(575)
(536)
(235)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 13 محرم 1446هـ، بعنوان:
مصدر العلم بالحقيقة المفضي إلى سعادة الأبد وحي الإله الحق الخالق بما أرسل به أنبياءه إلى الخلائق وتهافت كل ما خالفها
الحمد لله (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) [التوبة:40]، ونشهد أن لا إله إلا الله، رب الأرض والسماء، وربُّ الآخرة والدنيا، بيده ملكوت كل شيء، وهو خالق الممات والمحيا.
أرسل إلينا خاتَم الأنبياء، عبده الصفوَة من الأصفياء، من به كُنَّا خير أمة، وانكشفت به عنَّا الغُمَّة وانجلَت عنَّا الظلمة، وحلَّت بنا النعمة، وتواترت علينا الرحمة. فصلِّ يا ربّ على نبي الأمة، الرَّاقي إلى أعلى قِمة، والذي جعلتَ له في البرايا في الأرض والسماء هِمّة ليس مثلها همة، وعزيمة ليس فوقها عزيمة. فجعلته خاتم النبيين وسيِّد المرسلين، وجمعتَ النبيين على نوره ومِن نوره، وأخذتَ عليهم المواثيق والعهود أن يؤمنوا به، ويأخذوا العهود على أممهم إذا بُعِثَ أن يؤمنوا به. ولمَّا أبرَزته في عالم الدنيا أسريتَ به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ فلم تدع روحاً لنبيٍّ من أنبيائك إلا أحضرتها، وجعلتهم مأمومين وهو الإمام.
وصلّى وصلّوا خلفه فإذن هو ال ** مُقدم وهو الرأس لأهل الرئاسةِ
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
ثم جعلتَ كل مَن يَفِدُ إلى البرزخ من المُكلفين إذا سُئل عنك سُئل عن نبيك، وإذا قيل من ربك؟ قيل له: ما تقول في هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ ثم في يوم القيامة تجعله صاحب المقام المحمود، ثم تُسلِّمه لواء الحمد؛ فلا يبقى نبيٌّ ولا أحد من آل الأنبياء ولا من أصحاب الأنبياء ولا من ورثتهم ولا من أتباعهم إلا انضمّوا تحت هذا اللواء، وجعلته أول من يدخل جنتك.. وأدخُلنا اللهم معه إيَّاها، يا حيّ يا قيوم يا رحمن يا رحيم.
خلاصة ما مرّ به هذا الشيخ المبارك الموفق، من بداية عمره يبحث عن ربه ويطلب ربه، فطرته ما سلَّمَت لأفكار المسيحيين الذين انفصلوا عن سيدنا المسيح -وسينزل سيدنا المسيح ويتكلم بهذه الكلمات، وأنَّ محمدًا هو الصادق، وأنه خير الخلائق. ما عدا ذلك فلسفات ملا العالم وأفكار ملا العالم.. والله إنها تعود هباءً منثورا، لا تنفع أصحابها، لا ترفع أصحابها، لا تشفع لأصحابها، لا تُسعِد أصحابها؛ القول الحق: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" الحظيرة العظيمة القُدْسِيَّة الجلالية الجمالية الكمالية-
ودار من هنا إلى هنا، ودخل في هذا الدين وهذا الدين حتى هداه رب العالمين، والذي يُنَازِلُ قلبه في هذا الموطن المبارك والمواقع المُنوَّرة، والخلاصة لحقائق الرّسالة والنبوة وحقائق "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وإلى ذلكم المنتهى (وأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) [النجم:42].
(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ): [التوبة:40] فِكرا وتصورًا وقانونًا ونظاما هي (السُّفْلَى).
هي (السُّفْلَى)، ويجعلها الله كذلك لمن أخرجهُ من قيد الوهم والخيال والظن الكاذب، ولكن حَكَمَ أنَّ أكثر الناس على ظهر الأرض يتّبِعون الظن. ولو علموا الحقيقة لمَا تخلّفوا عن خير الخليقة، ولاستمسكوا بالعروة الوثيقة، وقد كان يقول: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون". لو علموا سيسابقون أبا بكر الصديق ويسابقون عمر الفاروق ويسابقون عثمان ويسابقون السابقين من المهاجرين ومن الأنصار، لكن ما علموا، وحال بينهم وبين العلم هذه الانغلاقات التي سمعتم عنها من الشهوات والأهواء والإصغاء إلى نداء العدو (إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر:6] -والعياذ بالله تعالى- ولهم سوء المصير من كل كافر، من كل ملحد، من كل ظالم، من كل فاسق.
