(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 6 محرم 1438هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: موازين القرآن في النظر إلى الأكوان وأهلها وشأن الخشية والرجاء في القلوب.
الحمد لله مُكرِمنا بالوجهةِ إليه والوقوفِ بين يديه، والتشبُّه بمن أُكرِموا بالتذلُّل له جل جلاله، لِننال نصيبَنا مِن عزَّته، فلا عزيز إلا مَن أعزَّه، ولا منصورَ إلا مَن نصرَه، ولا مُكرَماً إلا مَن أكرمه، لا إله إلا هو، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلُّ مَن واليتَ، ولا يعزُّ من عاديت، تباركتَ ربَّنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، فحقِّقنا بحقائق الاستغفار وتُب علينا يا تواب في السر والإجهار توبة نصوحاً نرقى بها مراقِي الزيادة من استمطارِ رحماتك في آناء الليل وأطراف النهار برحمتك يا أرحم الراحمين.
وقد ذُكِّرتم بالأعمار، وذكرتم باستقبالِ العام الجديد، وذُكِّرتم بهجرة المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، وذُكِّرتم بطلب المزيد من الفضل من الله الحميد المجيد المبدئ المعيد، ويواجهكم في أول العام الهجري الجديد ذكرى للنبي موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، ولها يومٌ سمي يوم عاشوراء، ويتقدمه يومٌ يسمى يوم تاسوعاء، ذكرَه عليه الصلاة والسلام، وعزم على صيامه مع صيام عاشوراء، وقال: إن عشت إلى قابل لأصومن التاسع، وجاء في رواية: لأصومن التاسع والعاشر، كما صح في الحديث أنه لما هاجر وقدم المدينة وجد اليهودَ يحتفلون بيوم عاشوراء ويصومونه، فسألهم عنه فقالوا: إنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى، وأغرق فرعون وقومه، فنحن نصومه شكراً لله تعالى، فقال سيدنا المصطفى: أنا أحق بموسى منكم، وفي لفظ: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر الناس بصيامه. وقال: صيام يوم عاشوراء يكفِّر ذنوبَ العام الذي قبله.
ونحن أحق بموسى منكم، أي أنا وأمتي أحق أن يعرفوا قدرَ الأنبياء من خلال معرفتِهم بمُرسل الأنبياء ومنبِّئهم، وهو الله جل جلاله، أنا وأمتي أحق أن نعرف القدر لأهل القدر، وأهل القدر عند الله والمكانة مِن خلقه أنبياؤه ورسله، قَبل سواهم من أهل الأرض والسماء، فمجَّد الأنبياءَ والمرسلين سبحانه وتعالى، فقالوا يوم القيامة عند البعث من القبور: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).
فيا أهل الإيمان بالله: كل ما يطارد قلوبَكم من إقامة عظمة لأي أجناس من أجناس الكائنات فوق عظمة الأنبياء فهو الكفر، وهو الظلمة، وهو النفاق، وهو السوء، وهو القلبُ للموازين، وهو العكسُ للحقائق، وهو المخالفةُ للخالق، وهو المخالفة لخيرِ الخلائق، فاحذروا أن يملكَ قلوبَكم شيءٌ مِن تعظيم أيِّ كائن من الكائنات قبل تعظيم الأنبياء، لِم؟ لأن العظمةَ في الأصل ليست لشيء من الكائنات، لكن للمكوِّن، وهوالله تعالى في علاه، والمكوِّن يعظِّم مَن يشاء ويمجِّد من يشاء ويرفع من يشاء، فما عظَّم في الكائنات كأنبيائه ورسله، فأعظمُ الكائنات بجميعِ أصنافِها أنبياءُ الله ورسله، اعتقد ذلك، تحقَّق بذلك، أصدق في ذلك، ذُق ذلك، ذق هذا المذاق حتى لا يكونَ في قلبِك شيءٌ في الكائنات أعظمَ وأعزَّ من أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، فهم الأعزُّ عند الله، وهم الأكرم عند الله، وهم أتقى الخلائق (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ثم الملائكة المقربين، ثم الصدِّيقين من غير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم عموم الملائكة، ثم عموم البشر من المؤمنين (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).
فإذا تسرَّب إلى القلب أنَّ أحداً من المشركين صاحب حضارة، أو صاحب صناعة، أو صاحب فكرة، أو صاحب مال، أو صاحب اختراع، أعظم عندك من أدنى مؤمن وما في المؤمن دني فأنت تخالفت مع القرآن ومع ميزان الرحمن (وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وانظر نصبَ هذا الميزان واضحاً جلياً في كلام ربك: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) هؤلاء شر البرية الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هل عرفت؟ عرفت أين يضع ربك خلقه؟ تريد وضعاً آخر غير هذا؟ أعوذ بالله، هذا وعد ربك: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) وهذه ميزاتهم الكبرى لا يدركها مخترع ولا صانع ولا واحد طلع في الفضاء لمدة ستة أشهر أو سنتين ثم رجع إلى الأرض ما يحصل هذا المصير، (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).
اللهم احشُ هذه القلوبَ خشيةً منك، وهل تُحشى خشيةً منه إلا إذا حُشِيت نورُ معرفةٍ به؟ وإنما يخشون على قدرِ معرفتِهم، كما يحبون على قدرِ معرفتِهم، كما يرجون على قدرِ معرفتِهم، وبقدر ما يعرفونه سبحانه وتعالى، يرجونه، ويخافونه،ويخشونه، ويحبونه جل جلاله (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) تعالى في علاه (ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) اللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك ويتقيك.
وفي عجائب تقليبك للقلوب، نعيش على ظهر الأرض.. وقلوب خوفُها من الحوادث، وقلوب خوفُها من الحروب، وقلوب خوفُها من السقطات، وقلوب خوفُها من الفقر، وقلوب خوفُها من المرض، وقلوب خوفُها من الأسلحة الفتَّاكة، وقلوب تخافك أنت، وأنت الذي سيَّرتَ هذه القلوب، ويا مقلب القلوب والأبصار انزَع من قلوبنا خشيةَ سِواك، وأملاها بخشيتك، وانزع عنها رجاء سواك واملأها برجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك واقطع رجاءنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك.. يا الله، ولهذا ذكر الله لنا وصفَ الصادقين في تبليغ رسالات الله بعد النبيين والمرسلين فوصفهم بهذا الوصف: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) هل تعرف معنى ولا يخشون أحداً؟ (وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) .
اطلب الصدقَ مع ربك في تحقيق الخشية منه، فإنَّ غيره لا يستطيع أن يصلك ولا أين يضرك ولا أن ينفعك إلا بأمره هو، وقدرته هو، وإرادته هو، وتقديره وإذنه هو جل جلاله وتعالى في علاه (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) فأي شيء يأخذك غيره؟ أي شيء يقطعك؟ (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا) الله أكبر، تحداهم الله بجميع ما أوتوا أن يخلقوا ذباب (إنَّ الذين تدعُون مِن دون الله لن يخلقوا ذباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) تقدم الإنسان، وتطور، قل له: يخلق ذباباً.. تجده عاجزا، فرداً وجماعات، شعوباً ودولاً، عاجزون، (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أصلهم مخلوقون، مُكوَّنون، هذا الذي تمجِّده وتعظِّمه بداية تكوينه كان نطفة مهينة، هو ذا نفسه، واليوم تصفق له، هو هذا كان نطفة ثم تحول إلى علقة، من الذي حوله؟ لماذا نسيتَ الذي حوَّله وخلقه من النطفة وذهبت تمجد هذا الإنسان، ثم تحول إلى مضغة، ثم تحول هيكل عظمي، ابتنى فوقه اللحم، نُفخ فيه الروح، يُسِّر له السبيل وخرج.. بقدرة من؟ ترتيب من؟ (وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا) كما قال صدق ربي جل جلاله وتعالى في علاه.
فأنزلِ الأشياءَ منزلتَها، العظمة لله جل جلاله، كيف يصل إلى الله قلبٌ صورُ الأكوان مُنطبعةٌ فيه؟ معظِّم إنسان، معظِّم حيوان، معظِّم جماد، معظم هواء، معظم فضاء، معظم أرض، معظم سماء، معظم بحر معظم بر، وكلها ذي احتوت قلبه، متى يعرف الله هذا؟ امتلأ قلبه بالكائنات، والمكون أين محله!؟ فَضِّ قلبك حتى تعرفَ عظمةَ المكون فتصغر الأكوان كلُّها في نظرِك، ولا تساوي ذرة من قدرة الله جل جلاله، ومن عظمة الله تعالى، وما خلقها إلا لتعرفَ عظمته، وإلا لتعرفَ ألوهيته، وإلا لتعرف ربوبيتَه جل جلاله وتعالى في علاه،
فواعجباً كيف يُعصى الإله ** أم كيف يجحده الجاحد؟
ولله في كل تحريكة ** وتسكينة أثر شاهد
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه الواحد
لا إله إلا هو (وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) عيني آية، وأذني آية، ويدي آية، ولساني آية، ورجلي آية، وبطني آية، وجهاز تنفُّسي آية من آياته تقول لي: اتقِّ ربك، عظِّم ربك، مجِّد ربك، وحِّد ربك، خَف من ربك، ما العين إلا منه (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ *وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ *وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ).
وكم يشاهد الناس معاني من قوله تعالى ( أمسكَ رزقه ) منع هذا أن يتغذى والغِذاء أمامه، حالَ بينه وبينه بأي سبب، بعُد عنه، جاءت كارثة أفنت ماله، سلط الله عليه عدوا، وقَّف أرصدته كما يقولون أو عمل له ما عمل وانتهت (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ) بهذه الأفكار وهذه التصورات (أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أتباع الأنبياء أتباع الوحي المنزل من السماء (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) لك الحمد يا ربي على أعينِنا فارزقنا طاعتَك بها، لك الحمد على آذاننا، فارزقنا طاعتك بها، لك الحمد على أفئدتِنا فارزقنا طاعتك بها، وارزقنا فيها خشيتك ومحبتك ورجاءك يا أكرم الأكرمين، (قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ويقولون متى هذا الوعد، الكلام اللي عندكم من الأنبياء والرسل إلى خاتم الرسل سيدنا محمد متى هذا؟ متى القيامة هذه؟ ومتى الوقوف بين يدي الرب هذا؟ ومتى الحساب هذا؟ (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عند الله) في تحديد الساعة والزمن (وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) ولكن لا بد يجي (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) مُعاينة (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الذي كان مغترا والذي كان متكبرا والذي كان متغطرسا والذي كان عنده ما عنده، والذي كان زاهيا بماله والذي كان زاهياً برئاسته .. (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ) هذا الذي كنتم تتكبرون وتتقولون متى هذا الوعد ومتى ومتى (وَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ) (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وقد بنيت أموري على الأساس (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا) فيا رحمن ارزقنا كمال الإيمان، واجعل توكُّلَنا عليك صحيحاً.
ومَن صحَّ منه التوكلُ على الله فحسبهُ الله (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي كافيه (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ارزقنا صحة التوكل، ارزقنا حقيقة التوكل عليك والاعتماد عليك يا رب العالمين (قُلْ هُوَ الرَّحْمَٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) وقال في آيات أخرى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) قال الله: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ) (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ) يعني هذا النَّمط من المسار المُعوَج موجود في الأزمنة كلها، كفرة فجرة ينتقدون الأنبياء، يكذبون بالرسل، يقابلون بمناهج الحق ووحيه أفكارهم واختراعاتهم، قد قالوا هكذا وعملوا هكذا (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ) قل مَن يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن؟ من يحرسكم من الرحمن؟ (إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا).
يقول صاحب أنطاكية لقومه: (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) عجَّل الله بروحه للجنة، قتلوه القوم وخابوا وخسروا، وفاز هو، فلما قتلوه شاهدَ الجنة والنعيم والجزاء قال: ( قيل ادخل الجنة، قال يا ليت قومي يعلمون ) ينقذون أنفسَهم مِن هذا الزيف والغي والظن الباطل، ينقذون أنفسهم من النار إلى هذه الجنة (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) وقومه من بعده كم جلسوا؟ هلكوا، هم اليوم قُتلوه وبعد بكرة راحوا (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) قُتلوا وراحوا، هو قُتل إلى الجنة وهم قُتلوا إلى النار، فمن الفائز بربك؟ قل لي من الفائز منهم؟ هؤلاء المغترِّون الذين كذبوا الرسل، أم هذا الذي قُتل عليه الرضوان!؟ هذا الذي جاء من أقصى المدينة يسعى حامل هَم الدعوة: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى * قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) حبيب النجار عليه رحمة الله تبارك وتعالى ورضوانه، لما درى المسار في المدينة في مواجهة المرسلين الذين أرسلهم سيدُنا عيسى إلى تلك القرية أنطاكية قام يؤدي دوره (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) ماذا عندك؟ هل لك حاجة؟ هل لك مصلحة؟ تجارة أو غيرها؟ يدعو قومه إلى الله ويناصر المرسلين (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) وأنت تتبعهم هؤلاء؟ (وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) قتلوه، (قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) نصحهم وهو حي، ونصحهم وهو ميت، انظر أهل الخير والحق والتقوى كيف يتعاملون مع الناس، ينصحونهم ويريدون لهم الخير أحياء وأمواتا.
