(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 6 ذي الحجة 1442هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
معاني من حقائق قُرب الإله الخلاق من عباده ثم قُرب أكرم خلقه عليه في وعي الوحي والمسلك والفكر
الحمدُ للهِ على ما يُسمِع، وعلى ما يُبدِي، وعلى ما يُبيِّن، وعلى ما يَفتَح، وعلى ما يُوضِّح وعلى ما يَهدِي، وعلى ما يُرشِد، وعلى ما يُبدِي ويُعيد، وعلى ما يجود وعلى ما يَتكرَّم وعلى ما يَتفضَّل، وعلى ما يَمنَح، وعلى ما يُصلِح، وعلى ما يُقرِّب، وعلى ما ينوِّر، وعلى ما يُطهِّر، وعلى ما يُجرِي مِن الخيرِ الذي لا حَدَّ له ولا غايةَ ولا آخرَ ولا نهاية { ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
والتَّلَقِيَّاتُ المُوجِبَةُ للترقيَّات على حسبِ اتِّساعِ المشاهد والأدبِ مع الواحد -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-. وحقيقةُ توحيدِه بالانطواءِ في سيِّد أهلِ حقيقةِ التوحيد إمامِ الموحِّدين العبدِ المصطفى الأمين "محمد" صلى الله عليه وسلم، مِنَحُ اللهِ التي يمنحُ بها مَن سَبَقَت لهم سوابقُ السعادة.
وهل في شرقِ الأرض أو غربِها مِن أوَّلها إلى آخرِها أجلُّ أو أكملُ أو أفضلُ مِن هذه المواهبِ الربانيةِ التي أصحابها يؤولون إلى مقعدِ الصدق، ويؤولونَ إلى الفردوسِ الأعلى وإلى جناتِ النعيم، ويؤولون إلى ظِلِّ لواءِ الحمد، وإلى الورودِ على الحوضِ المورود؟
فأيُّ شيء يوجد في العالم أجلُّ مِن هذه العطايا التي مصيرُ أصحابِها هذا، ونهاية أهلها هذا! هذا الذي يُكسَبُ على أجلِّ تقدير، وعلى أعظمِ ما يتصوَّر الخيالُ والبالُ والضمير؛ أن تَكسَب وأنت على ظهر الأرض ما يُوجِب السعادةَ الكبرى في مرافقةِ البشيرِ النذير والسراجِ المنير.
يا أهلَ الإيمانِ بالله: لا أقربَ إليكم مِن "الله" مِن جميع براياه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
فعُو ذلك! يريدُ أن يتقرَّبَ إليكم إبليسُ الرجيم وجندُه بإغوائكم إلى معصيةِ هذا الإله والمخالفةِ لأمرِه ويستهدفُ أربابَ الصراطِ المستقيم كما قال في أولِ أمرِه {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} وهو العدوُّ اللدود
ألا: فلا يغرنَّكم ولا يخدعنَّكم! {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}
مَن حِزبُه؟ الدعاةُ إلى التبرُّج، الدعاةُ إلى السفور، الدعاةُ إلى الخمور، الدعاةُ إلى الرذائل، الدعاة إلى موالاةِ الفجار، الدعاةُ إلى احتقارِ السنَّة الشريفة والشريعة المطهرة.. هم حزبُه {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} نحن والذين على ظهر الأرض.. هذا تحليلُ الواقعِ والمصير مِن العليِّ الكبيرِ العليم القدير السميع البصير {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} سماه الكبير كبيرا {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا..} سوءُ أعمال وسوء أفكار رأوها حسنةً وهي سيئة قبيحة ساقطة بذيئة {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ}
يا هادي بيدِك الهداية؛ اجعلنا وأهلَ جَمعِنا ومَن في بيوتنا ممَّن هديت، اللهم اهدِنا فيمَن هدَيت، وأتمِم علينا الهدايةَ في نيَّاتِنا كلِّها ومقاصدِنا كلِّها، وأتمِم علينا الهداية في أقوالِنا كلِّها وما يخرج من بين شفتَي كُلٍّ مِنَّا، وأتمِم علينا الهدايةَ في أفعالِنا كلِّها ومعاملاتِنا كلِّها، واهدِنا في تصوَّراتنا كلِّها، فإنك تهدي الذين آمنوا لِمَا اُختِلَفَ فيه مِن الحق بإذنِك، إنَّكَ تهدي مَن تشاءُ إلى صراطٍ مستقيم.
