مسالك الناس والمكلفين في الحياة بين نورانية وسعادة وحي الله وظلمانية وشقاء وحي إبليس وجنده

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 19 جمادى الآخرة 1446هـ، بعنوان: 

مسالك الناس والمكلفين في الحياة بين نورانية وسعادة وحي الله وظلمانية وشقاء وحي إبليس وجنده

0:00 كنا أكرم الأمم
1:17 الحكم بما أنزل الله وبما يخالفه
5:31 سعادة الصادقين من الأمة وراياتهم
8:02 ما امتاز به أتباع وحي الله ونهايتهم
9:57 نهاية اجتماعات علائق أتباع إبليس
12:47 التواصلات القلبية بحبال الأخوة الإيمانية
13:51 دعوات مباركة

لمشاهدة المجلس كاملاً:

https://www.youtube.com/live/bQB3L9kt7U4

 

نص المحاضرة مكتوب:

لمَّا دعا الله داعينا لطاعته ** بأَكْرَمِ الرُّسلِ كُنَّا أكرَمَ الأُمَمِ

الله تعالى دعا داعينا النبي محمد، أي: سمَّاه بـ: أكرم الرسل. وهذه التسمية الإلهية من قِبَلِ الخالق -جلَّ جلاله- التي اقتضت الأفضلية لحبيب الله محمد -عليه الصلاة والسلام- على كل من سواه؛ تُوقِفنا على حقيقة من حقائق التوحيد، والإيمان بهذا الإله الذي خلَق، وإليه مرجع كل مخلوق -جلَّ جلاله في علاه-؛

فلا يفوز ولا يَسْعَد إلَّا:

  •  مَن آمن به،

  • وإلا مَن امتثل أمره واجتنب نواهيه،

  • مَن اتبع وحيه الذي أوحاه إلى رسله وأنبيائه الذين ختمهم بأكرم الرسل -وقد جُعِلنا به أكرم الأُمَم-

وهذه الحقيقة تحمينا من الإصغاء لوحي إبليس وجنده..!

 

الحكم بما أنزل الله وبما يخالفه

وما أكثر وحي إبليس وجنده في هذا العالم.. لأفكار الناس، ولوجهات الناس، ولأخلاق الناس، ولمعاملات الناس!

في حكمة من قِبَلِ رَبِّ الناس.. جعل الدُّعَاة إلى باب جنته، وإلى رضوانه، وإلى قربه، وإلى عفوه، وإلى مغفرته: الأنبياء والمرسلين (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ)[الحج:75]. وجعل الدعاة إلى النار، وإلى الغضب، وإلى العقاب، وإلى العَطَب، وإلى الشقاء: إبليس وجنده ومن تبعه من الإنس والجن (لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ)[الأعراف:18].

فقام وحي الله تعالى؛ ليهتدي به المُهتَدِي على ظهر الأرض، وليفوز وينجو يوم العرض؛ على أيدي الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم- نبيًّا بعد نبي ورسولا بعد رسول (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)[النساء:163]، يقول -سبحانه وتعالى- في مقابلة هذا الوحي بوحي إبليس: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ..) الخطر: ضَعْفُ الإيمان بالآخرة! من قلوب الرجال أو النساء، وهم الذين يُصغون لأراجيف الوحي الضّال، لأراجيف الوحي الكذّاب، لأراجيف الوحي الظُّلماني (..وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ)[الأنعام:112-113].

فما من خير هو حقيقة خَيْرٍ في الأُمَّة؛ إلا وأساسه: اتباع وحي الله، وإصغاء القلوب والعقول لِمَا أوحاه -جلَّ في علاه-!

وبذلك قامت التصديقات بين الأنبياء لبعضهم البعض، وكُلٌّ مصدقٌ لِمَا بين يديه من الرسل والكتب التي نزلت عليهم نبيا بعد نبي (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[المائدة:46-47]. 

