محتوى الحياة على ظهر الأرض .. حقيقته، خيراته وشروره وخطير عواقبه ومصيره

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 30 جمادى الأولى 1447هـ في دار المصطفى، بعنوان: 

محتوى الحياة على ظهر الأرض .. حقيقته خيراته وشروره وخطير عواقبه ومصيره

  • 0:25 أعظم ما نقضي به الأعمار
  • 3:31 بماذا يفتخر أهل السوء؟
  • 4:33 مجال التبعية للقدوة محمد بن عبدالله
  • 5:39 عطاء رب الأرض والسماء للمتقين
  • 7:03 ما فائدة اللذائذ والشهوات!
  • 9:12 أنعَم رجل في الدنيا
  • 11:04 مجالات أهل التقوى في الأرض
  • 12:10 الآية الكبرى ﷺ ومقابلة أهل قريش
  • 13:53 الثبات على الإيمان بآيات الله
  • 15:04 حسبنا الله ونعم الوكيل!
  • 18:06 الخوف من الله واتباع النبي الأمي
  • 19:33 إدراك حق اليقين عند الغرغرة
  • 20:29 فراق الحبيب علي الهدار رحمه الله
  • 21:39 نموذج من مدرسة حضرموت (الشيخ محفوظ بن كرامة)
  • 23:47 لا حقيقة للإيمان من دون محبة
  • 24:14 خروجات عن حقيقة الإيمان
  • 27:10 الدعاء بالفضل العظيم

 

نص المحاضرة مكتوب:

 

الحمد لله الملك الحق، الحي القيوم، الواحد الأحد، الذي بيده ما كان وما يكون وما هو كائن وما لا يكون. جلَّ جلاله، عَظُمَ نواله، اتسع إفضاله،

 

أعظم ما نقضي به الأعمار

 وسَعَت رحمته كل شيء، وكتب عظيمها وجليلها ودائمها وأشرفها وباقيها وسرمديها: للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياته يؤمنون (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157].

 اللهم اجعلنا منهم، واجعل أهالينا منهم، واجعل أولادنا منهم، واجعل أصحابنا منهم، واجعل طلابنا منهم، واجعل أهل ديارنا منهم، واجعل جيراننا منهم، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.

  • الحقُّ يُحدِّثنا عن خلاصة ما يمكن أن يُكَوِّنه على ظهر هذه الأرض في حياة هؤلاء الناس على ظهر هذه البسيطة؛ من خلال الأعمار التي كَتَبَ وقضى أن يقضوها ويعيشوها ويحيوها على ظهر هذه الأرض.
  • لكُلِّ منهم عمر معدودٌ بأنفاسه، معدودٌ بلحظاته، معدودٌ بالحركات والسكنات التي تكون فيه، والنيات والمقاصد التي تكون فيه، والمنام الذي يكون فيه، واليقظة التي تكون فيه، والذكر الذي يكون فيه، والغفلة التي تكون فيه، والمطعومات والمشروبات والملبوسات.. مَحْصيٌّ إحصاء ومعدود عدّا.
  • من خلال جميع ما يجري لكل مكلف من أيام أبينا آدم إلى أن تقوم الساعة.. لا شيء أحسن ولا أزين ولا أشرف مما ذكر الحق تعالى للذين يكتب لهم رحمته الوسيعة الكبيرة العظيمة: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:156-157].

 

بماذا يفتخر أهل السوء؟

  • فأي شيء خرج عن هذا المسَاق، وعن هذا المسار، وعن هذه الأخلاق، وعن هذه الصفات.. من أصناف الكفر، وأصناف الشرك، وأصناف الغرور، وأصناف الطغيان، وأصناف الذنوب والمعاصي: فهو سوء وشر وبلاء، لا عاقبة لأهله، ولا نهاية لهم إلا الهلاك والدمار، بل العذاب والغضب والطرد المؤبد، والعياذ بالله تبارك وتعالى!
  • فبماذا يفتخرون؟ بأي أنظمة؟ بأي أفكار؟ بأي خطط؟ بأي ترتيب؟!
  • كُلُّ ما خرج عن هذا المسار وخالف هذا المعيار هو شر من الشرور، وهو ضلال وزور، وهو سوء.