وغيرهم من أهل السوء والباطل.. يتآمرون على السوء والشر في الدنيا، وإذا تجمعوا في الآخرة لعن بعضهم بعضاً (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) هذا وصف الباطل، هذا وصف أهل الزيغ والشر، (حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ) ضاعِف العذاب عليهم، زِدهم، هذا وصية بعضهم ببعض، نهاياتهم، قال لكل واحد ضعف، كل واحد يأخذ نصيبه، ولكن لا تعلمون (وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ ) لماذا تزيدون علينا وأنتم مثلنا؟ فقالت أولاهم لأخراهم: (فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ) لماذا تُفضَّلون علينا ؟ نشرب الخمر وتشربون، نسكر وتسكرون، نعصي وتعصون، نسبُّ الأنبياء وتسبون، نترك الواجبات وتتركون، لماذا تريدون العذاب لنا وحدنا دونكم!؟ ما لكم علينا من فضل (فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) انقطعت آمالُهم، انقطع رجاؤهم لأنهم انقطعوا عن صاحب الأمر، انقطعوا عن مَن بيده ملكوتُ كل شيء في الدنيا، وخالفوه وعصوه، انقطعت، قال: (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) إلا أين يسكنون؟ (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) اللهم اجعلنا مِن أهل الجنة، اللهم اجعلنا مِن أهل الحق والهدى، اللهم اجعلنا مِن أهل خوفك ورجائك، ننفع عبادَك أحياءً وأمواتا، ونريد لهم الخير أحياءً وأموات يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
قال سيد أهل الحق الحامل لحقائق الرحمة عن الحق في المنافقين الذين يقول الله فيهم: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) قال لو أعلم أني حين لو زدت عن السبعين غفر لهم لزدت عن السبعين، هذا الذي يحمله قلبُه صلى الله عليه وصحبه وسلم، وهكذا قلوب السالكين مِن بعده.
نحن أحق بموسى منكم، فنحن معشر الأمة أحق بتعظيم الأنبياء، أحق بتعظيم أهل الله مِن غيرنا من الناس، ونحن أولى بجميع الأنبياء لأننا آمنا بهم أجمعين ببعثة النبي الأمين محمد عليه الصلاة والسلام (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
وجاءت الآيات الكريمة وفضل الله تبارك وتعالى مُنسابٌ على الأمة من جميع الجوانب، ونزلت على المصطفى محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم، وقرأها، وقرأها الصحابة من بعده، وحثهم على قراءتها كل ليلة، وقال على الآيتين من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه، ماذا تكفيانه؟ الهموم والغموم والبلايا والآفات والمصائب والأحزان والقيام، كفتاه، فلما نزلت وقرأها صلى الله عليه وصحبه وسلم ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قرأها الحبيب، قال الله قد فعلت، (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قال الله قد فعلت، قرأها صلى الله عليه وسلم: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قال الله قد فعلت، قال: (وَاعْفُ عَنَّا) قال قد فعلت، (وَاغْفِرْ لَنَا) قال قد فعلت، (فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قال قد فعلت، الحمد لله يا ما أعظمَ هذا الرب ويا ما أجزلَ عطاياه، (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا) (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ واعفُ عنا واغفِر لنا وارحَمنا أنتَ مولانا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) آمين يا الله.
كما استجاب لأوائلنا يستجيب لأواخرنا، وما ذا إلا مع ذا، وما ذا إلا من بركة ذا، فلك الحمد يا رب، جعلتنا في خير الأمم فثبِّتنا على أقوم قدم، في حُسن الاتباع لحبيبِك الأكرم، في كل ما خصَّ وكل ما عم، في كل ما نوته القلوب أو تحركت به الأعضاء أو نطق به الفم، يا أكرم الأكرمين.
