(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 18 صفر الخير 1438هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: مظاهر الرحمة الربانية في رسالة خير البرية.
الحمد لله مولانا الرحمن الرحيم، الذي جمعكم برحمتِه على رحمتِه في رحمتِه بواسطة رحمتِه فحفَّتكم الرحماتُ من الجوانب، لك الحمدُ يا ربَّ الأرباب، لك الحمد يا مسبِّبَ الأسباب، لك الحمد يا غفورُ يا تواب، يا مَن بعث إلينا عالي الجناب سيدَ الأحباب، وأنزلتَ عليه الكتاب وهديتَنا به إلى الحق والصواب، فصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على عبدك المجتبى سيدنا محمد الساري إلى قوس قاب، صاحبِ محلِّ أو أدنى وعلى آله وأصحابه، ومَن سار في سبيله فسُقِي من سلسبيله الأهنى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك ، يا أرحم الراحمين..
يا مَن قال عنك نبيُّك المصطفى الأمين: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء" يا مَن ساقتكم عنايةُ الله حتى اجتمعتُم وتذاكرتُم مهمَّتكم الكبيرة التي خلقكم الله تبارك وتعالى من أجلها، في الانقطار بالقطيرة الواصلة إلى الحضيرة، القطيرة قطيرةُ محمد وهو قائدُها، والحضيرة حضيرة القدس الرباني في مقعد الصدق الذي قد أشرقت أنوارُه بالعِندِ يا لك من سنا والمتقون رجاله وحضوره فيا رب ألحقنا بهم يا ربنا (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
ثم بالله عليك.. مَن يُحرم الوصول إلى مقعد الصدق هذا كائناً مَن كان هل يحق أن يُعظَّم؟ هل يحق أن يُحترَم؟ هل يحق أن يُبتهَر بشيء من أحواله؟ هل يحقُّ أن يُسمى إنسان؟ ما أتفهَه، ما أشدَّ مصيرَه إذن، وحقٌّ علينا أن نرحمَ هؤلاء بدل أن يضحك علينا الشيطان ونجعلهم قدوةً بدلَ الأنبياء، نجعلهم قدوة بدل الأولياء، نجعلهم قدوة بدل الأصفياء، نجعلهم قدوة بدل الصالحين، ارحمهم.. واردين على سقر على موارد هلكة أبدية، إذا ماتوا على حالتهم هذه لا رئاسة تُغنِيهم، ولا جنود تغنيهم، ولا تحميهم، وهم في الدنيا ما يقدرون يحموهم فكيف بعد ذلك والعياذ بالله تبارك وتعالى من الكفر ومن النفاق ومن الشقاق ومن سوء الأخلاق، بضاعةُ مَن غضب الله عليهم ولم ينظر إليهم.
قال سبحانه وتعالى بعد أن ذكر الكفار من الأمم السالفة: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) هذا مصيرهم ونهاياتهم، الحق بحقيقة كلام رب الخليقة بلَّغه الحبيبُ صلى الله عليه وسلم العروةُ الوثيقة يقول ربي (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) فلا تُزِغ عن سبيلنا، إذا طلع إنسان أو نزل، إذا تغيَّر حال من الأحوال، إذا نزلت شدة أو حل رخاء (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أما الاغترار بالجمع وبالقوة وبالأسلحة وبالتخطيط (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) ولا أحد منهم فات، هل فات النمرود الذي أبَى أن يُسلم ويخضع لدعوة سيدنا إبراهيم!؟ ما فات، في العذاب في الخوف ومُقبلة عليه القيامة ويوم الحكم، وإلى الخلود في النار والعياذ بالله تبارك وتعالى، مع أنه بلغ مِن غروره أيام يعيش كما يعيش الناس اليوم في الدنيا أن يقول أنا أحيي وأميت ونودي على لسان النبوة: أنت كائن من جملة كائنات تسير حولك بقدرة مكوِّن.. اعتبِر.. (إن الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ومع كونه بهت ما آمن فما فات، وفرعون؟ ما فات، وقوم النبي هود ما فاتوا، كلهم في العذاب من تلك الأيام إلى ليلتنا هذه، والأمر مقبل وسنجتمع وإياهم، ولا فوزَ إلا لأتباع الأنبياء، ولا راية فوق راية سيد الأنبياء، وله في ذاكم اليوم اللواء، اللهم اجعلنا في زمرته أجمعين.
