ميزات وخصائص أولي الألباب ومعالم فكرهم ومسارهم
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى، ليلة الجمعة 17 ربيع الثاني 1444هـ، بعنوان:
ميزات وخصائص أولي الألباب ومعالم فكرهم ومسارهم
نص المحاضرة:
الحمد لله مُكَوِّن الأكوان، والمُخصِّصِ مِن بينها نوعَ الإنسان بِخصائِص لإبرازِها وإظهارِها وإدراكِ غاياتٍ منها جعلَ قيامها الجمع الذي يجمع فيهِ الأوَّلين والآخرين، يجتمع المُكلّفون وغيرُ المُكلّفين من الملائكة من الحيوانات (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)
(ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) وإذا حُشِرَ الجميع وكان ما كان من تُلكُمُ الشؤون والأحوال التي ما يُساوِيها أسلحة نووية ولا غيرها، ما يساويها كلّ ما يتحدّث الناس عنه في مِحيط قُدراتهم، في مُحيط ما ابتُلُوا واختُبِروا به من استطاعات وإمكانيات، وإن تبارَوا في ذلك وان تفاخروا بشيءٍ من ذلك، لكن ما يساوي شيء شأن القيامة انتثار الكواكب وتفجُّر البِحار وتكوير الشمس وخسوفها وخسوف القمر وانشقاق السماوات، من يقدِر على ذلك؟ من يقوى على ذلك؟! إلا الذي خلقها جل جلاله وتعالى في علاه.
وإذا جاء ذاك اليوم كانت التقدُمَة من بين أجناسِ المخلوقات لمن؟ من يُخاطِب؟ من يَشفع؟ من يُؤذَن له في الشفاعة؟ من يقوم المقام المحمود؟ فهذه عجائِب خصائِص هذا الإنسان، وإذا بالجنّة وبالنار من أجلِ هذا الانسان، هذا للطائعين وهذا للعاصين وأتباع الأنبياء إلى جنة الله وأتباع إبليس إلى نار الله المُوقدة، وإذا بِغرائب الكون مَطوِيٌّ فيها معاني خُصوصيَّة هذا الإنسان.
ويجب أن يعرف ويجب أن يُدرك كل إنسان كَرَم الله عليه بأن خلقهُ إنسان، وأن أرسل إليهِ أكرم إنسان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بل خلاصة الجوهر الإنساني ومستودع سرِّ العلم الفُرقاني، وفاتح باب الاتِّصال الرّوحاني بالمقام العِياني، حياةِ روحِ الوجودِ الخلقيِّ وسرِّ معنى الشهودِ الحقِّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولواءُ الحمدِ بِيدِه ولا يدخل الجنة إلا من استظلَّ بلوائهِ، ولا ينظُر إليها إلا من نظر إلى طلعته الغرّاء ووجهه البهيِّ الأزهر صلى الله عليه وسلم، اللهم أَرِنا إياه وأدخِلنا معه الجنة فإنه أول من يدخلها، وأنزلنا معه في قصورِها فإنه أول من ينزلها.
إذا عرفنا هذا وهو مُقدِّمة مِن حقائق الحكمة في خلقِ الكائنات وخلق الإنسان على وجه الخصوص.. فيجِب أن نُدرِك أن الإنسان أكبر وأعلى مِن أن يكون مُتصارع مع أخيهِ الإنسان على ظهر الأرض ثُمّ يفنى هذا وهذا، الإنسان أكبر وأجل من أن يكون عبد سُلطة أو جاه في الأرض، الإنسان إذا صَلُح فجاهاته ما أقول في الأرض والسماء بل أقول عند ربِّ الارض والسماء، هذه الوجاهات.. هذه المكانة العُظمى اللائقة.
قل للمحصورين في الأرض، قل للمحصورين في المادِّيّات ما عرفتم قدرَ إنسانيتكم، ما عرفتم قدر خلقكم وإيجادكم، وأضعتُمُ الجواهِر الغالية وراء هذه التفاهات ووراء هذه الحقيرات التي ما أسرع ما تزول عنكم وتزولونَ عنها، أنتم أكبر من هذا إذا فقِهتم.. إذا سمعتم نداء الحق الذي أرسلَ به أنبيائه وختمهم بخيرِ الخلق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وأولو الألباب من نماذِج أفكارهم المصبوبة في قوالِب الدعاء في القرآن الكريم (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)، شف أوصافهم (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ) اللهم اجعلنا منهم.. ذِكر وفوقه فِكر، حُسن استعمال القُوى العقلية والذِّهنية والروحية والإدراكية التي يُعطيها الله الإنسان، ويتفكّرون ويُحسِنون استعمال هذه القُوَى يعثرون منها على الجواهر الكبرى.
