مشهد ( أن القوة لله جميعا ) ما يوصل إليه وما يترتب عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مُكرِمنا بالوقوف على بابه، واللِّياذ بأعتابه، والتوجُّه إليه بوجاهةِ سيد أحبابه، وأهل حضرة اقترابه؛ اللهم لك الحمد فاقبلنا على ما فينا، وأقبِل ياربنا بوجهك الكريم علينا، فإنا لا نجد لنا رباً سواك، ولا إلهاً غيرك، ومهما كان منّا من تقصير في قيامنا بأمرك فليس لنا إلا الرجوع إليك، وليس لنا إلا التعويل عليك، فيا من علم عجزنا وضعفنا ويا من علم ذلتنا وفقرنا، قابل فقرنا بغناك، وأجزل لنا الحظ من عطاياك، بوجاهة خير براياك يا رب العالمين.
والقلوب استبشرت أنك أظهرتَ في واقع الأمةِ استبشاراً بنبيِّها وتعبيراً عن الفرح به، وهل يبتغون بذلك إلا أن ترضى عنهم؟ وهل يترجم ذلك إلا أن فيهم قلوباً وعت أن التعلّق بسواك والاتكال على غيرك سفهٌ وضِلّة، وقع فيها كثير من المسلمين جهالة، وغفالة، وما جنوا منها إلا هوناً وذلة، فكان اللجوء إليك متمثّلاً في أن تحنّ القلوب إلى تعظيم ما عظّمتَ ومن عظّمت، فلم تجد في من عظّمتَ أعظم من عبدك المصطفى محمد، فتقرّبت إليك مظهرةً فرَحها وتعظيمَها لنبيِّك المصطفى أعلى شعائرك المقدّسة (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
وحُدّثنا أن الاحتفالَ بمولده وإظهار الفرحِ بأنواع التعبيرات التي أقررتَها في كتابك، وأقرّها نبيّك، ما بين إطعام طعام، أو قراءة قرآن، أو إنشاد شعر، أو اجتماعٍ على ذكر، أو توجيه وإرشاد، عبَّرت بها الأمة عن تعظيمها لك ولرسولك من أجلك، وعن لياذِها بك، وخروجها من ورطات اللياذ بغيرك وسواك، والتوجه إلى مَن عداك، فإنه بيقينٍ عند مَن اتبع نبيك واقتدى به أن الأمرَ كله، دقَّه وجِلَّه ظاهرَه وباطنَه صغيرَه وكبيرَه بذراته لك وحدك، لا شريك لك. ومن أيقن بذلك تذلَّل لجنابك فأعززته، وشهد افتقارَه إليك فأغنيته، ولاذَ بجنابك فحميته (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، اللهم فادفع عنا وعن الأمة أنواع البلاء والشقاء، والشر والضرّ ما ظهر منها وما بطن.
وأدِم وقوفَ قلوب المسلمين على بابك، وواللياذ بأعتابك وقوِّهم في ذلك، وانشر ذلك بينهم، حتى لا يبقى قلبٌ سابحاً في غفلته، ولا سارحاً في غيِّه وزيغه وضلالته، ولا مأسوراً لما يطرح قُطّاع الطّريق من شرار الفريق، من التعويق، يطرحون التعويق ويستمع إليه من تعوَّق بهم، من أنواع ما يغروننا به، ويأخذوننا إليه، في مظاهر هذه الحياة أو في تصوّرات الأفكار.