تسمعون الذي يجري هنا وهناك تحت مظلة (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) ولن يعدوَ أحدٌ قدرَه، صغير ولا كبير رئيس ولا مرؤوس، دولة صغرى أو دولة كبرى أو شعوب بأصنافهم بمختلف أجناسهم، لن يعدو أحد قدره إلا حدود حددها جل جلاله، وآجال قدَّرها تعالى في علاه واختبارات يختبر بها عباده (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَات يَوْم مَعْلُوم) والنتيجة: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ) افتخرتم بزراعتكم بحضراتكم (لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) قلتم أنها حرية تشربون المسكرات والمخدرات والمحرمات (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ * نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ) نحن خلقناكم يقول الجبار (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ) وكل شيء يذكِّركم بنا، (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) بل أنت يا رب (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) فمن يُزيحه منكم!؟ من يبعده منكم!؟ (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) لا إله إلا أنت يا قادر، العجز علينا ظاهر وعلى كل مكابر، وإن كابروا.. جموعاً وأفراداً أشهد أنهم عاجزون وأشهد أنك القادر، أشهد أنهم ضعفاء وأشهد أنك القوي، ويا من أشهدتَنا المشهد بفضل منك حمله إلينا حبيبك محمد ثبتنا على الحقيقة حتى لا نُحشر إلا مع خيار الخليقة، فلا نخسر في ذاك اليوم، ولا نُخزى في ذاك اليوم، يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين.
الحُقبة التي تمرون فيها في أزمان هذا الخلق والتطوير الذي يقدره المقدر القدير جل جلاله وتعالى في علاه تسبق وقتاً حدَّث عنه البشيرُ النذير في مراحل مُضِي الخلق من أمته إلى أن تقوم الساعة بنَبإ من الخالق سبحانه وتعالى في خبره الكريم قبل أن يصير الناس - وهم على وشك- إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر لا إيمان فيه، أنتم قُبيل هذه الحقبة، والأحداث تذكِّركم من يمينكم ومن شمالكم، إن كانت ثقة فبالخلاق، إن كان هناك ملتجأ فالقوي القادر، الذي يخسر كلُّ مَن التجأ إلى غيره مِن كل مناكر ومكابر في الوقت الماضي والحاضر إلى اليوم الآخر، خاب مَن التجأ إلى غير هذا الإله كائناً من كان.
وأنتم أمام هذه الأحداث المذكِّرة والمعبِّرة عن عظمةِ الحق وعظمة محمد المخبر بهذه الأطوار عن الله سبحانه وتعالى، ترون هذه التغيُّرات والتسارعات في الأمور، لكن الذين تهفُوا قلوبهم نحو إدراك أنهم عبيد وأن ربَّ الكل وإله الكل واحد أحد اسمه الله، هم المهيؤون للفوز وحدهم والله العظيم، هم المهيؤون للفوز وحدهم، اللهم اجعلنا منهم وأدخِلنا فيهم ثم (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) اجعلنا جميعا منهم وأهلينا كلهم وأولادنا كلهم وحاضري مجمعنا ومن يسمعنا يا سميع يا عليم يا قوي يا متين يا الله يا الله يا الله.
وتتقدم هذه الفتن وتعاقبات بتقدير عالم السر والعلن حتى يصير الناس إلى الفسطاطين: إيمان لا نفاق فيه، وكفر لا إيمان فيه، قبيل ذلك هذه الأحداث الجارية تذكِّركم وكلها تنبئ عن صِدق حبيب الخالق، صِدق محمد الصادق صلوات ربي وسلامه عليه، وهل مِن هذه الحوادث شيء إلا وفيما حُفظ من سنته إشارة إليه ودلالة عليه، والذي فاتنا كثيرٌ، لكن الذي حُفظ والموجود عندنا من السنة، كل هذه الأحداث إلا والإشارة موجودة لها من أين يأتي بهذه الأخبار؟ محمد يأتي بها من الله جل جلاله، (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) هذه لسانُ ألوهية تخاطب خيرَ البرية، فالشرفُ كلُّه هناك، اللهم اربطنا به ربطاً لا ينحلُّ أبداً واجعلنا بالدخول في دائرته مِن أسعد السعداء، هنا وغداً، يا الله يا عالم ما خفي وما بدا، يا مَن قلتَ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) لا إله إلا أنت آمنا بك وبرسولك فاغمُرنا بأنوارِ الصدق معك في بقية أعمارنا نزداد فيها ونترقى مراقيها حتى نلاقيَك على قدمِ الصدق مبشَّرين ببشارة: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) في تبيعةِ الذي جاء بالصدق: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) يا ربي ألحِقنا بهم واحشرنا في زمرةِ سيدِهم يومَ ينفع الصادقين صدقُهم يا الله، يا مَن تعاليتَ في عُلاك عن الشريك والنِّدِّ والنظير فلا يحيط بك صغيرٌ ولا كبير لا ملَك ولا إنسي ولا سواهم من الكائنات، وأنّى لها أن تحيط بوصفٍ مِن أوصافك أو بمعاني اسمٍ واحد مِن أسمائك فضلاً عن ذاتك العلية، يا مَن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، اربطنا بالبشير النذير، بالسراج المنير ربطاً لا ينحلُّ في الدنيا والبرزخ ويومَ المصير يا الله، في تبيعة محمد هنا نجتمع، وتحت لواء الحمد اجمعنا هناك يا رب.
فالأسف على كلِّ نفسٍ تعيش ثم تموت وقد بلَغتها هذه الدعوة ثم لا يكون لها مجالٌ تحت لواء الحمد، وآدم ومن دونه تحت هذا اللواء، كل الصادقين في كل زمان تحت هذا اللواء، قال صلى الله عليه وسلم: ولواء الحمد بيدي، آدم فمَن دونه تحت لوائي يوم القيامة. اللهم اجمعنا تحت ذاك اللواء يا عالم السر والنجوى بوجاهة حبيبك سيد أهل التقوى، اجمعنا جميعاً تحت لوائه يوم القيامة يا الله، يا مَن لا يخيب مَن رجاه ولا يرد مَن سأله ودعاه يا الله.
ما اجتمعنا عبثاً ولا قام المجمع على وجهه هذا عبثاً ولا بتدبير مخلوقين، والعناية التي بها برز أهل النبوة والرسالة وبرز أهل المراتب العلى عند الرب الأعلى هي التي جمعتكم وهيأت لكم هذا الجمع في أمن، في طمأنينة، في سكينة، اشتريتوها بكم؟ جِبتُوها من عند أي نظام في العالم؟ يحميكم شيء من أنظمة هذا العالم؟ أو مما فيه؟ لولا عنايةُ الرب، لولا رأفتُه بحبيبه المقرَّب، ولولا حنانُ ذاك القلب ما سمعنا ذا الكلام ولا رأينا هذه الجموع، بل قد عُمِلت خطط بعضها قبل عشرات السنين، بعضها قبل مئات السنين كان أصحابُها يظنون أن لا يبقى نفس يقول لا إله إلا الله في هذ البقاع، وراحوا هم وبقي أهل لا إله إلا الله، وتجددت المجامع، وكثُر لها الحاضرُ والسامع، وجاءوا من مختلف أقطار الأرض، وما بعد ذلك أكبر، لأن الله أكبر، ومادام الله أكبر فأمرُه أكبر ودينُه أكبر ومنهجُه أكبر، ولا يكون إلا ما أراد جل جلاله وتعالى في علاه، ولكن اختبارات يختبر اللهُ بها العباد، وسيرفع البلايا وسيكشف الرزايا وستظهر رايات خير البرايا، والله يجعلنا من جُنده وأهل محبته وودِّه ظاهراً وباطناً يا الله.
في عالم الحس اليوم أنتم في مكانكم هذا في مصلى أهل الكساء، وقلوب حاضرة معكم من الإنس وحدهم في شرق الأرض وغربها يسمعون وينظرون ويتحسَّسون، وكلهم جمع معهم من الملائكة، معهم من الجان أضعاف أضعاف ذلك وكلهم في نداء ملك واحد تحت راية إمام واحد اسمه المصطفى، اسمه محمد صاحب اللواء في يوم القيامة صاحب لواء الحمد، ما هذا المظهر؟ ما هذا المحضر؟ ما هذا المنظر؟ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) فاجعلنا والحاضرين والسامعين منهم، (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) واجعلنا في كل يومٍ نزداد إيماناً، وفي كل ليلة نزداد إيماناً، وكل ساعة نزداد إيماناً، وكل لحظة نزداد إيماناً، وكل نفَس نزداد إيماناً، حتى نلقاك على حق اليقين يا أكرم الأكرمين يا الله.
(لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، نزلت الآيات في رجوعه من مكة، لِم؟ لتسقطَ مِن أعينكم مظاهرُ الصور، الصورة أنه رُدَّ مِن تحت مكة، وقدوا بينه وبينهم اتفاقية، ومنعوه أن يدخل مكة، والحقيقة: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).
نزلت الآيات، فقال صلى الله عليه وسلم: أدعوا عمر، فجاء سيدنا عمر وهو خائف يرتعد، فقرأها عليه، قال أَفَتح هو يا رسول الله؟ قال فتح، قال رجوعنا ذا؟ وتظاهر القوم بعنجهيتهم وكبريائهم؟ هذا فتح ، هذا هو النصر، فمضت سنتان بعد هذا الصلح دخل في الإسلام أضعاف ما دخل من بداية الدعوة، وبعد سنتين جاء فتحُ مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم مكةَ برحمته، ودخل بتواضعه، تكاد جبهتُه ولحيتُه تمس الرَّحل.. تأمل منظر التذلل هذا؟ لأنه أعزُّ عزيز على العزيز، فما قلبٌ في الأرض ولا السماء عرفَ الذلَّ كقلب محمد، لهذا لا أعزَّ في أهل السماء ولا الأرض عند الله مِن محمد، صلى الله عليه سيدنا محمد وحشرنا الله وإياكم في زمرته، شرَّف هذه العيونَ برؤيته، اجتمعنا على الإيمان به وبما جاء به عنك نحبه ونواليه لك ومن أجلك، اللهم فشرِّف العيون برؤياه، ومشاهدة مُحيَّاه، في دنياهم وعند وفاتهم وبرزخهم وآخرتهم يا الله، لأن الحكم بعد ذلك فصل، قال صلى الله عليه وسلم: الويل لمن لا يراني يوم القيامة، الويل لمن لا يراني يوم القيامة. مَن لا يرى ذاك الوجه لا يرى الجنة، لا يرى الرضوان، اللهم أرنا إياه في الدنيا والبرزخ والآخرة يا حي يا قيوم يا الله.
اجتمعت هذه القلوب التي حضرت وقلوب الذين يسمعون هنا وهناك في مختلف البقاع لك ومن أجلك تريد مرافقتَه فلا تحرِمنا ولا تقطعنا ولا تحُل بيننا وبين هذا المنِّ الوفير والخير الكثير، يا سميع يا بصير يا علي يا كبير يا مغيث يا معطي يا وهاب يا فتاح يا منان يا الله، المطلب كبير ولولا رحمةُ ربك ما تجاسَرنا أن نسأله فتوجَّه إلى الكبير يعطيك الكبير، وقل يا الله قل يا الله، بقلبك قل يا الله، بلسانك قل يا الله، بروحك قل يا الله، بسرِّك قل يا الله، بجمعيَّتك قل يا الله، عسى يجمعك عليه ويجمعك بحبيبه في مواطن القيامة آمين، على ملَّته جمعتَنا، على شريعته جمعتنا، فتَحت رايتِه هناك اجمعنا، تحت لواء الحمد، حيث آدم، وحيث إدريس، وحيث نوح، وحيث إبراهيم، وحيث هود، وحيث صالح، وحيث إسماعيل، وحيث إسحاق، وحيث يعقوب، وحيث يوسف، وحيث النبيين أجمعين أجمعون يا الله، وحيث وموسى وعيسى ومَن بينهم اجمعنا تحت ذلك اللواء، اجمعنا يا رب تحت لواء الحمد، تحت لواء الحمد يا حي يا قيوم بحقِّك عليك كما جمعتَ قلوبنا ههنا فاجمعنا هناك يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين يا الله.
وكلُّ حاضر معنا أو سامع لنا وأحد من آبائه أو أمهاته أو إخوانه غير مسلم فتداركه بالإسلام، اهدِهم إلى نورِ الحق قبل وفاتهم يا رب يا رب يا رب يا رب يا رب، لا تجعلهم مِن حطبِ النار واحشرنا وإياهم في زمرة المختار.. يا الله يا الله، وما آتيتَ من حضر ومن يسمع من الإيمان فوفِّه لهم واحفظه عليهم وزدهم منه أبداً سرمداً، أعوذ بوجهك أن تعرِّض أحداً منهم لأن ينقص عليه نور الإيمان، فيما بقي من عمره لا بقول ولا بفعل ولا بنية ولا بمقصد يا مقلب القلوب يا مطلع على الغيوب يا مطهِّر من العيوب يا حي يا قيوم يا سميع يا رحيم يا كريم يا عليم يا الله، ما أحلاها إذا صدَرت بالتذلل بالخضوع بالخشوع للملكِ الحيِّ القيوم، مَن أسنى أن تناديه؟ مَن أسنى أن تهتف باسمه؟ مَن أجلّ أن تذكره؟ من أعظم أن تتوجَّه إليه؟ يا الله، يا ما أحلاها، يا ما أعلاها، أهلها هم الفائزون يوم القيامة يا الله، بحقِّك عليك لا تحرِم عيناً معنا أو تسمعنا من رؤية وجه حبيبك، تحت لواء الحمد، وفي مواقف القيامة، وفي دار الكرامة يا الله يا الله يا الله، ما أعظمَ مَن تدعوه ومَن تناديه وترجوه، مَن عنت له الوجوه إنه الله الحي القيوم..
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حقِّقنا بحقائقها، اجعلنا مِن خواص أهلِها احشرنا في زمرةِ كمَّل أهلها وأنت راضٍ عنا يا الله، بصدقٍ قل يا الله، بعجزك وفقرك واضطرارك قل يا الله، تستعشر أنه يسمعك، إنه يسمعك.. فلا بقدرتي حضرت ولا حضر أحد منكم بقدرته لكن بقدرة الله، لكن بإذن الله، وعزَّته لو لم يأذن لم تستطع ولم تقدر ولم تجيء، اللهم يا مَن جمعتهم هنا فاجمعهم هناك يا الله، يا سميع الدعاء، يا مَن لا يخيَّب الرجاء، يا حي يا قيوم يا الله..
أنتم بين يديه، وبواطنكم بارزة لديه، فيا مطلع على خفايانا أصلح مقاصدَنا ونوايانا، وصفِّ سرائرنا وطوايانا يا الله، ومن كان بمرضِه حضر إلى هنا فلا تخرجه من المجمع وهو بمرضه يا أكرم الأكرمين، عالجه اشفه قبل أن يخرج، ألستَ الذي تقول: ولهم قد غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، يا رب عللُ هذه القلوب نضعها بين يديك، نطرحها بين يدي رحمتك ورأفتك ونظرك، يا رب مَن دخل بعلَّة خرِّج منه العلة اشفِه مِن العلَّة، أبعِد عنه العلَّة، نخرج بلا عِلَل يا الله، ما أسعدنا بهذا الإله، ربنا وربكم ورب كل شيء، ما أرحمه ما أكرمه ما أعظمه ما أجلَّ جودَه، اللهم أتمِم علينا وعليهم النعمة، وادفع عنا كلَّ نقمة يا الله، واجعلها ساعة مذكورة تحت لواء الحمد، وفي ظل العرش، وعلى الحوض، وفي دار الكرامة، يا رب يا ربنا يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين يا أول الأولين ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوة المتين ويا راحمَ المساكين ويا أرحمَ الراحمين زِدنا مِن فضلك ما أنت أهلُه وادفع عنا كلَّ سوء أحاط به علمُك، وثبِّتنا على ما تحب منا واختم لنا أجمعين بأكملِ الحسنى يا الله، ما أسعدكم بهذا الإله، مهما تقربتُم إليه فقربُه أعظم، قربُه أجل، قربُه لا يُصوَّر، ولا يُكيَّف، ولكن تقرَّبوا إليه، قرِّبنا إليك زُلفى، ألحِقنا بأهل الصدق والوفاء، أدخِلنا دائرة المصطفى وأهلينا وأحبابنا وجيراننا وأصحابنا وطلابنا وذوي الحقوق علينا يا سميع الدعاء يا مَن لا يخيب الرجاء يا الله.
(وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) يا مَن كان وعدُه مأتياً احشرنا جميعاً في زمرة حبيبك محمد مَن اخترته نبياً ونجياً وصفياً برحمتك يا أرحم الراحمين، وأصلِح أحوال أمته أجمعين واجعلنا والحاضرين والسامعين من أنفع الأمة للأمة وأبرك الأمة على الأمة وأصلح الأمة في الأمة ومن خير الأمة للأمة يا الله يا أكرم الأكرمين.. والحمد لله رب العالمين.
18 صفَر 1438