وما أسرع ما تمرّ الحياة الدنيا بما فيها من مئات الألوف من السنين! مئات الألوف من السنين في الحياة الدنيا شأنها عندما تبدأ أشائر القيامة: (كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ)[يونس:45].
الذي تعمَّر فيها مائة والذي تعمَّر ألف والذي تعمّر ألف ومائتين سنة.. ما شأن الدنيا؟ (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)[النازعات:46]، (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا)[طه:104].
وشؤون القُدرة التي هي الحقيقة -لا مجرد زخرفة قول وفلسفة عند ذا وعند ذاك- شؤون القدرة تُغيّر شؤون هذا العالم (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا)[طه:105-109].
هذه هي الحقيقة! هذه هي الحقيقة.. صاحب فِكر، صاحب فلسفة، صاحب نظام، صاحب حضارة: ما أَذِن له الرحمن ولا رضي له القول؟ تُفْ، هو وفلسفاتهم: تُفْ عليهم، هم ومملكاتهم: تُفْ عليهم، هم وجيوشهم وجنودهم (إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ..) -اللهم اجعلنا منهم- (..وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا * وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) [طه:109-113].
فكانت هذه وظيفة الكتاب فينا والإنزال، نتّقي وتُحدِث فينا الذكر.
فلا تجعل يا رب في المجمع ولا فيمن يسمع أحد؛ إلا أدخلته دائرة التقوى وأحدثتَ له بالآيات والقرآن ذكرا.
أي ذكر هذا؟ ذكر الحقيقة، ذكر الحق، الحي القيوم المَلِك، الذي له المُلك على الحقيقة ظاهراً وباطناً، أولاً وآخراً، للأرض وللسماء وما بينهما وما فيها (لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى)[طه:6-8] -جلَّ جلاله-
فالبشر على ظهر الأرض والجنّ معهم أحوج ما هم محتاجون إليه: إدراك هذه الحقيقة؛ تُخرجهم من الظلمات والأوهام والخيالات إلى النّور المُشرِق الموجب لسعادة الأبد.
نعلَم أنَّ الناس على ظهر الأرض يحتاجون إلى معيشة، ويحتاجون إلى أمن، ويحتاجون إلى مساكن ويحتاجون إلى طِب، ويحتاجون إلى صحة، ويحتاجون إلى ملابس، ويحتاجون إلى مواصلات.. نعلم هذا؛ ولكن كل هذه الحاجات لا تساوي شيئاً بالنسبة للحاجة الكبرى، ولو توفرت كل هذه الحاجات وحُرموا تلك الحاجة الكبرى؛ لَمَا أغنَت عنهم شيء، ولصار مآلُها: شُؤمًا، وبلاءً، وبُعدًا، وطردًا، وعذابًا أليمًا! (أفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُون * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُون) [الشعراء:205-207]
ما أغنى: إيش أفادهم هذا؟ (مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُون)[الشعراء:207]، (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ)[البقرة:96]، تعمّر ألف سنة، وبعد ذلك؟ المرجع إلى عذاب أبدي! ما هي الفائدة؟ ما الفائدة من الألف السنة هذه؟ (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
ومع ذلك، فالذين أُكرِموا بالحاجة الكبرى وآمنوا بالرَّبِّ، وعلموا منهجه في الحياة ليعملوا عليه، مُتبعين لرسوله ومصطفاه محمد ﷺ -وهم باقتدائهم به داخلين في رَكب الأنبياء والمقرّبين والصدّيقين أجمعين- هؤلاء يشاركون عُقَلاء الأرض في الحاجات القصيرة الحقيرة الزائلة، وإذا أرادوا التعاون عليها بلا ظُلم ولا إجحاف ولا مَكر ولا خِداع ولا اعتداء، ولا ضُر ولا شرّ ولا مخالفات للشّرع المصون؛ فخير مَن يُعيِن على توفير هذه الحاجات الدنيا؛ أهل هذا المنهج الرباني (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)[الأعراف:96]، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم)[النساء:66] يقول الله -جل جلاله وتعالى في علاه.