قال عن الأنبياء: { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِه } اهدِنا فيمَن هدَيت، اهدِنا فيمَن هدَيت.
يُخبِر بعضُ الإخوان عن حوادثَ كثيرةٍ حصلَت في كثيرٍ مِن الأقطار.. منها حجارةٌ مِن السماء تَنزِل ومنها عجائب وغرائب تبدو، مِن أمثال ذلك قالوا يتحدث عنها الضالُّون به الطبيعة وغضبت الطبيعة! طبيعة مَن هذه التي غضبت؟ طبيعتك ولا طبيعة والدتك ولا طبيعة أخوك؟ ولا طبيعة الأرض ولا طبيعة السماء؟ مخلوقات كائنات، أي طبيعة هذه التي تغضب وتِطَلِّع وتِنَزِّل!
قوَّةُ خالق، قوَّةُ قادر، قوةُ واحد أحد، فرد صمد، وسيُريكم الآيات.. أراكُم ما أراكُم وسيريكُم ما يريكُم {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}
ويتقرَّبون أولئكم اليوم في تبعيَّةِ إبليس بأفكارِهم ليقولوا نحن إليكم أقربُ.. قولوا: كذبتم "الله" أقرب، ثم لا يوجد في الخلقِ أقربُ إلى كُلِّ مخلوقٍ رحمةً ومحبةً وحنانًا ونورانيَّةً ومعرفةً بالهداية مِن "محمدِ بن عبدالله"، لا يوجد أقربُ منه إلى قلوبِنا ولا إلى أرواحِنا، لا يوجد أرحمُ به مِنَّا، لا آباؤنا ولا أمهاتنا ولا أحزاب ولا هيئات ولا شعوب ولا دول، ما برأ الله قلبا يُحِبُّ الخلق ويرحمُهم كقلب "محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب"، فهو أقرب..! أقرب إلينا مِن آل الأفكار، أقرب إلينا مِن آل التَّطاول، أقربُ إلينا مِن آل البَهذلة اللي بهذلوا بخلقِ الله بعد ما تبهذلوا بأنفسِهم، أقرب إلينا.. الأقرب إلينا وإلى كُلِّ عاقل وإلى كلِّ ذي فطرة سليمة مِن الخَلْق سيِّدُ الخَلْق، الذي دمعَت عيناه ليشفعَ لنا، ودمعت عيناه يسألُ ربَّ العرشِ فينا..
ولمَّا مَرَّ على كلامِ إبراهيمَ الخليل عليه السلام {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ثم على كلام عيسى {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} استثارَ في باطنِه الكريمِ مِن قِبَلِ الإله العظيم شأنُ شجونُه مع أمَّته.. قال هذا الخليل يقول عن أمَّته كذا، وعيسى يقول عن أمته كذا، فما حال أمتي من بعدي وما حالهم يوم القيامة؟ فأخذ يلهج بالبكاء.. نادى له ربُّ العرش جبريل: اذهب إلى عبدي محمد وقل له ما يُبكيك، وأنا أعلم؟ وجاء سيدُنا جبريل عليه السلام -وربنا أعلم؛ لكن ليعلمَ الملأ الأعلى مكانةَ هذا القلب ومكانةَ بكائه عند الرَّب والخصائص المبذولة على يدَيه لأُمَّتِهِ- قال: يا محمد سمع ربُّك بكاءَك، ويقول ما يُبكيك وأرسلني إليك وهو أعلم بذلك؟ قال: يا جبريل ذَكَرتُ قولَ إبراهيمَ وقولَ عيسى فتذكَّرت أمتي وما يكون حالُهم مِن بعدي! -مَن أقرب إلينا منه هذا؟ مَن أقرب إلينا منه هذا؟!- وما يكون حالهم يوم القيامة؟
رجع جبريل قال: يا رب أنت أعلم بما قال عبدك محمد قال ذكر قولَ إبراهيم وقولَ عيسى وتذكَّر أمَّتَه. ارجع إليه وقُلْ له، إنَّا سنرضيك في أُمَّتِك ولن نسوءَك فيهم.