(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) هذه أفكارهم، هذه أفكار أولي الألباب، هذه تصورات، هذه ثقافتهم، الخِزي لِمَن دخل النار، المَخزي من دخل النار، المُهان من دخل النار.
(رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ما معنى ما للظالمين من أنصار؟ لا نغترُّ بِتمادي وقت ظُلمِ ظالم وتعدِّيهِ على ذا وذاك، وأخذه لِحقِّ الغير في زمن من الأزمان، وإن وجد له مُصفِّقين وإن وجد له راقصين فإنه سوف يخسر في الدنيا ثم في الآخرة فما لهم أنصار، الأنصار الأتقياء فقط الذي ينصرهم الله هم الذين لهم الأنصار.
يقول سبحانه وتعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)، ويقول سبحانه وتعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ) فمن خذل مالَهُم أنصار، لا يغُرَّك بهرجة وصلّحوا انتخابات ولا صفّقوا لهم الناس ولا عندهم نِسبة كذا.. ستنقلب، ستضمحل، ستتلاشى، سيخسرون! بِعيونكم كم رأيتم من صُفِّق لهم ثم قُطعت صورهم ودُحقت، رأيتم في عُمركم القصير من صُفِّق لهم ثم أُدخِلوا السجن، من صُفِّق لهم ثم حوكِموا (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، إن تُريد نُصرة شوفها عِند واحد إ نَصَر فالنصر نصرُه وإن خذلَ ما أحد ينصُرك.
(إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
ربِّ وَفِّق هذهُ القلوب لِنُصرتِك ونُصرة رسولك من جميع الحاضرين وجميع من يسمعنا يا رب، وأحيِنا على الصدق والاخلاص في نُصرتك ونُصرة رسولك حتى ننال عجائب نصرتك التي تكبُر عن عقولِ العُقلاء وتعظُم عن خيال المُتخَيِّلين في الدنيا وفي الآخرة.
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ * یَوۡمَ لَا یَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِینَ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوۤءُ ٱلدَّارِ)
أنتم تذكرون هؤلاء إذ ذكرنا سيدنا بكر العدني العيدروس، وعبد الله بن حسين بن طاهر أو تذكرون أمثال المتأخرين مثل الوالد أو شيوخنا اللي فقدناهم الآن.. وهذا الذِّكر الجميل، قولوا لأربابِ الدِّعايات والأخبار تقدرون تكسبون مثل هذا الذكر الجميل من عندكم وابذلوا ما عندكم وهاتوا مثل هذا؟ تُفضَحون في الدنيا قبل الآخرة! قبل موتكم وقد الناس اللي كانوا يُثنون عليكم صاروا يسبّونكم، وتظهر مخازيكم للبعيد والقريب والصغير والكبير، ومعكم دِعايات ومعكم إعلانات ومعكم إعلاميات ومعكم ومعكم.. فمِن أين اكتسبوا هؤلاء؟ اللي فوق ينصُرهم، القوي ينصرهم، القادر ينصُرهم، هذا في الحياة الدنيا وشوفوا النُّصرة قدام، والوعد بيننا وبينكم هناك وتعرِف من المنصور (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِين * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)
( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ * یَوۡمَ لَا یَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِینَ مَعۡذِرَتُهُم)
إذاً ما لهم ناصرين ما لِلظّالمين من أنصار، تعرف ما للظالمين من أنصار؟ يعني ما تُصدِّق هذه البهرجة والكلمات الفارغة والتجميعات هذه والشّعبِيات كما يقولوا لها وانتشار السُّمعة وما وما الى ذلك.. ما تحته شيء! هل صاحبِ القُدرة رضي أو ما رضي؟ هل صاحب القدرة أحب أو ما أحب؟ هل صاحب القدرة بينصره ولا بيخذله؟ والباقي ماشي اللي هو! (قَوْلُهُ الحَقُّ ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ)، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) هذهِ أفكار أولي الألباب.