ويجب عند المؤمنين أن تتحرر أفكارُهم من أن تقع في أسر كفارٍ أو أشرار أو صغار أو كبار، يجب أن يرتكز الفكرُ عند المؤمن على الذكر لله، ذكر الله وذكر آياته وذكر أحكامه وذكر عظمتِه وذكر المرجع إليه وذكر إنعامه وذكر جميل سترِه، وذكر شديد بطشه وانتقامه وذكر المصير إليه، على هذا الذكر يصفو الفكر ويقوم فكر المؤمن على هذه الأسس، على هذه القواعد، على هذه الأصول، يقوم فكر المؤمن، قال سيدنا الإمام شهاب الدين:
وغصتُ في الفكر بعد الذكر منغمساً ** في بحر نورٍ سما سري بها وزَها
وبذلك الأسلوب في الفكر راقَ النظرُ للصحابة في شؤون الحياة وما بعدها، وكان انطلاقُهم وتفكيرُهم في مقابلةِ الأحداث، وفي المعاملة، معاملتهم لأمرائهم، معاملتهم لآبائهم وأمهاتهم وأُسرِهم وأرحامهم وجيرانهم، معاملاتهم لمَن لقوا، وفي ( ما تصاحب اثنان في ساعة من ليلٍ أو نهار إلا سألهما الله عن صحبتهما هل أقاما حقَّ الله فيها ) بهذا الفكر الصافي القائم على ذكرِ عالم الظاهر والخافي، والذي هو الولي والكفيل والكافي، وهو الطبيب والمداوي والشّافي، عزّ وجل، على هذا الأساس قام فكرُهم، في اتباع خير النّاس، فتشرّفوا بالتبعيّة لمرفوعِ القدر فارتفع قدرُهم، ولعظيم المنزلة فعظُمت منازُلهم، ونالوا محبةَ رب السماوات والأرض، وسترى الأعينُ مواكبَهم، وألويتهم في يوم الحشر والعرض.. والله يُدخلنا في دوائرهم، ويُحضِرنا في حضائرهم، ولا يخلّف منا أحدا آمين يا ربنا.
ولا تزال الأمة في حاجة لأن تُدرك هذه الحقائق، ويقوى ارتباطُها بخير الخلائق، ويسترضون بالفرح به ومحبته واتباعه الإلهَ الخالق، إذا كثُر ذلك وقوي استقامت الأقدام على المنهج السوي، فلا نخاف بعد ذلك شرّ ضالٍ ولا مبتدعٍ ولا كافرٍ ولا شقي ولا غوي، فإنهم إنما يُسلَّطون على قدر ما نقصّر في تعظيم الحق والأمين المأمون، على قدر ما نخون في أمانة الإجلال لذي الجلال، والتّعظيم لمولى بلال، من خُصّص بالوحي والإنزال وخُتم به الإرسال، ذاكم محمد بن عبدالله، نبيّكم، ورسولكم، وإمامكم، وقائدكم، ومعلّمكم، وهاديكم، ودالّكم، ومرشدُكم، الرحيم بكم بشهادة ربه، الرؤوف بكم بشهادة ربه، الحريص عليكم بشهادةِ ربه، فمن ترون غيرَه؟ ومن يشهد لغيره بهذه الشهادات؟ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، فهل ترى إغراءَ ربِّك لك بنبيه؟ يُغرينا ربُّنا بنبينا، يقول شوفوا هذا عندكم، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) لقد جاءكم، ما هذا التشريف؟ ما هذا التكريم؟ اقرأها في كلام ربك، (لَقَدْ جَاءَكُمْ) جاءك، أنت لو جاءك رسول واحد يعزّ عليك ظليت مسرورا شهرا شهرين ثلاثة أشهر بعضهم سنة سنتين يقول جاءني رسول من عند فلان بن فلان، اتصل بي مرة قال كذا كذا، وهذا الرحمن يقول (لَقَدْ جَاءَكُمْ) جاءك، من هذا الذي جاءك؟ سلطان الحضرة، حبيب الرحمن، جاءك أنت؟ نعمة الله.