ذا الذي فتح لنا بابَ العطاء مَن أقربُ إلينا منه!؟ شرقي أو غربي!؟ عربي أو عجمي؟ صغير أو كبير؟ مَن أقربُ إلينا منه! مَن أرحمُ بنا منه!
فالأقرب على الإطلاق إلَهنا الخلَّاق، وأقربُ خلقِه إلى كلِّ مخلوق زينُ الوجود، الرحيم الرحمة التي ما حَمَل قلبٌ مثلَها قط، العالم العلم الذي ما حَمَل قلبٌ ولا عقلٌ مثلَه قط، الرؤوف الذي حمَل مِن الرأفة ما لم يحمِله غيرُه قط، الأوجَه لدى الرَّبِّ بوجاهةٍ لم ينَلها غيرُه قط!
فمَن أقربُ إليه مِنَّا؟!
(لا يؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه مِن والدِه وولدِه والناسِ أجمعين)
يا أيها الوافدون على الله ورسوله: مَن جاء بقلبِه وجسدِه إلى المحاضِر هذه ونظائرها ومَن وَرَد إليها أو نظائرها بروحِه أو بقلبه: الوفادةُ على الله كرامةٌ وشرف، والوفادة على رسولِه بابٌ للمننِ والتُّحَف، لا يقبل اللهُ مَن لم يَفِد إليه من هذا الباب {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
فلنُحَكِّم محمدًا في شؤونِنا وأحوالِنا، لا السياسات ولا قوانين الشرق والغرب! "محمد" مُحَكَّم؛ في اختياراتِنا، في مَيلِ قلوبنا، في رغباتِنا، في ذرارينا، في أسرنا، في مناسبات زواجاتنا، "محمد" مُحَكَّم، لا تُحَكِّموا غيره {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
اللهم ارزقنا ذلك، وزِدنا إيمانًا ويقينا يا مَلِكَ الممالك..
يا الله .. يا الله .. يا الله..
ولقد طرأ من فساد الناس على ظهر الأرض ما طرأ، وقد عُطِّلَت الصلاة في المسجد النبوي ثلاثة أيام كان سعيدُ بن المسيب مِن سادةِ التابعين وحدَه يصلي في المسجد عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وما نَقَص مِن شأن المسجدِ النبوي شيء، ولا نَقَص مِن شأنِ المقام المحمدي شيء، وذهبت الآفات.. وجاء القرامطةُ وأخذوا الحجرَ الأسود وأخرجوه مِن مكةَ كلِّها، وما نقص قدر الكعبة.. وسنوات حتى رجعوه ورجع إلى مكانه. وما ابتلى الله به العباد في زماننا يرفعه الله، ويدفعه الله، ويحول الحالَ إلى أحسنه..
ولا يزال البيتُ محجوجًا بألوفٍ وألوف ألوف إلى وقتِ ما بعدَ سيدِنا عيسى بن مريم عليه السلام، وإلى أن يَقِلَّ المؤمنون وتهبَّ الريحُ فتخطف قلوبَهم وتُهدَّمُ الكعبة وبتهديمِها تُهَدَّم الأرض وتبدو العلاماتُ الكبرى للقيامة، ويجتمع الأولُ والآخرُ وإذا بعلَمِ الكعبة منشور، وعلمَ الحرمين، وعلَم بيت المقدس، وعلَم القلوبِ التي اتَّصلت بهذا، وأعلام النبيِّين وكلُّها تحت علَم المُقَدَّم الحبيب الأكرم..
