نورانيّة الحقّ، (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا).
إنّها المهمّة الكبيرة، وإنَّ شرف الصِّلَة بالإله الحقّ امتدّت إلينا ببركة النبوّة والرسالة والقرآن الذي نزل، ومحمّد الذي بلّغ ما نزل وبيّنه، وتركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها، فجزى الله الأنبياء خير الجزاء، وجزى سيّدهم نبيّنا أفضل وأجلّ وأكمل ما جزى نبيّاً عن أمّته، إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
فكم تعب من أجلنا! وتتذكّرون خروج عام الهجرة، هجرته، ما هجرته؟ خروجه من بيته وأهله وولده في وضع صعب، والدولة وما فيها والمنطقة بِكُلّ ما فيها تحرّكت للنيل منه وتحرّكت للقبض عليه، ونودي مَن أتى به أو بصاحبه أبي بكر أو دلّ عليهما فله مائة ناقة من الإبل، أكبر المبالغ التي كانت تُبذل في تلك العصور، وبات ثلاث ليالٍ وسط الغار، ويجوع في الطريق ويبحث أبو بكر هل من طعام يطعمه رسول الله، حتّى بعد لأوٍ وشِدّة يجد شيئاً من اللبن يحضره إليه صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.
وحتّى وصل إلى المدينة بالطريق غير الطريق المعتادة بعد ثلاث ليالٍ نامها في الغار مع أبي بكر الصدّيق صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، والحال كما قال الجبّار: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، اندرج في (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ديني هذا الذي يطاردونني عليه الآن ويريدون قتلي وقتلك حتّى لا يقوم هذا الدين، سيستمرّ ويبقى في الأرض إلى آخر الزمان وستُعقد مجالس في حارة الروضة وتُذكر فيها هجرتي هذه، هذا مُنطوٍ فيه، والله ليتِمّ الله هذا الأمر (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)!
ودام الأمر ومضت هذه السنين، وأين جهد قريش ومن ساعدهم؟ وأين النفوس التي رغبت في المال وطمعت فيه وتحرّكت تبحث من شأن تحصّل مائة ناقة، ذهبوا وذهبت جهودهم، وبعدها جهود وكم بُذِل، والحال بين النور والظلمة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) اجعلنا من الطيّبين يا ربّ، (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ).
أنواع الإلحاد والكفر والفسوق ومُضادة الأنبياء وإرادة الفجور، واستحلال الزنا واللواط وما سمّوه بهذه المثليّة وهي عبارة عن خساسة في الغاية.. وما إلى ذلك، (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ..) إن تولّوا لا يهمّكم كيدهم ولا عددهم ولا ما عندهم (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) جلّ جلاله.
كانت الهجرة من أجل بلاغ هذا الدين، من أجل أداء هذه الأمانة وأدّاها صلّى الله عليه وسلّم، أنتم تذكرون هجرته هذه كيف تمّت وكيف قامت، وما وصل إلى المدينة المنوّرة إلّا بعد مضيّ ضعف الأيّام التي يصل فيها الماشي من الطريق العاديّة، حتّى كان خروج الأنصار كلّ يوم من الصباح إلى الظهر ويرجعون بعد الظهر وهم يترقّبون، سيّدنا حمزة يقول: أخشى أن أدركوه بشيء، أخشى أن مسكوه في مكان.. أين هو؟ أين؟ أيّام مرّت تكفي للوصول للمدينة، ما وصل للمدينة، وهو يتنقّل من مكان لمكان وحُلّة إلى حُلّة ومنطقة إلى منطقة وبادية إلى بادية حتّى وصل المدينة المنوّرة.
وأقبل مع أبي بكر ويهوديّ فوق سطح داره لمّا رأى الوجهين ما تمالك -لأنّ الأنصار قد رجعوا إلى ديارهم وقت بعد الظهيرة، فصاح: "يا بني قيلة، هذا حظّكم، هذا جدّكم!". يقول لمّا رأى الوجهين صاح ما قدر يتمالك نفسه، سمعوا قاموا وحملوا أسلحتهم للاستقبال "طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع". وجب عليهم الشكر، وعلينا وجب الشكر من بعدهم.
واليوم بعد 1400 سنة نقول: الشكر كان واجباً عليكم بطلعة محمّد، وعلينا اليوم شكر الله بدين محمّد وملّة محمّد وبقاء نورانيّة ما جاء به عبده محمّد صلّى الله عليه وسلّم من بعدكم، عليكم رضوان الله وجزاكم الله عنّا خير الجزاء، "وجب الشكر علينا ما دعا لله داع، أيّها المبعوث فينا جئت بالأمر المُطاع"، نحن وراءك وكلّنا وراءه إن شاء الله تبارك وتعالى.