وفي نظام الله الذي خلق: ترتيب؛ ترتيب للصناعات، ترتيب للزراعات والحراثات، ترتيب للهندسات، ترتيب للأراضي وملكها، ترتيب للتجارات.. ترتيب بديع! يُخرِج الناس من الظّلم، يخرج الناس من الاستبداد، يخرج الناس من العنجهية.
ولمَّا رأى سيدنا عمر بن الخطاب شايب من أهل الذمة يهودي، وسط المدينة المنورة يقف على الأبواب يسأل، لماذا تسأل؟ قال لأُسَلِّم الجزية، ما عندك شيء؟ قال كبرت الآن، قال اصبر محَلَّك، لا يليق بنا أن ناخذ منك الجزية شابًّا قادرًا وحين عَجِزت عن الكسب نُكلِّفك المسألة! اجلس مكانك، نُرَتِّب لك قضاء الجزية بما أنت في هذا الحال، اجلس.
وعيهم لنظام الرحمن كيف يقوم على ظهر الأرض، يرعى الخارج عن الدِّين، فكيف بالمسلم؟ يرعى الإنسانية لكونها إنسانية، لا رعاية الكذب ولا رعاية الدّجل ولا رعاية المصلحة ولا رعاية المُخادعة! رعاية الصّدق، رعاية إرادة وجه الخالق الذي خلَق.
ولن يجد الناس خيرًا من أهل هذا الدِّين وأهل هذا المنهج الرّباني (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110]، لم يُخرَج إلى الناس خير منكم، لن يُصادَف الناس فيما يُصلحهم ويعود بالخير عليهم دنيا وآخرة خير منكم يا أتباع محمد (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110]، لن يجد الناس.. كل الناس بمختلف الأصناف والأجناس لن يجدوا على ممر التاريخ من حين خُلق أبونا آدم إلى أن تقوم الساعة خير من أتباع محمد، الذين أحكموا الاتباع، وصدقوا في الاتباع، واستضاءوا بهذا النور والشعاع؛ هم الخير لجميع الناس من جميع الأجناس (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110].
خير أمة للناس أخرجت أنتم يا أتباع محمد، هذا وصفكم بتبعيتكم لنبيّنا (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[آل عمران:110]. ما تضحك عليكم النفوس ولا الأهواء ولا الحضارات الزائفة، ما حرّم الله فهو الحرام وما أحلَّ فهو الحلال، وما كرهه فهو المنكر جاء من أي أحد، ذكر أو أنثى دول أو شعوب، وما أحبه فهو المعروف والخير (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران:110] الركيزة التي تقوم عليها حركتكم في الحياة وترتيب أموركم: إيمان بالله.
يقول الله وغيركم لو أدركوا هذه الحقيقة كان خيرًا لهم (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران:110] -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
وبعد ذلك إذا وُجِد أهل الصدق منكم؛ فلا يهتزّوا لأجل البلبلات، ولا لأجل التخطيطات والتخبيطات (لن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ)[آل عمران:111-112].
فهذا الخطر الأكبر على البشر: كفر بالله ومضادة للأنبياء؛ هذا خسار البشر، هذا هلاك البشر، هذا فساد البشر، هذا عذاب البشر -والعياذ بالله تعالى-
فما أحسن الإيمان بالله والاتّباع لرسله -صلوات الله وسلامه عليهم- (سابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد:21].
قال هذه الحقيقة بعد أن عرض لنا حقيقة ما يجري في عالم الدنيا (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ..).
قال الله (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا..) قال خذوا العلم من عندي (اعْلَمُوا..) خذوا العلم (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ..) هل عندهم غير هذا؟ (..كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ..) أي الزُّرّاع (..ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا..) هذه هي.
وبعد ذلك؟ المستقبل الكبير لنا ولجميع المكلفين (وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ * سابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)[الحديد:20-21].