هذه الفوارق بين المؤمنين والفاسقين: حُكْم بما أنزل الله وحُكم مخالف لِمَا أنزل الله.

فالفرق بين الناجين والهالكين، الفرق بين المؤمنين والكافرين، الفرق بين أهل الجنة والنار، الفرق بين السعداء والأشقياء: هؤلاء يحكمون بما أنزل الله، وهؤلاء يحكمون بمعاكسة ومضاد ما أنزل الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-!

سعادة الصادقين من الأمة وراياتهم

(وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ..) من كُلِّ كتاب أنزلناه.. من آدم إلى عيسى بن مريم، كتابك مُصَدِّق لجميع هذه الكتب (..وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[المائدة:47-48].

وما من كتاب نزل قبل القرآن إلا وفيه ذكر محمد، وتمجيد سيدنا محمد، والإشارة إلى أفضلية هذه الأمة!

فيَا مَا أسعد الصادقين من هذه الأمة في كل زمان!

يا ما أعظم مزاياهم ورفع شأنهم لدى الرحمن -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-!

(يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)[التحريم:8].

وأَلْوِيَةُ الصِّدِّيقين من هذه الأمة وراياتهم تحت راية المصطفى محمد ﷺ، ويتبعهم أتباعهم من الصادقين والمخلصين.. حتى تقول الأمم: كأن هؤلاء كلهم أنبياء! وما فيهم إلا نبي واحد ﷺ. لا يُوزَنُ لأحد من الأُمَم حتى يُوزَنُ لهذه الأًمَّة، لا تُحاسَب أُمَّةٌ من الأُمَم حتى تُحاسَب هذه الأُمَّة، لا يمر على الصراط أُمَّة من الأُمَم حتى تمر هذه الأمة، ولا يدخل الجنة أُمَّة حتى تدخلها هذه الأمة..

فيَا ما أعجب حال الصادقين من هذه الأمة! حال الأبرار من هذه الأمة!

وهم في كل زمان تجمعهم:

  • روابط الإيمان،

  • واتباع الوحي،

  • والخروج من ورطات الأهواء والشهوات التي يسوق بها إبليس العباد إلى انقطاعه عن رب العباد!

وما هو دائر على وجه الأرض -في زماننا، أو في الزمان الذي مر، أو فيما يأتي من زمان-، ما فارق بين خيره وشَرِّه ونوره وظلمته وحقه وباطله؛ إلا: اتباع وحي الله أو اتباع وحي إبليس؛ فكرًا وخُلُقًا وسلوكًا!

ما امتاز به أتباع وحي الله ونهايتهم

وأتباع وحي الله بينهم الأخوة والمحبة في الله -جلَّ جلاله-، ولخدمة هذا الوحي وتعليمه والعمل به؛ قامت مدارسهم، وقامت معاهدهم، وقامت مجالسهم.. في المساجد وفي الزوايا وفي البيوت، بل عُقِدَت مجالس وحلقات الذكر والعلم في أسواقهم، وعلى أسفارهم -أيام كان المشي على الأرجل، أو على الدواب من الجمال والحمير وغيرها، أو ما عَقِبَ ذلك من مشي على سيارات أو طائرات وما إلى ذلك- صاحَبَ الصادقون من هذه الأُمَّة: الاستمساك بالوحي وخدمة الوحي.. حتى في أسفارهم! وحتى في أيام انتقالهم من بلد إلى بلد، وقامت رابطة الأخوة في الله والمحبة في الله -جلَّ جلاله-.

والتي نرى التنويه بشأنها في ليلة الإسراء والمعراج: "مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح"، "مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح". يقول الأنبياء آدم وإبراهيم: "مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح"، ويقول بقية الأنبياء: "مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح" ﷺ، ثم ينتهي اجتماعهم إلى اجتماع تحت لواء الحمد، ثم اجتماعٍ في دار الكرامة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)[الحجر:47].

نهاية اجتماعات علائق أتباع إبليس

واجتماعات المُتَّبِعين لوحي الشيطان.. تنتهي في الدنيا إلى تخاصمات، وإلى مجادلات، وإلى مقاتلات -غالبًا-، وتنتهي جميعها -من أولها من عند قابيل الذي قتل بغير حق- تنتهي علاقته بكُلِّ مَن رَضِيَ فعله أو تابعه عليه إلى مَن تقوم عليهم الساعة- جميع تلك العلائق تتحول إلى تلاعُنات وتباعدات! 

(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)[الأعراف:38]. حتى قال الذين يقولون لأصحابهم (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا..) هو شي حكم لغيره؟! كنا نضحك على أنفسنا وعليكم.. كنا نلعب، كنا نستهزئ، والحق هو! والحكم حكمه! ونحن وإياكم وسط النار معًا.. سَكْتَة خلاص ما عاد شيء ينفع كلام (..إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ)[غافر:47-48]، كنا نقول لكم الحكم لنا كذب، ما شيء حكم لنا نضحك عليكم في الدنيا (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)[الزخرف:51]، (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)[البقرة:258]، و: (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)[فصلت:15]، (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[البقرة:165]. وتنتهي جميع علائقهم وجميع صِلاتهم إلى ذاك التلاعن وإلى ذاك التَّسابُب!

يقول -سبحانه وتعالى- في بيان هذه الحقيقة: (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ..) خططكم الخبيثة، وتراتيبكم السيئة التي ضحكتم بها علينا (..إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا)[سبأ:31-33]، هذه النهاية!

التواصلات القلبية بحبال الأخوة الإيمانية

فالحمد لله على وجود هذه التَّواصلات القلبيّة والروحية بحبال الأخوّة الإيمانية المتأثرة بوحي الله! جَمَعْتنا بهؤلاء الأحباب، وأَوْرَدَت هذا العالِم (المُلَّا) الطيب ومن في رفقتة إلى جمعنا، وأَوْرَدَت كثيرًا من عباد الله، وجمعت قلوبًا يتابعون مثل مجالسكم هذه إنسًا وجنًا، وفيهم من الملائكة الكرام مَن أعدّهم الله لهذه المجالس؛ لأن فيها وحيه، وفيها العمل بوحيه، وفيها الاتباع لوحيه، لمن سبقت لهم سابقة السعادة.

 وإنَّ أربابها ليدعون الجميع:

  • السعادة خير من الشقاوة،

  • الجنة خير من النار،

  • الفوز خير من الخسران،

  • الحق خير من الضلال والباطل

ولكن (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ)[النور:35]!

فالحمد لله على هذا النور، والحمد لله على هذه الخيور!

والله يجعلنا في تبعية وحيه، وما أوحى إلى نبيه، مستمسكين به، صادقين في ذلك ظاهرًا وباطنًا؛ حتى يجمعنا معه (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم:8].
ونحن نقول له: (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وبارِك في هذه الوصلات، واجعل هوانا تبعًا لِمَا جاء به خاتم الرسالات، واجعلنا من الذين جعلتَ أهواءهم تبعًا له ظاهرًا وباطنًا، في كُلِّ ما جاء به، مستقيمين على منهاجه، مستضيئين بسراجه؛ حتى نرقى بمعراجه، ونُجمَع معه في دار الكرامة ومستقر الرحمة..

فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دَارِكَ الفردوس أَطيَبِ مَوْضِعِ

فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دَارِكَ الفردوس أَطيَبِ مَوْضِعِ

فضلًا وإحسانًا ومَنًّا منك ** يا ذا الجود والفضل الأَتَمِّ الأَوْسَعِ

وعفوًا على طول المقام عليكم..

تاريخ النشر الهجري

18 جمادى الآخر 1446

تاريخ النشر الميلادي

19 ديسمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية