مدارك معاني ( محمد ) الاسم والمسمى
بسم الله الرحمن الرحيم
فحمدا لربٍ خصنا بمحمدٍ ** فأنقذنا من ظلمةٍ ودياجر
إلى نور إسلام وعلم وحكمة ** ويمنٍ وإيمانٍ وخير الأوامرِ
اسم على قوائم العرش مكتوب، وعلى أبواب الجنة مكتوب، كيف لا يكون في قلوبنا مكتوب؟ كيف لا يكون في أذهاننا مكتوب؟ كيف لا يكون في أرواحنا مكتوب؟ أنخطُّ أسماءَ بعض السقطة ونُغفِل اسم الذي هو إلى الله أقرب، وعند الله أعظم، ولدى الله أرفع، وعلى الله أكرم.
جاء في بعض الآثار، أنه إذا سُمِّي باسم محمد في بيت، زار نوعٌ من الملائكة ذاك البيت كل يوم، لمكان صاحب الاسم، من أجل الذي سُمّي باسمه، من أجل محمد المحمود، المحبوب لدى رب العرش الودود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
يا أهلَ التبعية لخير البريّة: هُنيتُم بالمراتب السنيّة والمواهب العليّة والعطايا الرحمانية، حقِّقوا التبعية، فإنكم أمام الكنز الأكبر، والفوز الأعظم؛ الخواص والخُلَّص من أخيار هذه الأمة وعَوا من أسرار التبعية شان هان عليهم به كلُّ ما في الدنيا، وكل ما في العالم مقابل الاتصال بحبيبِ ملك العالم، بصفوة ربِّ العالم، بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وبذلك رأيتم أحوالَ الصحابة والتابعين وتابعي التابعين في هذا الشان، حتى يقول أحد كبارهم وهو سيدنا عمر: " اعزلوا عني حساب هذا"، يقصد: اللبن والعسل، قال "هذان إدامان"، قالوا له "أهو حرام؟" قال "لا لا معاذ الله أقول حرام، لا أحرّم ما أحلَّ الله، هو حلال طيب، لكن سبقني صاحبان كريمان، رسول الله وأبوبكر، وما شربوا مثل هذا، وإني أخشى أن يُسلك بي غير سبيلهم، وإن غاية ما عندي وأمنيتي أن ألقاهم وأجتمع بهم"
هكذا كانت المشاعر، حتى حرص على البقعة التي دُفنوا فيها أن يُقبر فيها، وبعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي، وحُمل إلى بيته، أرسل عبدَ الله بن عمر إلى أم المؤمنين عائشة، يستأذنها أن أُدفن مع صاحبَي، في حجرتك هذه، التي توفي ودفن فيها رسول الله ثم دفن فيها أبوبكر، أُدفن معهم، وخرج إلى أم المؤمنين، وأم المؤمنين كانت تفكر نفسَ التفكير، وتشعر نحو الشعور، هذه الروابط، هذه الصِّلات، الله يحفظها علينا، الله يحفظها على أهلينا، الله يحفظها على أولادنا، لا تنهبها عليهم الأفلام، لا ينهبها عليهم الإعلام، لا ينهبها عليهم شرارُ الأنام، لا ينهبها عليهم هذه التزيينات للتافهات والإشغال بالساقطات.. ألا يا حافظ احفظ علينا دين الإسلام.
