(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 20 ذي القعدة 1444هـ بعنوان:
نجاة وسعادة المسلمين لنداء الله المتبعين لرسله وحتمية خيبة وشقاء المنخدعين بالأهواء والشهوات وتلبيس إبليس
الحمد لله على أمطارِ جودهِ التي تهطل على ساحات القلوب، لِيربط من يربط بحبيبهِ المحبوب، وليغفر ما شاء من الأوزار والآثام والذنوب، وليُنقِّي من شاء عن الدّرَنِ وعن الشوب، لا إله إلا هو وحده لا شريك له ربٌّ وكلّ ما سِواه مربوب، أرسل إلينا عبدهُ الهادي إلى أقوَم الدروب، سيدنا محمد حبيبه المحبوب، مَن بهِ يَجلي الهموم والغموم والكروب، حتى في يوم الهولِ الشديد الذي تُقلَّبُ فيه الأبصار والقلوب.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على صاحب المقام المحمود سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأهل الإيمان به والاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، المُتلقّينَ عن الرحمن سبحانه وتعالى شريفَ خطابه، والذين وعَوا عن ربّ السماواتِ والأرض من الخطاب ما لم يعِهِ غيرهم، وانتُخِبوا من قِبل رب الأرباب لِيُبَلِّغوا الناس الهدى والصواب، فهم أُمناء رب العرش والسماوات والأرض، على ظهر هذه الأرض، لِيُنقذوا كلّ من سبقت له السعادة، من إنسيٍّ وجنِّيٍّ على مدى الدهور والأعصار في جميع أقطار الأرض، إلى أن يَرِث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين جل جلاله وتعالى في علاه، وهو القائل سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم :40]، فلينتهي غرور كل مغرور، ولتبطل الخداعات التي ينشرها أهل الزور، ما رأينا من بقاءٍ لأحدٍ مِمّن سبقهم، وليس فيهم أحدٌ مِن باق.
إن رجوع الكلِّ إلى المُنشِئ البارئ الخلاق جلّ جلاله وتعالى في عُلاه: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)، فلا دول تبقى ولا اتّجاهات تبقى، ولا مجالس وهيئات ووزارات تبقى، ولا شيء من هذا على ظهر الأرض يبقى، بل كل شيء هالكٌ إلا وجهه، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)) [الرحمن :26-27]، جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ).
فيا موروثاً هو ومالهُ وحالهُ وشأنهُ، والأرضَ التي عاش عليها كلها موروثة، مأخوذةٌ بِرجوعها إلى مُنشِئِها وبارِئِها، لا تَغُرّ نفسك ولا تغر الناس معك، لن تبقَ لن تدوم لن تستمر، ستنقضي.. ستنتهي.. ستفنى.. ستزول إلى صاحب القوة تَؤول، وإليه ترجع جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، فما أسفهَ عقلَ من صدّقكَ فيما تعرض عليه مِما يخالف شرع الإله، ومنهاج الحق الذي أرسل به أنبياه، وختمهم بمصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يا كلَّ من أوتيَ ذرةً من العقل من الإنس والجان، مُكوِّن الأكوان، الذي جعل الشمس والقمر بِحُسبان والنجم والشجر له يسجدان، والسماء رفعها ووضع الميزان، أرسل إليكم الأنبياء وختمهم بالمنتقى سيد ولد عدنان، من أنزل عليه القرآن (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)، إنّ عدوّكم إبليس عدو الإنس وعدو الجن، عدوُّ المكلفين، الذي يلتفت إلى نصيبه المُحدّد منهم، وهم نصيب كبير، للأسف نصيب كبير من الجن والإنس تبع إبليس، يُصدِّقونه، يخدعهم فيأتمنونه ويثقون به: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا..) [يس :60-62]، طوائف وأفراد كثير، ولا يزال يُضِل.
ولكن وسط الإنس والجن من امتدّت إليهم عناية عالم الظاهر والباطن، القوي القدير، فلا إبليس ولا جند إبليس يقدرون عليهم (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، فليس الفائز من الإنس والجان إلا من خرج عن قبضة العدو الشيطان، ودخل في عباد الرحمن الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، أولئكم أهل حقائق الإسعاد وواسع الإمداد من حضرة الكريم الجواد، بأسرار الطمأنينة والسكينة في هذا العالم، بل ولذائذ القُرب منه جلَّ جلاله والمعرفة به، ثم المُمَدّون بالبشائر الكبرى عند خروج روح أحدهم: (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت :30]، وتتولاهم حضرة الربوبية، ويقال لهم: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت :31]، ما هذا العطاء الكبير؟ قالوا نزلُ ضيافة: (نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) [فصلت :32] جلّ جلاله وتعالى في عُلاه.