وجعلنا اللهُ وإيّاكم من الذين معه (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ).
هذا الذي تذكرون فيه الاعتكاف في الحارة عندكم وعدد من حارات تريم يجب أن يعود، ما هو ليلة عرفة وحدها والليالي العشر من هذا الشهر، واعتكافات أيّام رمضان وخصوصاً العشر الأواخر منه، وفي خلال السنة يجب أن تحيا مساجدنا بالاعتكاف، ويجب أن نُحيي شريف هذه الصلة وخيوطها وحِبالها بالإله الحقّ من خلال الاعتكافات ومن خلال الأذكار ومن خلال الدروس ومن خلال المجالس.
ونتعاون على ما يُصلح معاشنا ومعادنا لأجل الله واستعداداً للقائه واهتماماً بشأن الساعة الخطيرة المقبلة، ولا بدّ أن نسمعها لكن في أيّ الدارين؟ اجعلنا في أهل جنّتك يا ربّ، لا بدّ أن يسمعها كلّ مكلّف: "يا أهل الجنّة خلوداً فلا موت، يا أهل النار خلوداً فلا موت" اجعلنا من أهل جنّتك يا ربّ.
واجزِ القائمين والمُهتمّين بهذه الخيرات والشباب المسارعين لهذا المعروف -جاؤوا بقوالب الثلج- فلا يبعد إذا قبل الله الواحد منهم يسقيه يوم العطش الأكبر من شراب لا ظمأ بعده أبداً، أنت اجتهدت بقالب ثلج وتعاونت عليه مع أصحابك من هنا ومن هنا وفرّحت به جماعة ساعات من يوم، لكن إذا قبل الله منك ذلك فرح.. شربة لا عاد تظمأ بعدها طول الأبد، شربة ما أغلاها وما أعلاها من حوض محمّد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم!
فما أحسن الاستعداد لذاك المستقبل الأكبر والتهيّؤ لذاكم اللقاء! بارك الله في شبابنا ورزقهم الانتهاض بأمر الله وأمانته، وما خلّف من ترِكة فينا عبده ورسوله وصفوته ﷺ، وحمى أفكارهم من أن تتأثّر بِظلمات أهل الكفر وأهل الزيغ وأهل الضلال وأهل الشرّ، وجعلنا مُتحابّين فيه مجتمعين على ما يرضيه.
شكر الله سعي القائمين على هذه المشاريع والجهود، شكر الله سبحانه وتعالى لإخواننا الذين قدّموا الملاحظات والتنبيهات، وجعلنا مُتعاونين على كلّ ما يرضيه، إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
والتنبيه ما عاد يحتاج تكريراً عليه بالنسبة لاسم المكان المسلفة يقال مسجد النساء في حارة الروضة.
جعلنا الله وإيّاكم ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، ووقانا كلّ سوء وأرانا في الأمّة ما يُسَرُّ به قلب نبيّنا، كما أرانا ما يحزن القلوب من السطوات على الأطفال وعلى النساء وعلى العُزَّل يوماً بعد يوم ويوماً بعد يوم، والصور منتشرة في الشرق والغرب، وصُنّاع القرار ومُدّعون حقوق الإنسان يتفرّجون على ذلك ولا يفكّرون إلّا في مصالحهم وفي شؤونهم الهابطة.
الله يُنقذ الأمّة، الله يكشف الكرب عن الأمّة، الله يرفع هذه الغُمّة، الله يتدارك المساكين ويتدارك المظلومين ويتدارك المؤذين بغير حقّ، ويتدارك المُشرّدين والمُقتّلين والذين مرّت عليهم العيد في القنابل وفي ضرب الطائرات وفي فقد الأب والابن والبنت والأخت والخال والقريب والجار.
اللهمّ حوّل أحوالهم إلى أحسن حال وادفع عنّا هذه البلايا والآفات والأهوال، واجعلنا أسباباً لرحمة عبادك ولنزول الخير وادفع عنّا كلّ شرّ وضير، اجعل كلّ واحد من أهل المجمع مفتاحاً للخير مغلاقاً للشرّ يا ربّ يا كريم يا برّ، وأصلح ما بطن واجمعنا في يوم المحشر في زمرة النبيّ الأطهر وأنت راضٍ عنّا يا أرحم الراحمين، والحمد لله ربّ العالمين.
25 ذو الحِجّة 1445