السيدة عائشة قالت له "كنت أُعِدُّ هذا المكان لنفسي، أنا أحب القرب من هذا، ولكن ما دام طلب أبوك فأنا أطيّبه له، طيّبت نفسي، هو لأمير المؤمنين"، فرجع، أخبر والده.. صاحب الفتوحات، صاحب العدل في الآفاق، صاحب الخلافة عن الإسلام، لكن اسمع كلامه، هذا الخليفة، هذا العادل، هذا الذي فتح الفتوح في نشر الإسلام، ما قالت، قالت كانت تعده لنفسها ولكن طيّبته لك من نفسها هذا اليوم، قال "الحمد لله لم يكن شيء في نفسي أهم من ذلك" هذا الفاتح للأمصار، هذا ذائق، هذا معلق القلب، هذا صوفي كبير، هذا محب زايد، هو هذا فاتح الأمصار، ولن تفتح الأمصار بغير أهل هذه المحبة، بغير أهل هذه الأذواق، لن تفتح، ولن تحرر فلسطين بغير أهل هذه الأذواق، بغير أهل هذه المحبة، لن تحرر، ولا غيرها من بقاع الأرض لا يدخلها النور إلا بهذه الأذواق، إلا بهذه العلاقة بحبيب الخلاق.
"الحمد لله لم يكن في نفسي شيء أهم من ذلك"، واستتبِع ما في باطنه من شؤون الورع، غاية مسالك الأصفياء والمقربين من الصوفية والعارفين، ولكن أخشى يا عبد الله أن تكون هابت الموقف وأمير المؤمنين وقالت ذلك بحياء، ولم تطب نفساً، فإذا أنا متّ، وصليتم علي، احملوا جنازتي إلى بابها، واستأذنوها مرة أخرى، وقل لها يا أم المؤمنين، إن أبي عمر ولا تقل أمير المؤمنين فلم أعد أميراً قد متّ، ، قل لها إن أبي عمر يستأذن أن يُدفن مع صاحبيه، فإن أذنت كان ما أحببت، وإلا ففي بقيع الغرقد مع المؤمنين ادفنوني.
حملوا جنازته بعد ما صلوا عليه، وقفوا على باب الحجرة، وراح سيدنا عبدالله "يا أم المؤمنين عمر بن الخطاب أبي، يستأذنك أن يُدفن" قالت "قد طيبت له ذلك حياً وميتاً تفضل"، ودفنوه، وواصِل مشاعرهم وأسرار صلاتهم التي رباها عليهم محمد، صلى الله عليه وسلم، تقول أم المؤمنين عائشة "كنت أدخل إلى قبر النبي غير منتقبة، ثم إلى قبره وقبر أبي بعد أن دُفن ، وأقول زوجي وأبي، فلما دفن عمر لم أدخل الحجرة إلا مشدودة عليّ ثيابي حياءً من عمر" أرأيت كيف عقائدهم؟ هذه تربية محمد، جاء الناس يقولوا لك قطعوا أحوالكم من أهل القبور هؤلاء ولا تلتفوا إليه ولا تكونوا قبوريين ولا عبّاد قبور، وروحوا ولا يدرون بكم، ولا تدرون بهم.. ما هذا الكلام؟ عقيدة من؟ ما علمنا صلى الله عليه وسلم كذا! ما علمنا الأنبياء كذا! ما علمنا الصحابة كذا! عقيدة من هذه؟ أسلوب من هذا؟ مدري من بغى بيحرص على توحيد أحسن من محمد؟ شي عندك توحيد غير توحيده لك؟ قل له من فضلك خذه لك ما نريد إلا توحيد محمد، ولا نريد إلا سُنة محمد، ولا نريد إلا هدي محمد صلوات ربي وسلامه عليه، الذي خلَّفه في أصحابه، "لم أدخل إلا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر" رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