 

مجال التبعية للقدوة محمد بن عبدالله

  • لا مجال في الاقتداء والاهتداء لبني البشر وبني آدم وللناس بعضهم ببعض؛ غير مجال التبعية للإمام القدوة الذي اختاره الخالق المكون: محمد بن عبد الله.
  • (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ..) يُقيمون علاقتهم بالله تعالى على: إيمان، وصلاة، وزكاة، وهو المنهج الذي عليه جميع أنبياء الله بلا استثناء، من أولهم إلى آخرهم، كما قال -جل جلاله وتعالى في عُلاه-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[الأنبياء:73]، أوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
    • كل ذلك ناتج عن توقِّي غضبه وسخطه، عن الخوف من عذابه والبعد عنه وطرده -جل جلاله- وإعراضه.

 

عطاء رب الأرض والسماء للمتقين

  • (..فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)[الأعراف:156]، وحازوا بالتقوى فوق ما يؤمِّلون، ما هم وحدهم وجميع المؤمِّلين في الظهور والبطون من أهل السماوات والأرضين.
    • والله الذي خلق السماوات والأرض؛ إنَّ المتقين يحوزون من جود مولاهم الذي يقول للشيء كن فيكون، ما لم يخطر على بالهم، ولم يتخَيَّل خيالهم، ولم ينتهِ إليه آمال أحد من أهل الأرض والسماء!. 
    • عطاء رب الأرض والسماء: عطاء الذي أحاط علمه بكل شيء، عطاء الذي هو على كل شيء قدير، وحده لا يشاركه في هذه الأوصاف أحد، فلا يكون عطاء أحد مثل عطائه، بل يتضاءل كل عطاء أمام هذا العطاء، وإن كان العطاء المنسوب للخلق جارٍ من إفضاله ومن قدرته ومن إرادته، ولكن هذا العطاء المُطلق الذي يأتي مباشرة من حضرة جوده لا تُحَدُّ له حدود، ولا يقيد بقيود، وهو أكبر من أمل الآملين.

 

ما فائدة اللذائذ والشهوات!

يا عبيد الشهوات: ضيَّعتم الخيرات والبركات واللذائذ الكبيرات! ما لذَّة شهوات الدنيا من مآكل ومشارب، ومن مناكح ومن مساكن، ومن مراكب ومن سلطات ومن جاهات؟! وعزَّة ربي ليست بشيء أمام لحظة من لحظات رضوانه وعظيم امتنانه!. وأمَّا ما خبَأ مما لا عين رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ فشأنه أكبر!

فما الذي خلَّفكم؟ وما الذي عندكم؟ ما أحقره، ما أغفلكم وغَفِلتم به! واشتغلتم به من هذه الترهات والبطالات!. ولو فرضنا أن كل شهوة من هذه الشهوات ولذتها بَقِيَت لواحد من أيام خلق آدم إلى أن تقوم الساعة.. والله لا تساوي لحظة من لحظات إقبال الله على عبده في دنياه أو برزخه أو يوم القيامة أو في دار الكرامة! بالرضوان، وبالإحسان، وباللطف والملاطفة، و: (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)[يس:58]، جلَّ جلاله!.

هذا أولاً. ثم ماذا يُفيد كل هذا؟ -هذا غير كائن، لو كان- واجتمعت كل هذه اللذائذ والشهوات من أيام خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، وعمرك كم سنين أنت يا أبله؟ لو اجتمعت هذه كلها ما ساوت لحظة من لحظات غَطْسِك في نار جهنم! ولكنت تتمنى أن ما قاربتَ شيئا من تلك اللذائذ مقابل أن لا تذوق هوان ولا شدة هذه الغطسة في النار!

 

أنعَم رجل في الدنيا

ويُبَيِّن لنا صاحب الرسالة هذه الحقائق؛ لنخرج من الأوهام والظنون والشكوك، يقول ﷺ: "يُؤْتى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النّارِ يَومَ القِيامَةِ…" أي بملذَّات الدنيا "...فيُصْبَغُ صِبْغَةً في جهنم" وفي رواية: "يوضع اصبعه في جهنم" ثم يقال له: يا هذا، هل مرَّت بك راحة؟ هل مرَّت بك لذة؟ هل مرَّ بك خير قط؟ يقول: لا!