زيَّنكم الله بزينة الاتباع لحبيبه، وهي الزينة التي يتفاخر بها في مواقف القيامة كلِّها وفي الجنة، حتى في الجنة، بل نصيبك من الجمال والزينة في الجنة نصيبك من زينة سنة محمد في الدنيا، فإذا نظرتَ إلى هذه الحقيقة عرفتَ أن زينةَ الجنة وجمالها وزينةَ أهلها وجمالهم من جمال النبي محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم، لأن كلها قائمة على سنته، نعم والله نصيبك من جمال الجنة وزينة الجنة بقدر نصيبك من زينة متابعته، نصيبك من زينة الاقتداء به، من زينة سنته، إذاً فحقيقة الزينة هو، وسنته، ومنه قامت الجنة وزينتها، ومنها أعطيت وقُسِّمت الجنة لأهل الجنة ولأصحاب الجنة على قدر زينتهم من تبعية حبيب الرحمن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالله يزينَّا بهذا الشرف يا الله، لنا عيونٌ تلطَّخت وتوسَّخت، أبعِد عنها وسخَها وقذرَها وزيِّنها بزينة الاتباع لنبيك الذي كان جلُّ نظره الملاحظة، ونظرُه إلى الأرض أطول مِن نظرِه إلى السماء، والذي قال ما يكون لنبي أن تكون له خائنة الأعين، ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين، بصر شريف، شرَّفتَه وكرَّمتَه وقلتَ عنه: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، تأدبَ بأدبِك فقلت: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) فما امتدَّت عينه إلا إليك ولا نظر من خلقك إلا لمن يذكرك ممن أحببت وقلت له: (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فشرِّف نظرَنا بهذه التبعية بخير البرية، شرِّف هذه العيون يا الله حتى تتهيأ أن تراه، حتى تتهيأ أن تراه، في الحياة في الوفاة في يوم القيامة، وإذا رأت العيون وجه الأمين المأمون استعدت لدخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم، لكن عين ما ترى وجه محمد في القيامة ما تدخل دار الكرامة، يقول صلى الله عليه وسلم "الويل لمن لا يراني يوم القيامة"
يا الله وهبتَ لنا أسماعاً تلطَّخت بكثير من الذنوب والمخالفات مما سمعَت من غيبة ومن نميمة ومن كذب ومن هزوء ومن استهزاء، ومما سمعَت مِن شيء مما حرمتَ من الآلات، فطهِّر أقذارَ أسماعنا ونزِّهها عن كدوراتها، وزيِّنها بتبعيةِ سمعِ حبيبك محمد يا الله، وإذا حضرت مجلس وجاء ربُّ العرش وزين بصرك، زيَّن سمعك، خرجت بفائدة عادت عليك العائدة، بُسطت لك المائدة، يا رب زيِّنا يا رب أكرِمنا، فهي سوق عطائك وساحات هباتك يا جزيل العطية، اربطنا بخير البرية، وبلِّغنا أقاصي الأمنية..
فوا شوقَ الفؤاد لخير عيش ** مع الأحباب في الغُرفِ العلية
عسى الرب الكريم بمحض فضل** يبلِّغنا أقاصي الأمنية
إذا عرفنا أننا أحقُّ بالأنبياء والأولياء فما عشقنا كافراً ولا فاجراً ولا عاصياً ولا غافلاً عن الله، وعشقنا الأنبياء والأولياء والأصفياء، فحينئذ نحب التحية لهم والاقتداء بهم ونواليهم ونودهم في الله، ونتذكر معاني أهل الرتب العُلى حينما يذكرون أصحابهم وأربابهم وأقرانهم، ويقولون:
لجيران لنا في الأبطحية ** بعثتُ مع النُّسَيمات التحية
وأودعتُ النسيمَ حديثَ حبٍّ ** قديم كان من يوم القضية
قال بيني وبينهم محبة من أجله هو، ما أحببتهم إلا له، ولحبي إياه، من متى هذه المحبة برزت في قلبك؟ قال في القلب من يوم القضية، يوم قال الله: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وكانوا في المجمع حاضرين وأنا واددتُهم وخاللتُهم وأحببتهم من تلك الساعة.
وأودعتُ النسيمَ حديثَ حبٍّ ** قديم كان من يوم القضية
دفين في الفؤاد به حياتي ** إذا صال الفناء على السوية
دفين في الفؤاد مخزون وسط القلب، محبة سابقة للحق ولأهل حضرة الحق من الأصفياء والأنبياء والأولياء،
دفين بالفؤاد به حياتي، قال بهذا الحب العظيم حياتي إذا صال الفناء على السوية، إذا خرجت الروح من الجسد وصال الفناء على السوية، بُنيتي الجسدية أنا حي، وإن أخذوا جسدي ودفنوه في التراب أنا حي بهذه المحبة، به حياتي إذا صال الفناء على السوية
تزمزم لي الحداة بذكر ليلى ** وما هي يا فتى بالعامرية
يقصد أعلى مراتب المعرفة بالله.