ولهم الخلودُ في الجنان، ولهم الظفر برضوان الرحمن، وإذ يناديهم "يا عبادي، يقولون لبيك ربنا وسعديك، يقولُ هل رضيتم؟ يقولون كيف لا نرضى وقد نجّيتنا من النار والعذاب والأهوال، وأعطيتنا الجنة وما فيها من الأنهار والقصور والأشجار، والحور والولدان، يقول: ألا أُعطيكم ما هو أفضل من ذلك؟ يا ربنا وما أفضل من ذلك؟ يقول أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعده أبدا".
هذا مآل من خرج عن قبضة الشيطان، ودخل في دوائر عباد الرحمن، الذين أوصافهم منشورة في القرآن: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان :63] ، لا هم أهل سباب ولا أهل شتائم ولا أهل جِدال ولا أهل تطاول: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، يجهلُ الجاهلون وما يصدر منهم إلا السلام، ويقول سبحانه وتعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، ولهم سِرُّ صِلَة بربهم يذوقون منها لذّة الوصال في الدنيا قبل الآخرة (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان :64]، وهمّهُم أن ينجو من النار وغضب الجبار.
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ..) [الفرقان :65]، ربنا اصرف عنّا عذاب جهنم، اصرف عذاب جهنم عن أهالينا كلهم، اصرف عذاب جهنم عن أولادنا كلهم، اصرف عذاب جهنم عن قراباتنا كلّهم، اصرف عذاب جهنم عن جيراننا كلّهم، اصرف عذاب جهنم عن طلابنا كلّهم، اصرف عذاب جهنم عن كلّ من والانا فيك، اصرف عذاب جهنم عنّا وعن المؤمنين (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان :66-65].
ولهم منهجٌ حَسَن في هذا العالم، يُنفقونَ ويكتسبون من الحلال، ولا تحملهم شهواتهم على أن يقبلوا عرضاً في كسب المال مقابل معصية، ولا مقابل إيذاء لِمُسلم، فضلاً عن خيانة، فضلاً عن حرب وقتال، ما يقبلون شيء من المال من أجل ذلك، بل يرتضونَ الفقر بدل الغنى إذا كان في الغنى خروجهم عن دائرةِ عالم السر والعلن جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، ثم إذا أنفقوا ما ذهبوا إلى البهارج والمظاهر، واقتصدوا ووضعوا ما ملّكَهمُ الله ورزقهم في محله وفي موضعه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) [الفرقان :67].
ونزّهوا المسار عن كُلّ التقلُّبات، وعن كل الانحرافات والأكدار: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) [الفرقان :68]، لأن هذه الأعمال كل من زيّنتها لهُ نفسه وعدوه إبليس فصدّقهم وراح وراءها -كحال الكثيرين-؛ حتى ظهر من جعلوهم سادتهم وقادتهم وأئمتهم، يُقنِّنون لهم أن يخضعوا ويرضخوا لهذه الشهوات ولهذه السقطات، (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)، هذه النتيجة الحتمية، مِن أي ديانة كان، كل إنسان وكل جنّي، مشى وراء هذا الشرك أو الزنا أو قتل النفوس، لابُدّ أن يلقى أثاما، ولابُد أن يتعب في الدنيا ولابُدّ أن يلقى التعب الأكبر في الآخرة: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان :69].
ومن قد وقع في هذه البلايا هل بقي له طريق؟ قال ربّ الأرباب بجودي الصبّاب، وفضلي السكّاب، من أتوب على من إليّ تاب، الله! قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا…) [الفرقان :70]، قال حتى إن كان منهم هذا داخل في الزمر الساقطة، لكن تداركتهُ العناية ووصل نداء الحق على لسان رسوله، وصادف قلبه ورجع، قال له وأنت تعال سأخرجك من بينهم وسأدخلك مع الكبار اللي فوق، مع الأخيار اللي فوق، وسأجعل مآلك خير مآل: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ…) [الفرقان :70]، ومشاكلي الكبيرة ماذا ستفعل بها؟ قال: تعال أنا الرب، سيئات سأحولها حسنات، وبدل أن كانت توقعك في العذاب؛ تكسب منها الآن ثواب، ايش هذا الجود! ايش هذا العطاء!
يذكر لنا مثاله صلى الله عليه وسلم، يقول أن بعض الناس مِن مَن تاب، ووفّقهم الله وماتوا على خير حال، يأمر ملائكته يعرضوا عليه بعض صغار سيئاته، إذا عُرِضت عليه يفزع ويخاف، ويخاف الهلاك، يقول يا رب ألم تغفر لي؟ فيقال له: نعم أنه قد بدلناها حسنات، قال فيرجع يقول عاد باقي ذنوب أخرى، عاد باقي ذنوب أكبر من ذا، ماعرضوا عليه إلا الصغائر، عاد باقي معي سيئات أخرى، لما رأى أن المعاملة من الجليل الكبير كيف صارت، قال عاد باقي عندي ذنوب، تضحك الملائكة وتقول وباقيها بُدلت إلى حسنات، ذلك فضل الله جلَّ جلاله (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
لكن توبة الصدق لا توبة الكذب (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان :71]، وعلامة ذلك وصدق التوبة، قال جلَّ جلاله (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ…) [الفرقان :72]، لما صحّت منهم التوبة؛ بعدوا عن الزور، ومواطن الزور، وآل الزور، ومحلات الغرور، وبحثوا عن مواطنهم مع الأصفياء، مع الأتقياء، مع الصالحين، مع القوّامين، مع السجّادين مع الركّاعين، مع المنيبين، مع الخاشعين، ما عاد يقبل الزور، هذا صدقهم في توبتهم ورجوعهم إلى الله، لا يشهدون الزور، يصادفون في الحياة الدنيا شيء يجيء من كذا.. وشيء يجيء من كذا.. ويصادفونه هنا، قال (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، ما عاد يُستهوَون ولا يُستغفَلون، ولا يُخدَعون ولا ينحرفون، خلاص انتهت المسألة العلاقة بالله قوية (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).
وبعد ذلك لهم خشوع وخضوع وادِّكار: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) [الفرقان :73]، أين همّهم في الحياة الدنيا؟ يرون أن مُهمّتهم الكبيرة التربية، ونشر الخير، والاهتمام بأولادهم وذرياتهم (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان :74]، يعني يريدون المراتب في التقوى، ما عاد بقي الشهادات هذه والمناصب الحكومية والوزارات والرتب العسكريةـ ما عاد لها خبر عندهم، أرادوا إمامة في التقوى: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
(أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ..) [الفرقان :75] وإيش من غرفة؟ محل الضيافة من ربك، إيش من غرفة هذه؟ (أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) وإيش وسط الغرفة هذه؟ (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) من أين التحية والسلام؟ من عند ملوك ولا من عند وزراء ولا من عند إنس ولا من عند جن، ولا من عند ملائكة؟! (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس :58]، الله .. الله .. الله.
(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ) [الرعد: 23-24]، ومن ساعة لساعة يقف عليه أحد الملائكة يقول فلان أُقرِئُك السلام من عند الله أرسلني إليك بالسلام، الله السلام أرسلني إليك بالسلام، يا سلام! (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) [الأحزاب :44] (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)، نِعمَ المآل ونعم المصير، (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) يقول الله هذه الحقيقة، وانتبهوا، يقول الله أنتم في عيشتكم في الأرض، لولا صادقين مخلصين مُتصلين بي، يدعونني ويخلصون في دعائي، وأستجيب لهم، لَعمّتكُم أنواع العذاب والعقاب بما لا تطيقونه على ظهر الأرض، (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ..) [الفرقان :77]، والدعاء من القلوب المنيبة الخاضعة الخاشعة التي:
بهم يدفع اللَه البلايا ويكشف الرَ ** زايا ويبدي كل خير ونعمةِ
ولولاهم بين الأنام لدكدكت ** جبال وأرض لارتكاب الخطيئةِ
إن الله ليدفع البلاء بالرجل الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه، مائة أهل بيت من جيرانه يُدفع عنهم البلاء بوجود هذا الصالح بينهم، سمعته يقول: إنّا أخرنا العذاب عن آل مكة الذين اقتحموا الكبائر، كذّبوا وكفروا وعاندوا، وقاتلوا وسبوا وشتموا، ووضعوا السلا فوق ظهر أكرم خلقي علي، وأحب عبادي إلي، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، يقول أخّرتُ العذاب عنهم ليُسلِم من يُسلِم، وبسبب أنّ بينهم ناس لهم علاقة بي خاصة: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا)، لو خرجوا من بينهم ووقعوا كفار خالصين (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا)، فأُخِّر العذاب بوجود هؤلاء الأطياب، والناس الأحباب بين أولئك، فأُخِّرَ العذاب عنهم حتى يُدخل الله في رحمة من يشاء، آمن مَن آمن وأسلم مَن أسلم، وحقّ القول على من حق عليه والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وهذه الحقائق الكبرى لِتسيير شؤون الخلائق، مِن قبل الخالق على ظهر الأرض (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) [النساء :117-118]، وقاعد يفتح الأماكن حقه يسجل من بيدخل معه، وتعال تعال.. ويدعوهم إلى عذاب السعير! (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر :6]، والعياذ بالله تبارك وتعالى، ويجيء في القيامة إذا احتجوا وقالوا هذا سبب إغوائنا، قال (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم) [ابراهيم :22].
