مدارك حقائق الملك والسعادة وفوارق ما يفنى وما يبقى
محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 1 صفر 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: مدارك حقائق الملك والسعادة وفوارق ما يفنى وما يبقى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرمنا، والحمد لله الذي وفقنا، والحمد لله الذي أحضرنا، والحمد لله الذي يسَّر الأمرَ لنا، والحمد لله الذي جمعنا عليه في وجهةٍ إليه، مقتدين بالداعي الذي ارتضاه، فجعله سيدَ الدعاة إليه، وأئمة الدالِّين عليه، ذاكم محمد الهادي النبي الذي:
دعانا إلى حق بحق منزَّل ** عليه من الرحمن أفضل دعوةِ
أفضلُ دعوة جاءتك، الحق تعالى اختار لك أفضلَ خلقه، وجاءت أفضلُ دعوة على يد أفضلِ خلقه، وهي تتواصل إليك مما أوحى إليه، مما بلغه من السلاسل التي بيننا وبينهم، وصل إلينا بلاغه، ووصلت إلينا حكمتُه، ووصل إلينا إرشاده وتعليمه، وصل إلينا خلقه، وصل إلينا سنته، ووصل إلينا الوحي الذي أوحاه الله إليه، كما كان ينطق به بين الشفتين الكريمتين من اللسان الأعذب الأطيب واصل إلينا نفس الألفاظ التي كان بها يتلفظ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لتدلَّنا ولتحفظَ علينا سرَّ صلتِنا بربِّنا..
وليس في الوجود أقوى لنا من صلتنا بربنا، وليس في الوجود أعزّ لنا من صلتِنا بربنا، وليس في الوجود أكرم لنا من صلتنا بربِّنا جل جلاله، وليس في هذا الوجود أشرف لنا من صلتنا بربنا جل جلاله وتعالى في علاه، وصلتُك بالله هذه هي التي بها تُكرم وبها تُعزّ، وبها تشرّف، وبها تُحفظ من العذاب، وبها تحوز سعادةَ الأبد، وبها تنجو من النار، وبها تنجو من العار، وبها تنجو من السقطات التي يسقط فيها أكثرُ الخلق، وإن أردت مظهراً لهذه السقطات، التي سقطوا فيها فمظهرُ ساعةٍ ستأتي علي وعليك وعليهم أجمعين، يوم ينادي الله أبانا آدم عليه السلام، (قم يا آدم فأخرج بعثَ النار من ذريتك)، ومن ذريته؟ نحن معشر بني آدم، أخرج بعث النار من ذريتك فيقول يا رب وكم أخرج؟ يقول (في كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة)، قال صلى الله عليه وسلم (فتلك الساعة تشيب رؤوس الولدان)، مِن هولها تتحول رؤوس الولدان الصبيان إلى بيضاء (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا*السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ)..
هذه الساعة مقبلة علينا وعليكم، والذين ألهاهم عن هذه الساعة المصانع لن يشكروا مصانعَهم في ذاك الموقف، الساعة ستأتي ولن يشكروا مصانعَهم، والذي ألهاهم عن هذه الساعة، والاستعداد لها معسكراتُهم، لن يشكروا معسكراتهم، ولن يشكروا أسلحتَهم، ولن يشكروا قوَّتَهم المادية؛ الذي ألهاهم عن هذا ما هم مشتغلون به مما هو مسمى في عقيدتنا ومسمى في منهاج ربنا وفي كتابه باللهو واللعب..
تعرف ما هو اللهو واللعب؟ أكثر السياسات التي يتفاخر فيها أهل الأرض، من اللهو واللعب الخالص، لهو ولعب يلعبون، والله إنهم يلعبون، وسيرَون أثرَ هذا اللعب ونتيجتَه وعاقبتَه ونهايتَه، وآخرتَه ماذا تكون؟ سيتحسر الأعداد الكبيرة منهم على لحظة من لحظات ذا المجلس، لو أدركها في حياته كان خيراً له من دولته، كان خيراً له من معسكره، كان خيراً له من سياسته من أولها إلى آخرها، ولكن الستارة مسدلة وستُرفع الستارة وسيرى الخلقُ ما قال الحق وأن القول قوله، (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) جل جلاله وتعالى في علاه، (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، (إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ) من يفصل الآيات؟ الذي تطلب ثقافتهم هؤلاء اللي بيثقفونك في شيء من شؤون الحياة!؟ رب الحياة خالقك وخالقهم وخالق الحياة، (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * واللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا فيهم، وجميع أهلينا يا ربنا، وجميع أولادنا يا ربنا، وجميع قراباتنا يا ربنا، وجميع أصحابنا وطلابنا يا ربنا، وجميع جيراننا وذوي الحقوق علينا يا ربنا، منهم اجعلنا، وفي خيارهم اجعلنا يا الله.
فإن من لم يكن منهم فهو الخاسر، وجميعُ سعيه بائر، (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا*أصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا) بحقك عليك ونور وجهك ومحبتك لحبيبك اجعلنا والسامعين وأحبابنا من أهل الجنة، يا الله، يا الله، (أصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا* ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ) يا متحدثين عن أعاصير ونحوها، يا متحدثين عن قنابل ذرية ونحوها، يا متحدثين عن أسلحة نووية ونحوها، هذا حديث الجبار لكم عن السماوات العلى كيف تتشقق (ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا*الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ) بطل ملككم، أتظنونه في ذلك اليوم، كل من آمن على قدر إيمانه بطل ملككم أمامه، (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا*ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا)، العلاقات الزائفة، ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا*لقَد أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا) ومتى يخذل الإنسان؟ عندما ينقطع عن وحي الله، (وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، قال الله هذا مظهر من خذلتهم فصاروا بعيداً عن ركب أنبيائي وأصفيائي، (وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)، اهدنا وانصرنا، (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) فيبقى على ظهر الأرض ما دام القرآن موجودا أصفياء يصطفيهم رب العرش، فيهم الهداية ولهم النصر، (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) .
قال سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) اللهم أجرنا من النار.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ) ما أكثر ما هددتُم أصحابَنا وقومَنا، وأهلَ بلداننا وشعوبنا بمخابراتكم بمراقباتكم، بالأجهزة الخطيرة والأسلحة (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ) نحن وإياكم نقف صف والرب هو الحاكم، (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون)، إيش اللي كانوا يفترون اللعب هذا الذي هم فيه، (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُون) ولا نفعهم شيء من أقاويلهم، ولا من أباطيلهم، ولا من كل ما اعتمدوا عليه واستندوا.
يا ويح المستندين لغير الذي لا يموت، يا ويح المستندين لغير الحي القيوم جل جلاله، وهذه ألسن أهل الإجابة للحق المستجيبين لدعوته على لسان رسوله تنادي في بيان حالها وما وصلت إليه:
ربي عليك اعتمادي* كما إليك استنادي
وقالوا في ترجمة هذا المعنى، وسط المعنى:
بربي قيامي لا بنفسي ولا السِوى** فشكري له سبحانه وثنائي
فأي معتمَد في الوجود يُعتمَد عليه أقوى من الله؟ أجلّ من الله؟ أعظم من الله؟ أرفع من الله؟ أحق من الله؟ خابوا في اعتماداتهم وكل ما اعتمدوا عليه
ربي عليك اعتمادي ** كما إليك استنادي
صدقاً وأقصى مرادي** رضاؤك الدائم الحال
أنا المحرَّر من خداع المخادعين، وكذب الكاذبين، فمرادي أنت يا رب العالمين، رضاؤك هو الأكبر، فهو الأحبّ وهو الأحقّ أن يُرغب فيه وأن يكون مقصودنا رضاءك الدائم الحال، (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ )، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا وعن والدينا وأهلينا وأحبابنا وجيراننا وأصحابنا، يارب
يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى ** يا الله رضى يا الله رضى يالله بتوبة والقبول
يا فوز الذين يبيتون ليلتنا من بني آدم والجن المكلفين على ظهر الأرض وربنا راضٍ عنهم، ما يساوي أمام هذا شهادات، وظائف، وزارات، طائرات، سيارات، استحي على نفسك! لا يساوي هذا شيء، كل ما ذكرته وخطر على بالك من هذه الأشياء يضمحل يذهب يتلاشى، وقد كان العاقل يشير ويبعث نور العقول يقول:
أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا
قال هذا السرور الذي يتيقن صاحبه أنه ينتقل عنه، هذا الغم بعينه، أشد الغم، أشد الغم عندي في سرور، تيقن عنه صاحبه انتقالا، ولهذا قالوا لا خير في خير لا يدوم، بل قالوا شر لا يدوم خير من خير لا يدوم، لِم؟ قال: لأن الشر الذي لا يدوم ينقضي، فإذا انقضى دام سرور انقضائه، تبقى بعدين على طول انقضى الشر على طول مسرور بانقضائه وارتفاعه، والخير الذي لا يدوم هو خير بمجرد ما ينقضي يبدأ الغم والحزن بانقضائه مستمر معك على طول، فيستمر لك الحزن والغم على ما فاتك، هذا خير ما يدوم! بلاش منه، وما الخير الذي ما يدوم؟ الذي يدعونا إليه أكثر أهل الأرض! مهما كانت مظاهرها خير فما تدوم، هل تشك في هذا؟
فخذ لك خيراً يدوم، واخرج إلى مسرح الحياة بمنهج المُحيي، جل جلاله، خذ بنور وتقوى وشريعة وأعطِ بتقوى ونور وشريعة، وتعامل بنور وتقوى وشريعة تحُز خيرَ الدنيا وخير الآخرة، وما سوى ذلك، فكل عواقب ما هم فيه سوء والعياذ بالله تبارك وتعالى، (أفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ)، فمن الذي جعلكم مؤمنين؟ اللهم لك الحمد، حقِّقنا بحقائق الإيمان وزدنا منه يا الله.
ذكرونا بالنعم الكثيرة الوفيرة، الحمد لله، الله يثبتنا على موجب زيادة النعم ويحفظها ويجعلها موصولة بنعيم البرزخ والقيامة والجنة، آمين، يا رب العالمين. في التذكير بالنعم ما يذكرون في رؤيا للإمام أبي الحسن الشاذلي عليه رحمة الله تبارك وتعالى، يقول رأيت الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول (يا علي طهِّر ثيابَك من الدنس تحظَ بمددِ الله في كل نفس)، قال أنا الذي دليتك على الرحمن وأعطيتك الكنوز التي ما تفنى ولا تنفد خير يدوم، قال (طهِّر ثيابك من الدنس، تحظَ بمدد الله في كل نفس)، قال وما ثيابي يا رسول الله؟ قال: اعلم أن الله خلع عليك خمس خلع: خلعة المعرفة، خلعة المحبة، خلعة التوحيد، خلعة الإيمان، وخلعة الإسلام، ثم أخذ يشرح له صلى الله عليه وسلم عن بعض المعنى، يقول له: فمن عرف الله صغُر عنده كل شيء، ومن أحبّ الله هان عنده كل شيء، من عرف الله صغر عنده كل شيء، كِبر الظواهر هذه والمظاهر في العالم من قلة إيمانك من قلة معرفتك، كلما عرفته تصغر عندك هذه الأشياء، من عرف الله صغر عنده كل شيء، ومن أحب الله هان لديه كل شيء، ومن وحّد الله لم يشرك به شيء، ومن آمن بالله أَمِن من كل شيء، ومن أسلم لله قلّ ما يعصيه، ومن أسلم لله قلّ ما يعصيه، قال وإن عصاه تاب إليه فقبله واعتذر إليه فقبل عذره جل جلاله وتعالى في علاه. قال فعرفت عندها معنى قول الله يخاطبه (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ).
فحافظوا على هذه الثياب الغاليات الشريفات الكريمات، الله لا ينزعها عنا، اللهم كما أنعمتَ علينا بالإسلام فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالإيمان فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالعافية فزدنا منها، وكما أنعمت علينا بالعمر فبارك لنا فيه، يا واهب هذه الخلع لمن سبقت له منك الرفعة فارتفع، عبيدك الفقراء يطلبون منك، أن تهبهم من شريف هذه الخلع ما يرتقون به مع من ارتفع ليحشروا في زمرة المشفع، فاسمع يا خير من يسمع يا الله، تقبّل واسمع نسألك من عظيم شريف باهر بهيّ زهيِّ سنيّ هذه الخلع فاخلعها علينا اللهم وزدنا فيها جمالا وقوة وكمالا آمين، ولا تنزعها عنا أبدا يا ذا الجلال والإفضال يا ذا الطّول والنوال، يا من يعطي ولا يبالي، يا مولى الموال، يا الله يا الله، لنا ومن يسمعنا ما ضعف فينا من هذه الخلع فقوّه، وما تكدّر واتسخ منها فنظِّفه وصفّه، وما قصُر منه فتمِّمه وكمِّله لنا، وما لم يكن عندنا فأعطِنا فإننا الفقراء إليك ولن نجد هذه الخلع عند حكومات ودول، ولا عند شعوب ولا عند أفراد ولا عند مؤسسات، بل في خزائنك تخلعها على من تشاء من عبادك، وقد شرعت لنا أن نجتمع لطلبها وأن نسألها منك فأيدي الفقر المحض الخالص تمتد إليك يا واهب الخصائص أن لا تحرمنا بلوغ هذا الطلب ونيل هذا الأرب وحيازة هذا العطاء الأرحب، يا رب يارب يارب يارب يا الله، ولو قطعنا من عمرنا أشواطاً، للوصول إلى لحظة نلحّ فيها على الرب مع مجتمع الملائكة، والمقربين في نيل هذا لكان قليلاً في حقها، فيا من يعطي ولا يبالي، سألناك ورجوناك ودعوناك وأمَّلناك واستنزلنا كرمَك وإحسانَك فأحسِن إلينا، وإن أسأنا يا خيرَ مَن يُحسن، يا خيرَ مَن يُعطي، يا خيرَ مَن يُكرم
يا أكرم من سئل وأوسع من جاد بالعطايا، طهِّرنا بكتابك الكريم مِن دنسِ الخطايا، واعف عنا وانظر إلينا وارض عنا يا الله، نسألك رضاك ولقاك ومحبتك والجنة، ونعوذ بك من سخطك وعذابك وإعراضك والنار، يا الله، يا الله، واملأ هذه القلوب إيماناً ويقينا لتمضي في الحياة على قربٍ منك، ودنو إليك، وأدب معك ووفاء بعهدك وصفاء في معاملتك وإخلاصٍ لوجهك فنلقاك ويلقاك كلُّ فرد منا، حين يلقاك وأنت راض يا الله، فتجعل خير أيامنا وأسعدها يوم لقاك يا أرحم الراحمين..
وكما أنعمت بالعافية على حبيبنا مشهور ورددته أتمها عليه، وعلى حبيبنا سالم الشاطري، وحبيبنا أبي بكر المشهور، ويسر مجيئهم إلى هذه الربوع وهذه الدور وبقية أخيار الأمة وصلحائها وأهل السر فيها أمتِعنا بهم يارب، مَن أبديت منهم ومن أخفيت ومن أبرزت منهم ومن سترت، حبب إليهم البقاء فينا، وطوِّل أعمارهم في عافية ومنافع لأهل الإسلام والإيمان، ودفع للمصائب والبلايا، في يمننا وفي شامنا في شرقنا وفي غربنا، في أقطار المسلمين كلها، للمسلمين حيثما كانوا وأينما كانوا.
يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات ارفع درجات من مضى ومن تقدم فينا من أرباب الخير والخلق والكرم والتقوى واجمعنا بهم في دار الكرامة، وأنت راض عنا لا صرفتنا من المجلس إلا مقبولين عندك فما قصدنا بجمعنا سواك، ويل لنا إن قصدنا غيرك، وأنت أكرم إذا قصدك القاصد أن يعود من بابك خائباً غير ظافر بمطلب وأين ما طلب مما تهب، ما تهب أعظم مِن طلب كلِّ مَن طلب، فيا وهاب، أدخِلنا عليك من هذا الباب، وشرِّفنا بكشف الحجاب، عن سمير حضرة قاب، في مقام الاقتراب، يا وهاب، يا رب الأرباب، يا مسبِّب الأسباب، يا ذا العطاء المُنساب، يا غفور يا تواب، يا من يعطي بغير حساب، يا من يرزق بغير حساب، يا من يهب بغير حساب، يا من يتفضل بغير حساب، يا رب الأرباب، يا كريم يا تواب، يا غفور يا معطي يا جزيل العطاء يا مسدي، يا عظيم الإسداء يا مانح، يا عظيم المنح يا فاتح، كن لنا بما أنت أهله في الدارين يا ملك الدارين، يا رب الدنيا والآخرة، وانظر إلى هذه القلوب، فتشهد الملك الحقّ لك وحدك، تشهد الملك الحقّ لك وحدك، لا إله إلا أنت، آمنا بك وبرسولك فانظر إلينا بهذا الرسول، وأنِلنا غايات السول والمأمول، وفرِّج كروب أمته أجمعين يا بر يا وصول يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين وصل وسلم على النور المبين الهادي سيدنا محمد وآله وصحبه ومن سار في سبيله ودربه وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين..
والحمد لله رب العالمين.
01 صفَر 1437