(575)
(536)
(235)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 17 صفر الخير 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
نور الهدى وعظيم المنة لمن اهتدى وسوء الحساب والمآب للمعرضين
الحمدُ لله مُكرِمِنا بإشراقِ أنوارِ الهدى وبَاذِلِها لعبادِه شرقاً وغرباً فيما خفي وفيما بدا {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فــ:
حمداً لربٍّ خصَّنا بمحمدٍ ** فأنقذنا من ظلمةٍ ودَيَاجِرِ
إلى نور إسلام وعلم وحكمة ** ويمنٍ وإيمانٍ وخير الأوامرِ
وطهَّرنا من فعل شركٍ وخُبثِهِ ** وظُلمٍ وفِسقٍ واقتحام الكبائر
اللهم أَتِمَّ علينا النعمة، وابسط لنا بساطَ الفضلِ والرحمة، وزِدنا مِن فضلِك ما أنت أهلُه، يا مجيبَ الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا كاشفَ الكربات، يا جامعَنا بعنايتِك في رحابِ التوجُّه إليكَ والتذلُّل بين يديك، والتلَقِّي لفائضاتِ جودِك الأعلى الأوسعِ الأرفَعِ الأشمَلِ الأكمَلِ الأفضَلِ الأجملِ العظيمِ الرَّحيبِ الوسيع.. لك الحمدُ شكرا، أتمِم علينا النعمةَ يا مُنعِم.
وإنَّ مِن تمامِ النعمة ثباتَ قلبِ أحدِنا على الصدقِ مع مولاه حتى يلقاه، ثم اجتماعَه بالصادقين مع سيِّدِ الصادقين.. في موطنِ ظِلِّ العرش، وفي موطنِ تحتَ لواء الحمد، وفي موطنِ الحوض المورود الشريف، ثم في موطنِ الجنةِ دارِ الكرامة، ثم في ساحةِ النظرِ إلى وجهِ الله..
فَيَا رَبِّ واجمعنا وأحباباً لنا ** في دَارِكَ الفردوس أَطْيَبِ مَوضِعِ
فضلاً وإحساناً ومَنَّــــا منك ** يا ذا الجُودِ والفَضلِ الأَتَمِّ الأَوْسَعِ
واقطع عنَّا كُلَّ قاطع يقطعُنا عن ذلك، واحجب عنَّا كُلَّ حاجبٍ يحجبُنا عن ذلك، وامنَع عنَّا كُلَّ مانعٍ يمنعُنا عن ذلك؛ حتى نَسُلكَ أشرفَ المسالك سالمين مِن جميعِ الزَّيغ والانحرافِ والضلال والمهالك؛ فنلقاكَ وأنت راضٍ عنَّا يا مَلِك الممالك، يا حيُّ يا قيومُ يا الله..
لا يجمعكم عبثاً، ولا يجمعكم لَعِبَاً، ولا يجمعكم هُزُوَا؛ يجمعكم أسبوعًا بعد أسبوع في توجُّهٍ إليه وخضوعٍ وإنابةٍ وخشوعٍ؛ لأنه وعد محمداً أن يُبقِيَ هذا الخير في أمته مضيئًا في مختلفٍ مِن الأقطار والرُّبُوع، وأن يُبقِيَ حقائقَ الإيمان به وبرسوله وما جاء به عن الله في الأمة، بل يجعل فيهم طائفة ظاهرين على الحق (... لا يضرهم مَن ناوأهم) و (...لا يضرهم مَن خالفَهم) و (...لا يضرُّهم مَن خذلَهم) (... حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون). كما جاءتنا الرواياتُ عن خير البريات.
وإن قلَّت إمكانيَّاتُهم الظاهرة، وإن لم يكن لهم مجالٌ في التخطيطات البشريَّة الحِسِّيَّة، وإن لم تكن عندهم معسكرات، وإن لم تكن لديهم سياسات، وإن لم يتَّصلوا بشيءٍ مِن هيئاتِ الشعوب ولا الحكومات؛ فإنَّ ربَّ الأرضين والسماوات أجلُّ مِن أن يُقتَحَمَ حِمَاه وأعظم مِن أن يُنَالَ مَن حَمَاه -سبحانه وتعالى في علاه- {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
لك الحمدُ يا مَن يقول للشيء كُنْ فيكون.. صلِّ على الأمينِ المأمون، واكتب لكلِّ حاضرٍ وسامعٍ أن تُدخِلَه في دائرةِ مَن يَهدُونَ بالحقِّ وبه يَعدِلُون، وبعهدِك يوفُون، وعلى بابِك يعكُفون، ولوجهِك الكريمِ يقصدون، وترضى عنهم وهم عنك يرضون..