(لَقَدْ جَاءَكُمْ) خذها ب ( لقد ) للتحقيق، قد حرف تحقيق ولام تأكيد، خذها بتأكيد وتحقيق في كلام ربك، (لَقَدْ جَاءَكُمْ) وفي هذا بيان أن بعثةَ سيد الأكوان، وإن كانت في ذاك الزمان قبل 1400 سنة، في ذاك الوادي، من غار حراء إلى بطحاء مكة، (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)
هذاك مجيء إلى كل مكلّف تبلغُه أخبارُ هذا النبي، فتلك بعثةٌ حمَلت معنى المجيء إلى كل مَن تبلغُه الدعوة إلى يوم القيامة، فما أجلَّها، ظاهرها محصورة في زمن وفي مكان، وباطنها لا يحجبه ولا يحصره زمانٌ ولا مكان، دعوة سيد الأكوان، صلوات ربي وسلامه عليه، فالذي يُكرَم الليلة هذه بوصول نور لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى قلبه أدركه المجيء في الليلة هذه، أدركه مجيئه في هذه الليلة.
(لَقَدْ جَاءَكُمْ)، انظر منّةَ الله علينا بهذا النبي، ولا يزال مجيئُه باقٍ ببقاء رسالته، ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) يثقل عليه عنتُكم، لا يحب لكم المشقّة، يشقّ عليه أن تشتقوا، يشق أن تتعرضوا للعسر، للضرر، للكآبة، للسوء، للشر، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) ما هذا الثمن؟
(حَرِيصٌ عَلَيْكُم) ولا حرص الآباء، ولا حرص الأمهات، اسمع ولا حرص نفسك على نفسك أقسم بربي يساوي عشراً ولا عشر العشر مِن حرصِِ النبي عليك، تفقه أو لا تفقه، تنبّه هو الأمر هكذا، لا تصرف قلبك إلى محبّة سواه قبله بعد ربك جل جلاله، هو أحقّ بحبِّك بكلّك من رأسك إلى قدمك، ولا أنت تحرص على نفسك كنفسك بمقدار عُشر العشر مِن حرصِه عليك، والله العظيم، الأمر هكذا..
وبعد هذا تنصرف إلى مَن يا هذا؟ اعلم منزلتَه، اعلم صفتَه، هكذا وصفَه ربّي، ومن أصدق قولاً من ربي؟ وصف ربي حبيبَه، ومن الشرف أن نقول: حبيبه حبيبنا، لنا الشرف والله لنا الشرف، إذا حبيب رب العرش هو الحبيب حقنا، لنا الشرف والكرامة، لنا العزّة والرّفعة، ولا نرضى بحبيب غير حبيبه، صلوات ربي وسلامه عليه.
إذا هو الأكرم عليه، نعبد الله ونشكره ونتشرّف أن يكون هو الأكرم علينا مِن الخلق كلهم، لأنه الأكرم على رب العرش، الأكرم على الإله الحقّ صلوات ربي وسلامه عليه.
(لَقَدْ جَاءَكُمْ) يتجدد مجيئه إلى كل مجلس تجونه، في ذا المجلس يتجدد مجيئه، وتتشوّف روحه إلى قلب مقبل، إلى وجهةٍ صادقة، إلى عاطفةٍ بالوداد، إلى محبّةٍ تزداد، إلى وفاءٍ بالعهود، إلى رابطةٍ بشرعِه، ورابطةٍ بسُنّته، ومن تجدد منكم له شيء من هذا فقد تجدد المجيء، ومن تجدد له المجيء تجددت له آثار المجيء، وآثار المجيء نجاح، وآثار المجيء اتصال بالله، وآثار المجيء دخول إلى الحضرة، وآثار المجيء ارتقاء في الدرجات الفاخرة، وآثار المجيء طهارة عن الأقذار والأكدار والأدران والران، فأحسنوا الاستقبال، حتى تسري إليكم من خلاله خِلَال، ومن صفاته صفات، ومن شرفِه شرف، ومن كرامته كرامة.
يا ربنا اربطنا ربطاً لا ينحلّ، فلو جئنا من أبعدِ الأماكن لندرك مثلَ هذه الساعة لكان قليلاً في حقها، إذا كان أنت تجيء أنت من؟ لكن معنى من مجيء ذاك النور، النور الأول، والروح الأكمل يتجدد إليك مجيئه إليك، فماذا يساوي هذا؟ ماذا يساوي هذا لو جئت من أبعد بلاد الله في الأرض، فهي ساعات يوم تقوم الساعة يُدرَك ما يُدرَك من خيراتها.. والله لا يحرم منا صغيرا ولا كبيرا، وذا صبّابها يصب حتى على مستمعين، أجسامهم في محلات بعيدة، أجسامهم في محلات بعيدة ولكن ذا الصباب الذي يصب لا فرق عنده بين الأماكن، الأرض كلها والسماوات كلها شيء يسير، وكلها شيء واحد عند الواحد، جلّ جلاله وتعالى في علاه، (وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ، والأرض في قبضته، من الذي يمسكها؟ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا) وهل شيء أوضح من ذا الكلام؟ إن الله يمسك السماوات والأرض، أنت جالس على أرض مَن ماسكها؟ لولا مسكه لمادَت بك، (وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ )، جري جري جري عجيب في الجو الذي خلقه ربك، الشمس والمجموعة الشمسية حولها كلها بما فيها الأرض تجري جري مقدر مرتب متزن، (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا )، من يتحكم بهذا ومن يمسكها؟ الله الله، وإلا تريدونا ننادي شيئا من المؤسسات، أو ننادي شيئا من أصحاب الأسلحة، هم معلقين عليها قائمين بها، لما يبدو فيها قليل زلزال تتحطم قُواهم، بأنواع الصواريخ؟ بأنواع الصواريخ! بالقنبلة الذرية؟ بالقنبلة الذرية! والأسلحة النووية؟ وبعدين؟؟!! كلها معلقة عليها، لما قليل يبدو منها اضطراب ينتهي كل شيء، قليل فيضان يجي ينتهي كل شيء، ريح قليل تهب كذا وينتهي كل شيء.
القوي واحد، الله جلّ جلاله، نحن نشهد هذا الآن، والذين ظلموا سيعودون إلى هذا الشهود فيما بعد ولن ينفعهم ذلك، لكن نحن نشهد هذا الآن وهذا ينفعنا، وهذا يرفعنا (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا )، صدق ربي، صدق الإله الحق، هم سيرون ذلك لكن المؤمن الآن يرى. والرؤية درجات تختلف، ما كلكم رؤياكم واحدة، لكن كلما تعمَّقت عندك هذه الرؤية قرُبت من القوي وأمدّك بقوته وأمدّك سبحانه من قدرته بأمور تحارُ لها العقول.
كان يعبر عنها بعض أهل الكتاب ممن كان في الصين حين استنجد بهم ملك من الملوك يحارب الصحابة رضي الله عنهم، فكتب إليه، يقول له "إني مستعد أني أمدك بجيش يكون أوله عندك وآخره عندي - من الكثرة- لكن قبل أن أمدك بهذا، أرسِل من عيونك بين هؤلاء القوم من يرقب أعمالَهم في اليوم والليلة وائتني بخبرهم"، ولما بث بعض الجواسيس ودخلوا إلى معسكرات الصحابة وراقبوا رجعوا، قالوا: الكتاب الذي نزل على نبيهم يرددونه في الليل، يقرأونه ويبكون، يقضون ليلهم ما بين راكع وقائم وساجد وسجود، وهم يجتمعون للصلوات، وهم يخدم بعضهم البعض، ويمتثلون أمر أميرهم ويطيعون. جابوا الخلاصة عن حال الصحابة، أرسلها إليه.
فكتب إليه: "أنا مستعد كما قلت لك أن أرسل جيشا يكون أوله عندك وأخره عندي من طوله، لكن مَن وصفُهم هذا الذي كتبتَ إليّ، لو وقفت أمامهم الجبال الراسية أو البحار الزاخرة لأبادها الله دونهم، قال هؤلاء ما يُقاوَمون"، قوى الملوك ما تقاوم أحبابَ ملك الملوك، قال: ولكن خذ مني نصيحة، قال: "أدخِل بينهم من يشغلهم عن هذه الأعمال، ويلهيهم بسواها من الغفلة والقيل والقال ومحبة المال، فإنك إن وصلتَ إلى ذلك فيهم استرددت ملكك أنت أو أحد أحفادك من بعدك. أما ماداموا على هذه الأوصاف فنصيحتي لك لا تقف أمامهم ولا تتعرض لهم"، هؤلاء لا أحد يتعرض لهم، قوانا المادية ما يمكن أن تثبت أمامهم، لأنهم اتصلوا بقوة القوي، وهم كذلك رضي الله عنهم.