آمنوا بالله؛ فأفكارهم مُستَنِيرة بنور الله، وتصوّراتهم للأشياء بالعقول التي خلقها الله بوحي الله -تبارك وتعالى-
وهل هناك مصدر أوثق من هذا؟ أو أهدى من هذا؟ أو أبيَن من هذا؟
وإلا واحد يفكر في الليل ويقول خلقنا أصلنا قرود! هذا أتى بالعلم من أين؟ يضحك على نفسه في الليل ويضحك عليه إبليس والصبح قال عندي نظرية علمية! وأين مصدرها؟ أين دليلها؟ أنا علمي فقط، أنا الملحد الكافر المتبوئ اسم العلم.. هذا الدليل، هذا الدليل؟! هذا الهَبَل يا هَبِيل، هذه السَّقَاطة يا ساقط!
روّجوا لفكرته تلك الأيام! ومصدرها من أين؟ وإيش أصلها؟
وهذا أثارة من العلم فقط يدل عليها، واحدة أثارة! واحد دليل؟ من أين جاء هذا؟ في أي تاريخ؟ في أي من أي دليل علمي؟ ولا شيء! (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ)[الأحقاف:4]. أثر من العلم؟ ما عندهم شيء!
وصلَت.. وروَّجوا لها تلك الأيام ووصلت إلى عدن عندنا أيام الشيخ البيحاني -عليه رحمة الله- وبعض العلماء في عدن، قام واحد متأثر بهذا وقال نظرية نشوء ارتقاء الإنسان أصله قرد، قالوا له اتق الله! قال لا هذا نظرية وهذه الآن تُدرَس وذا كذا، قالوا للشيخ انظر أمر هذا! قال لهم نحن معنا وعد بكرة بنخرج نحن وإيّاه في نزهة، قالوا نعم، قال اتركوا لمَّا نجيء عند الدار أنا سأكلمه لا أحد يكلمه منكم، وصلوا تحت داره -في موعدهم يخرجون لأنهم رفقة-: يا ابن القرد، يا ابن القرد.. قال: من هذا يقول كذا؟! زعل وغضب، قال أنت الشيخ تقول لي كذا؟ قال ما أنا قلت بل أنت قلت، أنت قلت أن الإنسان أصله قرد فأنا قلت لك، نحن ما نؤمن أن الإنسان أصله قرد أنا أبوي آدم وأمي حواء، أنت قلت أنك ابن قرد سنقول لك يا ابن القرد، قال لا لا تقول هكذا، قال له وأنت لا تقول، قال لا لا أنا ما بقول، قال خلاص هيا اخرج، تعال اخرج معنا..
انتهت المسألة.. أي نظرية علمية هذه! أي ظلمة وهمية هذه؟! أي خَبْطَة ذهنية هذه؟! أي لعبة هذه! الإنسان نفسه تنفر منها! قال ابن قرد، قال ما أنا ابن القرد، لكن أنت تقول الإنسان ابن القرد! وهكذا.. وجميع نظرياتهم هكذا.
وكل ما خالف منهج الله ما هو إلا هكذا (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) [العنكبوت:41]، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ) [النور:39].
فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان.
ويذكّرونكم إخوانكم هؤلاء الذين أكرمهم الله بالإسلام ودخل نور الإيمان في قلوبهم؛ النعمة التي أنتم فيها، كان يُذَكِّرونها لكم سلفكم على مختلف طبقاتهم وأجيالهم، ولكن كان العقول في بعض الأوقات تصدّق ما يقول الاتجاه الفلاني والاتجاه الفلاني! هذا اتجاه نازل من عند محمد بن عبد الله، ومحمد بن عبد الله تحليل رَبُّ العرش عنه: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4]، لا أصدَق منه ﷺ. هذا الذي يجب أن نُصدقه، هذا الذي يجب نعلمه.
فما أعظم النعمة التي نحن فيها، رزقنا الله شكرها والقيام بحقِّها، وروحانيتها -إن شاء الله- تَسرِي وتصِل إلى الدنمارك وغير الدنمارك، وتعم كثير من البقاع، وتأتي هذه الروحانية، و: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)[النور:35].
وفي يوم سيأتي على الأرض حتمًا لا يبقى فيه بيت إلا دخلهُ دين محمد ﷺ.
والله يبارك لنا وللأمة في ظهور هذا الدين، وانتشار هذا الدين، ويجعلنا من أنصاره وأنصار نبيه الأمين، الثابتين الصادقين المخلصين، يا مجيب الدعوات يا قاضي الحاجات.. وعفوًا على التطويل، والحمد لله رب العالمين.
12 مُحرَّم 1446