يا الله .. يا الله .. يا الله
نوِّر هذه القلوبَ بأنوارِ الصدقِ معك، والإخلاصِ لوجهِك، والثباتِ على ذلك حتى تلقاك، يا مَلِكَ الأملاك، يا مُجريَ الأفلاك، نَجِّنا والأمةَ مِن كُلِّ هلاك، يا حيُّ يا قيُّوم يــــــــــا الله..
وإنك لتكشفُ للقلوبِ المؤمنة بك مرَّةً بعد أخرى عن سناء حقائقِ حَقِّ عظمتِك؛ فتسكُنَ إليك، وتركنَ عليك، وتتوجَّه إليك، وتتذلَّل بين يديك؛ فتُواصَلُ مِن الكنوزِ واللذائذِ في الدنيا مالا يُدرِكُهُ الملوكُ ولا مَن سواهم مِن الأثرياء ولا مِن التجار ولا مِن المهندسين ولا مِن أهل الشُّهرة في شرقِ الأرض ولا في غربِها؛ لكنها عطاياك التي تخصُّ بها أولياءَك وأصفياءَك وأهلَ رضاك ميَّزتَهم وهم في الدنيا يتنعَّمون بما لا يَتنَعَّمُ به أهلُ الشهوات، أهل الملذَّات، أهل الانحلالات، أهل المعاصي، أهل الذنوب، أهل المخدرات، أهل شرب الخمور، أهل الفواحش، أهل الرِّبا، أهل السياسة، أهل الغنى.. لا يوجد عندهم ذرَّة مِن النعيم الذي عند هؤلاء..
واللذة التي يجدها هؤلاء ما يجدونها لا في شهواتهم ولا في شربِهم ولا في مأكلِهم ولا عندما يُصَفَّق لهم ما يجدونها.. وجدها هؤلاء وهم في الدنيا، وفي الآخرة الفرق أبعد، وفي القيامة الفوارق أكبر، وبعد ذلك: {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}، و: (إنَّ الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يُحِب ولا يعطي الدينَ إلا مَن أحبَّ).
فَيَا رَبِّ اجعلنا وجميع الحاضرين والسامعين ممن تُحِب، وفي من أحبَبت، وفي من قرَّبت، وفي من وهَبْت، وفي من أدْنَيتَ، وفي من وَاصَلْتَ، وفي من أَوْصَلْتَ، وفي من قرَّبتَ، وفي من مَنَحْتَ، وفي من نَظَرْتَ إليهم بعين عنايتك ولُطفِكَ ورأفتك ورحمتك يا الله.
قال سيدُنا عبدالله بن حذافة للملك الرومي الذي قال له: ارتدَّ عن دينِ محمد وأعطيك نصفَ ملكي وأزوِّجك ابنتي. سخر منه وقال: لو أعطيتَني ملكَك كلَّه على أن أرتدَّ عن هذا الدين لحظة ثم أعود إليه ما قبلت.
ملكك وما فيه ما يساوي لحظة انقطع فيها عن هذا الدين؛ ذاق الحلاوة..
عبد الله بن حذافة.. كانوا يعدُّونه مِن صغار الصحابة وما فيهم صغير! وما فيهم صغير! رضي الله تبارك وتعالى عنه..
قال: احبسوه واتركوه بلا طعام ولا شراب.. وقدَّموا له الخمر والخنزير.. في اليوم الأول والثاني والثالث والخمر والخنزير، لا يشرب خمر ولا يأكل خنزير.. كيف هو؟ قالوا لم يتناولْ شيئا يكاد يموت! قال أخرِجوه.. خرَّجوه، قال ترجع عن هذا الدين؟ قال: لا. قال: لأقتلنَّك؟ قال اقتل.
حمّوا زيتًا في الطَّست وارموا واحد قبله وارموا ثاني قبله.. انخلع اللحم عن العظم مِن حرارة الزيت.. قال احملوه.. حملوه.. دمعت عينه.. قالوا إنه بكى! قال ردُّوه، أتخرُج عن دينك؟ قال لا والله.. قال فلماذا بكيت؟ قال رأيت الاثنين قبلي بسرعة ماتوا وودَّيت أنَّ لي مائة نفس إلى نفسي يُفعَل بها في سبيل الله.. هكذا ترتفع درجتي عند الله.