عرفوا قدر الاسم، بقدر المسمَّى، وعظَّموه، إذا ذكروه اهتزت بوادرهم، وسالت دموعهم من أعينهم، كم في حياة الصحابة يجري ذكرُه فترى العيون تهمر من ذا ومن ذاك، سيدنا بلال ما طاق الوقوف في المدينة والعيش فيها بعده، قال إذا مشيت في طريق تذكرت أني مشيت معه في هذا الطريق، إذا وقفت عند بيت تذكرت أني قد وقفت معه عند هذا البيت، وإذا جلست مجلس تذكرت أني كنت معه في ذاك المجلس، فثار الحزن على الفراق، فلم أطق البقاء في المدينة، فاستأذن من سيدنا أبي بكر وسافر إلى الشام، مرت عليه سنة، كما يروي ابن عساكر، فلما مرت السنة وهو في الشام، رأى النبي يقول له، (ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورنا؟ ) هاجت الأشواق وتحركت روح بلال، فشدَّ رحله في اليوم الثاني نحو المدينة، فلما رآه سيدنا أبوبكر فرح به، والصحابة فرحوا به، لما جاء، وقالوا: تؤذن لنا؟ قال "يا خليفة رسول الله ما أذَّنت بعد النبي" وجماعة من الصحابة عرضوا عليه الأذان، فاعتذر، وبينما هو جالس في المسجد، إذ أقبل سيدنا الحسن والحسين، كان فارقَهم قبل سنة عند وفاة النبي، وذا في ثمان وذا في سبع، صار هذا في تسع، وهذا في ثمان سنين، فلما وقع نظره عليهما تذكر، كان يراهم في حضنه، وكان يراهم على كتفه، وكان يراهم في حِجرِه، وكان يراهم في محرابِه، وكان يراهم على منبرِه، ذكره، قام إليهم يضمهم إلى صدره وهو يبكي، قالا: "بلال أذّن لنا كما كنت تؤذّن لجدّنا" قال "والله لقد طلبها مني كبار الصحابة فاعتذرت، أما أنتما إن رددتُكما فما أدري ما أقول لجدِّكما؟ لأجلكما سأؤذن هذا اليوم" انتظر وقت الظهر، فلما جاء وقت الظهر صعد على محل مرتفع، أناح بصوته المعهود في تلك الأيام، المعهود في ذاك الزمان، فانكشفت أسرار أهل المدينة، انكشفت سرائر الصحابة، قلوب الصحابة، أرواح الصحابة وعلاقتها بهذا الجناب، بمجرد ما سمعوا الصوت تغيَّرت المدينة بمَن فيها، ما بقي أحد في البيت خرج الرجال خرج النساء تذكروا بهذا الصوت تلك الأيام، حتى أن القائل منهم يهرول في الطريق يجري يقول "أبُعث رسول الله؟" " أعاد إلينا نبي الله؟" ضجت المدينة بالبكاء، بكى الصغار بكى الكبار بكى الرجال بكى النساء، هكذا العلاقة، هكذا الرابطة، هكذا المحبة، هكذا الوصلة، هكذا عرفوا: مَن محمد..
وصل إلى عند قوله "أشهد أن محمداً رسول الله" فخنقته العَبرة وخرج لم يكمل الأذان، لكن المدينة هاجت، وتجمع الناس حوالي المسجد وملؤوا السوق والشوارع، يضجون فما رُئيت المدينة أكثر بكاءً بعد يوم وفاته، من يوم أذان بلال، إنما حرَّك فيهم الأشجان التي في بواطنهم، والأشواق واللواعج، لواعج المحبة والوداد التي وسط قلوبهم، عليهم رضوان الله تعالى.
وبعد ذلك نقول لكم: إن الخاصة هؤلاء الذين أدركوا من شأن محمد ما أدركوا، هم كما عبّروا "ما عرفوا إلا الظل"، فيعرف محمد واحد اسمه الله، الله هو الذي يعرف محمد صلوات ربي وسلامه عليه، والخاصة بما أوتوا وبما أُعطوا من هذا النصيب عرفوا على قدرهم، يقول سيدنا أويس القرني لسيدنا عمر وسيدنا علي: "ما عرفتما من رسول الله إلا الظل" قالا "نعم والله ما عرفنا من رسول الله إلا الظل"، ظلّه، عرفنا ظلّه، أما حقيقته المحمدية صفوة رب البرية، وأنت تحيط بمعاني اصطفاء الله!؟ تحيط بمعاني اجتباء الله؟ تحيط بمعاني تخصيص الله سبحانه وتعالى وتمييزه؟ لا أنا ولا أنت ولا جبريل ولا ميكائيل ولا أهل السماء والأرض يحيطون بمعاني الاصطفاء الرباني الرحماني، فسبحان الذي اختصه، سبحان الذي ميّزه، وحُقَّ له أن يقول (وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله يوم القيامة ولا فخر)
اللهم قوِّ روابطهم به، اسرِ في أرواحهم سراية المحبة الخالصة لك وله من أجلك، حتى تكون أنت ورسولك أحبَّ إلينا مما سواكما، لا يسبق إلى قلوب الأمة محبةُ مال قبل محبتك ومحبة رسولك، ولا محبة سلطة، ولا ألعاب، ولا تجارات، ولا ثياب، ولا طائرات، ولا شيء من هذا الذي يأخذ القلوب.. يارب حرر الأمة، يارب طهّر الأمة، يارب صفِّ الأمة، يارب لا يأخذهم محبةُ غيرك ومحبة غير رسولك، على محبتك ومحبة رسولك، فيكونوا من المُتربَّص بهم أهل الفسق والعياذ بالله (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
فأهل الفسق المتربَّص بهم يسبق إلى قلوبهم محبةُ الغير على محبة الله ورسوله، أما من صدق، أما من صفا، أما من أطاع، أما من آمن، فالله ورسوله قبل، الله ورسوله أول، والله ورسوله أعظم وأحبّ إلى قلبه، وأحبّ إلى روحه، وأحبّ إلى سرِّه، الله ورسوله، من كل ما سواهما، في الأرض والسماء في الدنيا والآخرة، الله أكبر، ورسوله الأطهر، صلوات ربي وسلامه عليه.
الله يجعلنا في جنده وإياكم، وفي أهل ودِّه وإياكم، ويشمل بذلك أهالينا، يشمل بذلك أولادنا، يشمل بذلك جيراننا، يشمل بذلك طلابنا، يشمل بذلك أصحابنا، يشمل بذلك أحبابنا، يارب العالمين، ويا أكرم الأكرمين، وقسم من هذه الخزائن الربانية يخرج لك في مثل ذا الليل تدخل فيه في دوائر أهل المحبة يترتب عليه حياة كريمة في صلة برب العرش، ثم حشر في زمرة حبيب رب العرش، نعمة من نِعم الله، الله يكرمكم بها، ويكرم بها السامعين، ويكرم بها متعلقة قلوبهم، يكرم بها ممن في الأصلاب إن شاء الله..
يا كريم أكرِم، يا رحيم ارحم، يا وهّاب هَبْ، يا معطي اعطَِ يا من لا يتعاظمه شيء، استفتحنا خزائن رحمتك بخير مفتاح، فجُد علينا يا فتاح، حاشاك أن تكون شحاح، وأنت صاحب العطايا المناح، من غير حصر ومن غير حدٍ للأجسام والأرواح، لك الحمد يا رب العالمين، سألناك فاقبلِ السؤال، وقدَّمنا واسطة حبيبك ذي النور المُتلال، فبما بينك وبينه امنحنا النوال، وأصلِح لنا الحال، وتولّنا في الدنيا والمآل، وطيّب لنا الصفاتِ والخلال، واقلع وانزع عنا رذيل الأوصاف، وتولَّنا في الظاهر والخاف، واكفنا يا أكرم شاف ويا خير معاف، وعافنا من جميع الأمراض، والعلل والأغراض، وارزقنا المتابعةَ لحبيبك المصطفى سراً وجهرا، وتولّنا به دنيا وأخرى..