هم الجبال فسَل عنهم مصادمَهم ** ماذا رأى منهم في كل مصطدَمِ
وسل حنيناً وسل بدرا وسل أحداً ** فصول حتف لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمرا بعدما وردت ** من العِدا كلّ مسودٍّ من الّلمم
المصدري البيض: سيوفهم البيض، يصدرونها بيض، لكن بعدما ترِد ترجع حمر.
المصدري البيض حمراً بعدما وردت: وردت فين؟ من العدا كل مسود من اللمم
اللِّمم حقهم شعورهم تردها وترجع حمرا ملطخة بالدم.
والكاتبين بسمر الخطّ ما تركت ** أقلامهم حرف جسم غير منعجم
والكاتبين بسمر الخط، ماذا يكتبون؟ بالرماح يكتبون، ما تركت أقلامهم أي رماحهم حرف جسم غير منعجم،، لا توجد حروف مهملة عندهم، إذا واجهتهم الحروف الأجسام المهملة صارت كلها معجمة منقطة.
لِم؟ لأنهم كانوا يتمنون لتلك الأجسام أن تنجوا من النار، فأبت وعاندت فنقِّطت، ولو كان لهم نية غير هذا ما تمكنوا من الأجسام لأنهم هم عباد الله وأولئك عباد الله وإن كانوا كفاراً، هم أيضاً عباده لكن تميز هؤلاء بالصدق معه وإرادة الخير لهؤلاء كما أحبّ منهم فنصرهم، نصروا اللهَ فنصرهم ومكّنهم من تلك الأجسام، فتركوها مثل اللحم على الوضم، خشبة القصّاب الذي يقطع اللحم فوقها وهكذا حتى:
ودّوا الفرار فكادوا يغبطون به*** أشلاء شالت مع العقبان والرّخم
الطيور التي تأتي لتأخذ اللحم، يقول يا ليتنا كماهم الي يشل الطير بعدنا من قدام هؤلاء، فصاروا يغبطون الأشلاء التي شالت مع العقبان والرخم.
صدقوا مع الله تعالى ومع رسوله..
وجاهدوا معه في الله واجتهدوا **وهاجروا وله آووا وقد نصروا
وبيّنوا الفرض والمسنون واعتصبوا لله واعتصموا بالله فانتصروا
لا توجد عندهم عصبية حمية، ولا فلوس ولا قبيلة ولا أرض ولا مصلحة ولا شهوات، بل لله، اعتصبوا لله واعتصموا بالله فانتصروا، عليهم صلوات الله مع نبيهم المصطفى ورضوان الله تبارك وتعالى وعلينا معهم وفيهم.
الله يحفظ لكم سرَّ هذه الرابطة، أكرموا المجيء، مجيء من عند الرب، لأقرب مقرّب، الإله الرب، يرسل إليكم ويبعث أقرب مقرب، وأحب محبوب، وأرفع رفيع وأوجه شفيع، صاحب الجاه الوسيع يجيء إليكم؟ يا نعمة الله، يا فضل الله، أنتم تريدون أن يجيء إليكم أصحاب القنوات!؟ أو أصحاب الأحزاب، بمجيء من تفرحون؟ وبمن تنتعش أرواحكم ؟ هذا مجيء زين الوجود..
الله يزينكم به، الله يجمّلكم به، الله يصفّيكم به، الله يرقّيكم به، الله يسقينا وإياكم من شربه، وعُمّ بركة ما في المجمع على من في الديار والمنازل وعلى من في الأصلاب وعلى المؤمنين والمؤمنات، وانشر أنوار الإيمان بهذا الحبيب، وقرِّبنا مع أهل التقريب، يا حي يا قيوم يا ذا العطا الرحيب، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.