واسمع أين بنوا مسارهم وعلى ماذا؟ ما جلسوا بِمُجرَّد أنفسهم يُفكِّرون ولا جلسوا مع واحد ثاني مِثلهم نظيرُهم يُملئ عليهم شيء من إملاءات النفس ويتدخل فيها إبليس، (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا) منادي من عندك جاء، أنت الذي أرسلتهُ (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ) هدانا للحقيقة (فَآمَنَّا) فنحن تبعه هذا؛ يعني خرجنا من من بلبلةِ الأهواء وتبلبُل الأفكار من عند ذا ومن عند ذاك ومسكنا الحبل المتين، مُنادي من عندك جاءنا ينادينا للإيمان بك فآمنا، فايش الآن الذي يهمكم؟ وايش امالكم؟ وايش رغباتكم؟ (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) يعني هذا ولاؤنا وبراؤنا، نحنُ نُحِب من أحببت ونُحِب أن نكون مع من ارتضيت أنت (وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)، وبعدين يوم الحكم انتبه لنا في يوم المحكمة الكبيرة (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
هذه الأفكار هذه الرّغبات هذه التوجُّهات هذه الدّعوات؛ والنتيجة؟ (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) فازوا والله، والنبي كل ليلة يقرأ هذه الآيات وأمرنا أن نقراها، وقال لسيدنا بلال: "ويلٌ لِمَن قرأها ولم يتفكّر فيها، ويلٌ لِمَن قرأها ولم يتفكّر فيها، ويلٌ لِمَن قرأها ولم يتفكّر فيها"
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) قال: كلُّكُم معشر الصادقين المُستمسكين بهذا الحبل المتين مضمون ربحكم من عند القوي المتين، الله أكبر (لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ) مضمون رِبحُكم، مضمون فَوزُكم بِضمانة القوي القادر حاكِم الدنيا والبرزخ والقيامة، مَن بيدهِ أمر الدنيا والآخرة، مَن خلق السماوات والأرض ولم يخلقها غيره، ومن يتصرّف فيها؟ زلزلتها ما يُزلزِلها غيره هذه الأرض، وفي الوقت الذي يأمر فيه ويُريد أن تتزلزل: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، وهذا الزلزال ما يقدِر عليه أحد، وهم أرباب هذه الأسلحة التي يُخوِّفون الناس بها حتى يجيبون أسماء غريبة يجيبون لكم طائرة القيامة او طائرة يوم القيامة يسمون هكذا، قل اسمع أنا ما بفزع من طائرتك أنا بفزع من يوم القيامة وحاكمها، يوم القيامة نفزع (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) أما طائرتك هذهِ في لحظة لو أراد يُوقفها بيوقفها، اسمع! إذا أراد في لحظة تحترق عليك وأنت فيها تحرقك بتحرقك بأجهزتها وبما فيها! لكن يوم هو يحكم فيه وفريق في الجنة وفريق في السعير هذا الذي نخاف منه.
(إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)
فيجب أن نُدرِك حقائق مِنّةِ الله علينا بِخَلقنا هذا وإيجادنا وجَعلِنا في خير أُمّة وهدايتنا للإسلام، ونشتغل بما ندبنا الحق إليه ورسولُه من أعمال صالحة ومِن استقامة على تقوى، ومن تعاوُن بيننا البَين وتراحُم وبذلك ينصرنا الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، بقول تحليل وبقول استخبارات؟ بقول أكبر أكبر مِن هذا! أحوال من يوجد على ظهر الأرض مِن الكفار: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)، والله ما يكون غير هذا، لن يكون غير هذا، ماشي إلا هو هذا الذي ذكره الله (فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) وما هو في الدنيا فقط! (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ).
فالنصرة في الدنيا والآخرة لِمن نصرَ الله، للأنبياء والمرسلين، للمؤمنين أتباعَهُم.. فحقِّقِ اللهم تبعيّتنا لعبدك محمد وحبيبك محمد ونبيك محمد، واملأ بذلك سّر قلوبنا وقلوب أهلينا وقلوب مَن في ديارنا، يا ربِّ أنقِذنا وشرِّفنا بالصدق معك والوفاء بِعهدك، ولا تُسلِّط علينا ضلالاً ولا خيالاً ولا وبالاً ولا غروراً ولا ظنوناً ولا أوهاماً تقطعنا عن الحقيقة يا رب الخليقة، ارزقنا الاستمساك بالعروة الوثيقة برحمتك، (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
قتلوا هذا الذي ناداهم إلى الإيمان بالرسل، وقالوا ابسطوا بِساط عقولكم وتأمّلوا (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) شوفوا يدعونكم إلى ماذا؟ قِيَم ومُثُل وأخلاق وما ارادوا منكم فلوس ولا أرادوا مِن سُلطة عليكم ولا أرادوا شيء من هذه الأشياء التي ترغبون فيها، (وَهُم مُّهْتَدُونَ) وأنت تتبعهُم، قال: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً) أيُّ نوع كانوا هؤلاء آلهة من دونه (إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا) إذا آثرت غيره علي (لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) راح عقلي علي إذا تركت هذا الرب القوي القادر وصدّقت واحد منكم والتجأت بأحد منكم ما عاد فيَّ عقل، (إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) قاموا يقتلونه، ولمّا قتلوه كان هو المنصور كان هو المُؤيّّد، ومِن عجائب ما أُيِّد ونُصِر وفُتِحت له الجنة ورُفِع لهُ القَدر تمنّى أن قومه يعرفون الحقيقة وينقذون أنفسهم من الغيِّ الذي هم فيه، (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) وهؤلاء الذين غرّهُم ما غرّهُم ماذا حصل لهم؟ وكم تمتعوا بعدهُ؟ وما هي إلا أوقات محدودة وأيام معدودة.
