(535)
(363)
(339)
(604)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ التي ألقاها عبر اتصال مرئي ضمن سلسلة إرشادات السلوك بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ليلة الجمعة 21 صفر 1447هـ بعنوان:
معاني الاستجابة لله وللرسول والحياة بها ومكانتها وآثارها
الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، أرسل إلينا البشير النذير والسراج المنير بالهدى ودين الحق (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]،[الصف:9]، وجعلنا به خير أمة، فلله الحمد، لله المنة، لله الفضل، لله الإحسان، لا إله إلا هو، بيده ملكوت كل شيء، وإليه مرجع كل شيء، وهو الحيُّ القيوم الذي لا تأخذه سِنَة ولا نوم.
نحمده على ما آتانا وجعلنا في خير أمة، وعلى هذه الدواعي القلبية التي أرسلها؛ لتستجيب لداعيه وداعي رسوله ﷺ؛ في شريف خطاب من رَبِّ الأرباب خاطبنا به، وخاطب كل مَن أُكرِم بنور الإيمان في قلبه، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24].
(إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)؛ تلكم الحياة الشريفة الكريمة، التي مَن لم يُحَصِّلها وهو في أيام التكليف في أيام الدنيا، تعرَّض لعذاب القبر وشِدَّتِه، ولهول يوم القيامة، وللهُونِ في ذاك اليوم ودخول النار -والعياذ بالله- (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ) [الأعلى:13].
ومَن ضيَّع هذا كله: بمقابل أي شيء يعطونك من لذة؟ أي شيء يغرونك به مما يخالف شرع الله -تبارك وتعالى-؟ أو يستجلبونك إليه أو به إلى الانقطاع عن ربك -جلَّ جلاله-؟
والله ما عندهم شيء، ما عندهم إلا ذلك الإغواء والغرور بالزور (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ)[إبراهيم:18]، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[النور:39].
يا الله.. يا الله: لا تجعل في قلوبنا تَصَامُم عن هذه الدعوة، ولا إعراضًا عن هذه الدعوة، ولا انقطاعًا عن حسن الاستجابة، وارزقنا قوة الاستجابة وحسن الاستجابة؛ امتثالًا لأمرك وقد قلت لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال:24].
اللهم أجرنا من كل ذلك، واجعل سِرَّ الاستجابة بالصدق والتمام في كل قلبٍ من قلوبنا لك ولرسولك، نَبِيت ونُصبِح مستجيبين لله وللرسول، ونحيَا ونموت مستجيبين لله وللرسول، لا نُقَدِّم عليه دعوة نفس ولا دعوة هوى ولا دعوة شياطين الإنس والجن، ولا أي داعٍ يدعونا إلى الانقطاع عن هذا الركب، والدخول في ذاكم الحزب؛ حزب الحق تعالى وحزب رسوله محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله.
(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24]؛ في كل ما دعانا إليه حياة: في الصلاة، في الوضوء حياة، في الذكر حياة، في التلاوة حياة، في الصوم حياة، في الزكاة حياة لقلبك، في بر الوالدين حياة، في غض البصر حياة، وأيُّ حياة؟ حياة سريعة آثارها في ظهورها عليك، "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس المرجوم.."، قال الله: "..من تركها من مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه"، سريع أثرها لمَّا تغض بصرك عمَّا حرم الله، وتُدرِك الحلاوة وأنت في الدنيا، حلاوة خير من حلاوة كل شهوات الدنيا وأنت في الدنيا، وما وراءها أجمل وألذُّ وأكبر (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ) [آل عمران:198]، فالله يرزقنا الاستجابة له ولرسوله ﷺ.
(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..) ومن أين تجيئون بهذه الاستجابة؟ ما عندكم إلا التوجه بالكلية وبالصدق، والتوفيق منه والفضل منه، والهداية منه (..وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال:24]، ما تستطيع تتوجه إلا إذا وجَّهك، وإذا أَذِنَ لك -جلَّ جلاله- (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148].
إنما عندك التَّسَبُّب بـ: الإقبال بالكلية، وببعث العزيمة والنية، وبالصدق معه. إذا أتيت بما عندك فما عنده لا يبخل به -سبحانه وتعالى-، يقول -جلَّ جلاله-: "مَن تقرَّب إليَّ شِبْرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، ومن تقرب إليّ ذراعًا تقربتُ إليه باعًا". ونِعمَ الإله الكريم الذي يخاطبنا هذه المخاطبات على لسان خير البريات وخاتم الرسالات صلى الله وسلم عليه وعلى آله.
نرجو الله أن يُبارك لنا في الاستجابة له ولرسوله، ويُحيي فينا ويُحيينا الحياة الطيبة الكريمة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ..) ذلك فضل الله العظيم الذي يؤتيه من يشاء.
فالله يَحفَظ علينا قلوبنا، ويحفظ علينا بيوتنا، ويحفظ علينا ديننا.
الله يُمكِّنا في الاستجابة له ولرسوله ﷺ، ويرزقنا قوة هذه الحياة المعنوية التي إذا قامت على ظهر الأرض اِنْدَحَرَ إبليس وجنده، اِنْدَحَرَت كل خططه وكل خدائعه وآفاته التي يُضِلُّ بها عباد الله -تبارك وتعالى-، وحاصلها كما يقول لهم في الآخرة: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم) [إبراهيم:22].
واصدقوا مع الله، وتوجهوا إليه، واشكروه، وقد جمعكم وفتح لكم هذه الأبواب في هذا القرن وهذا الزمن من بعد بعثة الحبيب؛ والحياة متجددة، يُحيي الله من يشاء، "في كل قرن من أمتي سابقون"، في كل قرن مِن أمتي مَن يبلغ الدرجات العلا في الحياة الطيبة، ويدخل مع السابقين يوم القيامة، متجاوزًا أصحاب اليمين إلى مراتب الصدِّيقين والسابقين (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة:10-12].
"في كل قرن من أمتي سابقون"، ألحقنا الله بهم، وأحيانا بحياة هذا النور والإيمان واليقين، الحياة الطيبة، ورفعنا في مراتبها الشريفة.
يا رب تدارك الأمة، وأَغِثِ الأمة، واكشف الغمة عنَّا وعن جميع الأمة، عجِّل برفع البلايا والآفات والرزايا، عن أهل غزة والضفة الغربية وأكناف بيت المقدس، وعن أهل الشام كله، وعن أهل اليمن كله، وعن الغرب كله، وعن الشرق كله.
يا كاشف الكروب، يا دافع الخطوب: أحيي القلوب بحياة الإيمان واليقين؛ حتى ترد عنا كيد الكافرين والفاجرين، وتجعلنا في الهداة المهتدين، يا من وفق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وفقنا للخير وأعنا عليه.
وجهتنا إليك ألا تدع فينا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا ذكرًا ولا أنثى؛ إلا أمددته بنور التوفيق للاستجابة، وحسن الاستجابة، وقوة الاستجابة، وتحقيق الاستجابة، وكمال الاستجابة لك وللرسول، يا بَرُّ يا وصول، وزَكِّ لنا بذلك العقول، ونجِّنا من جميع الآفات والعاهات والمصائب، ونقِّنا عن جميع الشرور والشوائب.
يا حيُّ يا قيوم، يا حيُّ يا قيوم، يا من لا تأخذه سِنَة ولا نوم: نوِّر قلوبنا وطهِّرها، وأحينا بالحياة العظيمة، وسِرْ بنا في الطرق القويمة، واجعلنا من أهل الثبات على الصراط المستقيم، واجعلنا عندك من أهل الحظِّ العظيم. يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا دافع الآفات، يا من بيده أمر الظواهر والخفيات: ثبِّتنا أكمل الثبات، واكفنا ما أهمَّنا من أمر الدارين، وما لا نهتمُّ به، وما أنت أعلم به مِنَّا، وكُن همَّنا أنت وحدك، وكُن همَّنا أنت وحدك، وكُن همَّنا أنت وحدك، واكفنا كُلَّ همٍّ سواك، يا حيُّ يا قيوم، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، بوجاهة حبيبك الأمين وعبادك الصالحين أجمعين، يا أكرم الأكرمين..
وجِّهوا همتكم إلى الله بتعجيل الفرج للأمة أجمعين، وقولوا جميعًا:
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين
20 صفَر 1447