(209)
(536)
(568)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ التي ألقاها عبر اتصال مرئي ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الجمعة 26 صفر 1446هـ بعنوان:
مهمة الأنبياء إخراج المكلفين من الوهم والضلال إلى اليقين والهدى وأحوال أمة سيدهم في استقبال ذكرى ميلاده
لتحميل المحاضرة مكتوبة (نسخة إلكترونية pdf):
الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل إلينا عبده المختار المصطفى سيد أهل الصدق والوفاء، ووجَّه إلينا مولانا الملك الأعلى نداءه على لسان هذا الحبيب، ودعوته على يد هذا المُقَرَّب المُنيب، خاتم النبيين وسيد المرسلين.. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وأهل بيته الطاهرين، وعلى أتباعه من أهل اليقين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل التمكين، وعلى آلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المُقرّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وألقوا بأسماعكم وقلوبكم في ساعاتٍ يتجلَّى فيها إلهكم، ومولاكم وخالقكم، الذي جعلكم في هذه الأمة، وأَذِن بجمعكم؛ على الاقتداء والاهتداء بهدي نبي الأمة، نبي الرحمة، معدن العصمة، خير النبيين، سيد المرسلين.. صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أحضِروا قلوبكم؛ عسى أن تَهِبّ نسمة تُقربكم إلى هذا الإله، وتدخلون فيمن نَظَرَهُم، وتدخلون فيمن قَبِلهم، وتدخلون فيمن أدناهم، وتدخلون فيمن تولَّاهم، وتدخلون فيمن رضي عنهم -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-؛ فإنَّ له من اللطائف والنسمات في الآن أو الساعات ما يقرب به كم من بعيد، وما يُحوّل به كم من شقيٍّ إلى سعيد، وما يُهَوّن به الشديد، وما يَرفَع به المراتب لأهل التوحيد، وأهل التفريد، وأهل التمجيد؛ ذاكم فضل الحميد المجيد، الذي أبقى فينا سلسلة هذه الوجهة إليه، من معدِنها الذي بعثه إلينا بالرحمة وأبقَاها في الأمة؛ مَعدِن من مَعادِن الإفضال الإلهي، والتكرم الرباني من ذي العرش العظيم -جل جلاله وتعالى في علاه- ؛ ليَفْقَه مَن يَفْقَه، ويتَنَبَّه مَن يَتَنَبَّه، ويتوجَّه مَن يتوَجَّه، ويُقبِل مَن يُقبِل فيُقبَل، ومن قُبِل عند الله -تعالى في علاه- كُتِبَت له حقائق السعادة في دنياه وبرزخه وأخراه؛ لأن ربَّ الكل ورَبَّ الأكوان واحد -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- يُسعِد المقبلين عليه، والمتذللين لعظمته، الذين خرجوا من قفص الأوهام والخيالات.
قفص الأوهام والخيالات: تصديق تسويلات النفس وتلبيسات إبليس، هذا قفص الأوهام والخيالات، أن تُصدِّق وسوسة النفس، وأن تُصدِّق تَلْبيس إبليس -أعاذنا الله منه ودفع شره عنَّا-، فإنَّا نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لنا ولأهلينا ولقلوب من في ديارنا، ولقلوب طُلاّبنا وأصحابنا.. نعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[فصلت:36]، -جل جلاله وتعالى في علاه- (وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰ وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ)[الأعراف:٢٠٥].