لا تظن أنها شيء من الخلق ولا بني آدم، وما هي يا فتى بالعامرية، فماذ يحصل لك؟ قال
فأصبو ثم أصبو ثم أصبو ** ولا كالصبوات العُذُريَّة
وليست للغواني والأغاني ** ولا للشهوات الدنيوية
ولا للفانيات بأي معنى ** ولكن للأمور العلوية
دع أولئك في صبواتهم الناقصة الهابطة، أنا عندي صبوة أشد إلى فوق، فأصبو ثم أصبو ثم أصبو، ولا كالصبوات العذرية.
هكذا الخلق فيمن أراد أن يُعليهم ومن أراد أن ينزل بهم ويخفضهم جل جلاله، ارفعنا ولا تخفضنا، ارفعنا إلى أهل تلك المراتب، ولكن للأمور العلوية، ما هذه الأمور العلوية؟
حقائق من رقائق قد تسامت ** بأوجِ الحضارات القدسية
مناظر للنواظر من قلوب** مطهرة زكيات نقية
وأرواح تطير إلى علاها ** بأجنحة الغرام المقعدية
فتسرح في رياض من جنان** وتأوي للقناديل المضيئة
فواشوق الفؤاد لخير عيش ** مع الأحباب في الغرف العلية
عسى الرب الكريم بمحض فضل** يبلغنا أقاصي الأمنية
كثير من الأيدي في القيامة من المكلفين من هذه الأمة لا تصافح يدَ محمدٍ أبداً، ومن الأعين مالا يرى وجهه أبداً، والعياذ بالله، وأولئك الفاسقون وأولئك المبعدون، ثم من الذين يصافحون يده والذين ترى أعينهم وجهه مراتب ودرجات بعضها فوق بعض، وأقاصي أمنية فوق فوق فوق.
وإذا قَبِل الحق تبارك وتعالى فجزءٌ من هذه الأمنية يجتمع الجميع على الحوض المورود ويُسقَون من ذاك الشراب بيد صاحب المقام المحمود، ومَن يأذن له بالسقيا على حوضه المورود، وأقاصي الأمنية فوق ذلك، عسى الرب الكريم، إنما كل واحد يعرف أمنية على قدره وأقصاها على قدره، وعند الله تبارك وتعالى مالا يُكيَّف ولا يوصف، عسى الرب الكريم بمحض فضل يبلغنا أقاصي الأمنية
فيا رب واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضع
فضلاً وإحساناً ومنّاً منك يا ذا **الفضل والجود الأتم الأوسع
فأحسِنوا مقابلةَ الأيام، تمر علينا الآن ليالي من السنة قد مرَّت، كان هنا في أول ليلة أعمارنا أطول، عمر كل واحد منا أطول من الليلة، كان في أول ليلة عمرك أطول من الآن بست ليال، الآن خمس قد راحت، خمس ليال قد راحت أنت في الليلة السادسة، أول ليلة في السنة كان عمرك أطول من الآن بخمس ليال، نقصت الخمس الليالي هذه والباقية بتمشي شوية شوية، فانتبه واغتنم ويجيك يوم تاسوعاء صم، يجيك يوم عاشوراء صم، مهما تيسر لك وسِّع على العيال، مَن وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه طول سنته، يحبون في هذه الأيام الفاضلة يتفقدون السنن النبوية، يتفقدون زيارة العالم، يتفقدون عيادة المريض، يتفقدون سنة تقليم الأظافر لمن طالت أظافره، يتفقدون بقية السنن النبوية الواردة في مثل هذه الأيام خاصة، الله يكرمنا وإياكم فيها، الله يجعلها لنا وسائل ارتقاء ومعارج دنو مِن حضرته وزيادة في الإيمان واليقين،
يا رب تبارك في أعمار من شئت، فبارك في أعمارنا، بارك في أعمارنا، عمر كل واحد منا ومنهم بارك في ساعاته، بارك في أنفاسه، بارك في لحظاته، بارك في أيامه، بارك في لياليه، بارك في أسابيعه، بارك في شهوره، بارك في سنواته، بارك في خاتمته، يا الله، اجعل البركة الأوسع في خاتمةِ عمر كل واحد منا يا الله ، نلقاك وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.
يا تواب تب علينا، يا تواب تب علينا، وارحمنا وانظر إلينا، وارحمنا وانظر إلينا.
06 مُحرَّم 1438