فالويل واللوم لمن خرج عن أمر الله ولمن خالف منهج الله، ولمن اغترّ بهذه الدنيا أو ما رُكّبَ فيها من شهوات وأهواء، وظنّ أنها المقصود أو فيها السعادة، وحقائق السعادة في ضبط الهوى، وفي ضبط الشهوة، وفي ضبط الغضب بميزان رب الأرض والسماء: ( ٱلرَّحۡمَٰنُ * عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ * خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ * عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ * ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ) [الرحمن :1-5]، من عِند أي هيئة؟ من عند أي وزارة؟ من عند أي أُمَم؟ من أين؟! من الذي يُقدِّر هذا (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس :38] (ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ) والنجم، الأشجار التي تنتشر في الأرض سابحة، والشجر التي لها ساق تقوم عليه (وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ) [الرحمن :6] كلها ساجدة لله، ما تنبت حبة إلا بأمره (أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ * ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ) [الواقعة :63-64] (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:60]
(أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا)، ما يُنبهّكم من وقت إلى وقت عن نعمته؟ يأتي بزلزال هنا، كم دقائق! إلا وهي مصائب مدري كم ألف ماتوا، وكم ألف ديار تكسرت في ثواني، ما هو دقيقة.. في ثواني تكسرت! ومن الذي جعلها مستقرة هكذا؟ (أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62-61] لا إله إلا الله.
يا ربنا، نحن المُضطرّون، مُضطرّون إلى عفوك، مُضطرّون إلى رحمتك، مُضطرّون إلى توفيقك، مُضطرّون إلى رِضاك، مُضطرّون إلى أن تُرافقنا بحبيبك، مُضطرّون إلى أن تغفر ذنوبنا، مُضطرّون إلى أن تُبدّل سيئاتنا إلى حسنات، نحن المضطرون أن تحفظنا وتحفظ أهالينا، وأولادنا وطلابنا وأصحابنا، والقلوب اللي استجابت لندائك، في تبعية الصالحين وأسانيد الأتقياء على ظهر الأرض، اللهم احفظهم واكلأهم وصُنهم وكثِّرهم، وانشر خيرهم وانشر الخير بهم، وزدهم من فضلك يا أرحم الراحمين.
نحن المُضطرّون، مُضطرّون إلى حفظك وكلاءتك من شرور شياطين الإنس والجن، ندعوك يا ربّ دعاء المُضطر، وأنت مجيب المُضطر (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) نحن المُضطرّون وندعوك يا الله، (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) وقد حلّ يا ربِّ سوء بقلوبنا، وسوء بأفكارنا، وسوء بعقولنا، وسوء بأجسامنا، وسوء بقيمنا وأخلاقنا، وسوء برجالنا وسوء بنسائنا، وسوء برعايانا وسوء أحاط بالولاة، وأنت يا رب كاشف السوء، فاكشف الأسواء كلها عنا، من حيث أحاط بها علمك يا كاشف السوء.
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) استخلفتَ مَن قبلنا على التقوى والبرّ من الصالحين خلفاء بعد خلفاء إلى سيد الحُنفاء، حبيبك محمد فصلواتك عليه وعليهم أجمعين، واجزهم عنا خير الجزاء، وأحسن استخلافك لنا من بعدهم على خير ما تحب، وعلى أحب ما ترضى ظاهراً وباطناً، يا حي يا قيوم يا الله يا الله.
بارك في القلوب المستجيبة المُنيبة وثبِّتهم على ما تحب منهم وجنّبهم فتن الزمان وشروره وآفاته، وشرّ أهل الكفر والفسوق والعصيان يا حي يا قيوم، بجاه القرآن ومن أنزلته عليه، انظر إلى قلوبنا وأهالينا ومن والانا فيك، وأهل هذه الاستجابة لدعوة رسولك، فحبِّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
حبِّب إلينا الإيمان وزيّنهُ في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وعجّل بالفرج للمسلمين، ونادوه أجمعين وتوجّهوا إليه وقولوا:
يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** يا أرحَمَ الراحمين ** فرِّج على المسلمين
20 ذو القِعدة 1444