ودائرة الغفلة تشمل أكثر هؤلاء المُكَلفين على ظهر الأرض (فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ)[ص:27]، فويل لهم من عذاب يوم شديد، بل هم الذين يخسرون حقائق الأمن والطمأنينة والسعادة في الدنيا قبل الآخرة، فلا يجدونها قط على حقيقتها، ويعيشون عيشة ضنكاً، ويُحشَرون عُميَاً يوم القيامة.. وهذا جزاء كل من أعرض عن ذكر الله -سبحانه وتعالى-
جمعكم تعالى على ذكره، وجمعكم سبحانه وتعالى بذكره.. فالحمد لله، الله يجمع قلوبكم عليه -جل جلاله- الله يجمع قلوبكم عليه -جل جلاله-؛ فإن مقلب القلوب إذا جمع قلبا عليه أوصله إليه، وأكرمه بحسن التذلل بين يديه؛ فأفاض فيوضاته عليه، وكان الرحمن عنده، وهو القائل: «أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي» -جل جلاله وتعالى في علاه-
فخذوا البضائع الغالية في هذه المجامع العالية، المذكورة في العالم الأعلى، الموروثة عن سيد أهل الأرض والسماء، سيد أهل الدنيا والآخرة، إمام أهل الوجوه الناضرة.. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه، واشكروا الذي جعلكم في هذه الأمة، وهداكم لهذا الإيمان والإسلام.
كم من قلوب مرتبكة! كم من قلوب متشككة، كم من قلوب كافرة، كم من قلوب مُلحِدَة! كم من قلوب انقلبت عليها الموازين، ولا فهمت كلام الله كما أَنْزَل، ولا كما أحب، ولا كما أراد، ولا فهمت كلام رسول الله ﷺ! من منتمين لهذا الإسلام وهذا الدين -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
وكما أنَّ أكثر شهداء هذه الأمة أصحاب الفُرُش الذين ماتوا على فرشهم -من غير الشهداء المُخلِصين الصادقين- الذين قُتلوا في معارك الكفار، وقُتلوا في معارك من يصد عن سبيل الله -تبارك وتعالى- يقول ﷺ «أكثرُ شهداءِ أمَّتي أصحابُ الفُرُشِ»، و: «ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذنْ لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟» قال المبطون شهيد، والميت بهدم شهيد، والغريق شهيد.. وذكر أنواع الشهداء ﷺ، أي من يُعَدُّ عند الله شهيداً يوم القيامة.
كما كان ذلك، فإنه كذلك في هذه الأمة، كثير من هؤلاء المنتمين إلى الإسلام.. على غير صحة مع الله ومع رسوله ﷺ، وفي قلوبهم من أنواع النفاق -والعياذ بالله تبارك وتعالى- ما يُبعدهم عن الخلَّاق!
لا إله إلا هو! أكرمكم وربطكم بهذا السَّواد الأعظم من الأمة، وآل البيت الأطهار، والصحابة الأخيار، وأخيار كل عصر وكل قرن، مضوا أخيار كل قرن وكل زمان، في فهمهم لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وفي تطبيقهم لهما والعمل بهم.. على هذا المسلك الذي عليه هذا السواد الأعظم من هذه الأمة، وفيهم خيار آل بيت المصطفى، وفيهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.. وهم أولهم، وفيهم في كل زمان أصفيائه وأوليائه وخاصة علمائه، وكلهم مضوا على النهج السوي، بعيدين عن وسوسة وتلبيس الغوي، صادقين مع الإله القوي -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فالحمد لله على بقاء هذه الخيرات؛ برعاية رب الأرض والسماوات، وعد حبيبه الذي ختم به الرسالات أنه لا يزال يُبقِي في أمته طائفة ظاهرين على الحق، ومنهم الذين يصدقون مع الله من الذين يتواجدون حوالي بيت المقدس، فلا تخلو تلك البقاع من مُخلِصٍ صادق مع الله على ممر القرون «لا يضرهم من ناوأهم، ولا يذلهم من خالفهم، ولا يضرهم من خذلهم».
وإذا رأيتم إلى المظلومين منهم اليوم والمنكوبين تروا العدد الكبير مِمن ناوأهم، والعدد الكبير ممن خذلهم، والعدد الكبير ممن خالفهم.. موجودين على ظهر الأرض! ولكن هؤلاء كلهم بأصنافهم قال صاحب الرسالة: «لا يضرهم» كما لا يضرون الصادقين المخلصين في شرق الأرض وغربها، وإن دبروا ما دبروا ومكروا ما مكروا (وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ)[الأنفال:30].
جاءوا لرأسنا الأول ﷺ، وكان مما دار في دُوَلِ الكفر في شأنه (وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ)[الأنفال:٣٠] -جَلَّ جلاله-.