لك الحمد شكرا، ولك المنّ طولا، فعامِلنا بما كنتَ أهلا، يا الله، يا الله، يا الله، يا راغباً يُعطى هذه العطيّة من رب البريّة ويُخَص بهذه المزية، نادِه بقلب منكسر، ووِجهة صادقة، وقل له يا الله، فإنه لن يعطيك شيئاً من ذلك غيره تعالى في علاه، كلُّها معه، وفي يده وفي خزائنه وهو القائل ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) يا من عنده خزائن المحبة الموهوبة للقلوب، منه ومن رسوله وله ولرسوله، افتح لنا من هذه الخزائن واجعل لنا قدراً منها ونصيباً لائقاً بجودك يا ربنا، يا إلهنا، يا سامع دعائنا، يا مُلبي ندائنا، يا عالم سرائرنا، يا مطلع على ضمائرنا، يا من أحاط بنا، يا من بيده الأمر كله، يا من إليه يرجع الأمرُ كله، هل قدرنا أن نسألك هذا السؤال وأن نطلبك هذا الطلب بغير منّك وبغير توفيقك؟ وبغير إذنك لنا؟ فقد علمتَنا عصاةً قصّرنا وأذنبنا وأخطأنا، وما تأهلنا لأن نسألك ولا أن نذكر اسمك ولكن فيض فضلك استحق أن يُنزل الضعفاء أهل الذنوب منازلَ الاتصال بك ليتوبوا إليك وليذكروك وليدعوك، وقد أذنتَ لهم في ذلك، فقلتَ (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ)
إلهنا، فإن كان الأصفياء اعترفوا بالزلات والذنوب وهم أهل النقاء والتقى، وقال قائلهم مثل الإمام عبدالله بن حسين بن طاهر :
كل تزوَّد وولَّى أين جا بن حسين ** ما شوف شي زاد عنده أين زاده فيين؟
ما شوف عنده سوى غفلة وزلَّة ومِين** واليوم قد جاء يا مَولى الخزِين الملِين
فقير محتاج خالي الجيب والراحتين
فإنا يا ربنا نعترف وقد أخطأنا وقد أذنبنا وقد زلَلنا، ونسألك بما بينك وبين أولئك الأصفياء أن تعاملَنا بفضلك، وأن تتجاوزَ عنا بطَولك، افتح لنا من هذه الخزائن يا ربنا، في ليلتِنا هذه، في ساعتنا هذه، في جمعِنا هذا، ما تسعد به قلوباً في المشارق والمغارب، تصل إلى سجون في أوروبا وأمريكا وفي بلداننا، يتحول بها السجين إلى مطلق في فضاء التوحيد، والإنابة إليك، والأدب معك، والعمل بشرعك في هذه الحياة، حتى نلاقي جميعا المصطفى .. يارب.
إذا باهى الأنبياء بالأمم، اجعلنا اللهم ومَن اتصل بنا من خواص الواردين عليه، المسَّر قلبهم به، يا أكرم الأكرمين يا الله..
وبخضوعك وذِلِّك ناده مرة أخرى وقل خائفاً راجياً : يا الله
رمى غيرَك حيث تنزُّلات الغضب والسخط واللعنة، وجاء بك إلى مواطن الرحمة.. بكم؟ أنت تستحق هذا بأي شيء؟ هذا فضل ربي عليَّ وعليك، يا أخي، يا أيها المسلم يا أيها المؤمن، مَن جاء بك إلى هذه الساحة؟ من أوقفك هذا الموقف؟ مَن أهطل هذه السحائب؟ مَن رفع هذه الرغائب؟ مَن أمد بهذا الطلب؟ من هيأ لهذا الرَّغب؟ إنه الرب، الحي القيوم، ربي وربك الرحمن الرحيم.. الله
فاستَسعِده وقل يا الله، تشرف وقل يا الله.