ما معناه: ما هو مجرد انمحت من الشريط.. بمجرد هذا الهوان الذي يذوقه وهذا الذل والألم؛ أنهى كل لذة، وصارت لا تساوي شيئا، وكأن لا طعم لها ولا لها وجود، ويقول: والله ما مر بي خير قط، ولا رأيت خيراً قط، أنا منذ خُلِقتُ في شدة!. كان لعَّابا في الدنيا، كان ثريا في الدنيا، كان متغطرسا في الدنيا، كان نافذ المقال في الدنيا، ويقول: ما رأيت خيراً قط، ولا شفت لذة قط منذ خُلِقتُ. ينمحي كل الشريط هذا الذي كان ما يساوي شيئا، ما يساوي شيئا!. يشوفون اليوم الناس في الأجهزة أشياء كثيرة، يضغط زرا واحدا، وانمحت، راحت، وصبغة في جهنم وراحت الـ…، ما هي شيء، ما هي بشيء!

ليست بشيء.. لا فرعون وملكه، ولا النمرود وملكه، ولا عاد وقومه، ولا من قبلهم ولا من بعدهم: ليست بشيء! والله ليست بشيء!

 

مجالات أهل التقوى في الأرض

الخير في أهل النبوة والرسالة، ومن آمن بهم ودخل في دوائرهم، ومن ثبَت على طريقتهم حتى مات فحٌشِر معهم. الخير عند هؤلاء، الشيء في التقوى (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ..).

وذكر مجالي ومجالات أهل التقوى في خلال هذه الحياة على ظهر الأرض: (..لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)[الأعراف:156].

ما معنى والذين هم بآياتنا يؤمنون؟ يقول: مرتكز أمورهم ومنطلقاتهم في الحياة على إيمانٍ بِنَا، إيمانٍ بآياتنا المُنزَلَة، والآيات المرسلة، والتي أعظمها في المُرسلين: محمد.

 

الآية الكبرى ﷺ ومقابلة أهل قريش

يا من هو الآية الكبرى لمُعتَبِرٍ *** ومن هو النعمة العظمى لمُغْتَنِمِ

سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمِ *** كما سرى البدر في داجٍ من الظُّلَمِ

وبتَّ ترقى إلى أن نِلتَ منزلةً *** من قابِ قوسين لم تُدرَك ولم تُرَمِ

وقدَّمتك جميع الأنبياء بها *** والرُّسلِ تقديمَ مخدومٍ على خَدَمِ

وأنت تخترقُ السَّبعَ الطِّباق بهم *** في موكبٍ كنت فيه صاحبَ العَلَمِ

وجرى له كل هذا..

وقُلْ لأهل الأرض: إيش معكم؟ يا أبا جهل، يا عقبة بن أبي معيط.. إيش الذي منعكم عن هذا الخير؟ هذا الذي بات أين وسرى إلى أين؟!، قدامكم ومفتاحه حقائق السعادة واللذائذ الكبرى لكم! أنكرتموه وكذَّبتموه وخالفتموه!، وآثرتم شهواتكم وسلطتكم في مكة وحواليها وسُمعتكم عند العرب، فما الذي جنيتم على أنفسكم؟ وما الذي فاتكم؟ وما الذي حُرِمتُم؟ ويلٌ لهم!

 

حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ *** من الدنوِّ ولا مرقىً لمُستَنِمِ

خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافةِ إذ *** نُوديتَ بالرفعِ مثلَ المفردِ العَلَمِ

 

وتلك مزية عُظمَى *** وأسرارُ الحبيبِ عِظَامُ

يا رب صلِّ عليه وعلى آله وصحبه، واجعلنا من أتباعه حقيقة.