ولا تمكَّنوا من حَبْسِهِ ولا من قتله، ولا أن يخرجوه بأنفسهم من بلده.. ولكن أمره الله تعالى بالهجرة، فهاجر ممتثلاً لأمر الله تعالى إلى طيبة، التي به طابت وزَكَت ونَمَت، وكانت بلد وَخِمَة مَن جاءها يتعرض للمرض، فصارت محل شفاء ومحل دواء، وصار كما يقولوا: غبار المدينة شفاء من الجذام، ويأخذوا بريقه الشريف من التربة فيها ويقول: بسم الله بتربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ﷺ.
وطابت به طيبة الطيبة..
أحب طيبة ومن هم وسط طيبة يحلِّون ** وأعشق القاع لي سادتي فيها يسيرون
وكان مما ترك وخلَّف فينا؛ هذا الحبل الذي اتصل به في هذه الوجهات، والذي قامت على أساسه مجالس نويرات معمورات.. على مدى القرون؛ بأهل إرث الأمين المأمون، حتى أُكرِمنا وإياكم في زماننا في هذه المجالس، وما فيها من النفائس، وما فيها من المآنس، وما فيها من جود الرحمن -جل جلاله-
فعلى كل ذي قلب منير، وعلى كل صادق، وكل عاقل لأسرار الوحي، وعنده نصيب من الوعي؛ أن يغتنم هذه المجامع وما فيها، وأن يغتنم معانيها، ومعانيها تهيئكم.
إذا تودعون شهر صفر شهر ظفر الخير، وفي مثله كان زواج المصطفى ﷺ بسيدتنا خديجة، وكان زواج سيدنا علي بن أبي طالب بسيدتنا فاطمة الزهراء -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-
تستقبلون شهرًا في مثله أراد مُكَوِّن الأكوان وخالق الملائكة والإنس والجن؛ أن يُبرز إلى هذه الدنيا وعلى ظهر هذه الأرض جسد أكرم كريم عليه، وأحب حبيب إليه، وأقرب قريب إليه، سيّد المرسلين محمد ﷺ..
يوم نالت بوضعه ابنة وهبٍ
من فخار ما لم تنله النساءُ
وأتت قومها بأفضل مِمَّا حملت قبل مريم العذراءُ
ليلة المولد الذي كان للدين سرور بيومه وازدهاءُ
وما تحمله قلوب الصادقين في هذه الأمة.. من ولاء لله ولرسوله، ومحبة الله ومحبة لرسوله؛ تحملهم على الاحتفال والاحتفاء، وإقامة هذه الذكرى، وتذكُّر السُّنَن والواجبات والمندوبات والمحرمات؛ لتُجتنَب المحرمات والمكروهات والشبهات، ولتُعَظَّم الواجبات والمفروضات ويُعمَل بها، وليُحرَص -على حسب الاستطاعة- على السنن والمندوبات والمستحبات، وليكون دخول الأمة فيما أباح الله لهم دخول عبادة -فيما تعتقد- أن الحلال ما أحله الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، ويظفَر مَن له سابقة في الخير منهم، ومن له وعيٌ أن يجعل دخوله في المباحات مصبوغا بصالح النيات، وبشريف الإرادات، وبسم الله -تبارك وتعالى- وبذكره -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-؛ حتى يدخل في دائرة محبة: "إن الله يحب من أحدكم أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها"، وإذا لبسنا حمدناه، وإذا قضى الواحد مِنَّا حاجة الإنسان خرج حمده -جل جلاله-، وإذا شرب حمده، وإذا أكل حمده، وهو أهل الحمد ومستحقه.
وهذه المعاني والدروس تكون ثابتة في عقول وقلوب المؤمنين بالله -جل جلاله- على ظهر هذه الأرض في حقائق هذا الدين؛ حمدٌ لرب العالمين، وشكرٌ للمُنعِم القوي المتين، الذي أنعم علينا بما لا يُستطاع عدّه ولا إحصاؤه (وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤ)[إبراهيم:34]، (وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةࣰ وَبَاطِنَةࣰ)[لقمان:20].