لك الحمد يا كريم، لك الحمد يا عظيم، لك الحمد يا رحيم، فثبتنا على الصراط المستقيم، يا الله، يا الله، يا الله، لا تزل أقدامُنا في ما بقي من الأعمار، ولا يزل قدمُ أحد منا عند المرور على الصراط في النار، يا الله، يا الله، لا تعرّض هذه الأقدامَ لنارك، لا تعرّضها لجهنم، ولا لكلاليب النار، يا الله، يا الله، أعتِق هذه الأقدام، والأرجل والفروج والبطون والأيدي والألسن والعيون والأسماع والرقاب، أعتِقها من النار، أعتقها من النار، أعتقها من النار، أعتقها من النار، أعتقها من النار، أعتقها يا ربنا من النار، أعتقها من النار، أعتقها من العار، أعتقها من الفضيحة، وأعتقها من الذنوب، حرِّرها مِن رقّ الذنوب، حررها من رقِّ المعاصي، باقي الأعمار إلى ساعة اللقاء احفظها يا حافظ، يا حفيظ، يا كريم، يا رحمن يا الله، يا الله، يا الله، وساعة اللقاء على أتمِّ النقاء، نلقاك وأنت تحب لقاءنا ونحن نحبُّ لقاءك، آمين يا الله، آمين يا الله، آمين يا الله، وتدارك هذه الأمة واكشف غُمَمَها، وأجلِ ظلمها، وادفع النقمَ عنها، آمين يا الله.
وحالية تصدر من قلبك ولسانك تتحلى بها وتتشرف، يا الله، ما ذا تقول؟ يا الله..
من هذا الذي تناديه؟ هذا الذي تنطق باسمه؟ من؟ من؟ من؟ من هذا الذي تناجيه؟ أمعك إذن أن تناجي هذا الأعظم؟ هذا الرب الأكرم، أذن لك على لسان نبيك، له الحمد، له الحمد، له الحمد، له الحمد، له الحمد، له الحمد، له الحمد، احمد عنا نفسك بما أنت أهله، فإنا عاجزون عن حمدِك وعن شكرك، أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا الله، يا الله، جمعاً تحت لواء الحمد، جمعاً تحت لواء الحمد، لفّنا تحت لواء الحمد، اجمعنا تحت لواء الحمد، شرِّفنا بالنظر إلى حامل لواء الحمد، ومصافحة كفِّه، وتقبيل يده، والدخول في دائرته، والمرور معه إلى الجنّة، إلى دار الكرامة، إلى دار الرحمة، إلى دار السلام، يا الله، يا الله، يا الله.
أتُخَلِّف منا أحداً فيهلك وليس له غيرك؟ أتُخلِّف منا أحداً فيصلى بنار جهنم ولا ينقذه سواك؟ يارب لا تُخلِّف، يارب لا تخلف، ياربنا لا تخلف، منّا أحداً يارب، فينا عصاة، وبعضنا أعصى من بعض ، ولكن مالنا رب غيرك، لكن مالنا رب غيرك، وما دواء العصاة يا رب؟ وأين يذهب العصاة يارب؟ يا من لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك ها نحن بما فينا على ما فينا بظواهرنا وخافينا حططنا رحالَنا وأحمالَنا وأثقالنا وحاجاتِنا ومطالبنا وذنوبنا وعيوبنا على باب كرمِك يا كريم..
ومن الذي أدعو أهتف باسمه ** إن كان فضلك عن فقيرك يُمنع
إن كان لا يرجوك إلا محسن ** فالمذنب العاصي إلى من يرجع؟
حاشا لجودك أن تقنِّط عاصياً ** الفضل أجزلُ والمواهب أوسع
وقد مددتُ يدي بالذل مفتقراً إليك
إليك، إليك، إليك، إليك، إليك، إليك، ربي ورب كل شيء، إليك رب محمد، إليك رب أحمد، إليك رب إبراهيم وموسى وعيسى وآدم، إليك رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، إليك رب المقربين والأصفياء والخلق أجمعين.
وقد مددتُ يدي بالذل مفتقراً إليك *** يا خيرَ من مُدَّت إليه يدُ
فلا تردنَّها يارب خائبة *** فبحرُ جودك يروي كلَّ من يردُ
والحمد لله رب العالمين.
13 ربيع الثاني 1435