(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) كم بيان مِن ربهم؟ كم بيان من نبيهم؟ كم بكى؟ كم وضح؟ كم هدى؟ كم صابر؟ كم كابد؟ ولا يزالون يتبعُون غيره ويُصَدِّقون غيره، (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ)، ما أحد يرجع منهم ثاني مرة إلى الدنيا، وأين يروحون؟ قال: (وَإِن كُلٌّ..) أنتم وإياهم مرة بنجمعكم بنجيبكم لِيوم الحكم وتعرفون محمد من! ورسلنا من! وأحبابنا من! وتعرفون إبليس من وجنده هؤلاء من وايش يساوون هُم بما عندهم، بِكل حضاراتهم وبِكل إمكانياتهم مَن هم! في ذاك اليوم، (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) وشوفوا قدامكم الآيات: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) شوفوا آياتي أمامكم يا جماعة، شغلوا العقول، شوية افقهوا، أمامكم آياتي في زراعتكم، في بحاركم، في مآكلكم، في أسماعكم، في أبصاركم، انا فوقها أُسيِّرها لكم وأنتم تشاهدون ذلك ثم تُنكرون وتجحدون وكأن ما هناك شيء! (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّۢ مَّسَّهُۥ) والعياذ بالله كم هذّبنا وكم أدّبنا وكم عرّفنا، فالله يوقِظ قلوبنا.
ربَّ العالمين لا تجعل في المجمع ولا فيمن يسمع قلباً إلا حشوتَهُ بُنور الإيمان واليقين والإخلاص لِسيد الأكوان، وخلّصتهُ مِن هذه القواطع ومن هذه التوافِه ومن هذه الحواجِب عن الخير والهدى، حتى تجمعنا في دار الكرامة، حتى تجمعنا تحت ظلِّ العرش، حتى تجمعنا تحت لِواءِ الحمد، حتى تجمعنا على الحوضِ المورود، يا برُّ يا ودود يا الله.
وكلُّكم ألِحّوا عليه واسألوه واطلبوه، وقولوا يا الله يا الله، نظرة لنا وأهلينا وأولادنا وأصحابنا وأحبابنا وذوي الحقوق علينا.
نظرة تُزيلُ العنا ** عنّا وتُدني المُنى ** مِنّا وكُلّ الهنا ** نعطاهُ في كل حين
بجاهِ طه الرّسول جُد ربنا بالقبول ** وهب لنا كل سول ** ربِّ استجب لي آمين
عطاك ربي جزيل ** وكلُّ فعلك جميل ** وفيك أملنا طويل ** فَجُد على الطامعين
يا رب ضاق الخناق ** من فعل ما لا يُطاق ** فامنن بِفَكِّ الغلاق ** لمن بذنبه رهين
واغفِر لكل الذُّنوب ** واستُر لكل العُيوب ** واكشِف لكُل الكروب ** واكفي أذى المؤذبين
واختِم بأحسن خِتام ** إذا دنى الانصِرام ** وحان حينُ الحِمام ** وزاد رشحُ الجبين
بجاهِ النبيَّ الأمين، بلِّغنا فوق ما نؤمِّل، وأصلِح شؤوننا بما أصلحت به كُلَّ صالحٍ مستقيم على ما تُحِبّه فيما يفعل ويقول ظاهراً وباطناً، يا حيُّ يا قيوم، وأصلِح شؤون الأمة واكشف الغُمَّة وعامل بِمَحض الجود والرّحمة.
وبارِك لنا في مجامِعنا هذه وحَولِيّاتنا هذه ومُناسباتنا هذه بركة تفتح بِها كُلَّ مُغلق من الخير، وتدفع بها ما أحاط بِه علمك من كُلِّ شرٍّ وبؤسٍ وضير، يا ربّ كلّ خير، ويا مُعطي كل خير، ويا مُتفضِّلاً بِكُلِّ خير، اكفنا كل شَرٍّ وضير، وَفِّقنا لِحُسن السَّير، والحمد لله رب العالمين.
17 ربيع الثاني 1444