وعلَّمنا سيد الشاكرين إذا أمسينا في أي ليلة أو إذا أصبحنا، فإذا أصبحنا وإذا أمسينا قلنا في مسائنا: «اللهم ما أمسى بنا من نعمةٍ، أو بأحد من خلقك..» في الأرض والسماء، في الدنيا وفي البرزخ «..فمنك» فمنك.. النعم منه، ولي النعم هو، والمُنعِم هو.
ووهم وخيالات أنَّ النِّعَم بيد أحد من الخلق.. باطل وضلال، هو المُنعِم في الظاهر والباطن، على كل مُنْعَمٍ عليه على وجه الإطلاق (وَإِذَاۤ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِ)[الإسراء:٨٣]، ذلك الكافر وذلك الشرير غير الذاكر وغير الشاكر، ولكن إذا أنعم على الذاكر الشاكر زاد ذكرًا وشكرًا؛ فزاد من الله عطاءً وبِرَّاً (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ)[إبراهيم:٧].
إنَّ من مهمات الأنبياء ومهمات خاتمهم: أن يخرجون من ظلمات الوهم والخيال والضلال بأنواعه، وما يعيش أرباب الكفر والفسوق إلا في الوهم، وإلا في الضلال، وإلا في الخيال، وجميع أعمالهم مضروب لها المثل في كتاب الله: (كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ یَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَاۤءً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَهُۥ لَمۡ یَجِدۡهُ شَیۡـࣰٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ)[النور:٣٩]، وهمٌ وخيال (وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا)[الفرقان:٢٣]، (أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّیحُ فِی یَوۡمٍ عَاصِفࣲۖ لَّا یَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَیۡءࣲۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلۡبَعِیدُ)[إبراهيم:١٨].
ويعيشون في الوهم والخيال، ويضر بعضهم بعضًا.. بإضلال بعضهم بعضًا، قال سبحانه: (وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَنَا قَالَ یَـٰلَیۡتَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَیۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِینُ * وَلَن یَنفَعَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ * أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِی ٱلۡعُمۡیَ وَمَن كَانَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ * فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوۡ نُرِیَنَّكَ ٱلَّذِی وَعَدۡنَـٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَیۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ * فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ..) هذا الخروج عن الوهم، هذا البعد من الباطل والخيال (..فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ)[الزخرف:36-43]، إنك على الحق المبين يقول له الحق -جل جلاله وتعالی في علاه-
فهذه مهمة الأنبياء: إخراجنا من الوهم، ومن جملة ذلكم: هذه المحبة.. كم فيها من أوهام! محبة الدنايا وهم، محبة النفس في الوهم والخيال، وعدم الصحة في المحبة: أن يُمَنِّيها ويعطيها أمانيها أو شهواتها، ويظن بذلك أنه يحب نفسه!
كيف يُحِب نفسه من يُدَسِّيها؟ كيف يُحِب نفسه من يُهلكها؟ كيف يُحِب نفسه من يُعَرِّضها للنار؟ كيف يُحِب نفسه من يعرضها لغضب الجبار! يُحِبّ نفسه هذا؟! والله ما عنده إلا وهم ويظن أنه يحب نفسه!
عُلِّمنا أن نُحِبّ أنفسنا محبة صدق؛ محبة أنفسنا بأنفسنا، بمحبة الصدق: أن نُزَكّيها، أن نُطَهِّرها، أن نَقِيها عذاب السعير، أن نُهيئها للجنة.. من فعل ذلك فقد أحبَّ نفسه! لكن محبة الحقيقة!