قال ما رأيتُ أصلبَ على دينهم من أصحاب محمد! أي قوم هؤلاء؟! لا الاغراء يُقصيهم ويحركهم ويُخَرِّجهم من دينهم! ولا العذاب والتشديد والإكراه!
قال: تُقبِّل رأسي وأُطلقك؟ قال لا. قال أُطلِق القوم معك؟ – معه ثلاث مائة من المسلمين- قال تُطلِق الجماعة معي؟ قال له نعم، قال قلت في نفسي عدو الله ما عليَّ أقبِّل رأسَه ولا أحبه ولا أكرمه ولكن مِن أجل أحمِي دماء المسلمين..
قبَّلَ رأسَه قال فكُّوهم.. مشَى بهم وخرج، ووصل الخبر إلى المدينة المنورة وقَصُّوا القصة على سيدنا عمر، قال: "حَقٌّ على كُلِّ مسلم أن يُقبِّل رأسَ عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ" وقام قبَّل رأسَه.. عليهم رضوان الله تبارك وتعالى..
هذا صغير هذا؟ يعدُّونه من صغار الصحابة! هذا صغير هذا؟!
ما هذه العِزَّة ؟ ما هذا الشرف ؟
مُلك الأرض وما فيها صار حقيراً عندَه أمام ما اكتسبَ مِن قُربِ الربِّ ومحبَّته..
هذا صغير هذا؟ وخضعَت له مملكتهم بما فيها أمام هذا الصادق الفرد المتصل بالخالق جَلَّ جلاله وتعالى في علاه..
وكلٌّ مِن مَلِك الروم وحاشيته ومن عنده ممن لم يُهدَوا إلى الإسلام من حين ماتوا في القرن هذاك إلى ساعتِنا هذه يتمنون أنهم أُظفُر في أصبع عبدالله بن حذافة.. يتمنون لو أنهم أظفر في أصبع عبدالله من حذافة في رجله وسَلِموا من الأهوال التي قاسوها والعذاب الذي نازلَهم..
وهذا مصيرُهم وحدهم؟ مصير كل مَن وصلته دعوة محمد فآثرَ الشهوات، وآثرَ الحضارات، وآثرَ المظاهر، وآثرَ الخداع، وآثرَ الكذب، وآثرَ الظلم، وآثرَ الحياة الدنيا.. هذا مصيرُ كلِّ مَن كان كذلك.. وصلته دعوة الله ونداءه فلم يستجب -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ..} الحسنى: الأحسن من كُلِّ شيء. ومجمع الحسنى في دار سمَّاها "الجنة"، فيها النظر إلى وجهِه الكريم، فيها رضوانه، فيها: (إنَّ لكم فيها أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وأن تَشِبِّوا فلا تهرموا أبدا، وأن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، وأن تَصِحُّوا فلا تمرضوا أبدا)
{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
ما تُقبَل فدية منه {لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ} مِن أين لهم ما في الأرض جميعا؟ وبسياساتهم وخداعاتهم يأخذون ذهب ذا وبترول ذا ويضحكون على ذا ويصلّحون ويلهفون ذا.. ما لهم في الأرض جميعا مساكين! {لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} لقدَّموه فداء، قالوا نجِّنا من هذا العذب.. خذوا هذا الملكَ كلَّه والأرض كلَّها وما فيها {أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} ما يُقبَل هذا الفداء منهم لو كان لهم- لكن ما هو لهم أصلا.. لو كان لهم ما قُبِل منهم..
كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
{أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} تعرف سوء الحساب؟ مناقشة وتفتيش وتقصِّي من دون مسامحة في شيء {سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
اللهم أجِرنا من النار يا رب، ولا تجعل فينا ولا في ديارِنا ولا في قراباتنا ولا في أصحابنا ولا في طُلَّابنا مَن تُدخلُه النار، يا مجيرُ أجرنا من النار، اللهم إنَّا نعوذ بك ونستجيرُ بك من النار فأعِذنا وأجِرنا، نعوذُ بك ونستجيرُ بك من النار فأعِذنا وأجِرنا، نعوذ بك ونستجير بك من النار فأعِذنا وأجِرنا أجمعين.. يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين..
{رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ..} أقام فينا ثلاثا وعشرين سنة أعطانا المنهاج القويم وخبَّرنا عن كُلِّ شر وعن كلِّ سوء يحصل، وعن الفتنِ الحاصلة في زماننا فكأنه بيننا يصفُها، وأخبرنا كيف ننجو منها، وعلَّمنا كيف نُوقَى سوءها وشرَّها، وكيف تُرفَع درجاتُنا بصبرِنا أيامها.. فعليه الصلاة والسلام {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} معه يا رب، وراءَه يا رب، في سعفِه يا رب، في زمرتِه يا رب، في دائرتِه يا رب، نحضر في حَضرَتِهِ يا رب، نُظَلُّ بظل لوائه يا رب، نَرِد على حوضه يا رب {..فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.
وماذا وعدنا على رسلِه؟ وعدنا على رسلِه: {.. هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } شوف الوعد: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..} -وعد كريم من كريم- {..وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
وفوق هذا كله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} قل للذين اتَّبعوك وآمنوا بك هذا كله وما عرفتموه منه فوقه أعظم منه ما لا يخطر على بالكم عندي سأعطيكم إيَّاه، أعددتُه لكم، خبَّأته لكم..
الله أكبر..!
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} والمُبَشِّر بَشَّر، وهو خيرُ مَن بَشَّر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
فَيَا رَبِّ اجعلنا جميعاً في أهل دائرته، وفي أهل حُسنِ متابعته..
يـــــــا الله .. يـــــــا الله .. يـــــــا الله ..
ماهي إلا أن يُنهِضَ الله قلوباً فيُنَكِّسون أعلامَ الاقتداء بأعدائه وأهل مخالفته في الأقوال والأفعال والنِّيَّات؛ وإذا بأعلامِهم الظاهرة تَنتَكِس كذلك ويظهر علَم "محمد" ويَعُمُّ شرق الأرض وغربها.
فالله يُهيئ قلوبَ المؤمنين لتصدقَ مع ربِّها، ولتُنَكِّس أعلامَ أضدادِها وأعدائها وأعداء دينها؛ في مسالكِهم، وأفكارهم، وفي اختياراتهم، وفي كُلِّ ما خالفوا فيه منهجَ العليِّ الأعلى والرَّبُّ العزيز جَلَّ وعلا، والذي بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء وإليه المرجع..
جامعكم ليُعطيكم، لينظر إليكم، ليُقَرِّبَ مَن شاء منكم، ليحوزَ مَن شاء رضوانَه، وليَنشُر له أمانَه، وليهبَه إحسانَه. ونِعمَ المُحسِنُ ربُّ العالمين جل جلاله، وله لإحسانُ كلُّه والفضل كلُّه.
اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندك لشرِّ ما عندَنا
يا الله: كُلَّ حاضر وكلَّ سامع اسقِ قلبَه كأسًا مِن محبَّتِك، وأدخِله في دائرةِ أهلِ معرفتِك.. يا رب
حتى تجمَعَنا في حضرةِ قُربِك مع سيِّدِ أهلِ حضرتِك.. يا الله.. لا تحرم عيناً مِن هذه العيون رؤيةَ الوجهِ المنير وطلعةِ البشيرِ النذير، اللهم اجمَعنا به، وسِر بنا في دربِه، واسقِنا مِن شُربِه، واجعلنا في حزبِه..
يا الله .. يا الله ..
وعلى سِرِّ الصدق معك تنقضي ما بقي مِن أيامِنا وليالينا حتى ينقضي عنَّا شهرُ صفر ويدخل لنا شهر ذكرى ميلادِه بودادِك وودادِه؛ تُظهِرَ لنا فيه يا ربِّ رايات نصرك لهذا الحبيب في غيبِ الأمر وإشهادِه..
يا الله بارِك في أيامنا، بارِك في ليالينا، بارِك في أعمارنا، بارِك في لحظاتِ أعمارِنا، وبارِك لنا في خاتمتِنا يا الله .. وألحِّوا عليه واقصمُوا ظهرَ عدوِّه إبليس بسؤالِكم حسنَ الخاتمة مِن الإلهِ الحيِّ القيوم حتى يُثَبِّت كُلَّ واحدٍ مِنَّ لا يَزِيغ ولا يَنحَرِف حتى يلقاهم مؤمنًا موقنًا صادقا مُخلِصَاً مَرضِيَّاً عنه .. اللهم آمين
يـا الله بهـــا يا الله بهـــا ** يــا الله بحُسنِ الخاتمـــة..
17 صفَر 1443