لا يوجد هناك لا علم لدول ولا لــغيرها، تَلوُون على مَن! أتعظِّمون ما حَقَّر الجبَّار! وما هو حقير عند الجبَّار حقير حقير حقير إلى الأبد، لا عظيمَ إلا مَن عَظَّم العظيم، "محمد" عظيم، خُلْقُه عظيم، دينُه عظيم، شرعُه عظيم، سُنَّتُه عظيمة، هديُه عظيم
نَبِيٌّ عظيمٌ خُلْقُهُ خُلْقُ الذي ** له عَظَّمَ الرحمنُ في سَيِّدِ الكُتْبِ
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله..
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} صلوات ربي وسلامه عليه..
الله يُكرمنا بالدخولِ في دائرته، والحضور في حضرتِه، ويتدارك أمَّته، يا رب أدِم حفظَ الحرمين الشريفين، يا ربِّ خلِّص بيتَ المقدس مِن المعتدين والظالمين والغاصبين، يا رب أصلِح أحوالَ المسلمين، يا رب بارِك في إقبالِنا عليك ووجهتِنا إليك، إليك نتوجَّه وبحبيبِك نتوسَّل ونُلِح عليك أن تتداركَ الأمة يا كاشفَ الغُمَّة بجلاءِ كُلِّ ظُلْمَة ودفعِ كلِّ نقمة، يا محوِّلَ الأحوال حوِّل حالَنا إلى أحسنِ حال، وعافِنا مِن أحوالِ أهلِ الضلال وفِعلِ الجُهَّال، واقبَلنا والحاضرين والسامعين بأعلى القبول، وأسمَى القبول، وأشرفِ القبول، يا بَرُّ يا وَصُول، يا حيُّ يا قيُّوم يا الله.
ادعوه وارجُوه، وتمسَّكوا به، وتوكَّلوا عليه، وثِقُوا به، وتذلَّلوا بين يديه، وفوِّضوا أمورَكم إليه؛ ينصُركم، وينظُركم، ويرفَعكم، ويسمَعكم، ويجَمعْكم في زمرةِ الحبيب وآل التقريب..
يا رب معهم،
في كفلهم ومعهم في الجِنان العليَّة ** عند طه النبيِّ المختار خيرِ البرية
مع مَن قلت عنهم {فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} فلا تُبَدِّل بنا رفيقاً غيرَهم يا الله {وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا}.
إلهنا وسيدنا: الحاضرون والسامعون والقلوب المتوجهة إليك بالصدق مِن الإنسِ والجنِّ مِن أهل الدنيا وأهلِ البرازخ.. نتوجَّه إليك، نُعَوِّل عليك، نستند إليك، نعتمد عليك، نثقُ بك، نمدُّ أيديَنا إليك، نِعْمَ المولى أنت يا خيرَ مولى، ونِعْمَ النصير أنت يا خيرَ نصير، يا عليمُ يا قدير، يا عليُّ يا كبير، يا سميع يا بصير، يا لطيف يا خبير، يا مَن بيدِه جميعُ المقادير، يا وليَّ التقديم والتأخير
يا الله .. يا الله .. يا الله
نظرةً وتوفيقا، نظرة وتوفيقا، نُرافِقُ بها مَن قلت عنهم {وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} يا ربنا يا الله
اجعلها مِن أبركِ الليالي وأسعدِ الليالي علينا وعلى المؤمنين والمؤمنات يا مولى الموالي
يا الله .. يا الله .. يا الله
واجعل هذا العيدَ مِن أبركِ الأعياد، وأمِدَّنا بأوسعِ الإمداد، وأذقنا لذَّة القربِ والحُبِّ والوداد، وارزقنا النصيبَ الوافي مِن المعرفةِ الخاصة، والمحبَّة الخالصة، ورضوانِك الأكبر.