أما محبة الوهم هذه التي يلعبون بها على الناس! أسلحة إبليس للشهوات.. يلعب بها على عباد الله تعالى، وقد اختبرنا الله بها؛ ليرى مِنَّا الصادق والكاذب، وليرى مِنّا المؤمن والمنافق، وليرى الذي يوقن بيوم الحساب والذي يتشَكَّك! فسلَّط هذه الشهوات، وأقام لنا ميزان: أن نَصرِفها عمّا حرَّم، وأن لا نسمح لها إلا فيما أباحه وأحلّ -جل جلاله وتعالی فعلاه-
ومن أحبَّ نفسه علَّقها بمحبة الله التي هي أعظم ما ينفعه، وأقوى ما يرفعه، محبة الذي بيده الأمر كله، المحبة التي تتطابق مع العقل والقلب والفطرة والحقيقة.. محبة الله، محبة الذي خلق، انصرافك إلى هذه المحبة وإقامتك لها.. هو المتطابق تمامًا مع العقل السليم والقلب السليم ومع الفطرة السليمة، وهو المتطابق مع إدراك أنه الذي أوجدك من العدم، وأنعم عليك بكل ما وصل إليك من النِّعَم، وما خَفِيَ عن إدراكك من نعمه أكثر وأكبر مما أدركت، وما لم تعلَم من مِنَنِه أجلّ وأكبر مما عَلِمت.
هذا الإله.. الكمال كله له، والجلال كله له، والجمال كله له، والإنعام كله منه، فمن أحق بأن يُحَب؟
ما لنا!؟ ما لنا؟! يَخلُق ويُرزِق ويُنعِم.. ونصرف المحبة إلى سواه! ما لنا؟! أين عقولنا؟! أين فِطَرنا؟! أين قلوبنا؟!
رَبُّ الجمال كله، رَبُّ الكمال كله، المُنعِم بكل ما أُنعِم به علينا.. منه جاء -جلَّ جلاله- ثم نصرف قلوبنا إلى محبة غيره!! من نحن إذن؟! أين عقولنا إذن؟! أين قلوبنا إذن؟! أين فطرنا إذن؟!
ربنا أحق أن نُحِب من كل ما سواه، وإذا أحببناه فقد صدقنا في محبة هذه النفوس التي علّمناها حُبَّ الله؛ لأنه الذي يرفعها، ولأنه الذي ينفعها، ولأنه الذي بالخير يجمعها، ولأنه الذي صنعها بقدرته؛ فإذا أحبته اصطفاها بمنَّتِه، وهيّأَها لمرافقة أحبته!
وإذا أحببناه -جل جلاله- فأوّل من نُحِب من الكائنات.. الأول والآخر، والظاهر والباطن، في الأرض وفي السماء، في الدنيا والآخرة: عبدٌ مُقرّبٌ محبوبٌ، اسمه مُحمّدٌ بن عبد الله، هو صاحب ذكرى الميلاد في الشهر المُقبل علينا، شهر ربيع الأول..
يقول أهل القلوب التي عرفت الله وصدقت مع الله وما صار لها ميزان يحرفها ولا يصرفها عن حقيقة المحبة:
وافرح بذا الشهر لي قالوا لي الشهر هَلْ
ربيع الأول ونعم شهر ما له مثل
به قد ولد خير عبد اتّصل
وساعة الوضع سمعوا في السماء له زجل
_________
قد كان مولده والمبعث بأرض البِطَاح ** وساعة الوضع صار الليل مثل الصباح
والكون لبّاه بالتّشميت له حين صاح ** فإن طربنا فما في ذا الطرب من جناح
هذا طرب الإيمان، هذا طرب الصدق مع الرحمن، هذا طرب مقتضى العقل والقلب والفطرة، هذا طرب من أدرك الحقيقة!
كان سيدنا عيسى بن مريم -عليه السلام- يقول في مولده: (وَجَعَلَنِی مُبَارَكًا أَیۡنَ مَا كُنتُ)[مريم:٣١]، (قَالُوا۟ كَیۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِی ٱلۡمَهۡدِ صَبِیࣰّا)[مريم:٢٩]، وخطب الخطبة البليغة الكبيرة في مهده سيدنا عيسى (قَالَ إِنِّی عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِیَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِی نَبِیࣰّا * وَجَعَلَنِی مُبَارَكًا أَیۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَـٰنِی بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَیࣰّا * وَبَرَّۢا بِوَ ٰلِدَتِی وَلَمۡ یَجۡعَلۡنِی جَبَّارࣰا شَقِیࣰّا * وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَیَّ یَوۡمَ وُلِدتُّ وَیَوۡمَ أَمُوتُ وَیَوۡمَ أُبۡعَثُ حَیࣰّا)[مريم29-33].
وقد كانت ولادته قبل الألف والألفين، قبل الألفين والأربع وعشرين سنة -عليه سلام الله وصلاته- ثم ينزل ويموت على ظهر هذه الأرض (وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَیَّ یَوۡمَ وُلِدتُّ) والسلام عليه يوم يموت، والبعث يوم القيامة -ونُبْعَث إن شاء الله في تلك الزُّمَر- (وَسَلَـٰمٌ عَلَیۡهِ یَوۡمَ وُلِدَ وَیَوۡمَ یَمُوتُ وَیَوۡمَ یُبۡعَثُ حَیࣰّا)[مريم:١٥].
فسلامٌ على سيِّدهم يوم وُلِد، وسلام عليه يوم مات، وسلامٌ عليه يوم يُبْعَثُ حيَّا ﷺ.
وإذا كانت هذه الأحوال العظيمة في ولادة سيدنا عيسى بن مريم -عليه السلام- فكيف بالذي عيسى يحكم بحُكمِه؟ ويقضي بشرعه، ويستنّ بسنته، ويعيش في الأرض أيام تكليفه على ظهر الأرض بعد نزوله من السماء.. متبعًا له، مُقتديا به، مُهتديا بهديه ﷺ، ثم يُحشَر يوم القيامة تحت لوائه!
ما حال هذا في ولادته؟ ما حال هذا في بروزه إلى هذا العالم؟ وهل هو مبارك أينما كان وإلا غير مبارك؟!
والمباركون كلهم من بركته وهبهم الله البركة -جل جلاله وحده لا شريك له- فالحمد لله.
قال له لسيدنا العباس:
وأنت لما وُلِدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأُفقُ
بالله عليكم سمع هذا الكلام ﷺ فماذا قال؟ قال للعباس: "لا يفضض الله فاك" يعني معاني صحيحة، موازين رجيحة! "أنت لما وُلِدتَ أشرقت الأرض"؛ الاعتقاد أن مولوده بهذه المثابة صحيح رجيح بتقريره ﷺ!
وأنت لما وُلِدت أشرقَتِ الأرض ** وضاءت بنورك الأُفقُ
يقول له العباس وهذا في السنة التاسعة من الهجرة بعد رجوعه من آخر غزوة غزاها، وهي غزوة تبوك، يقول له: "فنحن في ذلك الضياء وذلك النور.." الذي نحن فيه هذا من القرآن والجهاد والصلاة والصيام؛ من النور هذاك الذي برز في يوم المولد.
فنحن في ذلك الضياء وذلك النور ** وسبل الرَّشَادِ نختَرِقُ
وأقرَّه ﷺ..
هذه المعاني هي عقائد أهل السنة! هي عقائد الصحابة! هي عقيدة محمد الذي سمع هذا الكلام!
صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله..
هل نطلب معنى للإيمان أو للتوحيد من عند غيره؟! من هذا سيدلّنا على الله؟!
هذا المأمون على الدلالة! هذا المختار للرسالة! هذا الخاتم لها! هذا الأمين على إيصالها! هذا الصادق، هذا خير الخلائق، هذا حبيب الخالق، هذا محمد، هذا أحمد، هذا طه، هذا الطُّهر الطَّاهر، هذا المُزمِّل، هذا المدثِّر، هذا السراج المنير، هذا البشير النذير، هذا صفوة الرَّب، هذا حبيب الإله!
مَن يدلنا على الإيمان والتوحيد غيره؟! ويخالف منهجه أو يخالف شعوره! أو يخالف ما دلَّ عليه ﷺ وما مضى عليه ﷺ!