كم مِن عبد شغلتَه بنفسه، وكم من عبد شغلتَه بظلم، وكم من عبد شغلته بفضول، وكم من عبد شغلته بمعصية، وكم من عبد شغلته بأذى.. وشغلتنا بذكرك وذكر نبيك وطرقِ بابك والوقوف عليه.. لك الحمد، وجمعتَنا في أمن وفي أمان وفي طمأنينة وفي عافية، أبصارنا معنا وأسماعنا معنا وقُوانا معنا، لك الحمد، لك الحمد، لك الحمد، أتمِم علينا النعمة، وتمامها أن يجتمع الجمعُ مع الحبيب، اللهم اجمعنا أجمعين، اجعلنا في زمرة النبي الأمين ولا تفرِّق بيننا وبينه يا أكرم الأكرمين، وبه أصلح أحوال المسلمين، وادفع البلاء عن المؤمنين، ولا تسلط أعداءك عليهم يا ذا القوة المتين.
يا الله، شهدنا أن القوة لك وأنك القويُّ وحدك، وبيدك الأمر كلُّه، الأرض لم تكن والسماء لم تكن، وأنت الذي كوَّنتها والمتبجحون بقواهم كانوا نُطف، وكانوا علق وكانوا مُضغ وكانوا ليسوا بشيء ثم أنت الذي خلقتهم فالقوة لك والقدرة لك والملك لك، والخلق خلقك، (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
يا رب العالمين خُذ بأيدينا، ولا تسلّط أعداءك على شيء من ظاهرنا ولا خافينا، ولا من قاصينا ولا من دانينا، وأصلح جميع أحوالنا وشؤوننا يا مصلح الصالحين، يا الله، ندعوك ونرجوك ونسألك ونستغفرك ونطلب ما عندك وكل ذلك منك وبك فهو إليك، فاقبل يا خير قابل وأنجِح المسائل وبلغ المآمل، وكثِّر لنا الفضائل وخلّصنا من الرذائل، وكن لنا بما أنت أهله يا رب الأواخر والأوائل، يا الله.
قل يا الله، بصدقك، قل يا الله، بأدبك، قل يا الله، بتذلل للقوي، قل يا الله، معترف، معترف بما اقترفت بين يديه.. يا الله، أنت الذي رأيتنا في الخلوات وفي الجلوات وكم من قول وكم من عمل استخفينا به من ذا ومن ذاك ونستحيي أن يطلع عليه ذا وذاك من خلقك وأنت المطلع وأنت الرائي وأنت الناظر وأنت المحيط بكل ذلك وأنت الساتر.. فيا سابل الستر الجميل لا تكشف فضائحنا ولا تُبرز قبائحنا ولا تكشف عوراتنا بل آمِن في الدارين روعاتنا، مغفرة يا الله، لكل ما سبق وحفظاً فيما بقي يا الله..
يسمعك الله فقل يا الله، وأنت موقن أنه يسمعك، ويلحظ قلبَك ويرى ما في ضميرك، هو الله، هو الله، قل يا الله، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، قل له يا الله، يا الله، يا سامع دعاء من دعاه، يا ملبي نداء من ناداه، يا الله، اشفنا، يا الله، عافنا، يا الله، اعف عنا، يا الله، سامحنا، يا الله، تجاوز عنا، يا الله، استر عيوبنا، يا الله، اغفر ذنوبنا، يا الله، اكشف كروبنا، يا الله، أصلِح قلوبنا، يا مقلب القلوب، يا ناظر إلى القلوب يا مطلع على ما في القلوب أًصلح هذه القلوب ولا تدع منها قلباً ولا تترك منها قلباً ولا تُعرض منها عن قلب فينا من صغير ولا كبير، ولا في من يسمعنا يا الله، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب، نظرة إلى القلوب.. يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك.
يا حيّ يا قيوم أحيي القلوب تحيا، واصلح لنا الأعمال في الدين والدنيا.
يا رب العالمين.
06 ربيع الثاني 1435