يا سيدَنا: معنا وفي من يسمعُنا أربابُ ذنوب.. لكن مَن لهم غيرك؟ أين نذهب بأنفسِنا أو بهم؟ على بابِ مِن نحطُّهم؟ قرعنا بابَك، سألناك يا غفَّار أن تُخرِجَ مِن قلوبِهم الالتفاتَ إلى الأوزار، وتُحِل عنهم عقدةَ الإصرار فيبيتون الليلةَ مع التائبين التوَّابين المتعرِّضين لمغفرتِك ومحبَّتك يا أرحمَ الراحمين، ونبيتُ الليلة وكلُّنا أنتَ عنهم راض
يا الله .. يا الله .. يا الله
ما لهم غيرك، ما لهم سِواك، حُلَّ عن قلوبِهم عقدةَ الإصرارِ على الذنوب، ولا تجعل في مجلسِنا إلا تائباً تواباً مقبولَ التوبة، ولا فيمن يسمعُنا، ولا فيمن في ديارهم، ولا فيمن في أصلابِهم
يا الله .. يا الله .. يا الله
سبحانه! وفَّق للدعاء لأنه يريدُ أن يُجيب، ما أعظم مَن تدعونه! وما أجلَّ وأغنى وأكرمَ مَن ترجونَه! أنتم بينَ يديه.. والحال لا يخفَى عليه..
ربِّ والطائعين اقبل طاعاتهم، وزِدهم مِن نوالِك ما ترفعُ به درجاتِهم، يا ربِّ وكثِّر فينا أهل الصلاح والهدى والفلاح والصدق والنجاح والبرِّ والأرباح، وانشُرهم في جميعِ النواح، ربِّ وسِرُّ ما انتشر مِن مسجدِه الكريم وأسرار سجودِه وأسرار دعواته حتى قامت بها مجامع في الأُمَّة وضجّوا إليك ونادوك ورجَوك وناجوك فقبِلتَهم -ولم يزل يمتد ذلك مِن سرِّ ما هنالك وما أوصلتَه إلى الرحاب- افتح منه يا ربِّ أبواباً وخيراً مُنسَاب وجداولَ وأَنْهُرَ وأَبْحَاراً تعمُّ المشارق والمغارب؛ حتى نرى إنجازك وعدك المصطفى: لا يبقى بيتٌ على ظهرِ الأرض إلا دخلَه دينُه، حقِّق يا رب، أجب يا رب، أنِلنا يا رب، هَبْ لنا يا رب العرش العظيم..
يا ربنا يا ربنا يا ربنا يا ربنا يا ربنا، يا أرحمَ الراحمين يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين حقِّق لنا ذلك في عوافي وسرور وأُنسٍ وحبور وعطاءٍ موفور، يا عزيزُ يا غفور يا بَرُّ يا شكور
يا الله، وحدَكَ نرجوك، ولا ندعو غيرَك بل ندعوك، ونسألكَ ما أنتَ أهلُه مِن عطائك، وأن تدفعَ عنَّا ما أحاطَ به عِلمُك مِن بلائك، فاقبَلنا يا خيرَ قابل، وأنِلنا فوقَ الآمالِ والمسائل..
يا الله..
سعدتُم بدعائه، فُزتُم برجائه، والله يربطكم بخيرِ أنبيائه، ويُجزِل لكم الحظَّ مِن عطائه.
يا ربّ.. كلُّ واحد مِنَّا حاضرا وسامعا يبيتُ الليلةَ وأنت عنه يا رب العرشِ راض
يا الله رضا يا الله رضا ** والعفو عما قد مضى
يا الله رضا يا الله رضا ** والعفو عما قد مضى
يا الله رضا يا الله رضا ** يا الله بتوبة والقبول
يا الله بتوبة والقبول يا بَرُّ يا وَصُول يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين..
وصَلِّ على حبيبك الأمين وآله وصحبه والتابعين، وآبائه وإخوانه مِن النبيِّين والمرسلين، وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، والملائكةِ المقربين وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين يا أرحمَ الراحمين..
سبحانك اللهم وبحمدك نشهدُ أن لَّا إله إلا أنتَ نستغفرُك ونتوبُ إليك..
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
07 ذو الحِجّة 1442