قال له السائل كما في صحيح مسلم: ما تقول في صوم يوم الإثنين؟ قال: «ذاك يوم وُلِدتُ فيه»، معناه ماذا يعتقد في ولادته هو؟! ما عقيدته في ولادته؟ «ذاك يوم وُلِدت فيه» والرجل يسأله عن تاريخ و إلا عن عبادة وعن صوم؟ يسأله عن عبادة وعن صوم قال له اربطها بولادتي! «ذاك يوم وُلِدتُ فيه» ولنعم الصوم فيه، وجاء في رواية غير مسلم: «وفيه نُبِّئتُ، فيه أُنزِل علي، وفيه أُسرِيَ بي، وفيه هاجرتُ، وفيه أَتَيْتُ طَيْبَة»! يعني تَشَرَّفَ اليوم بي وبأحوالي وبما اختار الله لي في هذا اليوم ﷺ!
فما أسعدنا بإقبال شهر مولده، عسى حياة في قلوب الأمة تُخرجها من الوهوم ومن الظلمات ومن الخيالات الباطلات التي عشعش بها إبليس على عقول كثير من عباد الله -جل جلاله وتعالى في علاه-!
ونحب محبة الصدق، ونقوم بها، فإنَّ الحقَّ الجبار الأعلى قد نبَّهنا وقال لا تبقوا مع التلبيسات والتسويلات والوسوسات.. تظنون أنّ الإيمان بي مُغالطة لأنفسكم في صرف المحبة لغيري ولغير رسولي! وتقديم شيء في المحبة علي وعلى رسولي! قال الله فتنبَّهوا لهذا! ليس هذا الدين الذي أرتضيه منكم! ليس هذا الدين الذي أحبه منكم!
وقال لحبيبه محمد بلّغهم وأخبرهم عن هذه الحقيقة: (قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوَ ٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةࣱ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ..) كل مظاهر الحياة التي عندكم.. شي منها هذه (..أَحَبَّ إِلَیۡكُم..) إن كان شي منها أحب إليكم (..مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادࣲ فِی سَبِیلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟..) هذا التهديد من الجبار لكم! يقول ليس هذا دين، وليس هذا إيمان، وليس هذا حقيقة معاملة؛ أخرجوا محبة الغير، قدِّموا محبتي ومحبة رسولي والجهاد في سبيلي؛ على أهلكم وأموالكم وأولادكم وإخوانكم وعشيرتكم وتجاراتكم وكل ما في الدنيا! قل لهم! أعطهم هذه الحقيقة!
(قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوَ ٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةࣱ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ أَحَبَّ إِلَیۡكُم..) شي من هذا (..أَحَبَّ إِلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادࣲ فِی سَبِیلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ)[التوبة:٢٤]. قال الله هذا فسق! خروج عن الواجب، خروج عن الطاعة!
فيجب أن لا يكون في قلوبنا أحب إلينا من الله ورسوله والجهاد في سبيله.
ونستقبل بذلك هذا الشهر، ونجعل كل ما فيه من صلوات على المصطفى محمد وذُكريات.. في الديار وفي المنازل ومع الأسر في المساجد؛ تنمية لهذه الحقيقة الإيمانية، ولهذه المحبة الرّحمانية، وليزداد إيماننا ويقيننا، ومحبتنا ونهضتنا؛ في الاتباع والاقتداء والاهتداء، وتعود القيادة المحمدية إلى وسط بيوتنا في المحل اللائق بها.
بيوتنا قادها الأعداء! بيوتنا قادها البُعداء! تحكموا في عاداتنا، تحكموا في ألبستنا، تحكموا في أطعمتنا وأشربتنا، تحكموا في أخلاقنا، تحكموا في أفكارنا، ونشروها وسط الديار! أبعِد قيادة الأشرار، وأرجع إلى البيت قيادة المختار! فإن ربَّك يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا)[النساء:٦٥]، (مَّن یُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ)[النساء:٨٠]، (وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟)[الحشر:7].
«لا يؤمنُ أحدُكم حتّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمّا جئتُ بِهِ».
فليكن الشهر المُقبل علينا: شهر إقامة القيادة التي ارتضاها الله، في قلوبنا، وفي عقولنا، وفي ديارنا.. إلى محلِّها، وإخرج كل قيادة تخالفها، وكل قيادة تخرج عن هداها وعمَّا بُعِث به (وَإِن تُطِیعُوهُ تَهۡتَدُوا۟)[النور: 54]، (فَلۡیَحۡذَرِ ٱلَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِیبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ یُصِیبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ)[النور:63].