الثبات على الإيمان بآيات الله

  • تَعرِف (وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)؟
    • الذين هم بآياتنا يؤمنون: مهما عُرِضَ عليهم من عروضات أهل الباطل لا يغترّون، أفكارا أو إغراء أو تهديدا.
    • وحالهم في إدراك الحقيقة والثبات على مستقيم الطريقة: "والله لو وُضِعَت الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أَهلِك دونه".
      • لأن الخير كله في هذا، لأن السعادة كلها في هذا، لأن اللذائذ العظمى في هذا، لأن النعيم الأكبر في هذا، وليس في الخروج عنه من نعيمٍ قط، ولا من حقيقة خير قط!

 

حسبنا الله ونعم الوكيل!

  • (بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ):
    • من آمن بآيات الله: لا استطاع إبليس ولا جنده أن يغووه أو يُغروه أو يُهدِّدوه، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا..)
      • خِطَّة للتخويف وللإرعاب؟ (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ..) حسبنا الله ونعم الوكيل (..فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)[آل عمران:173-174].

 

وتوجهوا بقلوبكم في المجمع الكريم إلى الله، وقولوا هذه الكلمة في مقابلة ما جُمِعَ لكم ولأهل زمانكم ولأولادكم وأهليكم؛ من أنواع الإغراءات، والتضليلات، والإفساد والشر، والتخويفات والتهديدات: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

قولوها عن أنفسكم وعن أهليكم وعن أهل زمنكم وعن المؤمنين في الشرق والغرب:  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

وقولوها عن أهل السودان وعن أهل غزة والضفة الغربية ولبنان، أكناف بيت المقدس والشام كله واليمن كله، وعن بقية المؤمنين في المشرق والمغرب، قولوها:  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،  (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، في كل لحظة أبدا عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومِداد كلماته.

يا مَن قلت: (فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ..): آتنا نعمتك وفضلك وادفع السوء عنَّا، وادفع السوء عن أهل السودان، وادفع السوء عن أهل غزة، وادفع السوء عن أهل الضفة الغربية، وادفع السوء عن أهل لبنان، وأدفع السوء عن أهل الصومال، وادفع السوء عن أهل ليبيا، وادفع السوء عن أهل اليمن، وادفع السوء عن المسلمين في المشارق والمغارب، يا دافع السوء.

(..وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ)، ارزقنا اتباع رضوانك، في كل إسرارٍ وإعلانٍ لنا أبدا.. يا الله.

(..وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ..)، وعِزَّتك إنك لذو الفضل العظيم، فياذا الفضل العظيم: هَبْ لنا فضلك العظيم، هَبْ لنا من فضلك العظيم، خُصَّنا بفضلك العظيم، وأكرمنا بفضلك العظيم.

 

الخوف من الله واتباع النبي الأمي

  • (..إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ)،
    • وهل تعرفون دائرة أمن في الوجود أعمق من هذه وأوسع؟
    • ما معنى (فَلَا تَخَافُوهُمْ)؟ أنا أكفيكم إيَّاهم.
    • ما معنى (فَلَا تَخَافُوهُمْ)؟ هُم في قبضتي.
    • ما معنى (فَلَا تَخَافُوهُمْ)؟ لا يساوون شيئا.
    • ما معنى (فَلَا تَخَافُوهُمْ)؟ أنا القيُّوم عليهم.

 

(فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران:175]. اللهم ارزق هذه القلوب الحاضرة وقلوب من يسمعنا: خوفك وخشيتك، إيماناً وتصديقاً، واجعلنا ممن بآياتك يؤمنون.

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)[الأعراف:157]، فكُلُّ ما شعشع في فكر أحد مِنَّا من تبعية لغيره ممن خالفه.. صغيرا أو كبيرا، في فكر أو في تصور أو في حقيقة أو في دنيا أو في آخرة؛ أزِح ذلك عنَّا واجعله وحده إمامنا وقائدنا، ومن دخل في دائرته، يا الله .. يا الله، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63].

إدراك حق اليقين عند الغرغرة

  • وهذه الحقائق التي نتحدث عنها؛ تُدرَكُ على وجه حق اليقين بداية من عند الغرغرة. الله أكبر! يقول -جلّ جلاله-: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)[التكاثر:6-7].
    • فالذين وردوا إلى البرزخ من قبلنا؛ هذه الحقائق التي نتحدث عنها يُطالعونها مطالعة عيانٍا ومشاهدة.
    • وأرباب القلوب الصادقة على ظهر الأرض يُشاهدونها ببصائرهم كما يُشَاهِد أعلى أهل الظواهر بأبصارهم الأشياء المحسوسة لهم.
  • القول قول الله، والحكم حكم الله، ولا حقَّ إلا ما قال الله، جل جلاله وتعالى في عُلاه.