والله يجعل هذا الشهر وذكرى المولد شهر فرج للمسلمين، شهر غياث لأهل غزة، ولأهل الضفة الغربية، ولأكناف بيت المقدس، وللمسلمين في الشام واليمن والشرق والغرب.
يا كاشف كل كرب انظر إلى أمّة حبيبك مع إقبال شهر ذكرى مولد حبيبك، واجعل لهم في هذا الشهر فرجًا كبيرًا، وخيرًا وفيرا، وغياثًا عاجلًا حثيثًا سريعًا شاملًا، ولُطفًا عليَّا عظيمًا خفيًا ظاهرًا كاملًا، يا حي يا قيوم.. يا حي يا قيوم.
وكل قلب في المجمَع وجميع من يسمع اشحنه بنور الصدق والإخلاص واليقين معك مع أهل الاختصاص، حتى نبيت ليلتنا وأنت ورسولك أحب إلينا ممّا سواكما، ونُصبِح كذلك، ونحيا كذلك، ونموت كذلك على ذلك، ونُحشَر يوم القيامة على ذلك، يا الله..
خير مسؤول وأكرم مأمول أنت، فنسألك يا خير مسؤول وأكرم مأمول، بوجاهة سيدنا الرسول أن تُزكِّي لنا العقول، وأن تُخرجنا من ظلمات الوهم، وأن تُكرمنا بنور الفهم، وأن تجعلنا من أهل العلم النافع، وأهل الوعي الواسع، وأهل الاتّباع للنبي الشافع، واجعل القيادة في قلوبنا وديارنا لنبيك محمد، واجعل قدوتنا به، واستناننا بسننه، أحيي سننه فينا، وفي ديارنا ومناسباتنا، وفي أهلينا وأولادنا وطلابنا وأحبابنا.
اختم لنا شهر ظفر بالخير، وأقبل علينا شهر ربيع الأول بعموم الفضل والإحسان والفرج الشامل بالسر والإعلان، يا كريم يا منّان يا الله.
اسألوا الله، واطلبوا الله، واقصدوا الله، وتذللوا لله، واخضعوا لجلال الله، وتضرعوا إلى الله، ونادوا ربكم المجيب، ونادوا ربكم القريب، وناجوا ربكم المُعطي، وناجوا ربكم الذي يَهب، ونادوا ربكم الذي يُسدي، ونادوا ربكم الذي يعفو، ونادوا ربكم الذي يغفر، وقولوا: يا الله.
(رَبَّنَا ظَلَمۡنَاۤ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ) فاغفر لنا يا الله، وارحمنا يا الله، وأصلحنا يا الله، وخذ بأيدينا يا الله، وثبِّتنا يا الله، وأسعدنا يا الله، وقرِّبنا يا الله، واجعل شهر الظفر شاهدًا لنا لا شاهدًا على أحدٍ مِنَّا، وحجة لنا لا حجة على أحد مِنَّا، وبارك في أعمارنا، وفي كل أيامها، وفي كل لياليها، وفي ساعاتها، وفي أنفاسها ولحظاتها بركة واسعة.
يا الله .. يا الله
نادوه، ناجوه، ادعوه، اسألوه، توجهوا إليه، تذلَّلوا بين يديه، هو يسمعكم، هو ينظركم، هو يستجيب لكم، هو المُطَّلِع على سرائركم، اصدقوا معه وقولوا: يا الله..يا الله.. يا الله.. يا الله، يا غوثاه يا رباه، يا من لا يُخيِّب من رجاه، ولا يَرُدُّ مَن دعاه، ولا يكل مَن توكَّل عليه، ولا يذل مَن استند إليه.. يا الله..يا الله
فرجك العاجل، ولطفك الشامل، بلِّغنا فوق المآمِل، كن لنا بما أنت أهله، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين، بوجاهة الحبيب الأمين سيّد المرسلين وخاتم النبيين.. صلوات ربي وسلامه عليه.
06 ربيع الأول 1446