 

فراق الحبيب علي الهدار رحمه الله

  • وفارقنا في أسبوعنا عدد منهم، بعد ما فارقنا قبلهم عدد من هؤلاء:
    •  كنتم تسمعون الفاتحة من الحبيب علي بن محمد الهدار -عليه رحمة الله تعالى- في هذا المكان. الذي يجري فيه المجلس، والآن الذي اطَّلع عليه من يوم موته إلى الآن.. ما أقول مثل الذي عرفه في حياته ألف مرة ولا ألفين مرة، الأمر أكبر من ذلك.. ما اطَّلعه من سر هذه المجالس! اللهم لك الحمد، أتم النعم علينا وعليه. 
      • ومضى بأوصافه وخِلاله، وما اكتسبه من خلال تربية الأبوين، ومن خلال تربية مَن جالسهم ورآهم مِن الأكابر، من الإمام أحمد بن محسن الهدار، والحبيب الهدار بن محمد الهدار، وشيوخه، والذين أخذ عنهم وشاهدته أعينهم من آبائنا ومن مشايخنا -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-،
      • وما حدَث ذلك عنده من وجهة في قلبه، أو أدب مع ربه، أو استعداد للقائه، عليه رحمة الله ورضوانه.

 

نموذج من مدرسة حضرموت (الشيخ محفوظ بن كرامة)

  • ثم فارقنا الشيخ محفوظ بن كرامة سهيل، أعلى الله درجاته، نموذج في المدرسة المباركة: مدرسة حضرموت؛ ترجمة الإيمان بمعانيه، ترجم الإيمان بأعماله،
    • "المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم"، في طي هذا الإيمان كان صاحب مهنة في شبابه وبداية أمره ما قطعته هذه المهنة عن طلب العلم، ولا عن بحثه وراء مسائل العلم النافع في الشريعة المطهرة، ولا مجالسة الأكابر.
    • ثم اكتسب من سِرِّ هذا الإيمان والمجالسة والتربية صفاتٍ وصفاتٍ وخلالا حميدات.. من إنابة، من تواضع، من خشية، من إرادة خير للعباد، من سعيه لمصالح الخلْق، من إقبال على الحق -جلَّ جلاله-، ومن حسن ظنه بعباد الله -سبحانه وتعالى-؛ بذلك جاءت ترجمة الإيمان.
  • وأمَّا الذي يدَّعي الإيمان وشأنه في الحياة: يخرج عن هذا الميدان الذي ذكرنا وذَكَر الحق -سبحانه وتعالى-؛ فهو على خطر.. إلى الكذب أقرب، ويُخشى أن يخرج من الدائرة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-! .
  • "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به"، -والعياذ بالله تعالى-،
  • "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"،
  • "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
    • سُقِيَ محبة النبي ﷺ من شيوخه ومن آبائه وممن اتصل به، فنال النصيب من هذا. فمن أجل الله أحب رسوله، ومن أجل الله ورسوله أحب الصحابة وأحب أهل البيت الطاهر وأحب المؤمنين عامتهم وخاصتهم خاصة. 

لا حقيقة للإيمان من دون محبة

  • ولا إيمان من دون محبة.. لا والله!، لا حقيقة للإيمان من دون محبة.
    • يا من انقطعت عن الله بحب نفسك منقطعا عن حقيقة محبتها من أجل الله -تبارك وتعالى-: ما عندك من الإيمان حقيقة!

 

خروجات عن حقيقة الإيمان

  • "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"،
  • "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن، ولا يَنْتَهِبُ نُهبةً من مال تُرفَع إليه فيها الأبصار وهو مؤمن"!.
  • هذه خروجات عن حقائق الإيمان والعياذ بالله تبارك وتعالى.

وأما مَن كان يبسط يده على أموال الأوقاف وأموال الغير ويأخذها فرحانا حصَّل له مساعدين من الدنيا ومن ذوي النفوذ: مَن بيساعدك في القبر؟ ومَن بيساعدك يوم القيامة؟ "من ظلم قيد شبر من أرض طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين"، (هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)[النساء:109].

  • نرجع إلى تحقيقات الإيمان، والدخول وسط هذا الميدان: (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ..)
    • وَصَفْته، شرحتُ خبره، ذكرتُ خلاله لكم (..الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ..)،
    • وهو لهذه الأمة الخيرية (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ)، فلا معروف إلا ما أمر به سيدنا المشرَّف.
    • (وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ)، فلا منكر إلا ما نهى عنه خير البشر.
    • (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ)، فلا طيِّب إلا ما أحلَّه في شريعته.
    • (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الأعراف:157]، فما حرَّم إلا خبيثا، وكل ما حرَّمه رسول الله فهو الخبيث.. في الأقوال، والأفعال، والمطعومات والمشروبات، والحركات والسكنات، كل ما حرمه فهو خبيث.

هذه الحقيقة. لو بغيت لك ميزانا واحدا مقطوعا عن ربَّك ما يساوي عند الله -سبحانه وتعالى- جناح بعوضة، ولا يساوي كلبا من الكلاب ولا غنمة من الغنم عند الله -تبارك وتعالى-. يجيب لك فلسفة يقول لك هذا كذا وهذا كذا، وهو وفلسفته طائح في جهنم! (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا..). قال الله كذبتم: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[البقرة:265]. وليس ما أحلّ كما ما حرَّم! كلامك ما ينفع أحدا، هل قولك (الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) ينفعك؟ هل يحول الربا حلالا؟ هل يُنجِّيك من بلايا الربا؟ ما ينفعك ذا الكلام. القول قوله (قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام:73].

 

الدعاء بالفضل العظيم

اجتمعتم على بابه، ولُذتم بأعتابه، في تبعية أحبابه وسيد أحبابه، له كل حمدٍ ومِنَّة، يقبلنا الله وإياكم، يقبلنا الله وإياكم. ولو عَلِموا ما يتنزَّل ما تركوا لنا مكانا، ولكنها قِسَم من عنده قسمها قبل التكوين، قبل الإيجاد، وما في اللوح فيه، رُفِعت الأقلام وجُفَّت الصحف.

على ذا مننتَ وهذا خذلتَ *** وهذا أعنتَ وذا لم تُعِنْ

خلقتَ العباد على ما أردتَ *** ففي العلم يجري الفتى والمُسِنْ

فاجعلنا ممن ارتضيتهم لقربك، وارتضيتهم لحبك، وارتضيتهم لرضوانك، وارتضيتهم للتبعية لنبيك، وارتضيتهم في أنصارك وأنصاره، اجعلنا من الذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ)[الأعراف:157]. اجعلنا كذلك يا الله، يا غوثاه، يا رباه.

وارحم من انتقل منا، وارحم من بقي منا، وارحمنا بالرحمة الواسعة في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، يا من وسعت رحمته كل شيء: خُصَّنا بفضلك العظيم، يا من اختص برحمته من يشاء: اجعل حظنا وافراً من الرحمة العامة والرحمة الخاصة، يا رحمن يا رحيم، يا منَّان يا كريم، يا ذا الإحسان القديم.

يا الله.. يا الله.. يا الله: أنت حسبنا ونعم الوكيل، لا تصرف منا أحداً من الحاضرين ولا ممن يسمع إلا وقد خلعت عليه خلعة قبول منك، وصدقِ إقبالٍ عليك، وأدبٍ معك، حتى يلقاك. آمين، آمين، آمين، يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201]، ولا تجعل قلبا مِنَّا يؤثر غيرك عليك، ولا يؤثر الدنيا على الآخرة، ولا يؤثر ما فيها على رضوانك وقربك.

يا الله .. يا الله: ادفع عنا القواطع والحُجَب والحائلات بيننا وبين التَّحَقُّق بين معرفتك الخاصة ومحبتك الخالصة. يا الله.. يا الله..يا الله، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا ذا القوة المتين. والحمدلله رب العالمين.

 

تاريخ النشر الهجري

30 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

20 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية